اغتيال مارا، بريشة جاك-لوي داڤيد، رسمها في 1793.

مصرع مارا
La Mort de Marat
Death of Marat by David.jpg
الفنانجاك-لوي داڤيد
السنة1793
النوعoil on canvas
الموقعالمتاحف الملكية للفنون الجميلة في بلجيكا، بروكسل، بلجيكا

حين قتلت شارلوت كورداي جان-پول مارا (13 يوليو 1793) صوَّر جاك-لوي دافيد الميت راقداً في حمامه نصف مغمور في الماء، وندر أن كان التصوير ممعناً في تصويره للواقع إلى هذا الحد، أو في تعمده إثارة المشاعر. وقد أرست اللوحتان سجل شهداء الثورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الخلفية

لجأ ثلاثة من الجيرونديين هم بتيو Pètion وباربارو Barbaroux وبوزو Buzot إلى كان Caen حيث وجدوا الحماية، وكانت هي الحصن الشمالي "للفدراليين Federalist " الذين يعارضون هيمنة أهل باريس على الحكومة الوطنية• وراحوا يلقون الخطب ليشجبوا السانس كولوت (ذوي السراويل >البناطيل< الطوال) والمتحدثين باسمهم خاصة مارا Marat ونظموا مظاهرات عسكرية للاعتراض ونظموا جيشا للتقدم صوب العاصمة.

وكانت شارلوت كورداي Charlotte Corday من بين أكثر المستمعين إليهم حماسة وتعاطفا، وهي تنحدر من سلالة المسرحي بيير كورنيل Pierre Corneille سليلة أسرة مؤيدة للنظام الملكي بشدة، وكانت أسرتها قد أصابها الفقر فتعلمت شارلوت في دير للراهبات وخدمت مدة عامين كراهبة وأتاحت لها الظروف قراءة بلوتارخ Plutarch وروسو Rousseau بل وحتى فولتير Voltaire، وقد تركت إيمانها (تشككت في المسيحية) وفتنت بأبطال روما القديمة• وقد صدمت عندما سمعت بقتل الملك الفرنسي (لويس السادس عشر) وكانت ممتعضة بسبب ما أثاره مارا Marat من سخط على الجيرونديين• وفي 20 يونيو سنة 1793 زارت باربارو Barbaroux وكان وقتها في السادسة والعشرين وكان وسيما جدا حتى أن مدام رولان Mme - Roland شبهته بأنطونيوس محبوب الإمبراطور هدريان• وكانت شارلوت تقترب من الخامسة والعشرين، وكان عقلها مشغولا بأمور أخرى بالإضافة إلى الحب، وكل ما طلبته هو خطاب تعريف لنائب في المؤتمر الوطني ليرتب لها لقاء مع المؤتمر، فكتب لها باربارو خطاب تقديم إلى لوز دوبرى Lauze Duperret، وفي 9 يوليو استقلت مركبة عمومية إلى باريس فوصلتها في 11 يوليو واشترت سكين مطبخ يبلغ طول نصلها ست بوصات، ودبرت أن تدخل قاعة اجتماع المؤتمر الوطني وتقتل مارا Marat على مقعده لكنها علمت أن مارا مريض ومقيم في منزله، فحصلت على عنوانه وذهبت إليه لكن لم يسمح لها بالدخول إذ قيل لها "السيد في الحمام" فعادت إلى محل إقامتها•

لقد كان الحمام الآن هو "المكتب الأثير" لدى مارا Marat، فقد تفاقم مرضه الذي يظهر أنه كان نوعا من الدرن الجلدي (السلية الجلدية) أو الاسكروفولا Scrofula وكان يجد راحة من آلامه بالجلوس مغمورا في الماء الدافىء حتى وسطه، وكانوا يضيفون له في هذا الماء المواد المعدنية والأدوية، وكان يضع قطعة قماش للتجفيف (منديلاً ) فوق كتفيه، ويلف حول رأسه منديلا كبيرا مبللاً بالخل، وكان يحتفظ بالأوراق والقلم والمحبرة فوق متسع على حافة الحوض، وكان يكتب يوما بعد يوم المادة المطلوبة لصحيفته على هذه الحافة وهو في هذا الحوض(32)• وكانت أخته ألبرتين Albertine تتولى العناية به ، ومنذ سنة 1790 أصبح موضع رعاية من خادمته سيمون إيفارد Simone Evard التي تزوجها زواجا غير موثق كنسيا (لم يعقد أمام الإكليروس) وانما "أمام الله Supreme being أو الموجود الاسمي، ... في معبد الطبيعة الواسع"(33)•

وأرسلت شارلوت Charlotte من مقر إقامتها طلباً لمقابلته: "لقد قدمت من كان Caen، إن حبك لأمتك يجب أن يجعلك متنبها للمؤمرات التي تحاك هناك• إنني في إنتظار إجابتك"(43)• ولم تطق شارلوت صبرا حتى تتلقى الإجابة، ففي مساء 13 يوليو طرقت باب داره مرة أخرى، فلم يسمح لها بالدخول ولكن مارا Marat سمع صوتها فطلب السماح لها بالدخول واستقبلها بترحيب وأمر لها بمقعد فجلست فقربت مقعدها منه، فسألها: "ماذا يجرى في كان Caen؟" (أو هكذا روت شارلوت فيما بعد هذا الحوار الغريب) فأجابت: "ثمانية عشر نائبا من المجلس الوطني يحكمون هناك بالتآمر مع مسئولي المحافظة" فسألها: ما أسماؤهم، "فذكرتها له، فكتبها، , وأصدر حكمه التالى: ستجز المقصلة رقابهم" وعندئذ سحبت شارلوت سكينها وطعنته في صدره بكل قوتها حتى أن نصل السكين اخترق الأورطي aorta وتفجر الدم أثر الطعنة، فصرخ مناديا سيمون Simonne " أسرعي إلى •• أسرعي إلى يا صديقتي العزيزة" فأقبلت سيمون فمات بين ذراعيها، واندفعت شارلوت خارجة من الحجرة فاعترضها رجل وكف مقاومتها مستخدما كرسيا، وتم استدعاء البوليس فقبض عليها، فقالت:"لقد أديت واجبي فلندعهم - أي رجال الشرطة - يؤدون واجبهم"(35)•

ولا بد أن مارا Marat كان يتمتع ببعض الصفات الطيبة فقد اجتمعت على حبه امرأتان تنافستا في ذلك ونذرت أخته نفسها فيما تبقى من عمرها لتوقير ذكراه•

وكان مارا في وقت من الأوقات طبيبا ناجحا، ولم يترك عند مماته شيئا سوى بعض المخطوطات العلمية وخمسة وعشرين سو(36) Sous وكان مارا Marat متعصبا لكنه أخلص للجماهير الذين نسيتهم الطبيعة والتاريخ، واحتفظ نادي الكوردليير(نسبة إلى مقرهم في دير فرسسكاني) بقلبه كأثر مقدس (ذي طابع ديني كرفات القديسين)، وأقبل الآلاف لإلقاء نظرة عليه "بتوقير صامت وقد كتموا أنفاسهم"(37) وفي 16 يوليو تبع جثمانه أعضاء المجلس الوطني المتبقون كلهم وخلق كثير من رجال ونساء أتوا من الأحياء (الأقسام) الثورية، إلى مثواه في بساتين الكوردليير (نسبة إلى دير فرنسسكاني جعلوه مقراً لهم) ونصب تمثاله الذي نحته دافيد David في قاعة المؤتمر الوطني وفي 21 سبتمبر سنة 1794 نقل رفاته إلى البانثيون Panthèon (مدفن العظماء).

وكانت محاكمة شارلوت قصيرة فقد اعترفت بفعلتها لكنها لم تعترف بأنها مذنبة، فقد قالت إنها لم تفعل سوى الانتقام لضحايا مذبحة سبتمبر، وقالت لقد قتلت "رجلا لأنقذ مائة ألف رجل"(38) وكتبت في خطاب إلى باربارو Barbaroux بصراحة قائلة "إن الغاية تبرر الوسيلة"(39) وبعد ساعات قليلة من اعترافها تم إعدامها في ميدان الثورة، وواجهت بزهو لعنات الجماهير التي حضرت تنفيذ الحكم فيها ورفضت عرض أحد القسس تلقينها العبارات التي يقولها الكاثوليكي عند الموت ورفضت قيامه بطقوس دينية قبل إعدامها(40).

لقد ماتت شارلوت قبل أن تتحقق من أن فعلتها (قتل مارا) فيها هلاك الجيرونديين الذين كانت تظن أنها تخدمهم بفعلتها هذه• وقال فيرنيو Vergniaud للجيرونديين مسامحاً إياها ومدركاً لأبعاد فعلتها:"لقد قتلتنا، لكنها علمتنا كيف نموت"(14)•


لماذا قتلته؟

تقول ردا على القاضي الذي سألها ذلك في المحكمة التي نصبت لها من قبل الثورة الفرنسية. لقد قتلته بسبب جرائمه في حق فرنسا ، وسفك دماء الأبرياء ، والحرب الأهلية التي أشعل نارها في أنحاء البلاد . لقد كان مارا متزعما حزب الجبل كما اسموا أنفسهم بذلك وكان هذا الحزب يسعى إلى السلطة مهما كلفه ذلك الأمر من قتل الأبرياء والتعدي على القانون . نعم حوكم مارا ولكنها كانت محكمة صورية لتهدئة الخواطر وبعدها خرج في حال سبيله . هنا تأكدت شارلوت كورادي أنه لا مفر من تحقيق العدالة بيديها. في صباح السبت 13 يوليو سنه 1793 ، توجهت شارلوت إلى بيت مارا ألحت في لقائه مدعيه أنها من أنصاره وأنها تحمل وثائق هامة تريده أن يطلع عليها.

أبي الحراس أن يدخلوها. سمعت خليلة مارا، سيمون افراز، بهذا الهرج الذي كان عند الباب فخرجت مستطلعة ما يدور هناك.

فشاهدت تلك الفتاه الفاتنة، التي أمرت بصرفها على الفور مخافة أن يسقط مارا في حبها ! عادت شارلوت إلى فندقها وكتبت خطاب إلى مارا تقول فيه ( لقد وصلت لتوي من كايان وأنني على يقين أيها الزعيم المخلص لوطنك ستتلهف على سماع ما عندي من أخبار .... ) وضربت له موعدا في الساعة الواحدة ظهرا ولكنها لم تحضر في نفس الوقت بل تأخرت قليلاً.

ذهبت إليه واستقبلتها سيمون افراز التي أخذت منها الخطاب وأعطته لمارا الذي كان حينها يأخذ حمامه ليستعد للقاء حزبه! سمح لها مارا بالدخول إليه في حمـّامه، متلهفا لسماع ما تقوله تلك الفتاة. لقاء رهيب بين الجلاد وتلك الفتاه التي تجشمت الأهوال وارتقت المصاعب للقاء مارا! قلت له على استحياء لقد قامت في كاين حركة عصيان مدني يتزعمها 17 نائباً، وأخذ ينظمون قوة من الجيش تنوي الزحف على باريس ولدي أسماء هولاء المتمردين. أخذ مارا قلمه مبتهجا لتلك الأنباء واخذ يكتب اسماءهم وكلما كتب اسماً، قال "إلى المقصلة" بنشوة! بلغ الاشمئزاز مبلغه في نفس شارلوت كورداي من هذا المتعجرف سفاك الدماء، فما كان منها إلا أن هوت بالخنجر الحاد على صدره ... فتلوى موتاً!

أسلوب الرسم

 
تفصيلة من مصرع مارا تـُظهر الورقة في يد مارا اليسرى. الرسالة تقول (بالفرنسية) "Il suffit que je sois bien malheureuse pour avoir droit a votre bieneveillance" أي بالعربية: "أنا بالتحديد غير سعيد على الإطلاق لأستحق عطفك"


تاريخ اللوحة اللاحق

 
شارلوت كورداي بريشة Paul Jacques Aimé Baudry، مرسومة في 1860.
 
واحدة من لوحتين بعنوان مصرع مارا رسمهما إدڤارد مونش في 1907

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • موقع العملاء المحترفون