كمال الدين بن يونس

كمال الدين بن يونس (1156-1242م) هو كمال الدين أبو عمران موسى بن يونس بن محمد بن منعة علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد أتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وكان عظيماً في العلوم الشرعية والفقه وكان مدرّساً في المدرسة بالموصل ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك وله مصنفات في نهاية الجودة ولم يزل مقيماً بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة اللّه‏.‏

حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي قال وكان ورد إلى الموصل كتاب الإرشاد للعميدي وهو يشتمل على قوة من خلاف علم الجدل وهو الذي يسمونه العجم جست أي الشطار فلما أحضر إلى الشيخ كمال الدين بن يونس نظر فيه وقال علم مليح ما قصر فيه مؤلفه وبقي عنده يومين حتى حرر جميع معانيه ثم إنه أقرأه الفقهاء وشرح لهم فيه أشياء ما ذكرها أحد سواه.

وقيل أن كمال الدين بن يونس كان يعرف علم السيمياء من ذلك حدثني أيضاً القاضي نجم الدين بن الكريدي قال حدثني القاضي جلال الدين البغدادي تلميذ كمال الدين بن يونس وكان الجلال مقيماً عند ابن يونس في المدرسة - قال كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الأنبرور ملك الفرنج - وكان متفنناً في العلوم - رسول الموصل إلى ابن يونس يعرفه بذلك ويقول له أن يتجمل في لبسه وزيه وجعل له مجلساً بأبهة لأجل الرسول وذلك لما يعرفه من ابن يونس أنه كان يلبس ثياباً رثة بلا تكلف وما عنده خبر من أحوال الدنيا فقال نعم حكى جلال الدين قال فكنت عنده وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة فبعث من الفقهاء من تلقاه فلما حضر عند الشيخ نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب له الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه فقلت للشيخ يا مولانا ما أعجب ما رأينا من ساعة من تلك الأبهة والحشمة فتبسم وقال يا بغدادي هو علم‏.‏

وقال جلال الدين وكان للشيخ كمال الدين عند بدر الدين لؤلؤ حاجة فركب عند الصبح ليلقاه فيها وكانت عادة بدر الدين أن يركب الخيل والبغال السريعة المشي فلما قدموا في السحر فرساً وركبه لم ينبعث في المشي فنزل عنه وركب غيره فلم يقدر على المشي خطوة فبقي متحيراً في أمره وإذا بالشيخ قد وصل إليه وقال له عن حاجته فقضاها له ثم قال ما كان الفرس امتنعت من المشي إلاحتى تقدم فقال يا مولانا هذا من همة المشايخ وعاد وسار بدر الدين لؤلؤ وتبعه العسكر‏.‏

حدثني نجم الدين حمزة بن عابد الصرخدي أن نجم الدين القمراوي وشرف الدين المتاني - وقمراومتان هما قريتان من قرى صرخد قال كانا قد اشتغلا بالعلوم الشرعية والحكمية وتميزا واشتهر فضلهما وكانا قد سافرا إلى البلاد في طلب العلم ولما جاءا إلى الموصل قصدا الشيخ كمال الدين بن يونس وهو في المدرسة يلقي الدرس فسلما وقعدا مع الفقهاء ولما جرت مسائل فقهية تكلما في ذلك وبحثا في الأصول وبان فضلهما على أكثر الجماعة فأكرمهما الشيخ وأدناهما ولما كان آخر النهار سألاه أن يريهما كتاباً له كان قد ألفه في الحكمة وفيه لغز فامتنع وقال هذا كتاب لم أجد أحداً يقدر على حله وأنا ضنين به فقالا له نحن قوم غرباء وقد قصدناك ليحصل لنا الفوز بنظرك والوقوف على هذا الكتاب ونحن بائتون عندك في المدرسة وما نريد نطالعه سوى هذه الليلة وبالغداة يأخذه مولانا وتلطفا له حتى أنعم لهما وأخرج الكتاب فقعدا في بيت من بيوت المدرسة ولم يناما أصلاً في تلك الليلة بل كل واحد منهما يملي على الآخر وهو يكتب حتى فرغا من كتابته وقابلاه ثم كررا النظر فيه مرات ولم يتبين لهما حله إلى آخر وقت وقد طلع النهار فظهر لهما حل شيء منه من آخره واتضح أولاً فأولا حتى انحل لهما اللغز وعرفاه فحملا الكتاب إلى الشيخ وهو في الدرس فجلسا وقالا يا مولانا ما طلبنا إلا كتابك الكبير الذي فيه اللغز الذي يعسر حله وأما هذا الكتاب فنحن نعرف معانيه من زمان واللغز الذي فيه علمه عندنا قديم وإن شئت أوردناه فقال قولا حتى أسمع فتقدم النجم القمراوي وتبعه الآخر وأوردا جميع معانيه من أول الكتاب إلى آخره وذكرا حل اللغز بعبارة حسنة فصيحة فعجب منهما وقال من أين تكونان قالا من الشام قال من أي موضع منه قالا من حوران فقال لا أشك أن أحدكما النجم القمراوي والآخر الشرف المتاني قالا نعم فقام لهما الشيخ وأضافهما عنده وأكرمهما غاية الإكرام واشتغلا عليه مدة ثم سافرا‏.‏

أقول وكان عمي رشيد الدين بن خليفة وهو في أول شبيبته قصد السفر إلى الموصل ليجتمع بالشيخ كمال الدين بن يونس ويشتغل عليه لما بلغه من علمه وفضله الذي لم يلحقه فيه أحد وتجهز للسفر فلما علمت بذلك والدته جدتي بكت وتضرعت إليه أن لا يفارقها وكان يأخذ بقلبها فلم يمكنه مخالفتها وأبطل الرواح إليه ولكمال الدين بن يونس أولاد بمدينة الموصل قد أتقنوا الفقه وسائر العلوم وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين ومن شعر كمال الدين بن يونس قال ما كنت ممن يطيع عذالي ولا جرى هجره على بالي وقال حتى ومتى لي وعدكم لي زور مطل واف ونائل منزور في قلبي حب حبكم مبذور زوروا فعسى يثمر وصلاً زوروا ولكمال الدين بن يونس من الكتب كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القرآن شرح كتاب التنبيه في الفقه مجلدان وكتاب مفردات ألفاظ القانون كتاب في الأصول كتاب عيون المنطق كتاب لغز في الحكمة كتاب الأسرار السلطانية في النجوم‏.‏

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مؤلفاته

ترك كمال الدين بن يونس عددا كبيرا من المؤلفات في شتى فروع المعرفة من أشهرها بالإضافة لما ذكر:

  • كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القرآن
  • كتاب شرح كتاب التنبيه في الفقه
  • كتاب مفردات ألفاظ القانون
  • كتاب عيون المنطق
  • رسالة في المخروطات
  • رسالة في المربعات السحرية


المصادر