محاكم التفتيش الإسپانية

محاكم التفتيش الإسبانية كانت مؤسسة تأسست في 1478 من قبل الملوك الكاثوليك، كبديل لمحكمة التفتيش البابوية التي كانت سائدة في القرون الوسطى، كمؤسسة لم يسبق لها مثيل في المؤسسات المماثلة في أوروبا في القرن الثالث عشر (انظر مادة محاكم التفتيش)، وكانت تحت السيطرة المباشرة للملكية، ولم يتم إلغاؤها حتى 1834. وقد تم التأسيس في 1 نوفمبر تشرين الثاني من عام 1478 بموافقة البابا سيكستوس الرابع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سوابق

في القرن السادس عشر أصبحت [إاسبانيا]] أكبر قوة كاثوليكية في العالم آنذاك. و تم إجبار كل المسلمين في قشتالة على التنصر في عام 1502، ثم تم إجبار المسلمين في أراغون على التنصر عام 1526. وكانت إسبانيا نموذجًا لدولة دينيه سلطويه، فتتحكم وتعين الكنيسة فيها الملوك والأباطرة الذين يحكمون بحاكميه تسمى ظل الله في الأرض أو قانون الحق الإلهي. وللقضاء على ما سموه وقتها بالفساد فقد قامت بتأسيس محاكم تفتيش، واستهدفت من تم إجبارهم على التنصر من المسلمين واليهود [1] ثم استهدفت المعتقدات المسيحية الأخرى وخاصة البروتستانتية وظهرت كلمة الهرطقة، وهى وصف لمن اختلف معهم في الشرح المحدد للنص الإنجيلي من قبل الملتزمين في الكنيسة الكاثوليكية.


أهدافها

 
التعذيب من سمات محاكم التفتيش الإسبانية

كانت محاكم التفتيش في إسبانيا منذ القرن الثاني عشر موجهة ضد المسلمين الذين تم إجبارهم على التنصر، وتمت تسميتهم بالموريسيين. ولذلك فإن معظم محاكم التفتيش الإسبانية (التابعة للملوك) قد أنئشت في مدن الأندلس الجنوبية. لكنها شملت لاحقاً اليهود كذلك منذ نهاية القرن الرابع عشر. وفي القرن السادس عشر ظهر عدو جديد وهم البروتستانت حيث تم إحراقهم أحياء كهراقطة.

وكان القس "توماس دي تركيمادا"، يرأس هيئة التفتيش للبحث عن هؤلاء الهراطقه، فيقوم بوعظهم وتعذيبهم وقتلهم إن لم يعودوا إلى كنف الكنيسه الكاثوليكيه، وكان يسمى بالمفتش العظيم أو جراند إنكويستر، وكان يعدم واحدًا على الأقل من كل عشرة أشخاص يمثلون أمام محكمته وكان ذلك بأسلوب خجلت منه الكنيسه الكاثوليكيه واعتذرت عنه للعالم. و يكفي أن ننقل ما سطره غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" حيث يقول عن محاكم التفتيش: «يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب و الاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين ، فلقد عمدوهم عنوة، و سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع. و اقترح القس "بليدا" قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء و الأطفال، و هكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي». و كان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مئة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه. و كان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرين، و حجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين و الكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم. يقول د. لوبون: «الراهب بليدي أبدى ارتياحه لقتل مئة ألف مهاجر من قافلة واحدة مؤلفة من 140 ألف مهاجر مسلم، حينما كانت متجهة إلى إفريقية».

تطبيقها

 
"التاريخ الموجز لمحاكم التفتيش بإسبانيا"، تأليف جوزيف بيريز. انقر على الصورة لمطالعة الكتاب كاملاً.

كانت محاكم التفتيش وسيلة ملوك أسبانيا الصليبيين لتطهير أسبانيا من الكفرة (و يعنون المسلمين). و ذلك برغم المعاهدة الموقعة منهم عندما سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (897 هـ \ 1492م). حيث نصت المعاهدة بين أبي عبد الله الصغير والملوك الكاثوليك وضمنها البابا وأقسم عليها: "تأمين الصغير و الكبير في النفس و الأهل و المال إبقاء الناس في أماكنهم و دورهم و رباعهم و إقامة شريعتهم على ما كانت و لا يحكم على أحد منهم إلا بشريعتهم و أن تبقى المساجد كما كانت و الأوقاف كما كذلك و ألا يدخل نصراني دار المسلم و لا يغصبوا أحدا ....و ألا يؤخذ أحد بذنب غيره و ألا يُكره من أسلم على الرجوع للنصارى و دينهم و لا ينظر نصراني على دور المسلمين و لا يدخل مسجدا من مساجدهم و يسير في بلاد النصارى آمنا في نفسه و ماله ... و لا يمنع مؤذن و لا مصلي و لا صائم ولا غيره في أمور دينه".

لكن تلك الأيمان والعهود كانت ستاراً للغدر والخيانة، فتم نقض المعاهدة كلياً. وتم حظر اللغة العربية، وأحرق الكردينال "أكزيمينيس" عشرات الآلاف من كتب المسلمين و فيها من العلوم ما لا يقدر بثمن بل هي خلاصة ما تبقى من الفكر الإنساني. يقول غوستاف لوبون: "ظن رئيس الأساقفة أكزيمينيس أنه بحرقه مؤخرا ما قدر على جمعه من كتب أعدائه العرب (أي ثمانين ألف كتاب) محا ذكراهم من الأندلس إلى الأبد. فما دَرَى أن ما تركه العرب من الأثار التى تملأ بلاد إسبانية يكفي لتخليد إسمهم إلى الأبد". وفي عام 1500 أجبر المسلمون في غرناطة على تسليم أكثر من 15 مليون كتاب تتميز بتجليدات زخرفية لا تقدر بثمن، فقد تمّ حرقها وبقي منها بعض الكتب الطبية فقط .

ثم تم إجبار المسلمين على التنصُّر. إلا أن معظم هذا الاعتناق الديني كان بالاسم فقط: إذ كان المسلمون يمارسون الطقوس الدينية المسيحية، إلا أنهم استمروا في تطبيق الدين الإسلامي سراً. وكانت هناك محظورات كثيرة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية. فإذا عُلم أن أحداً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقه حكم بالموت، وإذا وجدوا رجلا لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيصدر في حقه الإعدام. وكذلك لو وجدوا في بيته مصحفا، أو امتنع عن الطعام في رمضان، أو امتنع عن شرب الخمر وأكل الخنزير. وكانوا يكشفون عورة من يشكون أنه مسلم، فإذا وجدوه مختونًا أو كان أحد عائلته كذلك فليعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته. وتعتبر المحكمة الكاثوليكية والرأي العام أن تصرفات مثل تناول "الكوسكس"، واستخدام الحناء عادات غير مسيحية، يجب معاقبة فاعلها.

وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين، وعد بتحقيق المساواة بينهم وبين المسيحيين في الحقوق والواجبات، ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها المسيحيون، وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيءًا فشيئًا، حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد، ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة، صدر قرار في سنة (948 هـ=1514م)، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة. وأصدر الملك شارل كانت قراراً أن كل شخص يطمح لشغل وضيفة في أسبانيا عليه إثبات عدم وجود أي عضو يهودي أو مسلم في عائلنه منذ أربعة أجيال على الأقل.

ولكن حتى هذا الحل لم ينجح كليا في حل المشكلة الاسلامية في اسبانيا فكان اللجوء إلى الطرد الجماعي في القرن السابع عشر، أما الخسائر التي ستترتب عن الطرد فتم تعويضها بشكل كبير بالأرباح الناتجة عن مصادرة أملاك المورسكيين. حيث أصدر الملك فيليب الثالث قراراً بطرد مئات الآلاف من الموريكسيين بعد أن اقتنع بفشل محاكم التفتيش في إجبار المسلمين على ترك دينهم، على أن يبقى الأطفال الذين كانت أعمارهم بين العاشرة أو أقل في إسبانيا ليقوم الرهبان أو أي أشخاص آخرين موثوق بهم بتعليمهم مع إبقائهم عبيداً بغير زواج. فما بين عامي 1609-1614 تم طرد ما لا يقل عن 500 ألف شخص إلى البلدان الاسلامية المجاورة كالمغرب وتونس والجزائر بل وبعض البلدان المسيحية الاخرى، بعد نهب ومصادرة ثرواتهم وأملاكهم. وكان سكان إسبانيا حوالي 8 ملايين نسمة. وقد تمت إبادة كثير منهم أثناء هذا الترحيل حيث تلقيهم السفن بالبحر ليموتوا غرقاً. وقد أشار "هنري تشارلز لي" بعد دراسة المصادر المعاصرة أن نسبة وفاة المسلمين تقع ما بين ثلثي و ثلاثة أرباع مجموع عددهم.

وقد أدى هذا النفي لإدخال إسبانيا في أحلك فترة في تاريخها، حيث أن الكثير من الأراضي الخصبة أصبحت أراضي موات، واندثرت أكثر الحرف ازدهاراً (كالبناء وتنظيم السقاية والنقل). لم يبق من الموريكسيين بعد الطرد إلا القليل مختفين بدينهم. أخر ذكر لهم في السجلات كان تقريرا رُفع إلى الملك سنة 1769 يتضمن شكوكا حول أشخاص متهمين بالإسلام سرّا. ولعل من المفيد أن نذكر أن رجلاً أسبانيًا يدعى "بدية" توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج سنة (1222هـ=1807م) أي بعد 329 سنة من قيام محاكم التحقيق. وانتهت محاكم التفتيش رسمياً في 15 حزيران 1834. رغم بقاء العديد من يؤيدها إلى يومنا الحالي، حتى أنه تقرر في نهاية عام 1960 وجوب إضافة اسم "جوان دو ريبيرا" (مخطط عملية الطرد والإبادة وخطف الأطفال) إلى قائمة القديسيين.

طرق التعذيب

مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب. ومن أنواع التعذيب: إملاء البطن بالماء حتى الاختناق، وسحق العظام بآلات ضاغطة، و ربط يدى المتهم وراء ظهره، و ربطه بحبل حول راحتيه و بطنه و رفعه و خفضه معلقا سواء بمفرده أو مع أثقال تربط به، و الأسياخ المحمية على النار، و تمزيق الأرجل، و فسخ الفك. وكثيراً ما كانت تصدر أحكام إعدام حرقاً، وكانت احتفالات الحرق جماعية، تبلغ في بعض الأحيان عشرات الأفراد، وكان الملك فرناندو الخامس من عشاق هذه الحفلات. وكان لهم توابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسم المعذب تدريجيا، وأيضا أحواض يقيّد فيها الرجل ثم يسقط عليه الماء قطرة قطرة حتى يملأ الحوض ويموت. كانوا أيضا يقومون بدفنهم أحياء، ويجلدونهم بسياط من حديد شائك، وكانوا يقطعون اللسان بآلات خاصة.

وكان دستور محاكم التفتيش فييجيز محاكمة الموتى والغائبين وتصدر الأحكام في حقهم عليهم كالأحياء. فتصادر أموالهم وتنبش قبورهم. كما يتم حرمان أقاربهم من تولي الوظائف العامة وامتهان بعض المهن الخاصة[2].

مصادر