محاولة انقلاب 1962 في تونس

محاولة انقلاب 1962 في تونس هي تمرد قام ضد نظام الحبيب بورقيبة بهدف الإطاحة بنظامه بقيادة عسكرين وجنود المقاومة السابقين، وجرى اكتشافه في ديسمبر 1962، وتعد من الأحداث الحساسة في تاريخ تونس إذ أنها أدت لإعدام أحد عشر فرداً من الانقلابيين المتآمرين، وحوكم العشرات غيرهم بأحكام مختلفة.

الصفحة الأولى لجريدة الصباح التونسيى بعد محاولة انقلاب الأزهر الشرايطي
الصفحة الأولى لجريدة الصباح التونسيى بعد محاولة انقلاب الأزهر الشرايطي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

أدت بعض سياسات الحكومة لاستياء العديد من فئات المجتمع من بورقيبة، وتزامن ذلك مع انتشار الانقلابات في بداية الستينيات، لا سيما في الدول العربية.

ففي يوليو 1961 تحولت أحداث بنزرت إلى مواجهة مسلحة. عانى فيها الجنود والمقاومون التونسيون، من هزيمة فادحة ضد الجيش الفرنسي، مع خسائر بشرية كبيرة. وينظر الكثيروان لمعركة بنزرت على أنها مغامرة متهورة لا طائل منها، كان هدفها الوحيد استعادة هيبة بورقيبة، حيث كان قد أبرم قبل بضعة أشهر مع شارل ديغول اتفاقية دبلوماسية تنص على إخلاء بنزرت من الجنود فرنسيون. ويعتبر تعامل بورقيبة مع الأزمة أحد العوامل الرئيسية للاستياء من نظامه وقتها. على صعيد آخر، استمر الانقسام اليوسفي يقسم البلاد: لا تزال أفكار اليوسفيين التي تنص على دعم الثورة الجزائرية، والتمسك بالعروبة الناصرية، ورفض الفرانكوفيلية، وحداثة بورقيبة) تقنع جزءا من الشعب. فيما أدى كل من قمع أنصار صلاح بن يوسف واغتيال هذا الذراع الأيمن السابق لبورقيبة، في 12 أغسطس 1961، وتحول الرأي العام بعد أحداث بنزرت، إلى حالة من القلق. كما أن قضية قصور بورقيبة، التي ندد بها الحزب الشيوعي التونسي في جريدته،أضافت عنصراً من عناصر السخط. فقد كان بورقيبة يطلب منهم بذل جهد بينما في نفس الوقت يخصص جزء من ميزانية الدولة لبناء مساكنه.

وعلى الصعيد الدولي، نشهد صعود القومية العربية والقومية العربية وانتشار الانقلابات العسكرية كوسيلة مفضلة لاكتساب القوة في الشرق الأوسط والدول العربية.

وفي هذا السياق بدأت فكرة تنفيذ انقلاب ضد بورقيبة بالاعتماد على الجيش في التشكل. وبدأت أولى الاتصالات في الأوساط العسكرية وشبكات المقاومة للقيام بعمل مسلح ضد الرئيس في سبتمبر 1961.

الإعداد

كان هنالك ثلاث مجموعات تخطط للاطاحة ببورقيبة، لكنها تشكلت دون تنسيق فيما بينها في البداية، كما أن كل منها كان لديه مشروعه الخاص، وهذه المجموعات هي:

  • مجموعة بنزرت: بقيادة حبيب حنيني، كانت مدفوعة بشكل أساسي بالكارثة العسكرية التي جرت بأحداث بنزرت 1961، وبسبب تبعاتها على المدنيين في المدينة والمنطقة. وكانت مجموعة بنزرت تخطط لشن هجوم على بورقيبة في مزرعة زوجته وسيلة بورقيبة في عين غليل، على بعد كيلومترات قليلة من بنزرت.
  • مجموعة قفصة: تألفت من مقاومي قفصة السابقون، إذ كانت المدينة أحد معاقل حركة التحرير الوطني خلال الانتفاضة المسلحة 1952 - 1954، لكنهم لم يحصلوا على التقدير الكافي لدورهم في الاستقلال. وكانت خطر الرفاق السابقين لصلاح بن يوسف، والذين قادهم عبد العزيز العكرمي، هو إطلاق ثورة مسلحة من الجبال، وتأمين الأسلحة والمعدات من الجزائر.
  • مجموعة تونس: تكونت بشكل أساسي من جنود وقادها عمر بمبلي، وكانت المجموعة متدربة على أسلوب الانقلابات العسكرية، إذ أن بمبلي كان قد شارك بالفعل في انقلاب عندما كان في الشرق الأوسط. وكانت المجموعة قد خططت لاستخدام الشرطة العسكرية التي تسيطر على البلاد بعد الساعة السادسة مساء.

لاحقاً، تواصلت المجموعات الثلاث من خلال ضباط الاتصال، حيث انضم إليهم آخرون، وكانت تُعقد اجتماعات سرية معظمها في منزل محمد الهادي قفسي في تونس العاصمة. وكان هدف المشروع تغيير النظام الذي من شأنه أن يؤدي إلى حكومة جديدة تجلس فيها شخصيات محترمة ومن حركة التحرير الوطني، مع التأكيد أن الحكومة الجديدة ستكون أكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحاً على البيئة العربية، وناقش بعض أعضاء الجماعة خطة لاغتيال بورقيبة، لكن هذا الاحتمال لم ينل الاجماع بينهم.

كشف المخطط

أدت الاختلافات في التوجهات بين أعضاء المجموعات الإنقلابية إلى حدوث سوء الفهم.ففي 18 ديسمبر 1962، كان آخر لقاء عُقد في منزل الأزهر الشرائطي في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، فشل الانقلابيون بالتوصل لاتفاق، الامر الذي ترك العملية معلقة. وبدأ البعض يفكر في التخلي عن المشروع، وفيما توجه آخرون لتكوين حركة معارضة، إلى أن قم أحد ضباط الصف، ويدعى عمر التوكابري، بتبليغ السلطات العسكرية بالمخطط.

وفي اليوم التالي أعلن المدعي العام في المحكمة العسكرية صلاح الدين بالي اكتشاف المؤامرة، واطلقت عملية أمنية واسعة النطاق، أدت لاعتقال ما يتراوح بين 200 و400 شخص، أفرج عن أغلبهم بعد استجوابهم. كما نتشرت حواجز الشرطة في معظم طرق البلاد وعلى الشوارع الرئيسية للمدن الكبرى. قبض على معظم المتآمرين وهم في منازلهم، فيما استغرقت السلطات وقتاً أطول للقبض على أربعة متمردين من بنزرت، حيث تم تنظيم عمليات مداهمة منظمة؛ لم تستطع القبض على المجموعة الأخيرة حتى يوم 5 يناير.

وفي 25 ديسمبر، أعلن بيان رسمي صادر عن وكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنه تم إحباط مؤامرة ضد أمن الدولة في تونس وأنه سيتم فتح تحقيق أمام النيابة العسكرية في تونس. وفي 27 ديسمبر، أكدت تصريحات بورقيبة وباهي لدغام، وزير الدفاع حينها،، تورط طرف أجنبي بالمؤامرة، وبالتالي ضرورة إجراء المزيد من عمليات التحقيق في البلاد. وفي 28 ديسمبر، نظم الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام التونسي للشغل مظاهرة مؤيدة لبورقيبة. وأعلن يوم 31 ديسمبر تعليق تراخيص صحف الحزب الشيوعي التونسي بعد مذكرة قضائية بحقها. وفي 7 يناير 1963، عُين الباجي قائد السبسي مديراً للأمن القومي، خلفاً لإدريس قيقة. وأعلن أن شخصاً واحد فقط من المشاركين في المؤامرة تمكن من الفرار من الشرطة ولجأ إلى الجزائر.

المحاكمة

المتهمين الرئيسيين

في 31 ديسمبر أحالت النيابة العسكرية 26 متهماً بتهمة التآمر على أمن الدولة، وترأس المحكمة علي الشريف. وكان من الفترض أن تبدأ المحاكمة في 8 يناير لكنها تأجلت، ثم عقدت في 12 يناير في ثكنة بوشوشة واستمرت حتى 17 يناير.حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، وكانت تُذاع الجلسات في الإذاعة وتواجد الصحفيون الأجانب في قاعة المحكمة. فيما كان كل من خير الدين الليلي ومختار المعارف ورضا كهيا وإبراهيم الزيتوني وصلاح الدين قائد السبسي هم محامو الدفاع عن المتهمين.

وجاء الحكم بعد 23 ساعة من المداولة، وحكم على 13 متهماً (ثمانية جنود وخمسة مدنيين) بالإعدام، فيما وحكم على باقي المتهمين بالسجن لمدة عشرين عاماً لمطعمهم من الأشغال الشاقة:

  • عمر بن عمر بمبلي: ضابط عسكري محكوم بالاعدام
  • مستري بن سعيد بن بوبكر: قائد في الجيش محكوم عليه بالاعدام غيابيا
  • كبائر مهيرزي: نقيب في الجيش ، أصله من المرسى ومساعد بورقيبة ، حكم عليه بالإعدام
  • صلاح حشاني: حكم بالإعدام على قائد ثكنة قفصة من بنزرت
  • منصف الماطري : ضابط عسكري من تونس محكوم عليه بالإعدام لكن بورقيبة عفا عنه
  • محمد (الملقب حمادي) بن بلقاسم الجيزة: ضابط عسكري من تونس محكوم بالإعدام لكن بورقيبة عفا عنه.
  • حبيب بركيا: جندي محكوم بالاعدام
  • عبد الصادق بن نصر بن سعيد: جندي محكوم بالاعدام
  • عبد العزيز العكرمي ـ مقاوم سابق من قفصة
  • أحمد رحموني: قاضٍ سابق من تالة محكوم بالإعدام
  • لزهر الشريتي  : مقاتل سابق في المقاومة من قفصة محكوم بالإعدام
  • محمد الهادي قفسي: رجل اعمال نجل علي بن مصطفى قفسي محكوم بالاعدام
  • حبيب حنيني: مقاتل سابق في المقاومة من بنزرت محكوم بالإعدام
  • ساسي بو يحيى: مقاتل سابق في المقاومة من الرديف ومحكوم بالسجن المؤبد
  • محمد صلاح براتلي : مقاتل مقاومة سابق من بنزرت بالسجن المؤبد
  • أحمد التيجاني بن عمر: قاضٍ سابق من تالة ، مقيم بالكاف ثم فصل من منصبه ، محكوم عليه بالسجن عشرين سنة مع الأشغال الشاقة.
  • تميم بن الكامل حمادي تونسي: مناضل سابق في المقاومة من سليانة ، طالب قانون وأصغر عضو في الجماعة ، محكوم عليه بالسجن عشرين سنة مع الأشغال الشاقة
  • قدور بن يوخرت: مقاتل سابق في المقاومة من بنزرت ، محكوم عشرين سنة مع الأشغال الشاقة
  • علي بن سالم كشك  : مقاوم سابق من بنزرت محكوم عشرين سنة مع الأشغال الشاقة
  • محكوم على العربي بن أحمد العكرمي ، مناضل سابق في المقاومة من قفصة ، بالسجن عشرين سنة مع الأشغال الشاقة
  • عز الدين شريف: مدرس ، مقاتل سابق في المقاومة من قفصة ، محكوم عليه بالسخرة 10 سنوات .
  • علي بن مصطفى قفسي: الأصل من بنزرت ، محكوم عليه بالأشغال الشاقة عشر سنوات ، وتوفي في الحبس.
  • كفلي الشواشي: أصله من مجز الباب محكوم عليه بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة
  • حسن مرزوق: ضابط بالحرس الوطني ومحكوم عليه بالسجن عامين
  • محمد بن علي المثناني: ضابط أمن من القيروان ومحكوم عليه بالسجن سنتين
  • محمد العربي بن سالم عصام: أصله من القصر محكوم عليه بالسجن سنتين

وجرت عملية الإعدام في 24 يناير 1963 في مكان سري ودفونوا في قبر جماعي. وقضى الباقون أحكامهم في سجن غار الملح العثماني لمدة ثلاث سنوات ثم في سجن برج الرومي ببنزرت. وكانت ظروف السجن وعملية الاستجواب قاسية للغاية واستخدام خلالها عمليات التعذيب. واحتجز السجناء لمدة ثماني سنوات في قبو رطب، صيفاً وشتاءاً، دون امكانية لرؤية الشمس، وكانت أقدامهم مقيدة بالجدار بسلسلة طولها 60سم. حتى أطلق سراحهم في 1 يونيو 1973