التاريخ في العصر العباسي

التاريخ في العصر العباسي شهد هذا العصر تطورًا كبيرًا في الكتابة التاريخية؛ حيث سلك المؤرخون المسلمون في كتاباتهم التاريخية طريقتين:

  • أولاً: التأريخ الحولىّ -وهو حسب السنين-: وفى هذه الطريقة يؤرخ للأحداث سنة بعد سنة، حيث كانت مختلف الحوادث تجمع في كل سنة، ويربط بينها بكلمة "وفيها"، فإذا انتهت حوادث السنة الواحدة، انتقل المؤرخ إلى حوادث السنة التالية، فيستخدم الجملة الآتية "ثم دخلت سنة كذا" أو "ثم جاء في سنة كذا". ومن الذين كتبوا على هذه الطريقة أبو عيسى بن المنجم في كتابه "تاريخ سنىّ العالم" و محمد بن موسى الخوارزمى، وغيرهم. على أن الطبرى هو أشهر من أرخ على هذه الطريقة، ووصلنا إنتاجه بكتابه التاريخىّ العظيم "تاريخ الرسل والملوك" المعروف أيضًا بتاريخ "الأمم والملوك" وهو أقدم مصدر كامل للتأريخ العربىّ، بدأه من الخليقة وانتهى فيه إلى سنة (302هـ)، ورتب حوادثه وفقا للمنهج الحولىّ، وقد اتبع الطبرىّ في روايته للأخبار والحوادث طريقة الإسناد، توثيقًا للأخبار التى يكتبها، وهو بذلك متأثر إلى حد كبير بدراسته الأولى وثقافته كمحدث وفقيه ومفسر.

وقد اتبع طريقة المنهج الحولىّ بعد الطبرىّ عدد كبير من مؤرخى السنين، نخص بالذكر منهم مسكويه وابن الجوزىّ.

  • ثانيًا: التأريخ حسب الموضوعات:

وهى التزام المؤرخ طريقة التأريخ إما للدول أو لعهود الخلفاء والحكام، وإما للسير أو للطبقات، فالكتابة هنا قوامها الأشخاص، بخلاف المنهج السابق القائم على ترتيب السنين.

  • 1- التأريخ للدول:

يكتب المؤرخ هنا عن الأسرات الحاكمة أو الدول أو العهود، ومن أقدم المؤرخين المسلمين الذين كتبوا في الدول وفى العهود: ابن قتيبة الدينورىّ في كتابه "المعارف"، واليعقوبىّ في تاريخه، وكان اليعقوبىّ مؤرخًا ورحالة. وقد تأثر المسعودىّ في كتابته بكتابة اليعقوبىّ، فقد جمع الحوادث التاريخية تحت رؤوس موضوعات تتعلق بالشعوب أو الدول أو الأسرات أو الحكام. ويتميز هذا النظام في الكتابة التأريخية بالاهتمام الخاص بالمسائل الأخلاقية، والإدارية، وكذلك صفات الحاكم الخلقية والخلقية وأولاده ونسائه وموظفيه.

  • 2- التأريخ حسب الطبقات:

هو تأريخ إسلامىّ أصيل، جاء نتيجة طبيعية لفكرة الكتابة عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك ارتبط التأريخ حسب الطبقات بعلم الحديث، والعلوم الدينية، ومن الكتب التى ظهرت في هذا العصر، طبقات الشافعية للسبكىّ، وطبقات الصوفية للسلمىّ وغيرهما. ثم كتب في ميادين أخرى مثل: طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة، وطبقات الشعراء لابن المعتز، وطبقات النحويين للزبيرىّ، وغير ذلك.

  • 3- التاريخ حسب الأنساب:

ظهر من النسابين فريق اهتم بإحصاء فضائل قريش ، وذكر مآثرهم، ومزاياهم،وأقدمهم مصعب الزبيرىّ الذى صنف كتابيّ "النسب الكبير" و"نسب قريش" ثم كان الزبير بن بكار بكتابه "نسب القريشيين" ثم البلاذرىّ الذى ألف كتابًا بعنوان "أنساب الأشراف" وهو كتاب عنى فيه بدراسة نبلاء العرب أى الخلص منهم، ولقد وجدت الكتابة في الأنساب في المغرب الإسلامىّ و الأندلس أرضًا خصبة، وحظي بمكانة عظيمة، فألف فيه عدد من المؤرخين نخص بالذكر منهم: عبد الملك بن حبيب، و أحمد الرازى ، و محمد بن حزم القرطبى ، و ابن عبد البر وغيرهم. كما تنوعت في هذا العصر صور المادة التاريخية فكانت على النحو التالى:

  • 1- التأريخ العالمىّ:

ويبدأ من آدم عليه السلام ويستعرض فيها المؤرخ تاريخ الأنبياء ، والأمم السابقة، ثم تاريخ صدر الإسلام حتى يصل إلى عصره الذى يكتبه فيه، ومن أقدم هذه الكتب "الأخبار الطوال" لابن حنيفة الدينورىّ، ثم تاريخ اليعقوبىّ، ومن أهم المصادر في التاريخ العالمىّ كتاب "تاريخ الرسل والملوك" لابن جرير الطبرىّ. ومن هذه الكتب أيضًا "مروج الذهب ومعادن الجوهر" و"التنبيه والإشراف" للمسعودىّ، وحمزة الأصفهانىّ في كتاب "تاريخ سنىّ ملوك الأرض والأنبياء"، ومسكويه في كتاب "تجارب الأمم" وغير ذلك.

  • 2- التأريخ المحلىّ:

وأقدم ما ألف في التاريخ المحلىّ كان بالعراق في كتاب تاريخ بغداد لأحمد بن أبى طاهر طيفور، وفى تاريخ الموصل لابن إياس الأزدىّ، وعن البصرة كتب عمر بن شبة، وكتب ابن زولاق عن مصر وفضائلها وعن اليمن كتب الهمدانىّ في كتابيه "الإكليل" و"صفة جزيرة العرب" وكتب الأزرقىّ "أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار" وغير ذلك. أما عن كتب الفتوح الإسلامية كتب البلاذرىّ كتاب فتوح البلدان، وكتاب "فتوح مصر و المغرب و الأندلس" لعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وكتاب "تاريخ افتتاح الأندلس" لابن القوطية القرطبىّ وغيرها.

  • 3- التأريخ المعاصر والمذكرات:

عندما يروى المؤرخ أحداث زمانه تنطبع روايته التاريخية بطابع الصدق والدقة، ومن الكتب التاريخية التى تعتبر مذكرات: كتاب "الاعتبار" لأسامة بن منقذ، وكتاب النكت العصرية في أخبار الوزارة المصرية" لعمارة اليمنىّ وكتاب "أخبار المهدىّ بن تومرت" لأبى بكر الصنهاجىّ، كان رفيقًا لابن تومرت، رافقه في رحلاته، ووصف مشاهداته، ومعاركه الأولى مع المرابطين. وأبى حامد الغزالى في كتابه "المنقذ من الضلال". وفى هذا العصر أيضًا تطور منهج الكتابة التاريخية من حيث الطريقة والأسلوب.

  • أما من حيث الطريقة:

فقد بدأ المؤرخ يتحرر قليلا من طريقة الإسناد التى كانت تلزم المؤرخ بأن يكون مجرد أخبارىّ يجنح إلى الكتابة المرسلة التى تعنى بالخبر ذاته، ومناقشته. وظهر فريق من المؤرخين المسلمين ابتعدوا في كتابتهم عن طريقة الإسناد، واكتفوا بإبراز الأخبار غير مسندة إلى أصحابها، ومن هؤلاء: اليعقوبىّ، والمسعودىّ. وكان هؤلاء المؤرخون يكتفون بذكر مصادر مادتهم التاريخية في مقدمات كتبهم مع دراستها في بعض الأحيان دراسة نقدية كما فعل المسعودىّ في مقدم كتابه "مروج الذهب".

  • وأما من حيث الأسلوب:

فإنه أصبح أسلوبًا تاريخيًا مرسلاً بسيطًا وواضحًا في آن واحد، يكاد يخلو في معظمه من الشعر، وكثيرًا ما استخدم السجع في الكتابة التاريخية، على الرغم من عدم مناسبة السجع في كتابة التاريخ، ومن هؤلاء الذين اشتهروا بالسجع في كتابتهم الكاتب الأندلسىّ الفتح بن خاقان . وهناك مؤرخون جمعوا بين الكتابة المرسلة والعبارات المسجوعة أمثال المؤرخ الأندلسىّ المعروف ابن حيان ، واستخدم ابن حيان في كتاباته أسلوبًا سهلاً بسيطًا تجنب فيه الزخرفة اللفظية، والعامية الدارجة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

موسوعة الحضارة الإسلامية