الانتفاضة الصربية الأولى

الانتفاضة الصربية الأولى (بالصربية: [Први српски устанак, Prvi srpski ustanak] Error: {{Lang}}: text has italic markup (help)؛ إنگليزية: First Serbian Uprising) كانت المرحلة الأولى من الثورة الصربية (Српска револуција)، حروب الاستقلال الناجحة التي استمرت 9 سنوات ونحو 9 شهور (1804–1813)، والتي رأت صربيا خلالها نفسها كدولة مستقلة لأول مرة بعد أكثر من ثلاثة قرون من الحكم العثماني واحتلالات نمساوية وجيزة.

الانتفاضة الصربية الأولى
جزء من الثورة الصربية
الحروب التركية الصربية
Orasac 1804.jpg
اجتماع أوراشاتس - بداية الانتفاضة الصربية الأولى في 1804.
التاريخ14 فبراير 1804 - 7 أكتوبر 1813
(9 سنة, 7 شهر, 3 أسبوع و 2 يوم)
الموقع
النتيجة نصر عثماني؛ إلغاء الحكومة الصربية
الثورة الصربية
الانتفاضة الصربية الثانية؛ إمارة صربيا
التغيرات
الإقليمية
سنجق سمدريڤو
المتحاربون

Dahis ("الغاصبون")

تدخل
پاشاليك ڤيدين

صربيا المتمردون الصرب

intervention
  الإمبراطورية الروسية
Flag of الدولة العثمانية الدولة العثمانية
القادة والزعماء

صربيا Karađorđe Petrović
صربيا Jakov Nenadović
صربيا Mladen Milovanović
صربيا Veljko Petrović
صربيا Miloš Obrenović
صربيا Milenko Stojković
صربيا Petar Dobrnjac

صربيا Tomo Milinović

الدولة العثمانية حاجي مصطفى پاشا
الدولة العثمانية سليمان پاشا سكوپلياك
الدولة العثمانية خورشيد پاشا

After Serbia had fallen to the Ottoman Empire in 1459, several uprisings were organized by the Serbs; the Banat uprising, Kočina Krajina uprising etc. but greater political independence of Serbs was established briefly by Jovan Nenad and Voivode Radoslav 1526-1530, and in Montenegro a unique autonomy was established as the mountainous regions were governed by voivodes.

After the Slaughter of the knezes, the Serbs responded by establishing its separate government (Правитељствујушчи Совјет, Praviteljstvujušči Sovjet), Parliament (Збор, Zbor) and the oldest and largest Serbian University of Belgrade, with Grand Vožd Karađorđe as leader. Even though it was crushed by the Ottomans in 1813, this revolution sparked the Second Serbian Uprising in 1815, which resulted with the creation of the Principality of Serbia, as it gained semi-independence from Ottoman Empire in 1817 (formally in 1829).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

 
Dahias (renegade Janissary) assassinate Hadži Mustafa Pasha, plate from 1802

When the Austro-Turkish War (1787–1791) ended with the return of the Belgrade Pashaluk to the Ottoman Empire the Serbs expected reprisals from the Turks due to their support for the Austrians. Sultan Selim III had given complete command of the Sanjak of Smederevo and Belgrade to battle-hardened Janissaries that had fought Christian forces during the previous Austro-Turkish War (1787–1791) and many other conflicts. Although Sultan Selim III granted authority to the peaceful Hadži Mustafa Pasha, however tensions between the Serbs and the Janissary command did not subside.[1]

Selim III proclaimed fermans in 1793 and 1796 which gave more rights to Serbs. Among other things, taxes were to be collected by local Serbian rulers called knezes ("local dukes"), freedom of trade and religion were granted. Selim also decreed that some unpopular Janissaries were to leave the Belgrade Pashaluk as he saw them as a threat to central authority of Hadži Mustafa Pasha.[2] Many of those Janissaries were employed by or found refuge with Osman Pazvantoğlu, a renegade opponent of the Sultan in Bulgaria. Fearing the dissolution of the Janissary command in Sanjak of Smederevo, Osman Pazvantoğlu launched a series of raids against Serbian brigands without the permission of Sultan Selim III causing much volatility and fear in the region.[3]

However, on January 30, 1799, the Sultan Selim III court allowed the Janissaries to return, referring to them as local Muslims from the Sanjak of Smederevo. Initially the Janisaries accepted the authority of the Belgrade Pasha under Hadži Mustafa Pasha. Until a Janissary in Šabac, named Bego Novljanin, demanded from a Serb a surcharge and murdered the Serb when he refused to pay. Fearing the worst Hadži Mustafa Pasha, marched on Šabac with a force of 600 to ensure that the Janissary was brought to justice and order was restored. Not only did the other Janisaries decided to support Bego Novljanin but Osman Pazvantoğlu attacked the Belgrade Pasahaluk in support of the Janisaries.[4] After killing Vizier Hadži-Mustafa Pasha (nicknamed "Serbian Mother" due to his tolerant stance towards Serbs) of Belgrade in 1801, they started to rule Serbia on their own. Recently granted rights were suspended, and four Dahias (leaders of Janisaries): Aganli, Kuchuk Ali, Mula Yusuf and Mehmet-Ağa Fotcić exerted unlimited rule over Belgrade Pashaluk. Taxes were drastically increased, land was seized, forced labour (čitlučenje) was introduced, and many Serbs fled the Janissaries in fear.


الانتفاضة ضد the Dahias

 
Ottoman Belgrade
 
Present day site of Orašac assembly.

Serb leaders began to conspire about starting an uprising against the dahias. When the dahias found out about this, they captured and killed many of the Serbian leaders on February 4, 1804 in an event known today as the Slaughter of the knezes. This action by the Janissaries incited the uprising, as it angered the people and the leaders had nothing to lose.

At this stage the Serbs were acting in the name of the Sultan and on the 12 March the Sultan issued a fermans ordering all to support the uprising against the Dahias.[5] The Dahias fled from Belgrade, abandoning their followers, but they were captured on Ada Kaleh island on the Danube by 40 uprisers led by Milenko Stojković with knowledge and approval of the Ottoman authorities and executed.[6] With the success of the uprising, Selim III started to negotiate with the rebels.

تدهور العلاقات بين الصرب والسلطان

 
Battle of Mišar, painting by Afanasij Šeloumov


 
چله كولا (برج الجماجم)، مصنوع من رؤوس الثوار الصرب من قِبل العثمانيين، بالقرب نيش، 1809.


"عيناي وقلبي يحيـّون رفات أولئك الرجال الشجعان الذين كانت رؤوسهم المقطوعة حجر الأساس لاستقلال وطنهم. عسى الصرب أن يحتفظوا بذلك التذكار! فلسوف يعلـِّم أطفالهم دوماً قيمة استقلال الشعب، ويريهم الثمن الحقيقي الذي كان على آبائهم دفعه لنيل الاستقلال."

ألفونس دي لامارتين (1833)[7]

ثم ما لبث الموقف أن فرض هذه العصابات المسلحة على مسرح الحوادث، ففي مطلع 1804 واجه الصرب حقيقة مؤداها أن عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم وما أن يشهدوا قادتهم وهم يتحطمون تماماً. والحاصل أن الإنكشارية كانت قد بدأت خلال يناير وفبراير 1804 في تنفيذ مذبحة لنبلاء الصرب المسيحيين تم التخطيط لها سلفاً بحيث لم ينقضي شهران إلا وتم قتل من 70-150 نبيلاً. وعلى الفور اجتمع حوالي ثلاثمائة من نبلاء الصرب في أوراشاك Orasac في إقليم سومادييا في فبراير واختاروا قرةديورديه بتروفيتش قائداً لهم بهدف تنسيق العمل وتوجيهه. وكانم هذا يعني في النهاية أن ثورة الصربيين قد بدأت إذ أصبح لديهم قائد وقضية يحاربون من أجلها.

 
صربيا الثورية في 1809
 
صربيا الثورية في 1813

ولما كان لكاراديورديه دوراً غاية في الأهمية في القيام بالثورة وفي بناء أول تنظيم سياسي لدولة الصرب يتعين أن نعطي فكرة موجزة عن تاريخه. والحقيقة أننا لا نعلم إلا القليل عن حياته المبكرة بل أن تاريخ ميلاده غير مؤكد ويحتمل أنه ولد في 1766 من أبوين فقيرين اضطرتهما الظروف للتنقل من مكان لآخر بحثاً عن الرزق. وقد عمل بطلنا عند عدد من كبار ملاك الأراضي حتى عام 1787 حين غادرت أسرته إقليم سومادييا إلى ڤويڤودينا هرباً من الإنكشارية ولجأت إلى دير كروشيدول Krusedol طلباً للحماية. ولما اندلعت الحرب النمساوية-العثمانية انضم كارديورديه للفرق العسكرية غير النظامية واشترك في المعارك التي دارت في غرب الصرب حيث اكتسب خبرات عسكرية لا يستهان بها.

وبعد صلح سيستوڤا، استقر في توپولا Topola في إقليم سومادييا وتاجر في المواشي. وقد أتاحت له هذهذ التجارة أن يتعامل مع النمسا وأن يكون على صلة بكثير من مواطنييه فضلاً عن حصوله على رتبة "بوليوباسا" Buljubasa (أي رئيس وحدة عسكرية من مئة رجل) في الميليشيا الصربية التي كونها السلطان سليم الثالث. وبهذه الصفة تعاون مع حاجي مصطفى ضد الإنكشارية إلى بلاد الصرب عام 1801 كما سبقت الإشارة رأي كارديورديه شأن كثير من الصربيين أنه يتعين القيام ببعض الإجراءات الدفاعية فرق الإنكشارية التي اشتهرت بالعنف والفوضى. على أن تاريخ كارديورديه والخبرة التي اكتسبها كانت تتماثل مع كثير من أهل بلاده مما سهل من مههمته فيما بعد.

لقد أصبح كاراديورديه زعيماً لأول تمرد صربي ضد الحكم العثماني وذلك بسبب قدراته الشخصية التي جذبت إليه الصربيين فضلاً عن شجاعته، وقدرته على حسم الأمور، وحكمته التي بدت في تعامله مع الموقف الدولي المعقد زمن نابليون بونابرت، إذ نجح في رفع المسألة الصربية من مجرد مشكلة عثمانية داخلية إلى مسألة دولية, وكان قادراً على التعرف على مزاج رجال بلاده وتعامل معهم على هذا الأساس, وبالتالي نجح في السيطرة على الحركة الثورية في مواجهة صراع المصالح العظمى التي لا حصر لها.

ويبدو واضحاً أن قدرات كاراديوريه في التعامل مع الشؤون المحلية كانت عاملاً حاسماً في احتفاظه, ففي بداية الثورة واجهته تحديات من القوى السياسية في المدن والضواحي والقرى بسبب النظام العثماني اللامركزي في حكم الأقاليم التابعة والذي سمح بمشاعية السلطة على ذلك النحو وعدم تركزها في هيئة محددة, وهي أمور ظلت قائمة حتى أن إصلاحات تسعينات القرن الثامن عشر لم تمسسها, فمثلاً لم تكن هناك سلطة "صربية" مركزية للباشاوية بل كان لكل منطقة قادتها والمتحدثون باسم أهلها. وعلى هذا وفي 1804 (عام الثورة) كان كارديوريه شخصية معروفة وتحظى بالاحترام في منطقته فقط (سومادييا).

وفي الجزء الغربي من الإقليم الشرقي كان ياكوف نينادوفيتش Jacov Nenadovic هو الشخصية الرئيسية بين أهلها, وفي القسم الشرقي كان يحظى بالمكانة نفسها كل من ملينكو ستويكوفيتش Milenko Stojkovic, وبيتر دوبرنياك Dobrnjac. وسرعان ما انفجر حاداً بين هؤلاء الرجال وأتباعهم وبين كاراديورديه وأنصاره ولما كان منافسو كاراديورديه مهتمون فقط بالإفادة من الموقف لمصلحتهم الشخصية ومكانتهم في الإقليم فقد فعلت الغيرة بينهم ووقفوا ضد كل المحاولات التي كانت تستهدف إيجاد حكومة مركزية صربية قومية وقوية, فلم يكن أي منهم يرغب في أن يرى قوته تضعف بين أهله في منطقنه لحساب سلطة مركزية, وأقصى ما كان يمكن أن يقدموه مجرد التعاون مع حكومة مركزية للإطاحة بالحكم العثماني. وأكثر من هذا أنهم حاولوا كما سوف نرى تجنيد عناصر لمساعدة روسيا ضد كاراديورديه.

لقد وضع كاراديوريه في اعتباره أن حل مشكلة بلاده الصرب لن يأتي إلا بإيجاد سلطة مركزية للثورة تعمل على تسوية المشكلات الداخلية التي يعاني منها الأهالي مثل توزيع الأراضي الزراعية, وتحقيق لعدالة ضماناً لوحدة الموقف. غير أن منافسيه ظلوا ينتقدونه بشدة بغية عزله من القيادة وإحلال غير محله واستخدموا كل الأساليب التي من شأنها تشويه صورته بين الناس ولدى حكومة روسيا التي تناصر حركة الصربيين. ومن ذلك أنهم خاضوا في حياته الشخصية, وانتقدوا أخلاقه, وادعوا أنه يتعامل بقسوة متناهية، وأنه أثرى من حيازته لمنافع عثمانية, وأنه تورط في مختلف المكائد التي التي دبرت ضد الصرب وممارسة العنف ضدهم, بل لقد أعلنوا أنه لن تأتي مساعدات من روسيا ما لم يتم استبداله بقائد آخر. ورغم قسوة الهجوم إلا أن الرجل ظل محتفظاً بقدرته على قيادة أول ثورة صربية بشكل مركزي حتى هزيمته العسكرية, وهي خصوصية صربية لم تشهدها ثورة اليونانيين فيما يعد ضد الحكم العثماني.

على كل حال.. فإن تلك الإنقسامية بين القوى السياسية في الصرب لم تكن واضحة المعالم خلال الأيام اللأولى من الثورة لكن سلوك فرق الإنكشارية الفجائي في يناير 1804 كما سبقت الإشارة أنتج رد فعل قومي عفوي من أجل البقاء ومن هنا جاء اختيار قرةديورديه قائداً أعلى للثورة دون منازع في فبراير كما رأينا. وآمن كل الصربيون بضرورة وجود سلطة فردية تنفيذية قوية تتولى قيادةالأمور وعلى هذا أصبح بإمكان كاراديوريه بعد مايو 1804 أن يوقع أوامره وبياناته باسم "الفويفودا الأعلى" Vojvoda (أي الدوق) زعيم الصربيين وقائدهم.

وفي البداية كانت هناك وحدة بين الصربيين ليس فقط في القيادة وإنما في الهدف المراد تحقيقه. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن الثورة في تلك المرحلة لم تكن تستهدف الإستقلال عن الدولةالعثمانية بل كانت موجهة ضد سيطرة الإنكشارية في لباد الصرب باتجاه استعادة حقوق الحكم الذاتي التي كانت الحكومة العثمانية قد وافقت عليها من قبل. وآنذاك كان ممثلو الثورة على إتصال منتظم بالباب العالي بشأن أماني الصربيين حيث أكدوا خلال مباحثاتهم معه أن غرضهم التوصل إلى شروط تضمن وضع حكومتهم الذاتية داخل نطاق الدولة العثمانية.

وكانت مطالبهم الفورية تتلخص في إبعاد رؤساء فرق الإنكشارية الأربعة, والعفو التام عن المتمردين الصرب. وفي الوقت نفسه أبدوا رغبتهم في أن يعترف الباب العالي برئيس من بين الصربيين يكون كبيرهم Kens سلطة على صرب الباشاوية (أي بلجراد), ويكون مسئولاً عن تسديد الضرائب, وتمثيل قومه أمام الحكومة العثمانية. كما شملت الرغبة أيضاً أن تفرض الضرائب والجزية دون تعسف في جمعها فضلاً عن منع الإنكشارية من حيازة أرض ريفية, ووضع ضوابط لحق المسلمين في الإقامة في المدن الصربية, وكذا ضمان حرية العقيدة، والتجارة، والإنتقال. وفي أثناء المباحثات مع السلطات العثمانية حول تلك النقاط كان زعماء الصرب يرنون ببصرهم لحكومتي النمسا وروسيا لتقديم العون والمساعدة اللازمة.

وبهذه المطالب الصربية كان على الحكومة العثمانية أن تواجه تمرد فرق الإنكشارية مرة أخرى ومما ساعدها في ذلك أن علاقتها بالمسيحيين كانت قوية وأن السلطان سليم الثالث نفسه لم يكن يرغب في الوقوف ضد أمني الصرب. وعلى هذا أوفد أبوبكير باشا وزير البوسنة إلى بلجراد للقضاء على الإنشكارية وقد نجح في إيقاع الهزيمة بهم في أغسطس 1804. ومع ذلك لم تستقر الأمور ذلك أن فرق المسلمين المتمردة كانت ما تزال قوية وفي الوقت نفسه لم تكن الحكومة العثمانية راغبة رغبة حقيقية في تقرير الحكم الذاتي للصرب الأمر الذي دفع زعماء الصرب للبحث عن مساندة خارجية لضمان تنفيذ شروط الحكم الذاتي. وعلى هذا ذهب إلى روسيا في نوفمبر 1804 وفد صربي كان من أعضائه ماتييا نينادوفيتش Matija Nenadovic من أشهر رجال الكنيسة حيث استقبله وزير خارجية روسيا آدم سيزارتورسكي Czartoryski الذي نصحهم بالتعامل مع الباب العالي مباشرة لأن روسيا كانت تتعاون آنذاك معه في ضد نابليون بونابرت.

وهكذا بقيت الأوضاع في الصرب مائعة ومن ثم اخذ زعماؤها يتطلعون للإتصال بالجماعات المسيحية في البوسنة والهرسك وعصابات اللصوص اليونانيين وحكام مولدافيا وولاشيا استعداد لإمكانية التحرك في المستقبل. وعلى الجانب الآخر أخذت فرق الإنكشارية تتجمع من جديد وتضم إليها العصابات الخارجة على القانون لإستعادة مكانتهم مرة أخرى حيث تسللت داخل القرى خلال شتاء وربيع 1805 لتثير الفوضى والفساد والرعب بين الأهالي. وكانت الإدارة العثمانية أضعف من أن تضبط العناصر الخارجة علىالقانون, والأهم من ذلك أن السلطان سليم اضطر تحت الضغط إلى تغيير موقفه حيث أصبح مقتنعاً في ربيع 1805 بأن الصربيين متمردون ووجب تأييدهم, ومن ثم تخلى عن سياسة التآلف معهم وبادر بتعيين باشا نيش Nis حافظ باشا حاكماً جديداً على بلجراد وزوده بجيش للتعامل مع الصربين. غير أن جيش حافظ باشا هزم عند ايفانكوفو Ivankovo في أغسطس 1805 الأمر الذي شجع الصربيين على التقدم نحو بلجراد وفي نوفمبر استولوا على سميدروفو Semederovo التي أصبحت أول عاصمة لحكومة الصرب الجديدة ثم سقطت بلجراد في أيديهم في العام التالي.

وأمام سيطرة قوات الصرب على باشاوية بلگراد وتجدد حالة الحرب كان من الطبيعي أن تبدي الحكومة العثمانية رغبتها في تسوية المسألة الصربية عن طريق التفاوض مع إبداء استعداد حقيقي لتقديم تنازلات عريضة. وكان من شأن هذا الموقف الجديد أن تتغير مواقف كل من الصرب والروس. فروسيا وهي في حالة حرب مع العثمانيين كانت لها مصلحة في استمرار ثورة الصرب, والصرب التي حققت النجاح في المعارك الحربية كانت تجذبها أكثر فكرة الإستقلال, والباب العالي أظهر استعداده لمنح الصرب قدراً كبيراً من الحكم الذاتي. وأصبح السؤال بالنسبة للصرب آنذاك ما الذي يمكنهم الحصول على أكثر, وإلى أى مدى يمكن الثقة في إلتزام الباب العالي بالإتفاق معه والعمل على تنفيذه ولكن تحت الظروف القائمة ظل إغراء استمرار التمرد لتحقيق استقلال حقيقي أمراً قوياً. وكان الصربيون يدركون أن التوصل إلى قرار نهائي في هذا الشأن يتوقف على موقف روسيا الذي سيكون له تأثير حتمي على مستقبل وجود دولة صربية قوية.

على كل حال، ففي صيف 1807 وصل إلى الصرب الكولونيل الروسي فيليپو پاولوتشي (Filippo Osipovich Paulucci) لتقدير الموقف السياسي والعسكري هناك, ولتحديد نوع المساعدة التي تحتاجها الصرب, ونوع المساعدة التي تستطيع روسيا أن تقدمها في الحرب المشتركة ضد الدولة العثمانية. ولكنه مزوداً بصلاحيات لعقد أي اتفاق ملزم, وهو أمر لم يكن موضع اهتمام الصربيين كما تكشف الوثائق المتاحة. وانتهت الزيارة بتفاهم في العاشر من يوليو 1807 عرف بـ"اتفاق باولوتشي-كاراديورديه" طالب ضمن شروط أخرى بتعيين مسئولين روس في بلاد الصرب، وإقامة حامية عسكرية روسية في المدن، وإرسال مساعدات روسية عسكرية واقتصادية. أما وقد اعتقد قرةديورديه أنه حصل على تأكيدات واثقة بدعم روسي فقد تبنى سياسة تستهدف استقلال الصرب وليس مجرد الحصول على حكم ذاتي تحت الحكم العثماني. وسرعان ما اتضح التسرع في توقيع اتفاق بولوتشي-كاراديورديه هذا عندما تبين أن روسيا وفرنسا عقدتا معاهدة تيلست Tilsit قبله خلال أيام 7-9 يوليو 1807 وكانت أحد موادها تنص على أن تحاول فرنسا من جانبها أن تعمل من أجل التوصل إلى عقد صلح بين روسيا والدولة العثمانية.

كان للتفاهم بين روسيا وفرنسا على ذلك النحو تداعيات سيئة وفورية على الصرب إذ سرعان ما عقدت روسيا في 12 أغسطس هدنة سلوبوزيا Slobozia مع الدولة العثمانية على أثرها تركت القوات الصربية في العراء تواجه القوات العثمانية رغم أن المفاوضين الروس لتوقيع الهدنة كانت لديهم تعليمات بعدم التخلي عن الصرب. وعلى هذا كان من الطبيعي أن يزداد عداء العثمانيين للمتمردين الصرب.

روغم صعوبة الموقف إلا أن قوات الصرب كانت قادرة على الإحتفاظ بالسيطرة على الموقف في الريف وأصبح مصير الصرب النهائي يتوقف فيما يبدو على تطور الأحوال الدولية. وكانت الظروف في الصح الصرب على وجه الإجمال فقد انشغلت الإدارة العثمانية بالصراع على العرش الذي انتهى بخلع سليم الثالث وصعود السلطان محمود الثاني للحكم, ولم يكن بامكان السلطان الجديد تجريد حملات عسكرية ضد متمردي الصرب بل كان أكثر ميلاً للتفاوض للتوصل إلى تسوية, وكانت مشكلة التسوية تبدو في صعوبة الإتفاق على وضع حدود معينة لدولة الصرب الجديدة.

وفي تلك الفترة الحاسمة من الصراع استمر كاراديورديه يواجه خصومه في الداخل, وكانوا قد نجحوا في 1805 في تشكيل مجلس لمراقبته باسم المحكمة العليا، لكنه كان مجلساً شكلياً لم يحل دون أن يعلن كاراديورديه نفسه القائد الأعلى للبلاد 1808 وذلك بعد فشل مؤامرة خصومه ضده بتأييد من المبعوث الروسي كونستانتين رودوفنكين Rodofinikin الذي كان قد وصل إلى الصرب في أغسطس 1807. وعلى هذا أخذ الرجل يتطلع للحصول على مساعدة فرنسا والنمسا للإحتفاظ بسلطته رغم أنف المعارضة.

ورغم المعاناة التي لقيها كاراديورديه من المبعوث الروسي إلا أنه اعترف بوحدة المصالح التي تربط بلاده بروسيا. ولهذا فعندما اندلعت الحرب بين روسيا والدولة العثمانية مرة أخرى في 1809 كان كاراديورديه يستعد لمساندة جيوش روسيا. غير أن التعاون بين الطرفين لم يكن مؤثراً فرغم أن كاراديورديه شن هجوماً ناجحاً على نوڤي پازار إلا أنه هزم هزيمة شديدة في نيش أمام القوات العثمانية التي واصلت تقدمها إلى بلجراد, مما أدى إلى فرار عدد كبير من الصربيين عبر الدانوب في أغسطس 1809 بما فيها المبعوث الروسي رودوفنكين. ومع أن الصرب لم تهزم تماماً في هذه المواجهة إلا أنه حدث تحول ملحوظ في حركة المتمردين، إذ كان عليهم البقاء في خط الدفاع للإحتفاظ بالمقاطعات التي تحت سيطرتهم.

وبناء على تلك التطورات عادت القوات الروسية إلى الصرب في يونية 1810 للمرة الثانية بقيادة المارشال كوتوزوف Kutuzov مزودة بأسلحة ومعدات ومواد طبية لللإشتارك مع الصربيين في وضع خطة مشتركة للمواجهة مما جعلهم يشعرون بأن انتصارهم في قضيتهم بات قريباً أو قاب قوسين أو أدنى. غير أن مجريات الأمور على المسرح السياسي في أوروبا عصفت بآمال الصربيين وخيم التشاؤم عليهم.

والحاصل أن قيصر روسيا ألكسندر الأول وكان يواجه غزواً فرنسياً وشيك الوقوع أصبح راغباً في عقد معاهدة صلح نهائية مع الباب العالي حتى يكون بإمكانه سحب قواته المشاركة مع العثمانيين لمواجهة ذلك الغزو المتوقع. لكن كما حدث عند توقيع هدنة سلوبوزيا تصرفت روسيا ضد مصالح حلفائها إذ لم يعلم الصربيون مسبقاً بمفاوضات الروسي في هذه المرة الثانية في وقت كانت توقعات الصربيين فيه عالية في حقيق الإستقلال, وكان كاراديورديه قد بلغ أوج قوته.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النتيجة

وفي المفاوضات الروسية-العثمانية التي انتهت بعقد بوخارست في مايو 1812 حاول المفاوضون الروس عمل شيء للصرب حلفاؤهم السابقين فكانت المادة الثامنة من المعاهدة تختص أثناء الثورة ما لم تكن لها قيمة معينة لدى الحكومة العثمانية, وتعاد الأجهزة العثمانية والمنشآت التي كانت قائمة في بلاد الصرب قبل عام 1804 وتكون تحت حماية قوات عثمانية. وفي المقابل وعد الباب العالي بإصدار عفو عام عن المعارضة الصريبية, ومنح حقوق حكم ذاتي مؤكدة, وأن يقوم الصربيون "بإدارة شؤونهم الخاصة", وتثبيت الضرائب وجمعها بمعرفتهم وتوريدها إلى الخزانة العامة في استنبول.

 
مصرع ڤليكو پتروڤتش أثناء معركة نگوتين

كان رد فعل تلك المعاهدة لدى الصربيين شديداً ذلك أن عودة العثمانيين لاحتلال قلاع ومدن الصرب مرة أخرى كان أمراً مرفوضاً ومن ثم توقع الجميع اندلاع موجة من الثأر المخيف خاصة وأن حكومة الصرب لم يكن لديها ضمانة با، الحكومة العثمانية سوف تنفذ المادة الثامنة من المعاهدة, بل أن قيام روسيا بتشجيع الصرب على التفاوض المباشر مع العثمانيين أشعرهم بعدم الأرتياح خاصة عندما أصبح واضحاً أن روسيا للصرب في المرحلة التالية مجرد دعم دبلوماسي. ولقد تأكدت مخاوف الصربيين فور رجوع القوات الروسية إلى بلادهم إذ أصبح بإمكان الدولة العثمانية تركيز قواتها في الصرب بعد صلحها مع روسيا إلى بلادها إذ أصبح بإمكان الدولة العثمانية تركيز قاوتها في الصرب بعد صلحها مع روسيا (صلح بوخارست) . وسرعان ما تقدمت ثلاثة جيوش عثماينة في أراضي الصرب دفعة واحدة واضطر كاراديورديه ومعه عدد من القادة لعبور نهر الدانوب في يوليو 1813 إلى أراضي النمسا وهنا دخلت القوات العثمانية بلجراد وهي المدينة التي أجبروا على مغادرتها في 1806 كما رأينا ووقع أهالي المدينة ضحية أعمال ثأر بشعة وعقوبات شديدة. وبهذا انتهت ثورة الصرب الأولى بعد حالة من الحروب دامت تسع سنوات استنزفت خلالها مصادر الصربيين بشرياً ومادياً.

ورغم فشل الصربيين في ثورتهم إلا أن بلادهم حققت الكثير تحت قيادة كاراديورديه إذ تم تنظيم التمرد, وتم تأسيس أول حكومة صربية منفصلة عن الدولة العثمانية, ووقعت في يدهم كثير من ممتلكات العثمانيين بما فيها أراص ومنازل ومحلات ومخازن. ومن ناحية أخرى لفتت الثورة انتباه دول العالم وخاصة روسيا إلى المسألة الصربية التي أثبتت الحوادث بدرجة غالية أن مستقبل الحكم الذاتي للصربيين مرهون بموقف روسيا وعلى مدى رغبتها في استعادة الحكم الذاتي للصربيين. والأكثر أهمية أن محاولات جرت للإجابة على سؤال جوهؤي بمسألة سياسية كبرى ألا وهو: هل وجود نظام حمن مركزي لأقاليم تابعة متنوعة الأعراق والأديان أكثر فائدة أم قيام حكومة تمسك بزمام السلطة فيها مختلف الأقليات والجاليات المحلية القائمة؟.

والملاحظ أنه بعد الغزو الفرنسي لروسيا في يونيو 1812 تركزت أنظار الدولة العثمانية وكل دول أوروبا على المنطقة ثم على المعارك التي دارت في وسط أوروبا حتى هزيمة نابليون واحتلال فرنسا ذاتها. وخلال تلك الفترة من الإضطرابات كانت الحكومة العثمانية تزيد السلام على أراضيها, ومن ثم اتبعت سياسة لتوفيق الأوضاع مع الصربيين ومن ذلك أنها أعلنت في اكتوبر 1813 العفو العام الذي أفاد منه بكثير من قيادات الصرب بما فيهم زعيم المرحلة التالية من حركة الصرب القومية ميلوش أوبرينوفيتش Milos Obrenovic حيث عادوا إلى مواقعهم في السلطة المحلية. ومع عودة الصربيين إلى وطنهم غادر العساكر العثمانية المناطق الريفية وكذا كثير من المسلمين.وهكذا كان الصربيون ما يزالون أقوياء ولكن زيادة عدد خصومهم كان أمراً محتملاً أيضاً.

حاجي پرودانوڤا بونا (1814)

ورغم الإجراءات التي اتخذتها السلطات العثمانية للوفاق مع رعاياها إلا أن المشاعر السيئة بين المسيحيين والمسلمين ظلت قائمة ولم يتم اتخاذ مواقف محددة بشأنها. وهكذا وفي 1814 انفجرت ثورة في مدينة رودنيك Rudnik في باشاوية بلجراد وعرضت السلطات العثمانية على رئيس المدينة (Kens) ميلوش أوبرفيتش إنهاء الثورة في مقابل العفو العام عن المتمردين. ورغم أن محافظ بلجراد سليمان باشا أكد هذا العرض إلا أنه تم ذبح كثير من المتمردين بعد القضاء على التمرد. وهنا عادت مخاوف الصربيين مرة أخرى فهرب بعضهم واستعد البعض الآخر للثورة. وفي أبريل 1815 تخلى ميلوش عن سياسة التعاون مع العثمانيين وتولى زعامة الثورة. وفي هذه المرة كانت الظروف المحلية والدولية في صالح الصربيين, فأولاً كان الصربيون أفضل عدداً مقارنة بالقوات العثمانية, وثانياً أن حالة الحرب العامة التي كانت سائدة في أوروبا ووترلو في ويونية 1814 بهزيمة نابليون وفي الوقت نفسه لم تكن الحكومة العثمانية مستعدة لمواجهة ثورة كبرى.

معرض صور

شخصيات

انظر أيضاً

الهامش

  1. ^ The Ottoman Empire and the Serb Uprising, S J Shaw in The First Serb Uprising1804-1813 Ed W Vucinich p72
  2. ^ [1] History of Servia, and the Servian Revolution by Leopold von Ranke,tran:Louisa Hay Ker p 105
  3. ^ The Ottoman Empire and the Serb Uprising, S J Shaw in The First Serb Uprising1804-1813 Ed W Vucinich p73
  4. ^ [2] History of Servia, and the Servian Revolution by Leopold von Ranke,tran:Louisa Hay Ker p 115
  5. ^ The Ottoman Empire and the Serb Uprising, S J Shaw in The First Serb Uprising1804-1813 Ed W Vucinich p77
  6. ^ The Ottoman Empire and the Serb Uprising, S J Shaw in The First Serb Uprising1804-1813 Ed W Vucinich p80
  7. ^ رحلة إلى الشرق

وصلات خارجية