ابن العوام الإشبيلي

ابن العوام الإشبيليهو أبو ذكريا يحيى بن محمد بن بن أحمد بن العوام الإشبيلي الأندلسي. عالم أندلسي بالنبات والفلاحة ومهندس ري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأته

ولد ابن العوام الإشبيلي في مدينة العلم والفن إشبيلية عروس بلاد الأندلس في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي وبها نشأ وتعلم . وأخذ ابن العوام الإشبيلي على علماء وشيوخ عصره جميع العلوم المختلفة التي كانت منتشرة كام شغف في دراسة العلوم الزراعية والنباتية إذ كانت إشبيلية تمتاز بوفرة خصبها ونضرتها . يخرتقها نهر الوادي الكبير فينتشر الجمال والخضرة ويطل عليها جبل الشرف الغني بلأشجار المثمرة.

لقد كان ابن العوام يرى أن علم الزراعة فناً من الفنون المهمة لحياة الفرد، ولذلك تبحر في دراسة هذا العلم، وأدلى بدلوه فيه، حتى ذاع صيته في الأوساط العلمية، ونال شهرة عظيمة، وخاصة عندما وضع كتابه "الفلاحة الأندلسية"، كما وضع "رسالة في تربية الكروم". وعلى الرغم من أن المصادر لم تسعفنا بذكر واف عن حياة هذا العالم الجليل، وربما لأنه عاش في الفترة المتأخرة والقلقة من حياة مدينة إشبيلية. وما يؤكد هذا الأمر أن أبا بكر محمد بن خير بن عمر الأموي الإشبيلي(575هـ) لم يذكر ابن العوام ومؤلفه في فهرسته مع العلم أنه إشبيلي المولد والنشأة ودرس فيها وأخذ عن شيوخها منذ عام(518هـ) وما بعده، كما تجول في أرجاء الأندلس فذكر في فهرسته ماينوف على الألف كتاب. وعلى ذلك فإن ابن العوام عاش قبيل أو بعد عام(575هـ) وهي سنة وفاة أبي بكر الإشبيلي، ولذلك فإن الاختلاف في ذكر تاريخ وفاته، متأت من الفترة الصعبة التي مرت بها مدينة إشبيلية.


ثقافته ومنهجه

لعل ابن العوام كان قد اطلع على علوم كثيرة ساعدته في التأليف والتصنيف، فمن المؤكد أنه اطلع على علم الفلك و الكيمياء والطبيعة والنبات وغيرها من العلوم، ولعل فصول كتابه الخمسة الأخيرة التي تحدثت عن تربية المواشي و الدواجن و الطيور و نحل العسل ، وحديثه عن الفصول الموافقة للتلاقح والأعلاف ومعالجة الأمراض التي تصيبها. تدل على أن ابن العوام كان على علم واسع في علم البيطرة أيضاً.

ويبدو متعذراً أن نذكر أسماء الشيوخ الذين درس عليهم، ولكنه بلا شك قد اطلع على جميع مؤلفات الفلاحة العربية وغير العربية في مجال الفلاحة والعلوم الأخرى، حتى بلغ مجموع ما ذكرهم ما يزيد على المائة. ومن العلماء العرب نذكر: أبو الخير الإشبيلي، وابن بصال، وابن حجاج الإشبيلي، والحاج الغرناطي، والطغنري، وابن وحشية، وأبو حنيفة الدينوري، والأصمعي، وعريب بن سعيد، والجاحظ، وثابت بن قرة. ومن العلماء غير العرب نذكر: قسطوس، وكسينوس ، ومهرآريس، ومرسيال الطبيبي، ويونيوس، وأرسطاليس، وديسقوريدس، وجالينوس، وسوريوس، وأبوقراط.

إلا أن ابن العوام اعتمد في الدرجة الأولى على ماكان يقوم به من تجارب على جبل الشرف بإشبيلية، وما يسجله من ملاحظات علمية، وهذا قلما نلاحظه عند باقي علماء الفلاحة من العرب أو غيرهم. فقد كانت كتبهم تعتمد بالدرجة الأولى على ما ينقلونه أو يسمعونه. كذلك كان ابن العوام بحق من العلماء القلائل الذين انتهجوا الأسلوب العلمي والتطبيقي في علوم الفلاحة، بل إن كتاب الفلاحة لابن العوام هو الكتاب الموسوعي الوحيد في العلوم الفلاحية الذي وصل إلينا. فنجد في الكتاب العديد من النظريات الزراعية، بالإضافة إلى العديد من التجارب التي قام بها في إشبيلية.

ابن العوام وكتابه الفلاحة الأندلسية

كتب ابن العوام كتابه "الفلاحة الأندلسية" في سفرين (جزئين)، وقد تعرض فيهما لمختلف علوم الفلاحة وبصيغة شمولية وعلمية. فقال ابن العوام عنهما:" ضمنت الأول منهما معرفة اختيار الأرضين والذبول والمياه وصفة العمل في الغراسة والتركيب .. وضمنت السفر الثاني الزراعة وما إليها وفلاحة الحيوان ".

وقدم ابن العوام لكتابه بمقدمة طويلة مهمة ضمنها بعض الأحاديث النبوية الشريفة فيما يخص الزراعة والزرع، كما ذكر بعض الأقوال المأثورة والحكم التي تتعلق بالفلاحة. كما أفرد للجزء الأول( السفر الأول) من كتابه (16) باباً اختصت في علم التربة و التسميد و الري وعلم البستنة و التقويم الزراعي وتأثير العوامل البيئية في الزراعة وفي تربية النبات، أما الجزء الثاني( السفر الثاني) فيضم (19) باباً اختصت في أهمية الطاقة الشمسية لأصلاح الأرض والزرع وعلم المحاصيل الحقلية والخضر ونباتات الحدائق والزينة ووقاية المزروعات ومكافحة الآفات وعلوم الإنتاج الحيواني والصحة الحيوانية(علم البيطرة).

إن غنى كتاب "الفلاحة الأندلسية" يجعل من الصعب تلخيص مضمونه، وفيما يلي نجمل المنهج العلمي الذي اتبعه ابن العوام في كتابه بعدة أمور:

قصد ابن العوام الجمع بين التبحر العلمي في المصادر القديمة التي سبقته، وبين المعارف العملية التطبيقية التي استقاها من تجاربه الشخصية، ولذلك قدم وصفاً دقيقاً لأكثر من(585) طريقة زراعة لنباتات مختلفة، منها(55) طريقة تتعلق بالأشجار المثمرة. وهذا ما قاده إلى التعرف على أطوار نمو النباتات وصفاتها. ولهذا لم يترددماكس مايرهوف في التصريح بأن هذا الكتاب ينبغي أن يعد أحسن الكتب العربية في العلوم الطبيعية، وعلى الأخص علم النبات.

عالج ابن العوام كل الأمور الزراعية تقريباً بأسلوب سهل جذاب وتنسيق علمي، لاتمل قراءته.

اتسم ابن العوام بالأمانة العلمية في العرض والاستشهاد بأقوال غيره.

كان ابن العوام ينوه مراراً بالتجارب العلمية التي أجراها بنفسه في جبل الشرف. وقد توصل إلى نظريات جديدة لم يأت ذكرها في الكتب الزراعية القديمة. وكثيراً ماكان يشير إلى المنطقة التي أجرى فيها تجاربه الزراعية، نحو:" زرعت حبة الصحاح في الشرف" و" أما في جبل الشرف فما رأيت قط شجرة تين بين غرس في كرم"، إلى غير ذلك. " ولم أثبت فيه شيئاً من رأي إلا ما جربته مراراً فصحَ".

يعتبر ابن العوام أول من عرف وحدد الترب على أساس نوعها، والنباتات التي تختص بتربة دون غيرها، وهذا ما يسمى في عرف العلم الحديث(أن النباتات كواشف للبيئة).

استعمل ابن العوام العديد من المسميات والمصطلحات العلمية العربية التي ذكرها في كتابه، وأغلب هذه المصطلحات غفل عنها الكثير من العلماء الذين سبقوه.

إن ما قدمه ابن العوام في كتابه نابع من البيئة الأندلسية، والمنهج العلمي الذي اتبعه يتكيف في التعامل مع هذه البيئة، والمعايير التي استعملها في تبويب كتابه وتصنيف النباتات التي تتفق مع ظروف البيئة الأندلسية كلها ذات منهج علمي أصيل.

تمكن ابن العوام من استنباط طرق عديدة يتم إنجاح ما يبكر بزراعته ومن أبرز هذه الطرق استعمال" المشارق المكنة" و"البيوت المكنة" التي ليست عند التأمل والتدقيق فيها إلا صورة سابقة للبيوت البلاستيكية اليوم.

يعتبر ابن العوام أول من ابتكر طريقة الري بالتنقيط التي بدا انتشارها حالياً وبالأخص في منطقتنا العربية وذلك بغية توفير كمية مياه الري، وقد سمى ابن العوام هذه الطريقة باسم "طريقة الري بواسطة الجرار" وذلك لأنه استخدم في تطبيقها جراراً فخارية صغيرة ثبتها داخل التربة بجانب جذوع الأشجار، بحيث تصل المياه للشجرة نقطة نقطة. وقد عوضت الجرار الفخارية بالمواد البلاستيكية، وهذه الطريقة توفر أكثر من( 70%) من المياه اللازمة للزراعة.

من خلال هذا الكتاب يمكننا أن نلاحظ أسس المدرسة العربية في الفلاحة. بل يمكننا أن نقول: أن ما كتب في ابن العوام في كتابه الفلاحة ما هي إلا فصول دراسية شملت مختلف العلوم الزراعية، وهذه الأسس المنهجية في الدراسة مازالت متبعة في الدراسة الجامعية التي نجدها الآن في الجامعات الغربية والشرقية، فكانت بحق مناهج دراسية لنيل المعرفة في الفلاحة والاختصاص. مما ساعد على تقدم الفلاحة ليس فقط في الأندلس، ولكن في العالم الغربي أيضاً، ولذلك ترجم الكتاب إلى عدة لغات عالمية. وهكذا، يتضح لنا عبقرية هذا العالم الذي يعد بحق نابغة فقي العلوم الزراعية المختلفة وفي المجالين النظري والتطبيقي، فكان ابن العوام القدوة لكبار العلماء الذين ذاع صيتهم في مشارق الأرض ومغاربها والذين وصفهم المستشرق الفرنسي لوسيان لوكلير بقوله أن:"ابن العوام كان عملاقاً في حقل الفلاحة، فقد قدم للإنسانية من المعارف التطبيقية ما تحتاج إليه".

المصادر

موسوعة أرض الحضارات