أخبار:اتفاقية جزائرية صينية لاستغلال منجم جبيلات

صورة من غار جبيلات.

في 30 مارس 2021، وقعت الجزائر مذكرة تفاهم بين المؤسسة الوطنية للحديد والصلب "فيرال" وكونستريوم شركات صينية من أجل استغلال منجم الحديد في غار جبيلات بولاية تندوف، ويقضي الإتفاق إنشاء محطة للطاقة الشمسية لتموين خط سكة حديدية كهربائية تصل حتى ميناء وهران، فيما فاقت التكلفة الأولية للمشروع 2 مليار دولار، وسيكون التمويل جزائري صيني.

غار جبيلات

منجم غار جبيلات، الواقع على بعد 130 كم جنوب شرق مدينة تندوف، أقصى جنوب غرب الجزائر، أحد أكبر احتياطات الحديد في العالم، ليس مشروعا عاديا لأبناء المنطقة، بل للجزائر ككل، والحديث عن استغلاله يعيدنا 64 سنة للوراء، حينما اكتشف العالم الفرنسي بيار جيفان، هذا الكنز الدفين أو “العملاق الحديدي النائم”، سنة 1952، والذي لم ير طريقه إلى النور بعد. الكثير من الجزائريين في تندوف يجهلون أنهم يدوسون على ثروة 1.5 مليار طن من المعدن الرمادي، تصل 3 مليار طن باحتساب منجم مشري عبد العزيز، كما أن الفرنسيين الذين استغلوا ثروات البلاد، لم يتمكنوا، من استخراجه طيلة 8 سنوات من التجارب.[1]

ووقف رؤساء الجزائر المستقلة المتعاقبين، مكتوفي الأيدي أمام غياب التكنولوجيا، ففضلوا التنقيب عن البترول في الضاحية الجنوبية الشرقية بحاسي مسعود، وترك احتياطي الحديد المتموقع بالجنوب الغربي، للأجيال القادمة.

رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام (1992/1993)، أول من فكر في إيقاظ المنجم، لكن الأزمة المالية آنذاك، ولجوء الجزائر إلى صندوق النقد الدولي بعدها بسنوات، وتجاوز ديونها الخارجية 7 مليارات دولار، بل وصولها حد بيع المصانع وتسريح العمال، أبقت الحلم دفين حكومات عاجزة حتى عن تسديد أجور عمالها.

مرت 20 سنة دون أن يحرز المشروع أي تقدم، لتكون الزيارة التي قادت الوزير الأول، عبد المالك سلال، لمناجم الجنوب الغربي سنة 2013، بصيص أمل، للدفع بهذا الحلم الذي صنف في خانة “المشاريع النائمة” التي لم تر النور.


“المشروع سيكتسيً طابعاً هاماً للولاية، التي ستعرف ثورة تنموية بفضل المنجم، إن تم استغلاله سنة 2021 بصفة رسمية، فهذا الأخير، سيفك العزلة بفتح خط للسكك الحديدية بطول 1000 كلم لنقل الإنتاج نحو المصانع، ويربط القرية بولايتي أدرار وبشار اللتان تعدان قطبان منجميان بامتياز” يتوقع والي تندوف، مرموري أمومن.

ويؤكد أن توجه الحكومة الجزائرية الجديد منصبّ حول القارة الإفريقية، حيث ستتحول تندوف إلى بوابة الجزائر نحو الغرب الإفريقي، مستهدفة أسواق موريتانيا والسينغال، كما يجزم أن الدراسات ستنتهي بصفة رسمية بعد سنتين من الآن، أي نهاية 2018 ليدخل المشروع حيز الخدمة سنة 2021.

وإذا كان غار جبيلات لا يزال لحد اليوم، مجرد دراسات على ورق، فهذا لا يجعلنا نتناسى أهميته في تحريك تلك المنطقة النائية، وتحويلها إلى قطب اقتصادي، خاصة من الناحية الجبائية، عبر الدولارات التي ستدخل خزينة الولاية، حيث لن تكون السلطات المحلية، بحاجة إلى الإعانات والميزانية التي تقدمها الدولة عبر الموازنة السنوية.

وبعث المشروع، وقبل دخوله حيز الخدمة حركية في الولاية من الناحية الاستثمارية حيث بدأت العروض تتهاطل على السلطات المحلية لفتح فنادق ومراكز استقبال ومطاعم، بعد أن تم إستحداث مدرسة لتكوين متخصص في نشاطات المصنع. وتوقع مرموري، تحول تندوف بعد سنوات، وهي أحد أكبر 6 ولايات بالجزائر من حيث المساحة، إلى مدينة منجمية تتلون بمختلف جنسيات العالم من مهندسين وخبراء وعمال سيأتون إلى تلك المنطقة بحثا عن فرص شغل.

فالولاية وبنظرة استشرافية، إذا نجح المشروع، ستقترح سنة 2021 عقارات، أراض فلاحية، مرافق خدماتية، مجمعات وأسواق كبيرة، ولحد الآن، وحسب الوالي، أحصت مصالحه، عشرات طلبات الاستثمار، هي محل دراسة، قبل إعطاء الضوء الأخضر لاستخراج الحديد، تضاف إلى محطات الوقود على الطريق الوطني رقم 50، والذي يصل إلى آخر نقطة في الحدود الجزائرية الموريتانية. ومما يزيد أهمية للمنجم قربه من الحدود الجزائرية الموريتانية، الدولتان اللتان قررتا قبل أيام ولأول مرة استحداث معبر حدودي، لرفع نسبة المبادلات التجارية، وتسهيل حركة الأشخاص والسلع، فذلك سيضخ دماء جديدة قبيل إطلاق مشروع غار جبيلات.


الفرصة لاستغلال العملاق النائم، كانت مواتية، بين سنتي 2001 و 2005، حينما بلغ سعر الحديد أعلى أسهمه في البورصة، لكن الحكومة التي كان يرأسها، علي بن فليس، فضلت آنذاك التعاقد مع العملاق الدولي الهندي ميتال، لتسيير مركب الحجار للحديد والصلب المتواجد بولاية عنابة شمال شرق البلاد، وإغماض أعينها عن غار جبيلات، خوفا من المغامرة، يقول الخبير الطاقوي والجيولوجي، بوزيان مهماه، فمشروع بهذا الحجم يكلف ما بين 15 و20 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم، يتطلب التفكير قبل كل شيء. وإعادة بعثه، يقودنا إلى مراقبة دورة الأسعار والإنتاج للمعادن والخامات، إذا علمنا أن ما حدث في سوق النفط خلال السنتين الماضيتين من تكسير للأسعار، عاشته أيضا أسعار المعدن الرمادي، عبر سيناريو شبيه إلى حد بعيد لما وقع في سوق الذهب الأسود بداية من النصف الثاني لـ2014.

وتجزم الدراسات الدولية وتقارير الخبراء، أن سوق الحديد ستتلون بالوردي بداية من 2019، لتحقق الأسعار قفزة عملاقة، فبعد 3 أو 4 سنوات، ستكون الفرصة مناسبة، حسب مهماه، لبعث منجم غار جبيلات والشروع في التسويق بداية من 2021.

وإذا عادل سعر طن الحديد سنة 2010، 146 دولارا، فقد أصبح اليوم، لا يزيد عن 50 دولارا، ويتأرجح سعر التكلفة بين 28 و58 دولار للطن، كما أن سعر الحديد الصلب، أي المعالج الذي بلغ سنة 2010 يعادل 650 دولارا للطن، بات لا يتجاوز 350 دولارا.

ما دفع بعدد كبير من المنتجين للخروج من السوق، المسيطر عليه من قبل شركات صينية، برازيلية، كندية وأسترالية، وستصل أسعار الحديد أدنى سقف لها سنة 2018، بمستوى 48 دولار للطن الخام، لتشرع في التعافي بداية من 2019 بمستوى 56 دولار، و425 دولار للطن الصلب.

وتنتعش بشكل أكبر بداية من 2020، أين يرتقب أن تتجاوز الأسعار الـ60 دولارا، هنالك فقط سيكون الوقت المناسب لاستيقاظ منجم غار جبيلات. و”تتوقع دراسة لشركة كومبا، أكبر منتج للحديد في إفريقيا، أن يستمر انخفاض سعر الحديد 3 سنوات، قبل أن يستعيد السوق توازنه سنة 2019″ وفقا لما أوردته وكالة “بلومبرج”.

و”يرتبط ذلك بتراجع النمو في الصين وتباطؤ إنجاز مشاريع البنى التحتية، وقدرت الوكالة متوسط سعر الحديد للطن المتري خلال سنة 2016 بـ58 دولار، على أن تتحسن الأوضاع تدريجيا بعد 3 سنوات” يضيف المصدر.

ودحضت الدراسة الأخيرة التي تسلمتها الحكومة الجزائرية، من طرف مكتب كندي، الانتقادات التي رافقت الحديث عن المنجم، منذ إعادة بعثه سنة 2013، مؤكدة أن ما نسبته 53 بالمائة من الحديد المتواجد في باطن الأرض هو حديد صافي.

فالمطلوب اليوم تحرك “دبلوماسية المعادن”، وإتقان فنون التفاوض للبحث عن شركاء يمكّنون الجزائر من التحكم في التكنولوجيا وإيجاد مكان لها في السوق الدولية لمنافسة عمالقة التعدين في العالم، وعلى الأقل توفير 5 مليون طن من حاجيات الجزائر من الحديد، والقضاء على واردات تعادل 10 مليار دولار سنويا، حسب أرقام رسمية أعدتها الجمارك الجزائرية.


لجأ رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة سنة 2014، بعد تهاوي أسعار النفط إلى إعادة تنظيم الخارطة الهيكلية للحكومة بإسناد مهام تسيير المناجم إلى وزارة الصناعة بدل الطاقة، للتركيز على بدائل اقتصادية خارج المحروقات

وعبر وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، في إحدى ندواته الصحفية مع وسائل الإعلام عن حلمه الذي راوده منذ الصغر، بتحقيق عدة مشاريع أولها غار جبيلات.

ويكشف بوشوارب في حديث لجريدة الشروق، بأن غار جبيلات من المشاريع الاستراتيجية التي تحظى بمتابعة مستمرة من طرف أعلى سلطات البلاد، فالمنجم يكتسي أهمية كبرى لمستقبل الصناعة الوطنية، بحكم أنه سيموّن كافة الشُعب الصناعية المتضمنة في إستراتيجية بعث الاقتصاد الوطني بمادة الحديد، لذلك نصبت الحكومة لجنة وزارية مشتركة شهر سبتمبر المنصرم لمتابعة ومعالجة كل الجوانب المتعلقة بالمشروع، وتسليمه في الآجال التي تخدم مستقبل الصناعة. وتوقع الوزير بداية استغلال منجم الحديد بتندوف والوحدات الإنتاجية المختلفة آفاق 2021.

وعاد المسؤول للحديث عن استحدث مؤسسة “فيرال” في أعقاب زيارة الوزير الأول لولاية تندوف صيف 2013، وذلك للبدء في تثمين هذا المنجم، كما تم تزويد هذه المؤسسة بالإمكانات اللازمة، وتم إطلاق صيف 2016 استشارة دولية لإنجاز دراسة الجدوى القبلية للمشروع، هذه الدراسة تخص جانبين، الأول يتعلق بالمنهجية، من خلال دراسة السوق والتكنولوجيا الملائمة لمعالجة الحديد ونزع الفوسفور نهائيا أو جزئيا.

وقد أعطت التجارب المخبرية الأولى نتائج جد مشجعة، إذ تم خفض نسبة الفوسفور إلى ما دون الـ0.3%، وهو ما يجعل من حديد غار جبيلات ذو مردودية عالية، كما ستحدد دراسة الجدوى القبلية المواقع التي ستستقبل المعدات، مع الأخذ بعين الاعتبار كل العوامل الميدانية، من توفر المواد الأولية والروافد ووسائل النقل. أما الجانب الثاني من دراسة الجدوى القبلية، تتعلق بالشق المنجمي والهياكل الملحقة الأساسية، منها توفير الطاقة والماء والموارد البشرية.

ومن بين هذه العوامل طريقة استغلال المنجم وإنشاء محطة كهربائية إن استوجب الأمر، واستحداث مدينة منجمية والنقل عبر السكة الحديدية أو وسائل أخرى كالأنابيب والتهيئة المينائية للنقل البحري والتصدير. وباختصار نحن الآن ـ يقول الوزير ـ بصدد تقييم العروض لاختيار أحسن مكاتب الاستشارة، وسنحدد المكتب المرافق لفيرال شهر جانفي المقبل، كما أن الدراسة القبلية ستسلم قبل نهاية 2017.

تليها في 2018 دراسة جدوى اقتصادية لتحديد حجم الاستثمارات، في حين سيتم الشروع بداية 2017 في دراسة الأثر الاجتماعي والبيئي للمشروع، وانطلاق الاستثمار سيكون سنة 2019، وسيمتد إلى 2021، وهو العام الذي تم تحديده كأفق لبداية الاستغلال.


الاحتياطات

ويكشف المسؤول الأول عن قطاع المناجم، عن 3 مناطق استغلال بمنجم غار جبيلات، وهي غار جبيلات غرب، غار جبيلات وسط وغار جبيلات شرق، وتحتوي هذه الأخيرة على مجموع احتياطي منجمي بـ1.5 مليار طن، بنسبة حديد تصل إلى 56 بالمائة، أما الكمية الموجهة للاستغلال الاقتصادي فستحددها دراسة الجدوى التي تعكف الوزارة على إنجازها وفقا للمعايير الدولية الأسترالية جورك(JORC) .

ويصرح الوزير “لا أخفيكم أن موارد الحديد بالمنطقة، أكبر من ذلك خاصة على مستوى منجم الحديد مشري عبد العزيز المتواجد على بعد 250 كلم شرق منجم غار جبيلات”.

التشغيل

“تتهاطل العروض الدولية على المنجم العملاق غار جبيلات، لاقتناء الحديد الخام، حتى قبل بداية الاستغلال رسميا” في مقدمتها الصين. ويقول وزير الصناعة والمناجم أن بكين شريك استراتيجي للجزائر، صناعيا ومنجميا، مستدلا بالاتفاقيات المبرمة مؤخرا، منها تلك المتعلقة بتطوير القدرات الإنتاجية، محصيا إبرام العديد من الشراكات وفق القاعدة الاستثمارية 51-49. ”هناك اهتمام من طرف كبرى الشركات لاستغلال وتثمين الحديد محليا عن طريق الشراكة، وأيضا لشراء خام الحديد، والصين لحد الساعة من الشركاء الذين لديهم القدرة والاستعداد للمشاركة في تمويل المشاريع ذات المردودية الاقتصادية” يقول بوشوارب.

لكن المحادثات لا تزال متواصلة، فالمشروع يتطلب استثمارات ضخمة تجمع أكثر من مستثمر والجزائر ستتخذ القرار المناسب بعد الحصول على النتائج النهائية لدراسة الجدوى القبلية أي نهاية 2017″، يضيف الوزير. والدراسة ستوضح كيفية تثمين منجم غار جبيلات، في حين أن المحادثات حول الشراكات الممكنة ستتم مع كل الشركاء الدوليين الذين سيبدون اهتمامهم بالمشروع.

وتتوقع الدراسات الأولية خلق 4800 منصب مباشر وما يقارب 14500 منصب غير مباشر، أي إجمالا ما يصل 20 ألف وظيفة، فالمشروع سيساهم إلى حد بعيد في القضاء على البطالة وخلق ديناميكية للتشغيل بالمنطقة، والأكثر من ذلك، سكان وقاطنو الجنوب الغربي، جميعا سيشتغلون بهذا القطاع الحيوي.


التحديات

كل هذه الفرص لم تمنع الخبراء من قول كلمتهم، في العراقيل التي قد تبخر حلم استغلال منجم غار جبيلات في لحظة.

ويكشف الرئيس المدير العام الأسبق لمجمع سوناطراك، والخبير الطاقوي، عبد المجيد عطار، عن 7 مشاكل تعترض طريق المشروع، الذي يبقى حسبه، بحاجة لقرار اقتصادي وسياسي جريء. “المسافة بين المنجم والمصنع، والتي تتجاوز الـ1200 كلم، أكبر عائق يعترض المشروع، في حال اختارت وزارة الصناعة نقل الحديد إلى عنابة شمال شرق البلاد، وكذا غياب الموانئ والسواحل التي تسهل عملية التصدير”.

ولم يتناسى عطار، المشاكل السياسية والتوترات على الحدود الغربية مع الجارة المغرب، والتي تجعل فرص التنسيق الاقتصادي مستبعدة، في ظل غلق الحدود بين البلدين. ناهيك عن حجم الاستثمار المالي الضخم، الذي يصل 20 مليار دولار وفق الخبراء، في وقت لا يختلف إثنان، أن الجزائر تعيش ضائقة مالية وعاجزة عن تمويل المشاريع الضخمة بسبب انكماش عائدات النفط.

يطرح المتحدث أيضا مشكل نقص المياه بمنطقة تندوف، “المورد الأزرق” المطلوب بقوة في النشاطات المنجمية، كما اعتبر عطار تطوير منجم في منطقة تفتقر لقطب اقتصادي وصناعي متقدم، “مغامرة” خطرة، رغم إجماع الخبراء على أن المستقبل سنة 2050، سيكون للمعادن لا محال. ” صعوبة استخراج كميات ضخمة من الحديد في المرحلة الأولى للإنتاج، بسبب ضعف الخبرة، ما يقلص المردودية الاقتصادية للمشروع، عائق أخر يقف في وجه تحقيق المشروع يقول عبد المجيد عطار.


المصادر

  1. ^ "غار جبيلات أو "تكساس إفريقيا".. هل يحرّر الجزائر من "سجن النفط"؟". الشروق أونلاين. 2021-03-30. Retrieved 2021-03-30.