محمد السيد سعيد

محمد السيد سعيد كاتب و صحفي ولد بمدينة بورسعيد الساحلية في يونيو/ حزيران 1950 وتخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1972 وشارك في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 في إطار الخدمة العسكرية، ثم التحق بمؤسسة الأهرام عام 1975.

كما شارك في تأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، واعتقل لمدة شهر صحبة عدد من النشطاء الحقوقيين عام 1989 عقب كتابته بيانا صدر باسم المنظمة تضامنا مع عمال الحديد والصلب الذين اعتصموا داخل مصنعهم. أنشأ جريدة البديل ويملك سعيد تاريخا طويلا في العمل السياسي والحقوقي؛ حيث برز نشاطه أثناء دراسته بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وشارك في تأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان واعتقل لمدة شهر مع عدد من النشطاء الحقوقيين عام 1989، عقب كتابته بيانا صدر باسم المنظمة المصرية تضامنا مع عمال الحديد والصلب، الذين اعتصموا داخل مصنعهم في ذلك الوقت.

واستمر نشاطه الحقوقي من خلال عمله مستشارا أكاديميا لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وكتابة عدد من الدراسات التي تتناول الجوانب الفكرية والنظرية لحقوق الإنسان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ليبرالي بين اليساريين

وعلى الرغم من أنه كان يصنف على أنه مفكر يساري، فإنه كان يتمتع بقبول جميع التيارات السياسية؛ بسبب رؤيته وتحليلاته الموضوعية، حتى أنه كان يحب أن يصف نفسه بأنه "ليبرالي بين اليساريين ويساري بين الليبراليين".

وانضم سعيد للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) المعارضة منذ بداية تأسيسها في عام 2004، كما شارك في تأسيس جريدة البديل المستقلة عام 2007 (توقف صدورها لأسباب مالية)، التي كانت ناطقة بلسان حال اليسار المصري، ورأس تحريرها لمدة عام؛ حيث استقال في أكتوبر 2008.

وكانت الحكومة الفرنسية قد أصدرت قرارا بعلاجه على نفقتها في أحد مراكز العلاج بفرنسا؛ حيث كان يعاني من مرض السرطان، قبل أن يقرر الكاتب الكبير العودة إلى مصر بعد تدهور حالته الصحية


أنت متطرف

هذا ما قاله الرئيس مبارك للدكتور محمد السيد سعيد …في نهاية الحوار الشهير مع المثقفين في معرض الكتاب عام 2005 وكان ملخص كلام الدكتور (نشرته أمس): المطالبة بدستور جديد لا يجعل السلطة المطلقة في يد الرئيس.

الرئيس رد : «..هذا غير صحيح أنا ليس عندي سلطات مطلقة.. الحكومة هي التي تعمل معظم الحاجات..». وقال الدكتور محمد السيد سعيد : «علي فكرة ياريس هذا ليس صحيحاً بالمطلق أيضاً.. إذا رجعنا إلي دستور 1971 لا يوجد شيء اسمه الحكومة. يوجد رئيس دولة يساعده نظام وزاري. مجلس الوزراء ليس له كيان دستوري. هناك تعبير أوسع هو السلطة التنفيذية..». ويحكي الدكتور محمد السيد سعيد أن هذه النقطة مرت وأكمل كلامه: «نحن لا نريد حكماً مطلقاً.. نريد برلماناً قوياً ونقابات قوية والحرية يكون لها حماية دستورية. وحضرتك تشكو من «أنك مش لاقي وزراء» وهذه ظاهرة تسمي في المجال السياسي «انكماش النخبة السياسية». وتحدث لأن قنوات المشاركة علي جميع المستويات مغلقة. نحن ليس عندنا أحزاب حقيقية ولا نقابات حقيقية ولا جمعيات أهلية حقيقية. وبالتالي لابد من دستور يفتح القنوات المغلقة. ويكون الحماية الحقيقية لمصر. وسيكون لدينا نخبة خرجت من باطن المجتمع تعرفه جيداً تتبني طموحاته وآماله. كان هذا جوهر كلام المثقف ( محمد السيد سعيد ) الذي شعر أن لقاء الرئيس لا يعني رفع مطالب، ولكن إعلان موقف واضح لا ينقصه شجاعة ولا شعور بالندية الحقيقية مع الرئيس. الرئيس وصف الدكتور محمد السيد سعيد بالتطرف عندما قال قبل خروجه: «..ما تضيعوش البلد من إيديكم.. الذين يطالبون بالإصلاح يريدون العودة إلي ما قبل 1952 عندما كانت تشكل حكومة كل 6 أشهر.. هل تريدون هذا الوضع».. ود محمد السيد سعيد :«..يا ريس المشكلة قبل 1952 لم تكن في الدستور الديمقراطي.. لكن في الانقلاب علي الدستور الديمقراطي. إحنا شفنا 7 انقلابات دستورية في مصر وهذا هو السر في مشكلة عدم الاستقرار قبل 1952». لم يعتبر محمد السيد سعيد أن لقاء الرئيس منحة أو نيشان أو فرصة للابتسام والتصوير بجوار صاحب السلطة، ولكنه رأي فيه مناسبة لإعلان وجهة نظر كاملة لا يسمعها الرئيس في العادة، لأن القريبين من أذن الرئيس في العادة لا يقولون إلا ما يعجبه، أو يستطيعون به الوشاية.

المؤسسات التي تحشد المثقفين للقاءات من هذا النوع كان رد فعلها فورياً، ورن تليفون الدكتور محمد وأبلغه موظف في هيئة الكتاب: كل نشاطاتك في المعرض ألغيت.

وكان التفسير: قرار من فوق.

بعدها لم يطلب الرئيس لقاء المثقفين… إلا قبل يومين.. وكانت حصيلة اللقاء أن المثقفين المختارين خرجوا ليطمئنوا الشعب علي صحة الرئيس… وأنه استجاب لمطالب الدكتور جابر عصفور بزيادة ميزانية المركز القومي للترجمة والأستاذ محمد سلماوي لميزانية صندوق علاج اتحاد الكتاب….وبعد أربع ساعات التف وفد الـ11 حول الرئيس وابتسموا لمصور الرئاسة ابتسامة عريضة …عريضة جداً.


قالوا عنه

رحل عن عالمنا يوم10 اكتوبر 2009 المفكر والمناضل والإنسان النبيل الدكتور محمد السيد سعيد(18 يونيه 1950-10 اكتوبر 2009).لا يستطيع المرء في مقال صغير أن يوفى هذا الرجل حقه على المستوى الإنسانى وفى المجالات المتعددة التى ساهم وشارك وابدع فيها،فهو مفكر سياسى مرموق ومبدع ومنتج خلاق للأفكار، وأحد أهم فرسان حقوق الإنسان في مصر والمنطقة في العقود الثلاثة الأخيرة، ومناضل وطنى من طراز نادر وأصيل،وإنسان نبيل تشعر معه بالاخوة والألفة من اول لقاء ولا تخسر ابدا في ررهانك على إنسانيته. ورغم إنه رحل وهو في أوج عطائه الفكرى والوطنى"59 عاما"،إلا أن ما تركه من تراث فكرى يكفى لتصنيفه كمفكر وباحث سياسى من الطراز الاول، والأهم الذكرى العطرة التى ستصاحب الحديث عنه من كل من عرفوه أو اقتربوا منه " فذكرى الصديق تدوم إلى الابد".

ولعله من المفيد ونحن نحتفى بذكراه العطرة ان نقدم عرضا لآخر بحث قدمه عن المواطنة في مؤتمر المواطنة الذى نظمته جماعة " مصريون ضد التمييز الدينى" في ابريل 2008 بعنوان " التمييز الرمزى: بين بناء الأمم وتحطيمها". يرى محمد السيد السعيد أن المساواة تعد الشرط الأساسى لعملية الاندماج الوطنى، فبوجه عام تقوم البحوث حول بناء الأمم وتكاملها أو انقسامها وتصدعها على إدراك الدور الخطير لممارسة التمييز أو إلغاء وتجاوز كل صور اللامساواة. واكدت مدرسة التعددية الهيكلية في علم الاجتماع أن مصير المجتمعات يتعلق،إلى حد بعيد للغاية،بأداء مؤسسات الدمج الاجتماعى على أساس المساواة.فأن عملت هذه المؤسسات بكفاءة يمكن للمجتمع أن يتطور لأمة ويسير على طريق صحى للتطور الاجتماعى والعكس،فان لم تعمل هذه المؤسسات أو كانت تعمل بطريقة معاكسة وتمييزية فمصيرها سيكون إلى الانقسام على أسس عرقية أو دينية وطائفية... وربما ينتهى الأمر أيضا لتصدعها وانقسامها السياسى.

هذه رؤية واضحة من عالم سياسة مرموق يشرح فيها بجلاء أن الخطر على مصر يأتى من هؤلاء الذين يميزون ضد مواطنيين مصريين آخرين، وأن النتائج الخطيرة المترتبة على ذلك يتحملها هؤلاء الذين يميزون ضد مواطنيهم، وأن الطائفية هى التمييز وليست الدفاع عن التمييز. وطوال ورقته يشرح بعمق أن الأقباط ضحايا لهذا التمييز المخرب للأمة، وأن النظام السياسى والدولة بمؤسساتها تتحمل وحدها مسئولية هذه النتائج المترتبة على هذا التمييز، فالتمييز أساسا مصدره الدولة والنظام السياسى والاجهزة الأمنية. يقول محمد السيد سعيد:يعتقد الأقباط المصريون أن ثمة شيئا مهينا وشاذا تماما في وجود إدارة أمنية بأسم " متابعة النشاط القبطى"، ويعتقد أيضا أن ثمة توجهات بوضع قيود على حركة أعيان المجتمع القبطى في مراحل الأزمات السياسية.

ويرى محمد السيد سعيد أن التمييز والتهميش السياسى والتحقير من رموز الأقلية هو أخطر أنواع التمييز ، ويقصد بالتمييز السياسى في مفهومه، هو الإعلاء من شأن رموز جماعات معينة وإنكار أو إخفاء أو تحقير أو تنزيل مكانة رموز جماعة أو جماعات أو هويات فرعية أخرى.ويظهر هذا التمييز في أربعة مستويات كبرى في بنية الدولة: الخطاب الأيديولوجى، والإعلام،وبنية الدولة والسلطة من الناحية الدلالية، ومن ثم خريطتها الولائية والأمنية والتجنيد للوظائف الكبرى في هذه المؤسسات، واخيرا طبيعة الممارسة السياسية الفعلية.

ينطلق محمد السيد سعيد من عهد اسماعيل لتقييم مدى درجة الإندماج والتفكك الوطنى،فقد حققت مصر مستوى عاليا من الاندماج القومى بداية من عهد إسماعيل وصل لذروته في ثورة 1919 حيث صار الولاء والإنتماء لمصر يتم عن طريق التأكيد على مصر كوطن وما يعزز هذا التأكيد من رموز، ولأول مرة يقول المصريون عن أنفسهم علنا أنهم شعب وأمة مستقلة، وأن الدين لله والوطن للجميع، فالوطنية المصرية هى الوعاء الوحيد الجامع، والمواطنة هى القاعدة الدستورية للدولة، والمساواة هى المعيار والمحك، والرمز هو الهلال مع الصليب.

ثم جاء الاغتراب مع جماعة الاخوان المسلمين الذين اقاموا ممارستهم السياسية على أسس دينية، وجاءت ثورة يوليو كما يرى وحققت المساواة بشكل عام في التوظيف في المستويات التحتية والوسيطة ولكنها ركزت عوامل الاغتراب عند الأقباط في التوزيع غير المتساوى للرموز في المجال العام،فالخطاب الإعلامى ركز على العصر الإسلامى وعلى المصادر الإسلامية للهوية المصرية والعربية، ولم يكن مسموح إذاعة الصلوات الدينية المسيحية بالمقارنة بالتوسع المذهل في إذاعة كل التعبيرات الإسلامية،وبدا من منظومة التمثيليات الإذاعية والتليفزيونية أن مصر تتكون من مسلمين فقط، وتم حجب الأقباط عن الإعلام، وفى المرات القليلة التى وقعت فيها تغطيات للحياة القبطية الدينية والاجتماعية كانت الرسالة مملوءة بالشكوك والتشكيك في وطنية الأقباط.

ويواصل محمد السيد سعيد ،أن الاغتراب الذى شعرت به الطبقة الوسطى العليا والبرجوازية القبطية الكبيرة في ظل الناصرية لا يقارن بالانقلاب الذى حدث في الموقف من الرموز القبطية في ظل السادات ومبارك، ففى المجال السياسى عزز السادات انقلابه السياسى بخطاب ايدولوجى يركز على الإسلام ويهمش الوطنية المصرية، كما فشل مبارك في إحياء الخطاب الوطنى وهو ما مكن التيار الدينى السياسى من احتكار الفضاء الرمزى كلية بما في ذلك الإعلام الحكومى.وبدا تعريف الوطن ذاته وكأنه مفهوم دينى،وأن المحور الرئيسى للوجود الاجتماعى ومن ثم الحقوق والولاءات هو الدين،إلى الحد الذى تسمى فيه الأرض المصرية بأنها " أرض المسلمين"، كما كان يطلق عليها الشيخ الراحل محمد الغزالى، وهيمنت عملية أسلمة المجال الرمزى كله إلى الدرجة التى لا بد أن يشعر الأقباط بالهامشية. وصار التجنيد للوظائف الكبرى مؤسسا على خريطة دينية. وثم جعل الدين محور الممارسة السياسية خاصة فيما يتعلق بالانتخابات العامة.

وبوجه عام فإن سيطرة الأمن والتفوق الكاسح لسلطة الأمن بالمقارنة بالسلطات والمؤسسات السياسية عزز هذا الميل للتمييز الرمزى ضد الأقباط.وصار الأقباط يمثلون بشكل رمزى في السياسة والبرلمان بإرادة رئيس الجمهورية، وأن تولى الوزارة يرتبط بالطاعة والولاء للحاكم بدخول واكتساب عضوية الحزب الوطنى، واحتفظ الحكم بميراث التمييز في بعض المجالات الهامة مثل قانون الشركات وقانون الجنسية وبالطبع في كل ما يتعلق ببناء الكنائس وإصلاحها، وفى جميع حالات الإعتداءات والعدوان على الأقباط يتم التعامل بالذات بصورة سلبية مع الرمز الأول للمسيحيين المصريين وهو الصليب من قبل المتعصبين. ويخلص محمد السيد سعيد من ورقته بوجوب التأكيد على أن العودة لإحياء الوطنية المصرية هو الطريق المأمون فعلا للاندماج الوطنى والنهضة لبلادنا، وهذا لن يتم بدوره بدون وقف التمييز ضد الأقباط تماما والذى تتورط فيه الدولة ومؤسساتها بشكل رئيسى.


رحم الله محمد السيد سعيد المفكر الوطنى المهموم بتقدم بلده، والحقوقى البارز الذى يرى الأمور بشكلها الواضع ويضع المسئولية على الجانى الحقيقى ولا يلوم الضحية، والمصرى الأصيل الذى شخص الداء الذى يعانى منه وطنه حيث الفساد والإستبداد وغياب الحريات وهى تشكل المناخ المثالى لتغول التمييز الدينى.

تكريما لهذا المفكر المرموق سوف ينظم حفل تأبين يوم الأثنين 9 نوفمبر من السابعة للعاشرة مساء، تحت رعاية مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وجماعة مصريون ضد التمييز الدينى ،ومنتدى الشرق الوسط للحريات، سيتحدث فيه نخبة مرموقة من المثقفين المصريين من اصدقاء الراحل الكريم وتلاميذه ومحبيه.

وسوف يعقد حفل التأبين بمقر منتدى الشرق الاوسط للحريات 45 شارع كيلوباتر بمصر الجديدة. والدعوة عامة...فتعالى واحمل معك وردة لتضعها على صورة هذا الرجل النبيل. وفى النهاية ستظل أعماله نبراسا يهتدى بها المخلصون والمهمومون بتقدم هذا البلد. وداعا محمد السيد سعيد... وداعا أيها الروح الملهم...وداعا أيها العقل الخلاق...وداعا أيها الإنسان الرائع... وداعا يا حبيبنا الغالى.


المصادر

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/CB552609-775A-4DB5-AEB6-B50742F03F35.htm

http://dostor.org/authors/11/60/10/october/1/30746