معاهدة رپالو (1922)

(تم التحويل من Treaty of Rapallo (1922))
أيمن زغلول
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال

معاهدة رپالو Treaty of Rapallo، كانت اتفاقية تم التوقيع عليها في فندق إومپريال في بلدة سانتا مارگريتا ليگورى الإيطالية في 16 أبريل 1922 بين ألمانيا وروسيا السوڤيتية بموجبها تخلت كلاً منهما على مطالباتها الاقليمية والمالية تجاه الأخرى في أعقاب معاهدة برست-ليتوڤسك والحرب العالمية الأولى.

معاهدة رپالو
Bundesarchiv Bild 183-R14433, Vertrag von Rapallo.jpg
المستشار الألماني يوزف ڤيرت (الثاني من اليسار) وكراسين، گيورگي چيچرين وأدولف يوفه من الوفد الروسي.
النوعمعاهدة ثنائية
وُقـِّعت16 أبريل 1922 (1922-04-16)
المكانرپالو، إيطاليا
الموقعون
الأصليون
 جمهورية ڤايمار
 روسيا الاشتراكية الاتحادية السوڤيتية
المصدقونألمانيا
روسيا السوڤيتية
التوقيعات على معاهدة رپالو

اتفقت الحكومتان كذلك على عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وعلى "التعاون بحسن نية متبادلة لتلبية الاحتياجات الاقتصادية لكلا البلدين".

تم التأكيد على المعاهدة مرة أخرى بمعاهدة برلين، 1926.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

هذا المقال بقلم أيمن زغلول

إنتهت الحرب العالمية الأولي باستسلام ألمانيا بسرعة بسبب تفاقم الأوضاع داخل البلاد حيث أن المواد الغذائية كانت في تناقص مستمر بسبب الحصار البحري البريطاني الفرنسي المفروض علي ألمانيا منذ بداية الحرب والذي جعل الإستمرار في الحرب ضربا من المحال خصوصا عقب دخول الولايات المتحدة هذه الحرب في مرحلتها الأخيرة عام 1917 مما أدخل قوة جديدة قوامها 2 مليون جندي أمريكي إلي المعركة في غرب أوروبا بأسلحة متطورة كالدبابة والطائرة مما أخل بالتوازن بشدة لصالح الحلفاء.

وعقب الحرب قامت في ألمانيا فوضي داخلية حيث رأي كل طرف سياسي أن الوقت قد حان بانهيار الدولة وتخلي القيصر عن الحكم وهروبه إلي هولندا، رأي كل طرف أن الوقت قد حان لكي يثب علي الحكم. فأراد الإشتراكيون الديموقراطيون الحكم وكذلك أراده الشيوعيون وفي نفس الوقت كانت فلول الجيش المنهزم تنخرط في تنظيمات عسكرية فاشية تمارس قتل المعارضين وترويع المواطنين وهو ما أنتج فيما بعد نظام الفاشية في الثلاثينات. وقد عقد في تلك الأجواء مؤتمر الصلح في فرساي بالقرب من باريس واتفق المنتصرون الحلفاء علي إعتبار ذنب وقوع الحرب يقع كاملا علي عاتق ألمانيا حيث أنها من بدأ بغزو جارتها الغربية بلجيكا حتي تصل منها إلي فرنسا. وأصبح علي ألمانيا أن تواجه تلك الحقيقة بأن تتولي دفع التعويضات الهائلة التي فرضها الحلفاء في ذلك المؤتمر.

أما روسيا فقد كانت الظروف فيها جد سيئة حيث وقعت حرب أهلية بين البولشفيك والمانشفيك تمزقت فيها البلاد وأهدرت مواردها الإقتصادية ووقعت مجاعة هائلة بسبب تزامن تلك الظروف مع سوء الأحوال الجوية مما أهلك الملايين في تلك الحرب وتلك المجاعة.

كان من ضمن شروط معاهدة صلح فرساي التي وقع عليها وفد الماني صاغرا بدون أن يناقش حرفا مما ورد فيها، إلي جانب دفع تعويضات هائلة، كان من ضمن شروطها تحديد القوة العسكرية الألمانية ب 100 ألف جندي وحرمان القوات المسلحة الألمانية من الطيران والبحرية والتنازل عن جميع أراضي ألمانيا خارج أوروبا، وهو ما يعني خسارة المستعمرات سواء في افريقيا أو الشرق الاقصي.

أما روسيا التي كانت قد إتجهت إتجاها شيوعيا فقد حوصرت دوليا ولم تعترف بها الدول الغربية التي كانت جميعا تخشي من إنتشار الفكر الشيوعي إلي أراضيها حيث أن قادة الثورة البلشفية أعلنوا مرارا أن ثورتهم ثورة عالمية تستهدف تحرير الطلبقة العاملة أينما وجدت وفي كل مكان علي وجه الأرض. وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تتخوف من هذا الفكر الخطير علي مجتمعاتها حيث أن تلك المجتمعات الغربية كانت تعد جاهزة للثورة أيضا بحكم التفاوت الهائل في تقسيم الثروة داخلها.


التعويضات

كانت التعويضات التي قضي بها المنتصرون علي المانيا كبيرة للغاية مما أدخل الإقتصاد الألماني في محنة كبيرة جعلت الإنتاج يتوقف إحتجاجا علي إحتلال فرنسا وبريطانيا للمناطق الغربية من ألمانيا كنوع من الضمانة للوفاء بهذه التعويضات. وكانت ألمانيا قد أعلنت في يناير عام 1922 أنها لم تعد قادرة علي الوفاء بالقدر المطلوب منها من التعويضات وذلك في مؤتمر عقد في كان في جنوب فرنسا. وعلي ذلك إنعقد مؤتمر جديد في مدينة جنوا الإيطالية في أبريل لبحث كيفية الخروج من تلك الأزمة التي باتت تهدد العالم الصناعي بأسره.

ومن الجدير بالذكر أن صوتا واحدا خرج من بريطانيا ينادي بالتوقف عن الإصرار علي تنفيذ تلك العقوبات لأن ألمانيا قوة إقتصادية كبيرة وخروجها من سوق الإنتاج والإستهلاك هو خسارة كبيرة للإقتصاد العالمي ينجم عنها كساد كبير. ولكن أحدا لم يستمع له. إنه المفكر الإقتصادي جون مينارد كينز John Maynard Keynes الذي إشتهر فيما بعد بنظريته الإقتصادية في ضرورة تواجد الدولة كفاعل في الحياة الإقتصادية ومستثمر كبير حتي تنقذ الموقف عند الضرورة لكونها غير قابلة للإفلاس.

وفي المؤتمر الإقتصادي بدأ الممثلون يتدارسون كيفية الخروج من تلك الأزمة.

وعلي هامش ذلك المؤتمر تلاقي وفد ألمانيا الدولة سيئة السمعة صاحبة اليد التي تقطر دماءا مع ممثلي الجمهورية السوفيتية الروسية (لم يكن الإتحاد السوفيتي قد نشأ بعد) وهي الدولة الثانية التي يحكمها نظام غير معترف له بالشرعية ولا يريد أحد من أفراد المجتمع الدولي أن يتعامل معه، تلاقي الوفدان في مدينة رابالو الإيطالية وتفاوضا علي إستقلال في شئون علاقاتهما الثنائية ومن ذلك اللقاء وقعت معاهدة رابالو.

الجمهورية السوفيتية الروسية التي وقعت هذا الاتفاق كان يحكمها الرفيق فلاديمير إيليتش لينين الذي كان يعرف فضل الألمان عليه في نجاحه في الوصول للحكم أثناء الحرب منذ 5 سنوات مضت. وأنه كان يتابع أخبار الأحوال الداخلية في ألمانيا ويمني نفسه المني أن تنقلب الأحوال في ألمانيا الي الشيوعية التي لم تكن تيارا ضعيفا في ألمانيا بل مدرسة فكرية لها أنصار عديدون.

ولا ننس أن الفكرة الشيوعية هي فكرة نابعة عن أحوال مجتمع ألمانيا عقب الثورة الصناعية قال بها الألماني كارل ماركس‏.

دوافع الطرفين للدخول في المعاهدة

والآن بعد إذنكم لابد من دراسة الباعث الذي دفع كل طرف للدخول في تلك المعاهدة الفريدة من نوعها.

أولاً: وضع ألمانيا

كانت ألمانيا كما سبق البيان مطالبة بتعويضات باهظة للحلفاء باعتبارها الطرف المتسب في وقوع الحرب وأهوالها البشرية والإقتصادية. وكانت ألمانيا قد توصلت في بداية عام 1918 إلي إتفاق ثنائي مع روسيا هو في حقيقته صلح منفرد بين البلدين تخرج بمقتضاه روسيا من الحرب بالكامل وذلك حتي تتفرغ ألمانيا للجبهة الغربية في فرنسا. ولكن التدخل الأمريكي قلب كل تلك الحسابات. وكان الصلح المنفرد في بريست ليتوفسك يرجح كفة ألمانيا في الأراضي التي حصلت عليها وكان مركز روسيا في هذا الصلح سيئا جدا لأنها في واقع الأمر كانت تخسر باستمرار أمام الألمان وبالتالي إستغل الألمان ذلك في نصوص الإتفاق. إلا أنه عقب هزيمة ألمانيا في الحرب وإستسلامها وفي مؤتمر فرساي كانت روسيا تخوض غمار الحرب الأهلية وبالتالي لم تشارك في مؤتمر الصلح فكان من أهم مقررات مؤتمر فرساي إلي جانب تحميل ألمانيا ذنب القتال الإصرار علي إلغاء صلح بريست ليتوفسك إلغاءا كاملا وإعتباره كأن لم يكن. وبالتالي كان علي ألمانيا أن تتخلي عن الأراضي التي حققها لها هذا الصلح المنفرد.

إلا أن ألمانيا كانت لها إستثمارات علي الأراضي الروسية حيث أن قيصر ألمانيا وقيصر روسيا كانا من أبناء الخالات ومشتركين في جدتهما لأمهما، الملكة البريطانية فيكتوريا. ولما كانت الثورة البلشفية قد قامت لكي تحرر وسائل الإنتاج من يد الطبقة اللمستغلة فقد أممت كل المصانع والشركات في روسيا ومن ضمنها تلك الإستثمارات الألمانية.

كذلك فإن روسيا كانت تماما محل تشكك وريبة الحلفاء مثل ألمانيا، فلم يكن أحد يتعامل معها لكونها شيوعية. فقد كانت دولة كبيرة ولكنها معزولة.

ولكن ألمانيا كانت لا تزال تؤمن بنظرية العدو الطبيعي الذي تمثله فرنسا وبالتالي لم تتوقف يوما وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، لم تتوقف يوما عن الإستعداد لحرب جديدة ضد هذا العدو. وهذا العدو كان قد أصبح حليفا دائما لانجلترا بمقتضي الإتفاق الودي الذي عقد بينهما في عام 1904 وأنهي كل المشاكل التاريخية التي تمنع هذا التحالف. وبما أن الحليف الاستراتيجي لانجلترا والذي كان دخوله الحرب سببا في قلب موازينها هو الولايات المتحدة فقد رأت المانيا في ذلك الوقت أنها أصبحت تقف في حقيقة الأمر في مواجهة هذه الدول الثلاث الكبري، إثنان منهما بقوة الإتصالات والمستعمرات والإمدادات الاستراتيجية عبر كل قارات العالم والثالثة بقوتها البشرية الذاتية الهائلة ومواردها التي لا تنته وهي الولايات المتحدة. فكان لزاما علي ألمانيا التي لم تتخل عن حلم الترقي إلي مصاف الدول العظمي، كان لزاما عليها أن تبحث عن حليف يساعدها علي تحقيق حلمها أولا وثانيا يمنع عنها إعادة كابوس الحرب علي جبهتين في نفس الوقت.

فألمانيا المحشورة جغرافيا بين قوة هائلة في الشرق وقوة أخري في الغرب كان المخططون الاستراتيجيون منذ القرن التاسع عشر يحاولون تجنب أن تقع في موقف يجعلها مضطرة للحرب علي جبهتين في نفس الوقت. ولهذا أرادت ألمانيا أن تستبق دول التحالف إلي إنشاء علاقة خاصة مع الجار الشرقي في روسيا.

هذا عن الباعث الاستراتيجي الألماني.

ويري بعض المؤرخين أن الباعث الإقتصادي كان باعثا سلبيا وليس إيجابيا وهو إجهاض أي مطالبة من جانب روسيا بتعويضات من ألمانيا عن الدمار الذي تسببت فيه الحرب. أي أنه مرتبط بمنع الخسارة وليس بتحقيق مكسب. وهو سبب يعد ثانويا حيث أن روسيا كانت أضعف من أن تطالب بأي تعويضات ناهيك عن إنعدام التأييد الدولي لها بسبب عزلتها المفروضة من كل العالم تقريبا (رغم أنني قرأت قديما جدا عند وفاة الملك فيصل أن مبعوثا سعوديا رفيع المستوي سافر إلي موسكو للتهنئة بنجاح الثورة البلشفية مبكرا جدا وهو الأمير الشاب فيصل بن عبد العزيز حتي من قبل أن تنشأ المملكة العربية السعودية).

دوافع روسيا

كانت جمهورية روسيا السوفيتية هي الطرف الثاني في هذه الإتفاقية حيث أن الإتحاد السوفيتي لم يعلن عن قيامه إلا في نهاية ذلك العام 1922. وكانت روسيا تسعي إلي عدة أشياء كلها تلاقت مع مصلحة ألمانيا. أولا كان هدفها في مجال الستراتيجية تأمين حكومة الثورة الجديدة من تحالف (رأسمالي) يضم بريطانيا وألمانيا وفرنسا يحاول إجهاض التجربة الثورية في تلك الجمهورية السوفيتية الأولي. ثانيا كان هدفها الحصول علي إعتراف من قوة لها وزنها لكسر طوق العزلة التي فرضها عليها باقي أعضاء التحالف المنتصر. أما في مجال الإقتصاد فقد كانت تريد سابقة تستند إليها لكي تحاجج بسقوط الحق في التعويض عن تأميمات الأصول الأجنبية التي كانت علي أرض روسيا والتي إستولت عليها الحكومة الجديدة ضمن برنامج تمكين البروليتاريات من وسائل الإنتاج. ولهذا كان التنازل المتبادل بين ألمانيا وروسيا عن الحق في التعويضات سواء من جانب روسيا عن تأميم تلك الأصول أو من جانب ألمانيا عن خسائر الحرب هو من أهم شروط تلك المعاهدة. وقد كان الألمان يخشون أن تقوم روسيا المنشغلة بنفسها وحربها الداخلية بتفويض الحلفاء المنتصرين بالتفاوض مع ألمانيا حول التعويضات التي تستحق عن أضرار الحرب.، ولذلك كانوا حريصين علي إدخال هذا التنازل شرطا أساسيا من شروط المعاهدة.

(وبالطبع فإن الأيام قد أثبتت بعد ذلك أن الحكم الشيوعي في روسيا لم يكن فعلا يفكر بهذه الطريقة الإقتصادية المنظمة التي تحسب للتكاليف والأرباح حسابها بدقة، وإنما كان يتصرف بطريقة أيديولوجية عاطفية لا تبتغي إلا نشر الفكر الماركسي بطريقة متشنجة كانت هي في النهاية سبب تحطيم الإتحاد السوفيتي ونهايته مفلسا يمد يده للمساعدات من أوروبا رغم كل الثراء الطبيعي الموجود بداخله في مواجهة الفقر الطبيعي الذي تعاني منه كل الدول الأوروبية. ولكن ألمانيا في ذلك الوقت لم تكن تعرف ذلك ولا كان في إمكانها أن تتنبأ به).

وفي سياق تلك العاطفية كان لينين يعتقد أن ألمانيا هي الدولة المرشحة بشدة لقيام حكم شيوعي علي أرضها بسبب هزيمتها في الحرب (تماما مثل روسيا) وحالة الفوضي التي آلت إليها الأوضاع هناك (تماما مثل روسيا) وإختفاء القوة الكبيرة الممثلة في القيصر بعد خروجه من الحكم (تماما مثل روسيا) ووجود حزب شيوعي قوي فيها يحارب بشدة لكي يصل للحكم بالإضافة إلي أن ألمانيا هي دولة صناعية من الدرجة الأولي والطبقة العمالية بها ليست راضية عن الأوضاع مما يهييء للثورة الإشتراكية وفقا للنظرية الماركسية. (ولو أنه يقال أن لينين قد كتب بعد ذلك متهكما علي الألمان في شدة حبهم للنظام وحرصهم علي الممتلكات العامة بحيث أن الثورة التي لابد أن تقوم بسبب نقص الزبد والخبز في الصباح لن تقع إما بسبب وقوف الألمان صفا أمام المخبز أو بسبب عدم تجرؤهم علي تخطي حاجز الشارع حتي لا يدهسوا الزهور علي جانب الشارع فيفسدونها!).

تلاقي الارادتين

وهكذا تلاقت إرادتا الطرفين واتفقت مصالحهما وأصبح الأمر مجرد توثيق لكل هذه الإعتبارات في إتفاق ملزم يضع العالم بأسره أمام هذه التغيرات.

وهكذا وعلي هامش لقاءات مؤتمر جنوا إتفق الطرفان سرا علي الخروج من جنوا إلي مدينة رابالو القريبة والتوقيع علي العقد الذي كان قد تم إعداده بدقة وبالفعل لم تدر لا بريطانيا ولا فرنسا بما يحدث حولهما رغم كونهما من الدول المنتصرة إنتصارا ساحقا واستيقظ العالم ليجد أن الإتفاق قد تم توقيعه.

وبالطبع فقد تعرض رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج لمساءلة في البرلمان عن هذا الفشل الغير مفهوم ولم يكن الموقف في فرنسا أفضل حالا. أما الولايات المتحدة فقد كانت الإدارة فيها قد تغيرت وخرج الرئيس الديموقراطي وودرو ويلسون من الحكم وحل محله الرئيس الجمهوري وارن هاردنگ الذي لم يكن يشارك في تلك الأمور خاصة وأن الرئيس السابق عليه وودرو ويلسون قد حصل علي بعض مما كان يمثل رؤيته للعالم بعد الحرب وهو إنشاء عصبة الأمم وكل ما دون ذلك من وعود لتحرير الأمم المستعمرة وضمان إحترام الإرادة الذاتية القومية للمجتمعات عبر العالم قد تمت دفنه بمعرفة الساسة البريطانيين والفرنسيين فغادر الرئيس ويلسون باريس ولم تعد الولايات المتحدة مهتمة بما لدي العالم من مشاكل حيث أن مشاكلها الداخلية كانت تكفيها وتفيض.

كان من المعتقد لفترة طويلة أن معاهدة راباللو لها ملحق عسكري سري ينظم العلاقات بين الدولتين إلا أنه عقب سقوط الستار الحديدي إتضح أن المفاوضات العسكرية بين البلدين كانت أقدم حتي من تاريخ الإتفاق علي بنود هذه المعاهدة. وهذه المعاهدة تناولت المسائل الإقتصادية والسيادية القانونية ولم تتناول الشئون العسكرية إلا من بعيد وبطريقة حاذقة وهذا ما لابد من بحثه الآن لأنه في نظري أهم جانب في المعاهدة.

كشفت وثائق الخارجية السوفيتية عقب نهاية الإتحاد السوفيتي أن أنور باشا وزير الحربية التركي أثناء زمن الحرب الأولي هو من قام بتقديم الجنرال الألماني فون سيكت - الذي كان الرجل الثاني في قيادة الأركان الألمانية وهو من يمكن في مصر تسميته رئيس غرفة العمليات – إلي الجانب الروسي عقب نهاية الحرب في عام 1920 حيث عرفه بالقائد ليون تروتسكي شخصيا والذي أنشأ الجيش الأحمر.

كانت طلبات روسيا من ألمانيا في المجال العسكري هي ضمان مساهمة ألمانيا في إسقاط الحكومة البولندية بالإضافة إلي تحديث الجيش السوفيتي الناشىء ومده بتكنولوجيا السلاح التي لم يكن يعرف عنها شيئا. وكانت طلبات ألمانيا تتلخص في تحدي إملاءات معاهدة الصلح في فرساي والحصول علي مجال لتجربة نظم أسلحتها بعيدا عن قيود المعاهدة.

وقد قامت روسيا بالإقرار في هذه المقابلات بأنها سوف تعارض أي إجراء يخفض من مساحة الأرض التي كانت قائمة قبل عام 1914 (المقصود هو بالطبع بولندا وليس فرنسا). كانت بولندا دائما دولة محاصرة بين عملاقين أحدهما مادي وتكنولوجي والآخر بشري ولهذا كان الروس يسعون دائما إلي التغول علي بولندا، ونحن نتذكر كيف كان إتفاق أغسطس 1939 موجها في لبّه إلي بولندا حيث إتفق العملاقان علي تصفيتها كدولة ثم إقتسامها.

وجدير بالذكر كموضوع فرعي هنا أن قسمة بولندا عقب هجوم ألمانيا عليها عام 1939 نتج عنه قسم غربي ألحق بألمانيا وجزء شرقي سمي دولة بولندا كان هو الجزء الذي به معسكر آوشفيتس الرهيب لقتل اليهود والغجر والشيوعيين والشواذ والمنشقين وغيرهم. ويفسر البعض إبقاء ألمانيا على جزء من بولندا خارج حدودها بأن القصد منه أن لا يقع القتل علي أرض ألمانيا بطريقة مباشرة.

انفصال الدولة عن الجيش

والغريب في هذه الفترة هو الإنفصال شبه الكامل بين الدولة وبين القوات المسلحة. فالدولة الروسية التي كانت في ذلك الوقت تعقد الإتفاقات العسكرية بإسمها كانت تعاني من حرب أهلية ومجاعة في شرق البلاد نتج عنها موت ما يقرب من 5 ملايين شخص. ومع ذلك كان العسكريون يتفاوضون ويعقدون الإتفاقيات ذات التكلفة مع الألمان. ونفس الوضع ينطبق علي ألمانيا التي كانت تعاني من التضخم الكبير وكانت الحكومة فيها شبه مفلسة بسبب العقوبات المفروضة عليها من الحلفاء وكان غرب ألمانيا محتلا من فرنسا وبريطانيا، ومع ذلك كان هناك مؤسسة عسكرية تتفق وتملي إرادتها علي الدولة بأسرها. ولذلك قيل في تلك الفترة أن المؤسسات العسكرية تمثل دولة مستقلة داخل الدولة التقليدية.

وقد كان الحل القانوني الذي توصل إليه الطرفان حلا ذكيا غير تقليدي.

فروسيا كان ينقصها المعرفة في مجالات الطيران والدبابات والحرب الكيماوية.

وألمانيا كانت تملك المعرفة في هذه المجالات ولكنها غير قادرة علي إستعمالها. فكان الحل هو مذكرة تفاهم بين العسكريين (كل ذلك حدث قبل توقيع المعاهدة في رابالو) بأن الإستثمارات الخاصة في روسيا للشركات الألمانية تحصل علي "تشجيع" الحكومتين. والتشجيع لم يحدد معناه ولكن بالطبع كان المقصود به هو شراء هذه المنتجات.

وهكذا إتجهت شركات مثل سيمنس وBMW وكروپ للعمل في روسيا وكان علي رأسها شركتا شتولتسن‌برگ لإنتاج الغازات السامة ويونكر لإنتاج الطائرات.

نص الاتفاقية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نص الاتفاقية التكميلية، 5 نوفمبر 1922

انظر أيضاً

الهوامش


قراءات إضافية

  • Dyck, Harvey Leonard. Weimar Germany & Soviet Russia 1926-1933 (1966)
  • Fink, Carol, Axel Frohn, and Jurgen Heideking, eds. Genoa, Rapallo, and European Reconstruction in 1922 Cambridge University Press. 1991.
  • Fink, Carol. The Genoa Conference: European Diplomacy, 1921–1922 U of North Carlina press, 1984
  • Himmer, Robert. "Rathenau, Russia, and Rapallo." Central European History (1976) 9#2 pp 146-183.
  • Kochan, Lionel. "The Russian Road to Rapallo". Soviet Studies, Vol. 2, No. 2 (October 1950), pp. 109–122.
  • Lee, Marshall and Wolfgang Michalka. German Foreign Policy 1917-1933: Continuity or Break?. (Berg, St.Martin's Press 1987)
  • Salzmann, Stephanie. Great Britain, Germany, and the Soviet Union: Rapallo and After, 1922-1934 Vol. 29. Boydell & Brewer, 2003.

كتب مرجعية

  • Akten zur deutschen auswärtigen Politik 1918-1945. Serie A, 1918-1925.
  • Документы внешней политики СССР Том 5. 1 января 1922 г. — 19 декабря 1922 г. — М.: Госполитиздат, 1961.
  • League of Nations Treaty Series, Volume 19 327L 1923 [1]
  • League of Nations Treaty Series, Volume 26 327L 1924 [2]

مراجع أونلاين

انظر أيضاً