الحرب التركية الكبرى

(تم التحويل من الحرب التركية العظمى)

الحرب التركية الكبرى Great Turkish War أو حرب العصبة المقدسة (تركية: Kutsal İttifak Savaşları) هي سلسلة من النزاعات بين الدولة العثمانية والقوى الأوروپية المعاصرة]]، المتحدة تحت اسم العصبة المقدسة، في العقود الأخيرة من القرن السابع عشر.

الحرب التركية الكبرى
Great Turkish War
جزء من الحروب العثمانية الهابسبورگية, الحروب الپولندية العثمانية، الحروب العثمانية البندقية والحروب الروسية التركية.
Juliusz Kossak Sobieski pod Wiedniem.jpeg
سوبيسكي في ڤيينا رسم جوليوز كوساك
التاريخ1683–1699
الموقع
النتيجة انتصار حاسم[1] للعصبة المقدسة ، معاهدة كارلويتز
التغيرات
الإقليمية
فازت النمسا بأراضي في المجر والبلقان، فازت پولندا بالسيطرة على أجزاء من أوكرانيا، وأسقطت روسيا أزوڤ، وأسقطت البندقية المورة.
المتحاربون


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية (1667–1683)

إن في فيينا اليوم من الجمال ما يصعب معه علينا أن نتصور حالها عقب حرب الثلاثين، صحيح أن النمسا لم تقاس ما قاسته ألمانيا من ويلاتها، ولكن خزانتها نضبت، وجيوشها تهلهلت، وهبط صلح وستفاليا بسمعة الأباطرة وقوتهم. على أن ظرفاً واحداً كان في صفها. ذلك أن ليوبولد الأول خلف أباه فرديناند الثالث على العرش الإمبراطوري في 1658 وظل متربعاً عليه طوال سبعة وأربعين عاماً، ومع أن هذا الحكم الطويل سمع العثمانيين يقرعون أبواب فيينا مرة أخرى، فإن النمسا أخذت تفيق من كبوتها سريعاً. وكان ليوبولد ملكاً على الإمارات الألمانية اسماً لا فعلاً، ولكنه كان الملك الفعلي لبوهيميا وغربي المجر، وكان يحكم دوقيات استيريا، وكارنثيا، وكارنيولا، وكونتية التيرول. ولم يكون بالحاكم العظيم، كان يكد ويكدح بشعور الواجب في الإدارة وتشكيل السياسة، ولكنه افتقر إلى الرؤية البعيدة التي أوتيها أسلافه من آل هابسبورج، فلم يرث منهم غير لاهوتهم وشكل ذقونهم. وكان قد درب أصلاً للكهانة، ولم يفق قط حبه لليسوعيين، أو ينحرف كثيراً عن إرشادهم. ومع أن أخلاقه الشخصية كانت نقية لا عيب فيها، فإنه قبل المبدأ الذي يحتم جعل جميع رعاياه كاثوليكاً، ونفذ سياسته بأوتقراطية صارمة في بوهيميا والمجر. وكان ميالاً إلى السلم، ولكنه أكره أو سيق إلى سلسلة من الحروب بسبب اعتداءات لويس الرابع عشر والعثمانيين. وقد وجد فيهما بين عمليات إراقة الدماء هذه وقتاً للشعر والفن والموسيقى، ألف الموسيقى بنفسه، وشجع الأوبرا في فيينا، فعرضت بها أربعمائة أوبرا جديدة في السنين الخمسين التالية لاعتلائه العرش. ويدلنا نقش يرجع إلى عام 1667 على أن المدينة كانت تملك دار أوبرا فخمة، ذات ثلاثة صفوف من الألواج، وكل مقعد فيها مشغول. وهكذا نرى أن هذه الدعامة المبهجة للغناء قديمة جداً.

وعلينا أن ننظر إلى النمسا في هذا العصر على أنها المدافع عن الغرب ضد تركيا المنبعثة من جديد، المعذبة بعداء أشد حكام الغرب بأساً، فقد عاق صراع العالم المسيحي مع العالم الإسلامي وشوشه ذلك النزاع القديم بين الهابسبورج وفرنسا. وزادت المجر المشكلة تعقيداً، لأن ثلثها الغربي فقط هو الذي خضع لحكم الإمبراطور، وكان جزء منه بروتستانتياً يتوق إلى التحرر. وكان للمجريين مشاعرهم القومية الخاصة بهم، والتي يغذوها أدبهم وما توارثوه من تقاليد يعتزون بها عن هونيادي يانوش وماتياس كورفينوس، وكان ميكلوس زريني قد نشر قبيل هذه الفترة (1651) ملحمة تفيض بحب الوطن. وكان المجريون الذين أهانهم وظلمهم الحكم النمساوي والتسلط الكاثوليكي تحدثهم نفوسهم بالترحيب بالعثمانيين حين قرر هؤلاء محاولة فتح المجر كلها.

وقد أوقفت سلسلة من الوزراء العثمانيين الأقوياء اضمحلال تركيا، وعاودوا إرهاب الغرب. ومن علامات الانتعاش إن شاعراً تركياً فحلاً اسمه "نبي" راح يتغنى بمديح الوزراء الذين أعقدوا عليه المال، علامة أخرى أن المال والوذوق والورع التركي-كلها تضافرت لتشيد جامع يني-وليدي البديع في اسطنبول (1651-80). وعين السلطان محمد الرابع محمد كوبريلي صدراً أعظم (1656)، استهل وهو في السبعين من عمره نصف قرن من الحكم تربعت فيه أسرته الألبانية على دست الوزارة، ولم يدم استيزاره أكثر من خمس سنوات، ولكن في هذه الوزارة الخماسية أعدم بأمره 36.000 شخص لجرائم تتفاوت من السرقة إلى خيانة الدولة، وكان كبير جلاديه يشنق ثلاثة كل يوم في المتوسط. وأكره الخوف من العقاب المفسدين في الإدارة ودساسي الساسة في الحريم على الاعتدال، وأعيد النظام إلى الجيش، وخفف باشوات الولايات من استقلالهم واختلاساتهم. فلما تمرد جورج راكوكزي الثاني، أمير ترانسلقانيا، على السيادة العثمانية، اكتسح كوبريلي حركة التمرد بجيش يقوده بنفسه، وخلع راكوكزي، وفرض على البلاد تعويضاً باهظاً، وزاد الجزية التي تدفعها ترانسلقانيا للسلطان سنوياً من خمسة عشر ألف فلورين إلى خمسين ألفاً.[2]

وخلف هذا السبعيني الرهيب في الوزارة ابنه أحمد كوبريلي. فلما نشبت ثورة أخرى في ترانسلڤانيا بقيادة يوحنا كيمينيي، عززها ليوبولد بعشرة آلاف مقاتل يقودهم قائد فذ من قواد ذلك العصر هو الكونت الإيطالي ريموندو دي مونتيكوكولي. ورد أحمد بالزحف بجيش عدته 120.000 مقاتل تحت قيادته حاول به استكمال فتح المجر. وطلب ليوبولد المعونة، واستجابت الولايات الألمانية، البروتستنتية والكاثوليكية على السواء، بالمال والرجال، وأسهم لويس الرابع عشر بأربعة آلاف جندي بعد أن تخلى عن تحالفه مع العثمانيين. ولكن المقاومة بدت أمراً ميئوساً منه حتى بعد هذا كله، وتوقعت أوربا سقوط فيينا، واستعد ليوبولد للرحيل عن عاصمته. وكانت قوات مونتيكوكولي أقل كثيراً من قوات العدو ولكنها أفضل تزوداً بالمدافع. ولم يجرؤ على لقاء الترك في أرض مكشوفة تعطي ميزة للكثرة العددية، فناورهم ليحاولوا عبور نهر رابا عند زنتجوتهارد، على نحو ثمانين ميلاً جنوبي فيينا، وهاجم كل كتيبة تركية بمجرد وصولها إلى ضفة النهر اليسرى. وكتب النصر لإستراتيجته، وللبطولة الفذة التي قاتل بها أفراد الفرقة الفرنسية (أول أغسطس 1664)، في معركة أنقذت أوربا مرة أخرى من أن يغرقها طوفان المسلمين.

ولكن، كما ترك انتصار ليبانتو قبل قرن من الزمان (1571) العثمانيين محتفظين بقوتهم مفيقين بسرعة من كبوتهم، فكذلك اضطر الإمبراطور، بسبب قدرتهم على تعويض خسائرهم، وجيشهم الذي ما زال محتفظاً بضخامته، وعدم ثقة ليوبولد بحلفائه التواقين إلى العودة لأوطانهم-اضطر إلى أن يبرم مع السلطان هدنة تمتد عشرين عاماً (10 أغسطس 1664)، ترك بمقتضاها معظم المجر تحت حكم الترك، واعترف فيها ليوبولد بالسيادة التركية على ترانسلقانيا، ودفع للسلطان "هدية" بلغت 200.000 فلورين. أما أحمد كوبريلي، الذي خسر المعركة وكسب الحرب، فقد عاد إلى القسطنطينية مكللاً بالغار.

وأنهى هجوم لويس الرابع عشر على الأراضي المنخفضة (1667) مؤقتاً اتحاد العالم المسيحي ضد الترك. وفي 1669 تولى أحمد قيادة الحصار الطويل لكريت، وأكره البنادقة على تسليم الجزيرة، وسيطر الأسطول التركي مرة أخرى على البحر المتوسط. ولم يشعر حاكم غير يوحنا سوبيسكي، ملك بولندة، بأن لديه من الرغبة القوية ما يغريه بقهر تركيا. وقد أعلن عن هدفه في شجاعة فقال إن "مقارعة الهمجي غزواً بغزو، ومطاردته من نصر إلى نصر، على ذلك الحد نفسه الذي لفظه من أوربا... والقذف به إلى موطنه في الصحاري، وإبادته، وإقامة إمبراطورية بيزنطية على أنقاضه، هذه المغامرة وحدها هي الجديرة بأن تسمى مسيحية، إنها دون غيرها السامية الحكيمة(15)". ولكن ليوبولد شجع الترك على مهاجمة بولندة، ولويس حرضهم على مهاجمة ليوبولد(16).

ومات أحمد كوبريلي في 1676 وقد أنهك قواه وهو بعد في الحادية والأربعين الكثير من الهزائم الرائعة، بعد أن خسر "معارك فاصلة" ومد الأملاك التركية إلى أوسع مداها الأوربي. وخلع السلطان محمد الرابع منصب الوزارة على صهره قره مصطفى، الذي أبهج لويس الرابع عشر بوعده بتجديد الحرب على النمسا(17). وشج قره نشوب ثورة (1678) قام بها الوطنيون المجريون بزعامة إمري توكولي، الذي ساءه قمع النمسا العنيف للروح القومية وللبروتستنتية في المجر النمساوية، حتى حمله هذا على عرض الاعتراف بالسيادة التركية على جميع أرجاء المجر إذا دعم الأتراك ثورته. أما ليوبولد فقد أقلع بعد فوات الوقت، عن سياسة القمع وأعلن التسامح الديني في المجر. وأرسل لويس الرابع عشر المدد المالي إلى توكولي(18)، ووعد سوبيسكي بالاستيلاء على سيليسيا والمجر إذا ربط بيو بولندة وفرنسا في حلف ضد الإمبراطور. أما ليوبولد فلم يكن في وسعه أن يعد سوبيسكي بأكثر من أرشيدوقة عروساً لابنه، وبتعهد بتأييد جهود سوبيسكي لجعل العرش البولندي في فرعه من الأسرة المالكة. ولسنا نعرف على التحقيق دوافع الملك إلى المبادرة بمساعد النمسا على العثمانيين، وكل ما نستطيعه أن نقول إنها كانت من أعجب وأخطر الأحداث في التاريخ الحديث.


الحرب

أحس قره مصطفى أن الخصومات بين الهابسبورج والبوربون، وبين الكاثوليكية والبروتستنتية، تتيح له فرصة الاستيلاء على فيينا، وربما على أوربا بأسرها. وكان الترك يفاخرون بأنهم حولوا القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية الشرقية قلعة إسلامية في القرن الخامس عشر، وحولوا كنيسة القديسة صوفيا جامعاً، فكذلك أعلنوا الآن أنهم لن يقفوا حتى يفتحوا روما ويربطوا خيلهم في صحن كنيسة القديس بطرس(19). وفي 1682 حشد قره مصطفى في أدرنة قواته ومؤنه التي أتته من الجزيرة العربية والشام والقوقاز وآسيا الصغرى وتركية أوربا، وتظاهر أنه يخطط للهجوم على بولندة. وفي 31 مارس 1683 وبدأ السلطان والصدر الأعظم زحفهما الطويل على فيينا. وكان الجيش كلما تقدم يضم إليه الإمداد من كل ولاية تركية في طريقه، فانضمت إليه فرق من الأفلاق، وملدافيا، وترانسلقانيا، حتى إذا بلغ أوسييك (اسزيك) على الدرافا كان يعد 250.000 مقاتل، ويحوي بين صفوفه الإبل والفيلة والمؤذنين والأغوات والحريم(20). هناك أذاع توكولي إعلاناً دعا فيه المسيحيين المحيطين بالمنطقة إلى عدم الهجوم على النمسا، وأمنهم على حياتهم وأملاكهم، ووعدهم بحرية العبادة في حمى السلطان. ففتح الكثير من المدن أبوابه للغزاة.

 
حصار ڤيينا - يوزف برانت Leh kuvvetlerini Osmanlı esir ve ganimetleriyle Viyana'dan dönerken tasvir eden tablosu.

وعاد ليوبولد يستغيث بالإمارات الألمانية ولكنها تباطأت. ووضع جنوده البالغ عددهم 40.000 تحت إمرة شارل الخامس دوق اللورين، الذي وصفه فولتير بأنه أنبل أمير في العالم المسيحي(21). وترك شارل حامية من 13.000 رجل في فيينا، ثم تقهقر إلى تولن، حيث انتظر وصول البولنديين. وفر ليوبولد إلى باساو، ولامه شعبه لأنه لم يعد عاصمة ملكه للحصار المرتقب منذ زمن طويل. فلقد كانت حصونها مهدمة، وحاميتها لا تبلغ عشر العدد الزاحف. وفي 14 يوليو ظهر الأتراك أمام المدينة. وبعث ليوبولد إلى سوبيسكي يرجوه أن يأتي فوراً قبل أن تصل مشاته البطيئة الحركة قائلاً "إن اسمك وحده، الذي يرهبه العدو كثيراً، كفيل بالنصر(22)". وأقبل سوبيسكي بثلاثة آلاف فارس. وفي 5 سبتمبر وصلت مشاته وعدتهم 23.000 مقاتل. وبعد يومين وصل 18.000 مقاتل من الولايات الألمانية، فأصبح عدد جيش المسيحيين الآن 60.000. ولكن فيينا كانت آنذاك تتضور جوعاً، وقلاعها تتهاوى تحت نيران المدفعية التركية، فما هو إلا أسبوع آخر من الحصار حتى تسقط المدينة.

وفي صباح 12 سبتمبر الباكر، هاجم المسيحيون-الذين كانوا الآن تحت قيادة سوبيسكي العليا-الأتراك المحاصرين. ولم يكن قره مصطفى يصدق أن البولنديين آتون، ولا أن القوات المسيحية ستهجم أولاً، فلقد رتب كل شيء للحصار لا للمعركة، وزين ضباطه خنادقهم، بقطع النسيج المرسوم والقرميد، أما هو فزود خيمته بالحمامات، والنافورات، والحدائق، والمحظيات. وأخذ خيرة جنده على غرة في خنادقهم، فمزقوا إرباً إرباً. وشاعت الفوضى في جيشه المخلط الذي جمعه من ولايات لا يثير حماستها ولاء السلطان البعيد، أمام المسيحيين الذين ألهمهم الشعور بأنهم ينقذون أوربا والمسيحية. وبعد ثماني ساعات قطع الظلام القتال. فلما بزغ الفجر الجديد وجد المسيحيون الذين ما زالوا غير واثقين من النصر-لشدة فرحهم-أن الأتراك قد لاذوا بالفرار مخلفين وراءهم 10.000 قتيل ومعظم معدات الجيش في المعسكر. أما المسيحيون ففقدوا 3.000 رجل.

 
Macaristan haritası üzerinde Osmanlı kaleleri ve stratejik noktalar.

وأراد سوبيسكي أن يطارد الترك، ولكن الجنود البولنديين رجوه أن يسمح لهم بالعودة إلى وطنهم بعد أن أدوا مهمتهم. ودخل الملك الظافر فيينا وكتدرائيتها ليقدم الشكر لله، وفي طريقه هتف له الشعب العارف بصنيعه منقذاً من السماء، وناضل أفراده ليلمسوا ثوبه ويقبلوا قدميه(23)، وأحسوا أنه ما من شيء في سجل الفروسية يفوق مأثرته تلك. فلما عاد ليوبولد إلى عاصمته (15 سبتمبر) لم يلق غير استقبال فاتر من أهلها. وسأل معاونيه هل حدث أن استقبل إمبراطور مجرد ملك منتخب، وما المراسم التي يجب إتباعها في هذه الحالة. وتباطأ في لقاء سوبيسكي، وأخيراً حياه شاكراً له صنيعه شكراً متواضعاً، وقد توجس ما أن يكون الدافع للبطل في رغبته في مطاردة الترك خطة لاقتطاع مزيد من الملك لنفسه ولأسرته(24). فلم تبدأ المطاردة إلا في 17 سبتمبر، ولم يلتحم الجيش بالترك المتقهقرين إلا بعد ذلك بعشرة أيام. وعند باركاني، قرب الدانوب، أحرز سوبيسكي وشارل انتصاراً حاسماً آخر. ثم قاد الملك جيشه عوداً إلى بولندة بعد أن أنهكه السير والقتال والدوزنتاريا، فدخل كركاو في ليلة ميلاد 1683. وفي اليوم التالي أعدم السلطان قره مصطفى.

وألفت النمسا وبولندة والبندقية، بإلحاح البابا إنوسنت الحادي عشر، عصبة مقدسة لمواصلة الحرب ضد الترك (1684). وفتح فرانشسكو موروزيني المورة (البلوبونيز) للبندقية، وفي 1686 حاصر أثينا واستولى عليها في 28 سبتمبر، وأثناء هذا الحصار دمرت مدفعيته البروبيلايا والبارتينون، اللذين استعملهما الأتراك مخزناً لبارودهم. وقد استعاد الترك أثينا وأتيكا في 1688، والمورة في 1715. وفي غضون هذا هزم شارل اللوريني الترك في جران (إسترگوم) في 1685، وفي السنة نفسها، وبعد عشر أيام من الحصار، استولى على بودا، عاصمة المجر القديمة، التي كانت في قبضة الأتراك منذ 1541. وفي 1678 قاد شارل القوات النمساوية إلى النصر في هاركاني، قرب موهاكس، حيث استهل انتصار سليمان القانوني عام 1526 عصر التفوق العثماني. وأنهت معركة موهاكس الثانية هذه سلطة الأتراك في المجر، التي أصبحت الآن ملكاً للملكية النمساوية. واعترفت ترانسلقانيا بسيادة الإمبراطور الهابسبورجي، وأدمجت (1690) في الإمبراطورية النمساوية-المجرية. وفي 1688 استولى ماكس ايمانويل البافاري على بلغراد. وأعلن ليوبولد أن الطريق أصبح الآن مفتوحاً إلى القسطنطينية، وأنه قد آن الأوان وواتت الفرصة لطرد الأتراك من أوربا. ولكن لويس الرابع عشر خف لنجدتهم. ذلك أن حرب البوربون مع الهابسبورج كانت في نظر ذلك "الملك المسيحي جداً" أهم من الصراع بين المسيحية والإسلام. وكان يرقب في غيرة متزايدة انتصارات العصبة المقدسة واتساع ملك الهابسبورج وعلو مكانتهم. وفي 1688، استأنف حربه مع الإمبراطور، ضارباً صفحاً عن إبرامه هدنة عشرين عاماً معه قبل ذلك بأربع سنين فقط، وأرسل جيشاً إلى البالاتينات. فأرسل ليوبولد شارل وماكس ايمانويل لملاقاة الهجوم على الراين، وتوقف الزحف على الترك، وتجدد الهجوم التركي.

جبهة القرم

معركة زنتا

 
پاديشاه مصطفى الثاني.

استوزر السلطان الجديد، سليمان الثاني، رجلاً آخر من أسرة كوبريلي هو مصطفى أخو أحمد. وهدأ مصطفى خواطر المسيحيين في تركية أوربا بتوسيعه حرية العبادة، ونظم جيشاً جديداً، واستولى على بلغراد من جديد (1690). ولكنه قتل بعد سنة، ودحر الأتراك عند سلانكامن. وتولى السلطان مصطفى الثاني قيادة الجيش بشخصه، ولكن المسيحيين هزموه في سنتا (1697) وكان يقودهم أوجين أمير سافوي.

الأعوام 1692-1694

 
Kamyanets-Podilski'nin eski şehri ve Kamaniçe Kalesi'ni gösteren harita; Kamieniec Podolski: piskoposluk ve voyvodalık ünvanlarını taşıyan, Smotrycz Nehri ile çevrili dağın tepesinde bulunan ve sarp kayalar tarafından sarınan, enlemi 48°45’ ve boylamı 50°10’ olan Lehistan ve Yukarı Podolya Devletlerinin müstahkem şehri. Burası 29 Ağustos 1672 tarihinde Lehlerin elinden Türkler tarafından alınmıştır. (باريس, 1691)

مصادمات آزوڤ

 
الحصار الهولندي المضروب على قلعة آزوڤ.


النتائج

معاهدة كارلوفچه

 
امتداد الدولة العثمانية في 1699

طلب مصطفى الصلح، وأبرم ليوبولد معاهدة كارلوفتز (1699) مع تركيا وبولندا والبندقية، مغتبطاً لأن يده أطلقت في محاربة لويس. ونزلت تركيا عن كل دعاواها في ترانسلڤانيا والمجر (فيما عدا "بنات" تيميسفار) ونزلت عن غربي أوكرانيا لبولندة، وسلمت المورة ودلماشيا الشمالية للبندقية. واحتفظت بالبلقان كله-دلماشيا الجنوبية، والبوسنة، وصربيا، وبلغاريا، ورومانيا، ومعظم اليونان، ولكن المعاهدة عينت نهاية الخطر التركي على العالم المسيحي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معاهدة اسطنبول (1700)

في 1700، وقعت الدولة العثمانية والامبراطورية الروسية معاهدة اسطنبول وافقت فيها الأستانة على أن تبقى قلعة آزوڤ والمناطق المحيطة بها في أيدي الروس.

تراجع الدولة العثمانية

ترى ما الذي هوى بقوة العثمانيين من أوجهاً أيام سليمان القانوني؟ ليس كالنجاح شيء يتعرض للسقوط. لقد كانت فرص المتعة التي أتى بها النصر والثورة شديدة الإغراء، فبدد السلاطين في الحريم ما كانوا في حاجة إليه من طاقة وهمة لضبط الجيش والموظفين والوزراء. واتسعت دولتهم اتساعاً حال دون إدارتها إدارة فعالة، ودون سرعة توصيل الأوامر ونقل الجنود، وكان يحكم الولايات باشوات جعلهم بعد الشقة بينهم وبين الآستانة مستقلين تقريباً عن السلاطين. ولم يعد الجوع يحفز الترك، ولا الأعداء يهددونهم، فتردوا في مهاوي الكسل والفساد، وأفسدت الرشوة الحكم وأشاع غش العملة فوضى في الاقتصاد والجيش. وتمرد الانكشارية المرة بعد المرة على رواتبهم المدفوعة بعملة هبطت قيمتها، واكتشفوا سطوتهم، فاستغلوها كلما تعاظمت. وظفروا بحق الزواج، وحصلوا لأبنائهم وغيرهم على الإذن بالانخراط في سلاحهم الذي كان من قبل وقفاً على النخبة المنتقاة، وتنكروا للتدريب والنظام الصارمين اللذين جعلا الانكشارية صفوة المقاتلين في أوربا. أما قوادهم الذين أصبحوا خبراء في لذات الجنس، فقد فشلوا في ملاحقة العلوم والأسلحة الحربية. وبينما كان الغرب المسيحي يصنع مدافع أفضل، ويطور استراتيجية وتكتيكاً أرقى، في صراع الحياة والموت الذي دار على ساحات حرب الثلاثين، وجد الأتراك، الذين كانوا تحت إمرة محمد الفاتح يملكون أفضل مدفعية في العالم-وجدوا أنفسهم-كما حدث في ليبانتو-متخلفين في قوة النيران والاستراتيجية. وأرهقت الحرب، التي قوت من قبل الدولة العثمانية يوم كان السلاطين يقودون جيوشهم بأنفسهم-هذه الحرب أرهقت الدولة حين آثروا انتصارات الحريم السعلة على مشاق المعركة. وكان لسيطرة الإيمان القدري، غير التقدمي، على الحياة والفكر أثرها في خنق العلوم الإسلامية التي كان لها القدح المعلي في العصور الوسطى، وازدادت المعرفة في الغرب وتخلفت في الشرق. وحسن المسيحيون بناء سفنهم وأصلحوا مدفعيتهم وامتدت تجارتهم إلى جميع القارات، تشق لها طرقاً جديدة في العباب، بينما كانت معظم التجارة العثمانية تزحف في قوافل على اليابس. وترك الحكام الكسالى السقايات والقنوات تبلى، بينما الفلاحون الذين قبلت الحرب حياتهم ينتظرون المطر في ذل ومسكنة. واتخذ مسار الإمبراطورية طريقه غرباً، إلى أن وجد نفسه ثانية في الشرق يوماً وهو لا يزال يتحرك غرباً.

تفكك الامبراطورية الرومانية المقدسة

وكان رد الأتراك على عقابهم معناه بالنسبة للغرب الدعوة لحرب داخلية طاحنة. ذلك أن النمسا وألمانيا تحولتا بعد تحررهما من ضغط الإسلام عليهما لمواجهة أطماع لويس الرابع عشر، الذي كان يمد ذراعيه في الأراضي المنخفضة، وأراضي الراين، والبلاتينات، وإيطاليا، وأسبانيا. وأكملت هذه اللطمات الآتية من الغرب تفكك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، فلم يبق منها غير الصورة. وانتهى الأمر بالإمبراطور إلى النظر إلى نفسه على أنه نمساوي لا روماني، وحلت الإمبراطورية النمساوية-المجرية محل الرومانية المقدسة. وجعلت العروش الثلاثة-عروش النمسا، والمجر، وبوهيميا-وراثية في أسرة هابسبورج (1713)، فألغيت حقوق الولايات البوهيمية والمجرية التقليدية في انتخاب ملوكهم. وعادت المجر إلى الثورة (1703-11) بزعامة فرنسيس راكوكزي الثاني، ولكن الثورة أخمدت، تاركة الحنين إلى الحرية يتردده صداه في الشعر والأغاني.

النمسا

وسخرت النمسا اقتصاديات المجر وبوهيميا لمنفعتها الخاصة، وتمتعت طبقاتها العليا بثراء جديد. وارتفعت القصور الفاخرة للأرستقراطية، وأسكنت الكنائس الجميلة والأديار الضخمة القساوسة والرهبان المنتصرين. وأعد الأمير بال استرهازي بناء قلعته الكبرى في ايزنشتات، حيث سيقود هايدن يوماً فرقته الموسيقية ويؤلف ألحانه. وفي فيينا صمم دومنيكو مارتينللي قصر ليشتنشتين، وقصر بلفدير لأوجين أمير سافوي. وبنى يوهان فيشر فون ايرلاخ لهذا الأمير ذاته قصراً شتوياً فاخراً، ووضع الخطط للمكتبة الملكية، والقصر الإمبراطوري في شونبرون. وفي 1715 بدأ أعظم معماري النمسا هذا عمله في كنيسة كارلسكرشي بفيينا، بطراز كنيسة القديس بطرس بروما. وعلى ضفاف الدانوب على نحو أربعين ميلاً غربي فيينا شاد ياكوب برانتاور دير "كلوسترميلك" أكبر الأديار البندكتية وأروعها في الأراضي الألمانية، وهذا أوج الباروك النمساوي. وفي أعقاب الانتصار صمم يوهان إرنست تون، رئيس الأساقفة الكفء الوجيه، حديقة ميرابيل الشهيرة بسالزبورج، وجملها بمنحوتات من صنع فيشر فون ارلاخ. وهكذا تحركت النمسا في كبرياء وأبهة إلى أعظم قرن في تاريخها.


طالع أيضاً

الهامش

  1. ^ Christian S. Anderson, What Every Christian Should Know about Islam, Xulon Press, 2008, ISBN 978-1-60647-442-6, p. 64.
  2. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.