المهدي بن بركة

المهدي بن بركة (1920-30 أكتوبر 1965) سياسي مغربي معارض. اختفى في 30 أكتوبر 1965. كان المهدي بن بركة قائداً للمعارضة المغربية ومدافعاً عن قضايا العالم الثالث، وكان أستاذا جامعيا وواحداً من مؤسسي حزب الاستقلال كما أسهم أيضاً في إقامة الاتحاد الوطني للقوي الشعبية وحكم عليه بالإعدام غيابياً مرتين في المغرب التي هرب منها ليقيم مع عائلته في القاهرة وكان يدخل المغرب بين الحين والآخر سراً لمتابعة النضال السري ويسافر إلي أوروبا أيضاً، وقد اختطف في 29 أكتوبر عام 1965 أمام مقهى ليپ في باريس واتهم بعملية الاختطاف مسئولون أمنيون مغاربة بينهم وزير الداخلية الجنرال محمد أوفقير ومساعده مدير الأمن الوطني العقيد أحمد الدليمي، وذلك بمساعدة رجال أمن فرنسيين وأشخاص من عالم الجريمة المنظمة في فرنسا مثل جورج بوشسيش و أنطوان لوبيز ثم قتلوه بعد ذلك بفترة وجيزة، لكن لم يظهر له أثر بعد ذلك، ولم يتم العثور علي جثته حتي الآن.

المهدي بن بركة
المهدي بن بركة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

 
مقهى ليپ، پاريس، الذي اختطف بن بركة من أمامه.

ولد المعارض المغربي المهدي بن بركة عام 1920، وبدأ نشاطه السياسي مبكرا في حزب الاستقلال، وفي عام 1959 انفصل عن حزب وأنشأ الاتحاد الوطني للقوى الشعبية، ثم عين رئيساً للمجلس الوطني الاستشاري بسبب معارضته لسياسة الحكومة، اضطر للرحيل إلى جنيف، وبعد وفاة الملك محمد الخامس قرر العودة، وانتخب عام 1962 نائباً في الدار البيضاء، ولقي حتفه في 30 أكتوبر 1965، وجرت شائعات حول دور النظام السياسي في اختفائه.


اختفائه ومقتله

تعرض المعارض المغربي المهدي بن بركة للتعذيب بشكل وحشي قبل أن يقتله الجنرال محمد اوفقير ومساعده أحمد دليمي، بحسب شهادة جديدة أدلى بها عميل سري مغربي سابق وتنشرها في نهاية الأسبوع صحيفة "لوموند" الفرنسية ويوم السبت الأسبوعية المغربية باللغة الفرنسية "لو جورنال". وتستند المطبوعتان إلى شهادة العميل السري السابق أحمد بخاري الذي يقول أن المهدي بن بركة تعرض للتعذيب بشكل وحشي طوال ساعات عدة قبل أن يقتله الجنرال محمد اوفقير الذي كان في حينها وزيرا للداخلية في المغرب، ومساعده القومندان أحمد الدليمي. وبحسب هذه الشهادة الحافلة بالتفاصيل فإن المعارض المغربي لقي حتفه في الساعة الثالثة فجر يوم السبت 30 أكتوبر 1965 في إحدى الفيلات في فونتناي-لو-فيكونت بالقرب من باريس، وقد نقلت جثته إلى الرباط حيث أذيبت في خزان من الحمض (الاسيد).

ويقول أحمد بخاري أنه "قرر أن يتكلم حتى يعرف المغربيون، بدءا بعائلة بن بركة، بما حدث فعلا، لإظهار الحقيقة". وفي موضوعين متسلسلين يحملان عنوان "الحقيقة حول مقتل المهدي بن بركة في فرنسا"، بدأ نشرهما اليوم الجمعة، يؤكد ستيفن سميث من "لوموند" الفرنسية وأبو بكر جماعي وعلي عمار من "لوجورنال" المغربية أن أحمد بخاري كان في تلك الفترة، مساعدا مقربا جدا من محمد العشعاشي، الذي كان في تلك الفترة رئيسا لجهاز مكافحة التخريب في المغرب.

ونظرا لكون بخاري على اتصال دائم مع رئيسه الذي كان في الفيلا الفرنسية، فقد كان في موقع جيد للحصول على المعلومات من مصدرها مباشرة حول جريمة دولة ما زال الغموض يكتنف ظروف الإعداد لها وتنفيذها. وكان الملك المغربي الحسن الثاني اتخذ شخصيا قرار اختطاف بن بركة في 25 مارس 1965 في أعقاب انتهاء اضطرابات خطيرة في الدار البيضاء (على بعد 100 كلم جنوبي العاصمة) أدت إلى مقتل مئات الأشخاص، بينهم العديد من الشبان.

وبحسب شهادة أحمد بخاري فإن "العملاء المغربيين وشركاءهم الفرنسيين -من الشرطة والمرتزقة- تم تكليفهم باختطاف بن بركة ونقله حيا إلى المغرب". ولكن "خرج الوضع عن السيطرة في جنوبي باريس". ففي فيلا فونتنوي-لو فيكونت، حيث اقتيد بن بركة بعد أن أوقفه شرطيان فرنسيان أمام حانة في وسط باريس، وصل أحمد دليمي في بداية السهرة "مما أدى إلى تغيير المعطيات". فالرجلان كانا يعرفان بعضهما شخصيا ويكرهان بعضهما. ما إن دخل دليمي إلى الصالة، وهو كان قد حاول قتل بن بركة في 18 وفمبر 1962، "شتم رئيس المعارضة المغربية وكاد أن يخنقه عندما بدأ بالصراخ، وقعت في الفخ".

وتؤكد "لوموند" و"لوجورنال" أنه تم تقييد بن بركة بناء على طلب دليمي ثم قام ممرض بحقنه لكن الجرعة كانت قوية جدا: "غاب بن بركة عن الوعي".

عندئذ انقسم العملاء المغربيون إلى فئتين، واحدة تزعمها محمد العشعاشي تعارض تعذيب بن بركة وتريد نقله حيا إلى المغرب بينما الفئة الأخرى بزعامة أحمد دليمي أرادت تصفية حسابها مع المعارض، لكن وصول الجنرال اوفقير عند منتصف الليل " لم يضع حدا لتمادي مساعده، الذي أغضبه الصمت المطبق لبن بركة"، حيث قام دليمي بتعليق بن بركة بحبل، وأوثق يديه خلف ظهره بينما قام اوفقير بضرب بن بركة على صدره وظهره بخنجر مضلع، واستمرت عملية التعذيب ساعة كاملة، وعندما قرر محمد العشعاشي التدخل ودفع دليمي لتحرير المهدي بن بركة، كان قد فارق الحياة، بحسب شهادة بخاري، وفي الجزء الثاني من الموضوع المقرر نشره في 30 يونيو فان "لوموند" ستكشف الظروف التي تم خلالها نقل جثمان بن بركة إلى الرباط "وإذابته في خزان مليء بالحمض" (الاسيد).

وتعتبر قضية ابن بركة واحدة من أكثر المراحل القاتمة في تاريخ فرنسا الحديث، وقد تركت أثرها على العلاقات الفرنسية المغربية ولم يتم توضيح تفاصيلها الكاملة بتاتا، كما أن بشير بن بركة، أحد أبناء المهدي بن بركة، قال لفرانس برس إنه يعتبر ما نشر "مثيرا للاهتمام" لكنه "يطلب أن يتم تأكيده أمام القضاء".

وقال بشير بن بركة الذي يرأس معهد "المهدي بن بركة، الذاكرة الحية" أن "شهادة بخاري مثيرة للاهتمام لكونها المرة الأولى التي تأتي فيها المعلومات من داخل أجهزة الاستخبارات المغربية". واعترف أنه وجد هذه الشهادة " مؤلمة جدا في بعض الاحيان".

وأضاف بشير بن بركة أن " مجمل هذه الشهادة تحتاج إلى تأكيدها أمام القضاء ولنا ملء الثقة في القاضي جان باتيست بارلوس للحصول على تأكيدات حول كل ما نشر" مشيرا إلى أنه "يجب الاستماع إلى افادات شخصيات أخرى أيضا". ومن جهة أخرى ذكرت مصادر قضائية أن القاضي المكلف بملف قضية اختفاء ابن بركة سيطلع على هذين الموضوعين، ويمكن أن يستمع إلى بعض الافادات لاستيضاح بعض الأمور الواردة في الموضوعين. وكان القاضي بارلوس أطلق في كانون الثاني/يناير 2000 إنابة قضائية دولية في إطار توليه ملف اختفاء ابن بركة على الأراضي الفرنسية، وقام بزيارة المغرب في حزيران/يونيو 2001، وهي المرة الأولى التي تسمح فيها السلطات المغربية لقاض فرنسي بإجراء تحقيقات حول هذه القضية على الأراضي المغربية.

دور الموساد

يقول الكاتب الإسرائيلي رونن برگمان في كتابه انهض واقتل أولاً عن عملية قتل ابن بركة، أما الرواية الأكثر إثارة في عمليات القتل المتعمد التي كان الموساد يرتكبها والتي كادت تطيح برئيس الحكومة لڤي إشكول وبمدير الجهاز الإستخباري مئير عميت، فقد كانت عملية إغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة، التي يتكشف من خلالها حجم العلاقات الإستخبارية الإسرائيلية مع أول جهاز إستخباري عربي، ولسخرية الموقف، فقد كان هذا الجهاز هو الاستخبارات المغربية، أبان حكم الملك الحسن الثاني الذي قرر أن يرتمي في أحضان الموساد حماية لعرشه من المعارضة الداخلية. باع الحسن الثاني أسرار اجتماع القمة العربية المنعقد في الدار البيضاء عام 1965 للموساد عبر السماح للجهاز الإسرائيلي بزرع أجهزة تنصت وتسجيل في كل غرف وأجنحة قادة الوفود العربية والقادة العسكريين المرافقين لهم.

يقول رونن برگمان إن الكارثة التالية بعد عملية الأوروغواي والتي كانت قاب قوسين أن تحدث وتكلف كلاً من أشكول منصبه كرئيس حكومة وعميت منصبه كمدير للموساد، حصلت في 30 أيلول عام 1965، بعد يوم واحد من استلام الموساد كل أشرطة التنصت على الزعماء العرب في قمة الدار البيضاء بتنسيق مع المخابرات المغربية.

في 30 سبتمبر 1965، اتصل ضابط المخابرات المغربي أحمد الدليمي بجهاز الموساد وطالبهم بإيفاء الدين بأسرع ما يمكن، ففي عالم المخابرات لا هدايا مجانية. قال الدليمي لقادة الموساد: "أنتم جيدون بالقتل، نريدكم أن تقتلوا زعيم المعارضة المغربية المهدي بن بركة، إفعلوها". وكان ابن بركة قد نُفي من المغرب في مطلع الستينيات وحُكم عليه غيابياً بالموت، لكنه كان حريصاً جداً في تنقلاته ويستخدم أسماء وهمية، ما حدا بقادة المخابرات المغربية إلى مطالبة الموساد بالمساعدة في تحديد مكان وجوده وقتله. وهنا ينقل برگمان عن عميت قوله: "كنا عندها نواجه معضلة حقيقية فإما أن نساعد المغاربة ونغرق في أمور داخلية لا شأن لنا فيها أو نرفض التعاون ونعرض للخطر الإنجاز الوطني المحقق في الحصول على أشرطة التجسس على القادة العرب" (قمة الدار البيضاء).

يقول برگمان: لقد حاول عميت أن يظهر نفسه على أنه سار بين الخيارين كالسائر بين نقاط المطر عبر عدم الإنخراط المباشر بالقتل، ولكن مراسلات الموساد وتقاريره عن تلك الحقبة تظهر أن الجهاز الإسرائيلي إنخرط حتى النخاع في العملية برمتها.

يروي الكاتب تفاصيل عملية قتل ابن بركة قائلاً إن الموساد تمكن من تحديد متجر صغير (كيوسك) في مدينة جنيڤ السويسرية ترسل إليه الصحف والمجلات المخصصة لابن بركة. عبر المتجر أمكن تحديد مكان وجود ابن بركة. قضت خطة الموساد أن يُستدرج بن بركة إلى پاريس عبر شخص يزعم أنه صانع أفلام سينمائية مولع بقصص حياة المنفيين المغاربة وأنه مهتم جداً بإعداد فيلم وثائقي عن الموضوع. وقد أمّن الموساد للمغاربة في پاريس البيوت الآمنة وجوازات السفر المزورة والآليات ونوعين من السم المخصص للقتل من دون ترك أية آثار. وعندما أتى ابن بركة إلى پاريس في 29 أكتوبر 1965، إختطفه جهاز المخابرات المغربية بمساعدة ضابط فاسد في الشرطة الفرنسية وتم إقتياده إلى أحد بيوت الموساد الآمنة في العاصمة الفرنسية حيث أخضع لتعذيب وحشي قبل أن يموت مختنقاً بالمياه الآسنة التي كانوا يغرقون رأسه فيها.

  إختفاء بن بركة في پاريس على يد مجموعة ضباط من المخابرات المغربية وبعض المرتزقة الفرنسيين (ضباط في الموساد) إنفجرت في الصحف الفرنسية وإحتلت عناوينها وصفحاتها الرئيسية لوقت طويل، ما حدا بالرئيس الفرنسي شارل ديگول للإطاحة بمسؤولي مخابراته.  

يضيف برگمان، أن أياً من عناصر الموساد لم يكن موجوداً لحظة قتل ابن بركة لكنهم أخذوا على عاتقهم التخلص من جثته، فقام فريق من الموساد بنقل الجثة إلى غابة سانت جيرمان عند أطراف باريس حيث حفروا حفرة عميقة جداً ودفنوها هناك بعد أن رشوا عليها مسحوقاً كيميائياً يتفاعل بسرعة مع الماء فيجعل الجسد يتآكل. مباشرة بعد الدفن، أمطرت السماء بغزارة وعلى الأرجح أن ذلك لم يبق الكثير من جثة ابن بركة، ولكن عناصر الموساد حرصوا على نقل البقايا إلى مكان آخر يقع اليوم تحت أحد الطرق المؤدية إلى مؤسسة لوي فيتون الحديثة ويمكن أن يكون قد دفن تحت أساسات مبنى المؤسسة نفسها، بحسب الرواية التي ينقلها رونن برگمان عن أحد الذين شاركوا في تنفيذ العملية.

حرص مدير الموساد على إبلاغ لڤي أشكول بأن كل شيء سار على ما يرام في موضوع المهدي بن بركة، لكن الحقيقة أن لا شيء كان على ما يرام، فقضية اختفاء بن بركة في پاريس على يد مجموعة ضباط من المخابرات المغربية وبعض المرتزقة الفرنسيين (ضباط في الموساد) إنفجرت في الصحف الفرنسية وإحتلت عناوينها وصفحاتها الرئيسية لوقت طويل، ما حدا بالرئيس الفرنسي شارل ديگول للإطاحة بمسؤولي مخابراته ومحاكمة البعض منهم، وعندما رفض الملك الحسن الثاني أن يسلّم قادة أجهزة مخابراته للقضاء الفرنسي، أمر ديغول بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.

لم تمر واقعة قتل ابن بركة في إسرائيل بسلام أيضاً، إذ أنها فتحت باب المؤامرات والمؤامرات المضادة بين مراكز القوى في أجهزة الاستخبارات، ففي ذلك الحين كان إيسر هارئل الرئيس السابق للموساد قد أصبح مستشار أشكول للشؤون الاستخبارية، ولأن هارئل كان غاضباً من الطريقة المهينة لإطاحته من قيادة الموساد وكان يشعر بالحسد من نجاح عميت في هذا الموقع، فقد إستخدم الوثائق الإستخبارية التي تشرح تفصيلياً عملية قتل ابن بركة لخوض حربه ضد عميت. وفي تقرير مطول حول الموضوع أرسله إلى رئيس الحكومة، قال إيسر هارئل إن الموساد ومن خلاله دولة إسرائيل "تورطا في أعمال شتى من ضمنها عملية إغتيال سياسي لم يكن لإسرائيل مصلحة فيها ولا يجب أن يكون لديها مصلحة أيضاً، وبالتالي فإنني أعتقد أنه كان يجب عدم التورط في هكذا أعمال على الإطلاق". وطالب هارئل رئيس الحكومة بإقالة عميت من منصبه. رفض أشكول إقالة عميت، فإتهمه هارئل بالتورط شخصياً بعملية القتل، وطالبه بالإستقالة وهدّده بأن أصداء عملية الإغتيال هذه "قد تصل إلى الرأي العام وعندها ستلطخ سمعة حزب العمل (بزعامة أشكول) بالعار".

يقول برگمان إن ذلك لم يثن أشكول عن موقفه الداعم لعميت، ما حدا بهارئل إلى تسريب المعلومة إلى إحدى الصحف الصفراء التي تصدر أسبوعياً، ولكن الرقابة العسكرية منعت نشر الموضوع، فقام هارئل بإبلاغ عدد من كبار مسؤولي حزب العمل بتفاصيل العملية ودعاهم إلى الانتفاضة على زعامة أشكول. حاول هؤلاء المسؤولين إقناع گولدا مئير بقيادة الإنقلاب على أشكول، فوافقت گولدا مئير على ضرورة رحيل عميت لكنها قالت: "أُفضل أن أرمي نفسي في البحر قبل أن أتآمر عليه" (أشكول).

قرر الثنائي أشكول وعميت الرد على هارئل، فتقرر نبش تاريخ الأخير في أرشيف الموساد لدحض إدعاءاته التي يقول فيها إنه الراعي الأخلاقي للموساد. أخرج عميت من الأرشيف وثائق عملية الضابط البحري ألكسندر إسرائيلي الذي باع وثائق سرية للمخابرات المصرية عام 1954 (حينها كان إيسر هارئل مديراً للموساد) وقام عملاء الموساد حينها بقتله عن غير قصد بإعطائه جرعة منوم زائدة كانت تهدف إلى إفقاده وعيه قبل نقله من إيطاليا إلى تل أبيب ولكن مع موته تم رمي جثته بالبحر وقيل لعائلته أنه فرّ ليعيش في أمريكا الجنوبية.

أعطى عميت نسخة من وثائق العملية لضابط متقاعد في الموساد قام بدعوة صديقه الضابط هارئل إلى اجتماع وقال له: "برأيك ماذا ستكون ردة فعل الرأي العام إذا ما وصلت هذه الوثائق إلى الصحافة المفتوحة الشهية في هذه الأيام؟" فهم هارئل الرسالة وسارع بعدها بوقت قصير إلى الإستقالة.

يضيف الكاتب أن الدرس الذي تعلمه عميت من هذه العملية هو أنه: "علينا ألا نورط أنفسنا في أمور حساسة ما لم يكن لنا مصلحة مباشرة فيها.. ويجب ألا نقتل شخصاً إلا إذا كان وجوده يهدد مصالح إسرائيل، فعملية القتل هي إما أزرق أو أبيض في اشارة إلى علم إسرائيل".

ذكراه

 
النصب التذكاري لاختفاء المهدي بن بركة، أمام مقهى ليپ، في پاريس.

في 21 أغسطس 2016، فوجئ مجموعة من المغاربة الذين قاموا بزيارة مقهى “ليب” في شارع “سان جرمان” بالعاصمة الفرنسية باريس بعدم وجود نصب تذكاري كان قد أقيم للزعيم الإتحادي “المهدي بنبركة” الذي اختطف من أمام المقهى ولم يسمع عنه شيء منذ ذلك الوقت. الناشطة الحقوقية المغربية “وداد ملحاف” نشرت صورتين على صفحتها الفايسبوكية و قارنت بينهما قائلة ً ” الصورة الأولى التقطت قبل سنتين والصورة الثانية لزيارتي قبل أيام للعاصمة الفرنسية… استغربت إزالة النصب التذكاري للزعيم الاتحادي المهدي بنبركة”.

يذكر أن مقهى “ليب” بالعاصمة الفرنسية باريس له رمزية خاصة عند أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي حيث يعتبر مكاناً “مقدساً” فمن أمامه تم اختطاف زعيمهم الراحل و المعارض “المهدي بنبركة” في 29 أكتوبر سنة 1965.[1]

تهشيم نصبه التذكاري في جنڤيلييه

 
تهشيم النصب التذكاري لبن بركة في جنڤيلييه، ضاحية پاريس، 12 نوفمبر 2017.

وفي 12 نوفمبر 2017 قام مجهول بتحطيم لوحة تذكارية تحمل اسم بن بركة في جنڤيلييه، إحدى ضواحي باريس. نشر باتريك لوكليرك، عمدة المدينة، على صفحته بـ «تويتر»، إنه اكتشف هذا الأمر يوم السبت، وقال «اكتشفت أن اللوحة التذكارية للمهدي بن بركة تم تخريبها، وهذا أمر مدان». وأرفق العمدة، المنتمي للحزب الشيوعي الفرنسي، تدوينته بصورة للنصب التذكاري الذي تعرض للتخريب؛ إذ تم تكسيره إلى قطعتين، وقال «التخريب لم يُرفق بأي رسالة، ما يعني أن كل شيء ممكن. وسواء كان تخريبا غبيا أو تخريبا بدوافع سياسية، فهو أمر مرفوض ومدان». وأضاف العمدة باتريك لوكليرك أنه سيتقدم بشكاية حول الأمر وسيعمل على إعادة بناء هذه اللوحة التذكارية وتنظيم تجمع في مكانها؛ وذلك كما قال «لنبين أن هذا الفعل، سواء كان فعلا تخريبيا عاديا أو بدافع سياسي، أننا لا نقبله وندينه». وكانت هذه اللوحة التذكارية قد نُصبت في المدينة الصغيرة في شهر أكتوبر من عام 2014، بحضور البشير بن بركة، نجل المعارض المغربي الذي اختطف يوم اكتوبر 1965 أمام مقهى «ليب» بحي سان جيرمان في العاصمة الفرنسية من دون معرفة مصيره إلى حد الساعة. ونظم حقوقيون مغاربة في ذكرى اختطافه وقفة رمزية وسط العاصمة المغربية/ الرباط بمناسبة يوم المختطف الذي وافق الذكرى الـ 52 لاختطاف المهدي بن بركة وطالبوا الدولتين المغربية والفرنسية بتبيان حقيقة وملابسات اختطاف ابن بركة. وأصدر البشير نجل المهدي بياناً باسم العائلة ندد فيه بعملية تخريب اللوحة التذكارية لاختطاف والده وقال إن هذا الفعل الشنيع «يأتي مباشرة بعد الذكرى الـ 52 لاختطاف واختفاء والدي، وأيا كانت الأسباب وراء هذا الفعل فهو يزيد من غضب وألم عائلتي».

وأوضح بيان عائلة بن بركة، الذي أرسل لـ «القدس العربي» أن هذا الفعل «يزيد من غضبنا إزاء استمرار السلطات الفرنسية والمغربية في إعاقة عمل العدالة من أجل معرفة الحقيقة ومصير والدي»، وأضاف: «نحيي التفاعل السريع لرئيس بلدية المدينة باتريك لوكليرك، وسنشارك في المبادرات التي أعلن عنها من أجل إصلاح الأمر». ونقل موقع هسبرس عن البشير بن بركة إن عائلته لا تعلم حتى الآن الواقفين وراء هذا الحادث وأسبابه، وأن المسؤولين في البلدية تعهدوا بالقيام بكل ما يجب لإصلاح اللوحة التذكارية وقال إن هذا الحادث «مقلق ومزعج جداً لعائلة المهدي بن بركة. وكيفما كانت الأسباب، فهو أمر مقلق، لأنه يزيد من حزن العائلة التي تنتظر أكثر من 50 سنة لمعرفة الحقيقة».[2]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السينما

أمام مطعم ليب في شارع سان جيرمان، في قلب العاصمة الفرنسية، كان المناضل المغربي المهدي بن بركة علي موعد مع مخرج سينمائي فرنسي صباح 29 أكتوبر 1965، لاعداد فيلم حول حركات التحرر، تقدم رجلا شرطة فرنسيان من »بن بركة« وطلبا منه مرافقتهما في سيارة تابعة للشرطة. وبعد ذلك وحتي الآن اختفي أثر »بن بركة«، ورسمياً لم يعرف إلا ما أدلي به الشرطيان أمام إحدي المحاكم الفرنسية، حيث اعترفا بأنهما خطفا بن بركة بالاتفاق مع المخابرات المغربية وانهما اخذاه إلي فيلا تقع في ضواحي باريس حيث شاهدا الجنرال محمد اوفقير وآخرين من رجاله وان بن بركة توفي أثناء التحقيق معه وتعذيبه.

هذه الرواية متفق عليها من الأطراف المشاركة بالجريمة ومن عائلة بن بركة ورفاقه، لكن ما بعد ذلك لاتزال الروايات متعددة متباينة، وحتي الآن رغم مرور 40 عاما لا يعرف مصير جثمان بن بركة وأين دفن، وكل الروايات المتداولة في هذا الإطار قابلة للتصديق وكلها لا تحمل في نفس الوقت ما يؤكدها، فمشاركون في الجريمة قالوا ان الجثمان دفن علي نهر السين بالقرب من الفيلا التي كان محتجزاً بها، وأحمد البخاري العميل السابق للمخابرات المغربية قال عام 2001 ان الجثمان نقل بعد الاغتيال الي الرباط علي متن طائرة عسكرية مغربية وتمت اذابته في حوض من الأسيد في أحد المقار السرية للمخابرات المغربية، بينما صحف مغربية تحدثت قبل ما يقرب من العام عن أن الرأس فقط هو الذي تم نقله للرباط وقدم علي طاولة عشاء في أحد القصور الملكية، وقالت روايات أخري ان الجثمان كله نقل للرباط ودفن بباحة معتقل سري للمخابرات المغربية

وأيا كان مصير هذا المناضل الذي لايزال يشغل العالم بعد ما يزيد علي 40 عاما من رحيله وأيا كان مدي صحة أو زيف الروايات السابقة فإن فيلم »لقد شاهدت اغتيال بن بركة« للمنتج والمخرج الفرنسي سيرج لوبيرون، الذي عرض في حفل افتتاح مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي لم يبحث في مصير الجثمان وانما توقف عند الاختفاء، معتمدا علي وثائق فرنسية تم الافراج عنها من جانب وزارة الدفاع أخيرا في فرنسا عن السيناريو الفخ الذي نصب للزعيم المغربي وقام المخرج »لوبيرون« بنفسه بكتابة سيناريو الفيلم وشاركه في كتابته »فريدريك مورو«. الفيلم إنتاج مشترك بين فرنسا وإسبانيا والمغرب وبطولة نجوم السينما الفرنسية »سيمون أبكاريان« و»شارل بيرانج« و»جون بيارلو« ويتعرض لقضية الاغتيال السياسي الحاضرة بقوة في المشهد السياسي العربي الراهن فيما يجري من عمليات اغتيال مستمرة لقيادات وزعماء المقاومة سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان، وهو الفيلم الثاني عن بن بركة الذي لم يتم العثور علي جثمانه حتي الآن والذي سبق للمخرج الفرنسي ايف بواسيه ان اخرج عام 1972 فيلما عنه تحت عنوان »الاغتيال«.

تحكي أحداث »شاهدت اغتيال بن بركة« الذي أنجزه سيرج لوبيرون، بمساعدة المخرج المغربي سعيد السميحي وتم تصويره في فرنسا والمغرب مسألة اختطاف واعتقال واغتيال المهدي بن بركة، مستندة في ذلك الي الملفات المتعلقة بهذه القضية وإلي شهادات بعض من عاشوها من خلال قصة العثور في سكن باريسي علي جثة جورج فيغون الشخص الذي فجر قضية المهدي بن بركة، والذي كان قد بدأ يبحث قبل عام من مقتله عن تحقيق ضربة مربحة بالسر الكبير الذي كان مطلعا عليه حيث جندته المخابرات لإقناع المهدي بن بركة بأن مسئولين رسميين مغاربة كلفوه بإنجاز فيلم يتناول مرحلة زوال الاستعمار الفرنسي بالمغرب ليتبين بعد ذلك ان الأمر مجرد خدعة وأن الهدف من اللقاء تسهيل عملية اختطافه في العام 1965 وقام الممثل الفرنسي شارل بيرانج بدور فيجون الذي وجد مقتولا مطلع عام 1966 بعد أسبوع من نشره مقالة بصحيفة »لكسبريس« الفرنسية تحمل عنوان: »لقد شاهدت مقتل بن بركة« وأثبتت التحقيقات بعد ذلك أنه مات منتحرا بينما جسدت الممثلة المغربية »منى فتو« دور غيتة زوجة بن بركة، فيما أدي دور بن بركة الممثل الفرنسي سيمون ابكاريان، بينما قام جان بيارليو بدور المخرج فرانجو، وفيصل الخياري »الجنرال أوفقير« وعبداللطيف خمولي »أحمد الدليمي«.

المصادر

  1. ^ زنقة 20 (2016-08-21). "السلطات الفرنسية تزيل نصباً تذكارياً للزعيم الإتحادي 'المهدي بنبركة' من أمام مقهى 'ليب'". زنقة 20. {{cite web}}: Text "الرباط" ignored (help)CS1 maint: numeric names: authors list (link)
  2. ^ "السلطات الفرنسية تزيل نصباً تذكارياً للزعيم الإتحادي 'المهدي بنبركة' من أمام مقهى 'ليب'". صحيفة القدس العربي. 2017-11-12.