الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية

ابراهيم العريس.jpg هذا الموضوع مبني على
مقالة لابراهيم العريس.

الأخلاق الپروتستانتية وروح الرأسمالية كتاب من تأليف ماكس ڤبر يتحدث فيه عن ان كيف ان الأخلاق البروتستانتية ساعدت إلى تكوين الرأسمالية الجديدة وأن الپروتستانت أغنى من الكاثوليك.

الأخلاق الپروتستانتية وروح الرأسمالية
The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism
Die protestantische Ethik und der 'Geist' des Kapitalismus original cover.jpg
غلاف الطبعة الألمانية من 1934
المؤلفماكس ڤبر
البلدألمانيا
اللغةالألمانية
تاريخ النشر
1905

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

استعراض الكتاب

 
كتاب "الأخلاق البروتستانية وروح الرأسمالية" لماكس فبر. لقراءة وتنزيل الكتاب، اضغط على الصورة.

يتناول العالم الألماني ماكس ڤبر، أحد مؤسسي علم الاجتماع، كيفية اختلاف الطبقات الاجتماعية في المجتمعات بسبب اختلاف وتعدد الطوائف الدينية فيها. يوضح ڤبر أن مثل هذه البلاد المتعددة الطوائف فإن أصحاب الثروات والنفوذ ورجال الأعمال هم الغالبب من الطائفة البروتستانية. يعزى هذا الاختلاف إلى عدة أسباب، لكن ڤبر يجد توضيح ماهية عناصر هذه الديانات هو البداية لمعرفة تلك الأسباب. تتسم البروتستانية بأنها تهتم بمباهج الحياة، وترى أن على الفرد أن يعيش باستمتاع وإثارة ومجازفة، على عكس ما تتسم به الكاثوليكية كونها في رأي ڤبر أكثر"انفصالاً عن العالم" وأنها تعطي لا مبالاة كبيرة إزاء ثروات العالم. وهنا يكمن التعارض بين الطائفتين، لكن مع استثناء الكاثوليك الفرنسيين الذين هم أقرب إلى الكالفينية فيما يخص الحياة الدنيوية.

يتطرق ڤبر إلى الكالڤينية كمعتقد خيضت باسمه معارك سياسية وثقافية كبيرة في بلدان متطورة، وتتعدد مذاهب الكالفينية ويظهر أكثرها أهمية "مذهب الجبرية" والذي تتوضح معالمه في اعتراف وستمنستر الذي يعود لعام 1647 في هذه النقاط:

  • إن الله قدر للبعض العيش حياة أبدية باصطفائه لهم، ولآخرين بموت أبدي وذلك وفقاً لأمره وإظهاراً لمجده.

يوجه الله الذين في قلوبهم الخير إلى طريق الخير.

  • إن الوقوع في الخطيئة هو فقدان للرغبة بأي اتصال روحي وبالتالي الحرمان من طريق الهداية.
  • حرم الله الأشرار من رحمته ومن نعمه على هذه الأرض وهم يصبحون بذلك عرضة للخطيئة وارتكاب المعاصي.

تؤكد الكالڤينية أن أعمال الإنسان أي خيرها أو شرها هو ما يحدد مصيره، هذا يعني أن أوامر الله المطلقة قابلة للتعديل بتغير أعمال البشر وهذا هنا غير مقبول بتاتاً. إن هذه المعتقدات التي عاشها الكثيرون بكل لاإنسانيتها هذه جعلتهم يعيشون وهم يعلمون مصيرهم الذي ينتظرهم في الآخرة، غير قادرين على أن يغيروا منه شيئأ حتى بتدخل الكنيسة؛ فأصبح إلغاء الخلاص على يد الكنيسة فارق جذري مع الكاثوليكية.

يؤكد ڤبر أن الكالفينية وجدت لتعظيم وتمجيد الرب؛ أي أنها تضعه بمحل تنفيذ الأوامر الربانية، فيعيش حياة اجتماعية محورها هو حياة روحانية ربانية خالصة. فيصبح هذا الاندماج للحياة الدينية بالاجتماعية ملبياً للحاجات البشرية ومعبراً عن قيمة العمل المعروف كفعل لتمجيد الرب وتعظيمه لا لتحقيق مكاسب شخصية. وتكتمل الصورة المثالية للكالفينية بنظرها إلى الفرد والأخلاق على أنها علاقة بدون صراع. وهنا يظهر حياد ڤبر عن الخوض في الأسباب لأنه يجد كل هذا مرتبط بالمقام الأول بفهم العمل. يعود ڤبر مرة أخرى لمذهب الجبرية، ويفكر في الاصطفاء الإلهي لبني البشر، ويرى أنه لا يمكن معرفة إذا ما كان الشخص مصطفاً من تصرفاته لأنه وبرأي كالفن "لا يتميز المصطفون عن المنبوذين بشئ من الخارج". فالمصطفون "كنيسة الله غير المرئية".

و يرى كالفن أيضاً أن الإيمان الكامل ناتج عن الثقة الكاملة بالنفس فأي نقص في الأخيرة ينتج عنه قصور في الإيمان الداخلي وبالتالي كل واثق من نفسه هو ممن اصطفاه الله، ولكن مارتن لوثر يجد أن الإيمان الناقص يمكن أن يغفر إذا تاب العبد إلى الله. وهو بذلك يربط بين الإيمان والعمل حيث أن الأخير يكون متقناً كلما اتصف صاحبه بالأخلاق الرفيعة وبالإيمان القوي في قلبه والناتج – كما سبق ذكره – عن الثقة بالنفس وإمكانياتها. وهنا تتمحور البروتستانية في إعطاء شعور الرضا واليقين الذاتي من خلال العمل لتصبح بذلك وسيلة "لمواجهة مشاعر القلق الديني".

إن الكاثوليكية جعلت من كهنة الكنيسة أسباباً للخلاص والحصول على المغفرة والعفو من الله لأي من معتنقيها رغم ارتكابهم الآثام، في حين أن الكالفينية تعتبر الحياة الدينية مرتبطة بالحياة التي يعيشها الفرد بشكل عادي، أي أن الله لا يحاسب الفرد على أعماله الدينية المنفصلة عن ممارساته في حياته الاجتماعية فهي وحدة واحدة، فيسقط مع هذا الفكر "النمط الكاثوليكي" كما يرى ڤبر والذي يتحرك بين الخطيئة، الندم، التوبة، والغفران ثم الخطيئة مرة أخرى.

ثم يأتي ڤبر إلى النسكية المسيحية التي ما لبثت أن أصبحت تتسم بعقلانية كلية. فأصبح مذهباً يحفظ البشر من اتباع الغرائز والطبيعة وذلك بهدف الانصياع لرغبة الإرادة. ولكن أن يكون في نفس الوقت على قدرة للعيش "حياة نشيطة ومنفتحة"؛ فيصبح الهدف – إضافة إلى حفظ البشر من تبعية غرائزهم – على تنظيم سلوكهم. إن الكالفينية جعلت من دمج الإيمان الروحي بالحياة المهنية الداعية إلى إلغاء التصوف والتزام العقلانية في الدين جعلت من الكافينية توجهاً أصيلاً يدمج عهده القديم بالجديد. ففهم الكالفينية هو فهم لطريقة التأثير على الحياة العملية مع الحياة الدينية.

في هذا الكتاب يحدد من البداية، أن ليس ثمة رأسمالية واحدة، بل رأسماليات، بمعنى ان «كل مجتمع رأسمالي، في حد ذاته، يحمل من الخصائص ما لا يوجد على تلك الشاكلة نفسها في المجتمعات الرأسمالية الأخرى». من هنا يرى ڤبر ان من المشروع أن يصار الى تحديد نمط مثالي من الرأسمالية، اي تعريف قائم انطلاقاً من بعض السمات التي يمكن التوقف عندها «لأنها تهمنا بصورة خاصة ولأنها تحدد بدورها عدداً من الظواهر الثانوية». وبالنسبة الى ماكس ڤبر تتحدد الرأسمالية بوجود المشروع BETRIEB الذي يكون هدفه تحقيق اعلى قدر من الربح، ووسيلته التنظيم العقلاني للعمل وللإنتاج، بمعنى ان «الارتباط بين الرغبة في الربح والانتظام العقلاني، هو ما يشكل تاريخياً السمة الفريدة التي تسم الرأسمالية الغربية» فـ «أفراد نهمون للحصول على الأرباح، يمكننا ان نجدهم في كل مكان وفي كل مجتمع، لكن ما هو نادر، وربما فريد من نوعه، هو ان تنحو تلك الرغبة الى التحقق، ليس بفعل الغزو والمضاربة والمغامرة، بل من طريق الانتظام العقلاني والعلم». إذ ان ما لدينا هنا هو «مشروع رأسمالي يهدف الى تحقيق الحد الأقصى من الربح بواسطة التنظيم البيروقراطي».[1]

وإذ يقول ڤبر هذا، يسارع الى تأكيد ان استخدام تعبير «الحد الأقصى من الربح» ليس صائباً تماماً هنا، لأن العنصر الأساس المكوّن للرأسمالية، «ليس الحد الأقصى من الربح، بل التراكم غير المحدود». فنحن نلاحظ ان كل تاجر من التجار يسعى في اي مكان وفي اي زمان الى تحقيق اكبر قدر ممكن من الربح من خلال اية صفقة يجريها. اما ما يحدد الرأسمالي فليس انه يحد من نهمه الى الربح، بل كونه يتحرك بفعل الرغبة في المراكمة الدائمة، ما يجعل ارادة الإنتاج نفسها من دون حدود. فكيف ينطبق ذلك على «الأخلاق البروتستانتية»؟

هنا، كجواب عن هذا السؤال الأساس، يبني ڤبر مشروعه الفكري المهم، والذي ينطلق فيه من رصده التاريخي لظاهرة التراكم الرأسمالي المحقق في المناطق الخاضعة للذهنية (ويقول هو: الأخلاق) البروتستانتية. وللوصول الى هذا يبدأ ماكس ڤبر بتوجيه النقد الجذري الى التصور المادي للتاريخ. فبالنسبة إليه ليست المصالح الاقتصادية هي وحدها ما يكمن في جذور التطور التاريخي، والحركات الطبقية والتيارات الاجتماعية الكبرى أو حتى في التيارات السيكولوجية الاجتماعية. وهذا النقد، الحاسم بالنسبة إليه، كان هو ما دفع ڤبر الى البحث، في تاريخ الأديان، عن جذور الرأسمالية، ما قاده الى الاستنتاج بأن الرأسمالية ليست، في الواقع، سوى الوريث الشرعي للكالفينية (احد التيارات الرئيسة في البروتستانتية) والطهرانية Puritanisme، حيث يوجد ذلك الزاهد الذي يحوّل العمل الى نوع من التقوى ومن الصلاة المستمرة. وهنا يرى ڤبر ان الكالفينيين، بفضل صرامتهم وتقشفهم، يتجهون الى اعطاء الأمور البشرية، حتى الأكثر عادية من بينها، دلالة مقدسة.

وهكذا يصبح العمل وتنظيمه بالنسبة إليهم نظاماً ينبغي إقامته في الواقع العملي وفي الحياة نفسها. وهذا النظام يكون بالنسبة الى الكالفيني إيماناً ورسالة، بل تحقيقاً للإرادة الإلهية. وفي هذا الإطار نلاحظ كيف ان الربح الذي يحققه رأس المال يتخذ دلالة مشابهة: فهو يصبح الهدف الضروري والحتمي للتنظيم الممنهج للحياة التي ينحو إليها العقل الديني الطهراني. ولا يعني ذلك ان هذا الهدف يصبح غاية في ذاته. «ولكن ان الربح المتحقق من العمل يمكن ان يتحول بدوره الى عمل منتج وإلى تنظيم». اي في كلمات اخرى ان «الرأسمالي الحقيقي لا يراكم رأسماله من اجل الاستجابة لدواعي المسرّات واللذائذ التي يمكن رأس المال ان يوفرها له، بل بهدف الوصول الى تنظيم وعقلنة للعمل والإنتاج يؤديان الى إثراء الحياة البشرية، وبالتالي الى تفسير الظفر التجاري الخاص، بوصفه اختياراً إلهياً، ودليلاً على كون الإنسان، منذ البداية مهيأً لذلك منذوراً من اجله في ما يحمل مصلحة ابنائه وذريته وجماعته». وانطلاقاً من هنا يرى ڤبر، إذاً، ان عمل رجل الأعمال الحديث انما هو ذو اساس ديني، حيث ان التنظيم والصراع في المجالات التجارية، يكونان مرتبطين برؤية للعالم ترى ان الأكثر نشاطاً وفاعلية في المجتمع هم الذين ينظمون وينتجون ويثرون، فيما الآخرون غير المختارين يخسرون معاركهم حتماً، ويدمرون انفسهم وينتهون.


نقد

من المؤكد أن ماكس ڤبر، عالم الاجتماع الألماني والباحث في الدين والاقتصاد، لم يكن هو من أعلن حتمية مجيء هتلر، غير أن كتاباته السياسية تجعل من ذلك المجيء أمراً ممكناً على الأقل. ومن المؤكد أن ڤبر لم يرد أبداً ان يقول ان الرأسمالية هي وليدة الطهرانية البروتستانتية في تجلّيها الكالڤيني، لكنه، وفي الكثير من مؤلفاته، خصوصاً في كتابه «حول الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية»، قرر على الأقل أن الأخلاق البروتستانتية كان لها دور أساس في قيام الرأسمالية الحديثة، وإن كان وفق عبدالرحمن بدوي «لم يحدد مدى هذا الدور» تمام التحديد.

وفي المجالات كافة التي اهتم بها، سيجد لديه الكثير من التناقضات، غير أن هذا القارئ سرعان ما سيجد أن لهذه التناقضات، دلالات فائقة الأهمية تتجاوز الحدود السوسيولوجية والاقتصادية. إذ إن تأكيدات ڤبر تجعل من التاريخ نفسه، في معنى من المعاني، صراعاً دائماً بين لحظة سلبية ولحظة ايجابية، علماً أن مستقبل الحضارة بالنسبة إليه يتمحور من حول الشكل الإيجابي الفاعل الذي يسم الحياة الحديثة، ومهما كان من شأن محدوديته والظلم الذي يمكنه ان يتسبب فيه. ومن هنا، ولأن ڤبر كان سياسياًً نشطاً، بمقدار ما كان في الوقت نفسه عالماً نظرياً، كان من الواضح انه في نظرته هذه انما يندد، كما يقول دارسوه بـ «النظام البرلماني الديموقراطي، معلناً - عبر بعض مفاهيمه السياسية - ضرورة وجود تنظيم سياسي - اجتماعي مستقبلي تقوم قاعدته على أساس وجود الزعيم، أو القائد، أو «الفوهرر»، الذي تعهد اليه الجماهير بشؤونها، لأنها تتعرف فيه إلى محقق غرائز السلطة الكامنة أصلاً لديها».

غير أن هذه النظرة - يضيف دارسو ڤبر - «لا تستبعد وجود طبقة سياسية قائدة، تماماً كما أنها لا تقر بضرورة اتباع سياسة إمبريالية إلا من بعد تحقيق الوحدة القومية الداخلية والوطنية». بيد أن هذا التفسير «السياسي جداً» لنظريات ڤبر من الصعب أن يبدو بوضوح ظاهراً لمن يقرأ مؤلفه الأساسي «الأخلاق البروتستانتية...»، إذ هنا، وإن قال ريمون آرون عن ڤبر أنه «ينتمي الى اولئك الرهط من علماء الاجتماع الذين استلبوا سياسياً، قادت بهم تطلعاتهم غير المحققة في الميدان العلمي الى الانخراط في ميدان الجهد العلمي»، من الواضح ان فلسفة ڤبر - في هذا الكتاب - تقوم على أساس الربط الوثيق بين القيم وبين نظرية الفعل العملي.

نبذة عن المؤلف

منذ ظهور نظرية ماكس ڤبر هذه، جوبهت بقوة ونوقشت، غير أن حركة التاريخ، أعطت بعض سماتها الرئيسة صدقيتها، ومن هنا عاد الاهتمام بماكس ڤبر وأفكاره يكبر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ولا سيما بعدما بدأ التفسير المادي الماركسي للتاريخ يتراجع. وانتشرت مؤلفاته الكثيرة من جديد. وڤبر ولد العام 1864 في ايرفورت في ألمانيا، لأسرة كانت من أهل الصناعة البروتستانت. وهو درس في برلين، وكتب أول مقالاته حين كان في الخامسة عشرة. ثم التحق بجامعة هايدلبرگ ثم برلين ثم گوتنگن، وأعد رسالة الدكتوراه في موضوع الاقتصاد في وقت كان يتقلب فيه بين المذاهب السياسية، متأرجحاً بين اليمين الجرماني التوحيدي والنزعات اليسارية التقدمية. وهو كتب الكثير ودرس في الجامعة، أما معظم كتبه الأساسية فكان يتألف من دراسات متفرقة ومحاضرات. وڤبر الذي رحل في العام 1924، كتب في الدين والاقتصاد والسياسة والفلسفة. أما أهم كتبه فهو «علم اجتماع الدين» و «الاقتصاد والمجتمع».


انظر أيضاً

أعمال أخرى لماكس ڤبر متعلقة بعلم اجتماع الدين

الهامش

  1. ^ ابراهيم العريس. "«الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية» لماكس ڤبر: من الدين الى الحياة المثمرة!". الحياة. Retrieved 2013-01-01.