الحكم الثلاثي الثاني

الحكم الثلاثي الثاني Second Triumvirate هو الاسم الذي أعطاه المؤرخون للتحالف السياسي الرسمي لكل من گايوس يوليوس قيصر اوكتاڤيانوس (لاحقاً أغسطس), ماركوس أميليوس لـِپيدوس, و ماركوس أنطونيوس, الذي تشكل في 26 نوفمبر 43 ق.م.. وقد كان هناك مدتين كل منهما خمسة أعوام, غطت الفترة من 43 ق.م. – 33 ق.م.

ANT AV · III VIR RPC على هذا الديناريوس الذي صكه ماركوس أنطونيوس ليدفع رواتب جنوده. على الوجه المقابل, راية الفيلق الثالث ببرقة.

وعلى غير ما كان عليه "الحكم الثلاثي الأول" الأكثر شهرة, فالحكم الثلاثي الثاني كان مؤسسة رسمية (وإن تعدت الدستور), وقد حظت سلطاته الهائلة في الدولة الرومانية بمباركة قانونية كاملة و whose imperium maius فاقت مكانتها مكانة كل magistrates الآخرين, بما فيهم القناصل.

تحالف ماركوس أنطونيوس إثر اغتيال قيصر مع اوكتاڤيانوس و لـِپيدوس مكونين التريومڤيراتوس الثاني (43-33 ق.م.). انحلّ التريومڤيراتوس سنة 33 ق.م. وأزيح لپيدوس عن ساحة الأحداث بينما أدت الاختلافات بين اوكتاڤيانوس وماركوس أنطونيوس إلى نشوب حرب أهلية سنة 31 ق.م. انتهت بهزيمة هذا الأخير وحليفته كليوپاترا السابعة في معركة أكتيوم البحرية انتحر على إثرها ماركوس أنطونيوس وذلك سنة 30 ق.م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التفاصيل

وجاء في أواخر مارس عام 44 عبد محرر إلى أپولونيا Appolonia من أعمال إليريا Illyria حيث كان اكتافيانوس مع جيشه يحمل إليه نبأ مقتل قيصر ووصيته.

وارتاع اكتافيانوس، الشاب المرهف الحس، لجحود الناس وكفرهم بنعم المنعم عليهم، وثار في نفسه كل ما كان كامناً فيها من حبه لأخي جدته الذي كان يعزه أعظم إعزاز، والذي كان يعمل جاهداً لإقامة صرح الدولة المحطمة. وعقد النية في صمت على أن يواصل جهود قيصر وأن ينتقم من قاتليه. ثم ركب من فوره إلى شاطئ البحر وعبره إلى برنديزيوم وأسرع إلى رومه؛ وأشار عليه أقاربه فيها أن يظل مختفياً عن الأنظار لئلا يهلكه أنطونيوس، ونصحته والدته ألا يقوم بعمل من الأعمال ولكنها ابتهجت حين سخر من هذه النصيحة. وكان كل ما أشارت به عليه أن يصبر كلما كان الصبر في مقدوره، وأن يلجأ إلى الختل بدل الحرب السافرة، وقد عمل بهذه النصحية الحكيمة إلى آخر أيامه.

وتوجه اكتافيانوس لزيارة أنطونيوس وسأله عما هو فاعل بقتلة قيصر. وهاله أن يرى أنطونيوس مشغولاً بإعداد جيش يزحف به على دسمس بروتس، لأنه أبى أن يتخلى عن بلاد غالة الجنوبية؛ وطلب إلى أنطونيوس أن يوزع ما تركه قيصر حسب وصيته، وخاصة ذلك الجزء الذي يوصي بإعطاء كل مواطن خمسة وأربعين ريالاً. غير أن أنطونيوس وجد أسباباً كثيرة تدعو إلى تأخير تنفيذ الوصية، فما كان من أكتافيان إلا أن وزع على جنود قيصر القدامى أموالاً استدانها من أصدقاء قيصر وأعد بنفسه جيشه.

وإغتاط أنطونيوس من وقاحة هذا "الولد" على حد قوله. وأعلن أن بعضهم قد حاول قتله، وأن الذي كان يريد اغتياله قد قال إن اكتافيان هو المحرض له. وأنكر اكتافيان هذه التهمة، وقال إنه برئ منها، وانتهز شيشرون فرصة هذا النزاع وأدخل في رومه أكتافيان أن أنطونيوس فظ غير مهذب يجب أن يهزم. ووافق أكتافيان على هذا الرأي، وضم فيلقيه إلى فيالق القنصلين هرتيوس Hirtius وبنسا Pansa، وزحف بها كلها شمالاً لقتال أنطونيوس. وأمد شيشرون هذه الحرب الأهلية الجديدة بطائفة من الاتهامات المقذعة ضمنها أربع عشرة "فلبة قوية" في الطعن على سياسة أنطونيوس العامة وحياته الخاصة، ألقى بعضها في مجلس الشيوخ أو في الجمعية، ونشر بقيتها للدعاوة ضد أنطونيوس على أحسن الصور التي صارت الدعاوة الحربية تنشر بها في مستقبل الأيام. ولما التقى الجيشان في موتينا Mutina (مودينا Modena) هزم أنطونيوس وفر من الميدان (44)؛ ولكن هرتيوس وبنسا قتلا في المعركة. وعاد أكتافيان إلى رومه وأصبح القائد الأوحد لفيالق مجلس الشيوخ وفيالقه هو، وأرغم المجلس وهو مؤيد بهذه القوة على أن يعينه قنصلاً، وأن يلغى العفو الذي أصدره عن المتآمرين وأن يحكم عليهم جميعاً بالإعدام. ولما تبين له أن شيشرون ومجلس الشيوخ من ألد أعدائه، وأن كل ما في الأمر أنهما يتخذانه أداة مؤقتة للقضاء على أنطونيوس لما تبين له هذا سوى النزاع القائم بينه وبين أنطونيوس، وكون منه ومن أنطونيوس ولبدس الحكومة الثلاثية الثانية. (43- 33 ق.م)، ثم زحفت جيوشهم المتحالفة على رومه واستولت عليها دون أن تلقى مقاومة، وفر كثون من الشيوخ ومن المحافظين إلى جنوبي إيطاليا والى الولايات الخارجية، واعترفت الجمعية بهذه الحكومة الثلاثية، وخولتها سلطات كاملة مدى خمسة أعوام.

ولكي يستطيع الحكام الثلاثة أداء رواتب جنودهم، وملء خزائنهم، والانتقام من قتلة قيصر، بسطوا على رومه حكماً لا يماثله في تاريخ الرومان كله حكم آخر في الإرهاب وسفك الدماء. فقد أعدوا قوائم تحتوي على أسماء من لابد من إعدامهم، وكانوا ثلاثمائة من الشيوخ، وألفين من رجال الأعمال، وعرضوا على كل حر يأتيهم برأس واحد من هؤلاء 25.000 درخمة (15.000 ريال أمريكي)، وعلى كل عبد 10.000(4). وأضحى امتلاك المال جريمة يعاقب عليها بالإعدام فكانوا يحكمون بقتل الأطفال الذين يرثون مالاً، وينفذون فيهم الحكم، وكان ينتزع من الأرامل ما يرثنه من الأموال، وقد أرغمت 14.000 امرأة على أن ينزلن للحكام الثلاثة عن الجزء الأكبر من أملاكهن، ثم استولوا آخر الأمر على الأموال المدخرة المودعة عند "العذارى الفستية". وقد عفوا عن أتكس لأنه ساعد من قبل فلفيا Fulvia زوجة أنطونيوس، ولكنه رغم اعترافه بهذا الفضل أرسل مبالغ طائلة من المال إلى بروتس وكاسيوس. وأقام الحكام الثلاثة جنودهم حراساً على كل مخارج المدينة، واختبأ المحكوم بإعدامهم في الآبار والبالوعات والحجر العليا في الدور والمداخن. ومنهم من ماتوا وهم يدافعون عن أنفسهم، ومنهم من أماتوا أنفسهم جوعاً أو شنقاً أو غرقاً، ومنهم من قفزوا من فوق الأسطح أو ألقوا أنفسهم في النار. ومن الناس من قتل خطأ، ومن غير المحكوم عليهم من انتحروا فوق أجسام من قتلوا من أقاربهم. وكان التربيون سلفيوس Salvius يعلم أنه من المقتضي بإعدامهم، فأقام وليمة وداع لأصدقائه، ودخل عليه رسل الحكام الثلاثة في أثناء الوليمة، وقطعوا رأسه وتركوا جسمه أمام المائدة، وأمروا المدعوين أن يستمروا في طعامهم وشرابهم. وانتهز العبيد هذه الفرصة للتخلص من سادتهم، ولكن كثيرين منهم قضوا نحبهم وهم يدافعون عن ملاكهم، وقد تخفى واحد منهم في زي سيدة وقتل بدلاً منه. ومات بعض الأبناء دفاعاً عن آباءهم، ونم بعضهم على آباءهم ليرثوا نصيباً من أموالهم. ومن الزوجات الزانيات أو اللاتي خانهن أزواجهن من نمي عليهم، وأنقذت زوجة كوبونيوس Coponius بعلها بالنوم مع أنطونيوس. وكانت ففيا زوجة أنطونيوس قد حاولت أن تشتري منزل جارها رفوس Rufus، فأبى ذلك عليها ثم حاول في ذلك الوقت أن يقدمه لها هبة من غير ثمن، ولكنها استطاعت أن تضع اسمه بين أسماء المحكوم بإعدامهم، فلما قطع رأسه أمرت به فدق بالمسامير على باب بيته الأمامي(5).

ووضع أنطونيوس اسم شيشرون بين الأسماء الأولى من المحكوم عليهم. وذلك لأن أنطونيوس كان زوج أرملة كلوديوس، وابن زوجة لنتولس الكتاليناري Lentulus the Catallnarian الذي قتله شيشرون في السجن، وقد ساءه بحق ما احتوته "فلبات" شيشرون من تجريح وطعن شديد. وعارض أكتافيان في هذا ولكنه لم يستمر طويلاً في معارضته، ذلك أنه لم يكن في وسعه أن ينسى تمجيده لقتلة قيصر،كما لم ينس العبارة التي قالها للمحافظين يبرر بها مغازلته لوريث قيصر وما فيها من تورية. وحاول شيشرون الفرار، ولكنه لم يتحمل دوار البحر فغادر المركب وقضى الليل في بيته في فورميا Formiae؛ وأراد أن يقضي فيه اليوم الثاني في انتظار مقتله لأن ذلك في نظره خير من البحر الهائج المضطرب، ولكن عبيده دفعوه إلى داخل هودج، وساروا به نحو السفينة، وبيناهم في طريقهم إذ أقبل عليهم جنود أنطونيوس. وأراد العبيد أن يقاوموهم ولكن شيشرون أمرهم أن يضعوا الهودج على الأرض ويستسلموا. ثم مد الرجل رأسه "وجسمه يعلوه العثير، وشعر رأسه ولحيته منفوش، ووجهه قد أضناه القلق والتعب"، حتى يسهل على الجنود قطعه (42). وكانت أوامر أنطونيوس تقضي بأن تتقطع أيضاً يده اليمنى.

فقطعت وجيء بها مع رأسه غليه. وضحك أنطونيوس ضحكة الفوز، ووهب القتلة 250.000 درخمة، وأمر بتعليق الرأس واليد في السوق(8).

وفي أوائل عام 42 عبر الحكام بقواتهم البحر الأدرياوي واخترقوا مقدونية إلى تراقيا حيث جمع بروتس وكاسيوس آخر الجيوش الجمهورية، واستعانا على تموينه بالمال ينتزعونه بطرق لا تماثلها في قسوتها حتى السوابق الرومانية. فقد طلبا من الولايات الشرقية للإمبراطورية ضرائب عشر سنين مقدماً، وحصلا بالفعل على تلك الضرائب. ولما أظهر أهل رودس شيئاً من المعارضة في هذه المطالب هاجم كاسيوس ثغرهم العظيم، وأمر الأهلين جميعهم بتسليم ثروتهم، وقتل كل من تردد منهم، وحمل معه عشرة ملايين ريال أمريكي. وفي قليقية أنزل جنوده في بيوت طرسوس Tarsus، ولم يبارحوها حتى أدت إليه تسعة ملايين ريال، ولم يستطع السكان أداء هذا المال حتى باعوا بالمزاد جميع أراضي البلدية، وصهروا جميع آنية الهياكل وحليها، وباعوا كل الأحرار عبيداً- فباعوا أولاً الأولاد والبنات، ثم النساء والشيوخ، وباعوا آخر الأمر الشبان. وانتحر الكثيرون من الأهلين حين علموا أنهم بيعوا. وجمع كاسيوس من بلاد اليهود أربعة ملايين ريال، وباع سكان أربع من المدن عبيداً. ولم يتحرج بروتس أيضاً عن جمع المال بالقوة، من ذلك أنه رفض سكان أكسانثوس Xanthus من أعمال ليثيا مطالبه حاصرهم حتى نفذت مؤونتهم ولم ينفذ عنادهم فانتحروا جميعاً(9). وأطال بروتس المكث في أثينا لحبه الفلسفة؛ ولكن المدينة كانت غاصة بالشبان الرومان النبلاء الذين كانوا ينادون بالحرب التي تعيدهم إلى أوطانهم. ولما أن جمع بروتس كفايته من المال طوى كتبه وانضم بجيوشه إلى كاسيوس ونزل إلى الميدان.

والتقت جيوش الطرفين المتقاتلين في فلباي في شهر سبتمبر من عام 42. وزحف جناح بروتس على جناح أكتافيان وزحزحه عن موضعه واستولى على معسكره، ولكن جيوش أنطونيوس هزمت جيوش كاسيوس هزيمة منكرة. وأمر كاسيوس حامل درعه أن يقتله ففعل. ولم يستطع أنطونيوس أن يواصل انتصاره على الفور؛ لأن المرض أقعد أكتافيان فلزم خيمته واختل نظام جيشه، فاضطر أنطونيوس إلى إعادة تنظيم الجيش كله. وبعد أن استراح بضعة أيام قاده لقتال بروتس، وأوقع بمن بقي من الجيوش الجمهورية هزيمة ولوا على أثرها الأدبار. ورأى بروتس رجاله يستسلمون فأدرك- ولعله قد سره أن يدرك- أنه خسر كل شيء، فألقى بنفسه على سيف صديق له ومات.

ولما أقبل أنطونيوس على جثته غطاها بثوبه الأرجواني؛ فلقد كان هو وبروتس صديقين في يوم من الأيام.


انظر أيضاً

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.