الكاتدرائية هي كنيسة مسيحية تستخدم كمقر لمطران الابرشية، المصطلح مستخدم في الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الانغليكانية وبعض الكنائس اللوثرية.

كاتدرائية بيتربرا في انكلترا

المصطلح غير مستخدم في الكنيسة الارثوذوكسية الشرقية ، حيث ان كنيسة المطران تسمى بـ "الكنيسة العظمى" ولكن لطالما استخدم مصطلح كاتدرائية في الترجمة إلى اللغة الانكليزية .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اصل الكلمة

كلمة كاتدرائية مشتقة من الاسم اليوناني καθέδρα (كاثيذرا) والذي يترجم إلى "كرسي" ويشير إلى وجود كرسي او عرش المطران .


نُرى لــمَ شاهدت أوربا هذا العدد الجم من الكنائس في الثلاثة القرون التي أعقبت عام 1000 بعد الميلاد؟ وأية حاجة دعت إلى أن تنشأ في أوربا التي لا يكاد سكانها في ذلك الوقت يصلون إلى خمس سكانها الحاليين معابد قلما تمتلئ لسعتها بالمصلين في أكثر الأيام قدسية؟ وكيف استطاعت الحضارة الصناعية تعجز عن الاحتفاظ بها؟ لقد كان السكان قليلين، ولكنهم كانوا مؤمنين، وكانوا فقراء، ولكنهم كانوا يبذلون بسخاء عظيم. ويقول سوجر رئيس دير القديس دنيس إن العابدين في أيام الأعياد، وفي الكنائس التي يؤمها الحجاج، كانوا من الكثرة بحيث "تضطر النساء إلى الجري إلى المذبح متخذات من رؤوس الرجال طواراً(1)، ولسنا ننكر أن الرئيس العظيم كان يجمع المال لبناء تلك الآية الفنية، وأنه خليق لهذا السبب بأن نغفر له بعض مغالاته. ولكن أسباباً كثيرة كانت تدعو إلى بناء الكنائس بهذه الكثرة وتلك السعة: لقد كان من المرغوب فيه أن يجتمع سكان بعض المدن مثل فلورنس، وبيزا، وتشارتز، ويورك، في صرح واحد في بعض المناسبات.كذلك كان لا بد أن تتسع كنيسة الدير المزدحم للرهبان والراهبات ولغير رجال الدين. وكان لا بد من أن تحفظ المخلفات المقدسة في أضرحة خاصة تتسع أيضا للصفوة من العابدين، وكانت الحاجة تدعو إلى وجود بناء مقدس رحب تقام فيه الطقوس الكبيرة، وإلى مذابح جانبية من الأديرة والكثدرائيات التي ينتظر أن يتلو قساوستها الكثيرون القداس في كل يوم، وكان الاعتقاد السائد أن مذبحاً أو مصلى يخصص لكل قديس محبوب قد يدعوه إلى إجابة طلبات من يتوسلون إليه، وكان لا بد أن يبنى لمريم"مصلى نسائي" إذا لم تكن الكنيسة كلها ملكا لها. أما نفقات هذه الصروح فقد كان معظمها يؤخذ مما يجمع من الأموال في كرسي الأبرشية؛ وكان الأساقفة فضلا عن هذا يطلبون العطايا من الملوك والنبلاء، والمدن ذات الحكم الذاتي؛ والنقابات الطائفية والأبرشيات، والأفراد. وكانت المنافسة الطيبة تثار بين المدن التي أضحت الكثدرائية فيها رمزاً لثرائها وسلطانها، تتحدى بهما غيرها من المدن، وكان المتبرعون يوعدون بأن تغفر لهم ذنوبهم، كما كانت المخلفات المقدسة يطاف بها في الأبرشية لتحفز الناس إلى العطاء، وقد يحدث في بعض الأحيان أن يحرض الناس على البذل والسخاء بمعجزة من المعجزات(2). وكان التنافس في بذل المال للبناء شديداً، وكان الأساقفة يعارضون في جمع المال من الأبرشياتهم لإقامة منشآت في غيرها، ولكن أساقفة من أجزاء أخرى، ومن بلاد أجنبية في بعض الأحيان، كانوا يمدون بالمعونة مشروعات في غير بلادهم كما حدث في مدينة تشارتر ولسنا ننكر أن بعض هذه الطبقات كانت تقرب أحياناً من الإلزام، ولكنها قلما تصل إلى قوة المؤثرات التي تعبأ لتمويل الحروب الحديثة من الأموال العامة. وقد استنفدت هيئات في الكثدرائيات الفرنسية أموالها الخاصة، وكادت تفلس من أجل ذلك الكنيسة الفرنسية في خلال سورة البناء القوطية. ولم يكن الناس أنفسهم يشعرون وهم يتبرعون بالمال بأنهم يستغلون، وقلما كانوا يحسون فقد القليل الذي يبذله كل فرد منهم، لأن هذا القليل كان يرد إليهم فيما يعود عليهم من عزة جماعية وعمل جليل عظيم، وفيما يكون لهم من بيت للعبادة، ومكان رحب يجتمعون فيه، ومدرسة يتعلم فيها أبناؤهم، ومدرسة للفنون والحرف تتلقاها فيها نقاباتهم الطائفية، وكانت في نظرهم كتاباً مقدساً من الحجارة يقرءون في تماثيله وصورة بعين بصيرتهم قصة إيمانهم. وقصارى القول أن بيت الله كان أيضاً بيت الشعب.

ومن هم الذين خططوا الكتدرئيات؟ إذا كانت العمارة هي فن تخطيط البناء وتجميله، وتوجيه القائمين بتشييده فإن علينا أن نرفض- في حالة الفن القوطي- الرأي القديم القائل أن القديسين أو الرهبان هم مهندسو هذه الصروح. لقد كانت مهمتهم هي أن يصوغوا حاجاتهم، وأن يتقدموا بفكرة عامة عن البناء المطلوب، ويحصلوا على مكان يقيمونه فيه، ويجمعوا ما يلزم من المال. وقد جرت عادة رجال الدين وبخاصة رهبان دير كلوني قبل عام 1050 أن يصمموا البناء، ويضعوا خطته، ويشرفوا على بنائه. أما الكتدرئيات الكبرى- كلها بعد عام 1050- فقد كان لابد فيها من استخدام مهندسين محترفين، كانوا كلهم-إلا قلة منهم لا تذكر- من غير الرهبان أو القسس. ولم يكن المهندس المعماري يلقب بهذا اللقب قبل عام 1563، بل كان يسمى في العصور الوسطى"رئيس البنائين" وأحياناً "رئيس المشيدين"، وتدلنا هذه التسمية على منشئه فقد كان يبدأ حياته بناءً يعمل بيده البناء الذي يشرف عليه. فلما استهل القرن الثالث عشر وعظم الثراء، فشيدت بفضله الصروح الكبيرة، وزاد التخصص، لم يبق "رئيس البنّائين" رجلاً يشترك بنفسه في العمل اليدوي، بل أصبح رجلاً يضع الخطط ويعرض المناقصات، ويقبل المشارطات، ويخطط الأرض، ويضع الرسوم، ويحصل على المواد، ويؤجر العمال والفنانين، ويؤدي إليهم أجورهم، ويشرف على أعمال البناء من البداية إلى النهاية. وإنا لنعرف أسماء الكثيرين من هؤلاء المهندسين الذين عاشوا بعد عام 1050 نعرف أسماء 137 من المهندسين القوط في أسبانية العصور الوسطى بله غيرها من البلاد. ومن هؤلاء من كانوا ينقشون أسماءهم على ما يشيدونه من الأبنية، ومنهم قلة ألفت كتباً في مهنها. وقد ترك فلار دي هنكور Villard de Honnecourt (حوالي عام 1250 سجلا من المذكرات والرسوم نت سبورتس • NET SPORTS التخطيطية المعمارية توضح ما قام به من الأسفار وهو يمارس مهنته من ليون وريمس إلى لوزان وبلاد المجر.

ولم يكن للفنانين الذين يقومون بأعمال أقل درجة من البناء- أي الذين يحفرون الصور، والنقوش، أو يدهنون النوافذ والجدران، أو يزينون المذبح أو مكان المرتلين- لم يكن لهؤلاء الفنانين اسم خاص يمتازون به من الصناع، لقد كان رئيس صناع، وكانت كل صناعة تحاول أن تكون فناً. وكانت معظم الأعمال توزع بمقتضى عقوبة ومشارطات على النقابات الطائفية التي ينتمي إليها الصناع والفنانون على السواء أما العمل الذي لا يحتاج إلى مهارة فكان يقوم به أرقاء الأرض أو عمال متنقلون مأجورون، وإذا ما طلب العمل الإسراع جندت الحكومة رجالاً- وصناعاً ماهرين إذا لوم الأمر- لإنجازه(3). وكانت ساعات العمل تدوم في الشتاء من مطلع الشمس إلى مغيبها، وفي الصيف من بعد مطلع الشمس إلى قبيل الغروب مع السماح للعمال بوقت يتناولون فيه وجبة الغذاء. وكان المهندسون الإنجليز يتقاضون في عام 1275 اثني عشر بنساً في اليوم (12 سنتاً أمريكيا) تضاف إليها أجور الانتقال وهدايا في بعض الأحيان.

وكان تخطيط أرض الكثدرائية في جوهره هو تخطيط الباسيلكا الرومانية فهو صحن مستطيل ينتهي بمحراب وقبة، وترتفع فوق طرقتين وبينهما إلى سقف قائم على جدران وعمد. وطرأ على هذه الباسيلكا البسيطة تطور معقد ولكنه فاتن خلاب، فأضحت هي الكثدرائية الرومنسية أولاً والقوطية فيما بعد، فقطع الصحن والطرقتين صحنٌ عَرضي يجعل التصميم في شكل صليب لاتيني. وأخذت مساحة أرض الكثدرائية تزداد بفضل المنافسة أو الحماسة الدينية، حتى أضحت مساحة كنيسة نوتردام في باريس 000و63 قدم مربعة، ومساحة كنيسة تشارتر أو ريمس 65 ألفاً، وكنيسة أمين 70 ألفاً، وكولوني 90 ألفاً والقديس بطرس 100 ألف. وكانت الكنيسة المسيحية تبنى بحيث رأسها أو محرابها يكون على الدوام متجهاً نحو الشرق- أي نحو بيت المقدس. ومن أجل هذا كان المدخل الرئيسي في الواجهة الغربية التي تستقبل زخرفتها الخاصة ضوء الشمس الغاربة. وكان كل مدخل في الكثدرائيات العظيمة يتألف من باكية ذات"تجويفات داخلة": أي أن أبعد العقود من الداخل يعلوه عقد أكبر منه يمتد إلى الخارج، من فوقه هو أيضاً عقد يعلوه عقد ثالث أكبر من الثاني، ويتكرر هذا الوضع حتى تبلغ العقود في بعض الأحيان ثماني طبقات يتكون منها كلها غلاف قابل للاتساع.وهناك "طبقات ثانوية" شبيهة بها تزيد جمال عقود الحن وأكتاف الشبابيك. ويتسع كل رباط حجري من العقد المعماري لتماثيل أو غيرها من الزخارف المنحوتة، وبذلك يصبح مدخل الكتدرائية، وبخاصة في الواجهة الغربية، وكأنه فصل شامل واف في كتاب القصص المسيحي الحجري.

ومما زاد في روعة الواجهة الغربية ومهابتها أن أقيم حولها من الجانبين برجان، ذلك أن الأبراج قديمة قدم السجلات التاريخية، ولم تكن تستخدم في الطرازين الرومنسي والقوطي مكاناً للأجراس فحسب، بل كانت تستخدم فوق ذلك لتحمل ضغط الواجهة الجنوبي، وضغط طوب الأجنحة. وكان في المباني النورمندية والإنجليزية برج ثالث ذو نوافذ كثيرة، إذا لم يكن جزؤه الأكبر مفتوحاً عند قاعدته، وكان هذا البرج بمثابة "فانوس" ينفذ منه الضوء الطبيعي إلى وسط الكنيسة. وقد أراد المهندسون القوط المولعون بالأوضاع الرأسية أن يضيفوا برجاً رفيعاً مستدق الطرف لكل واحد من هذين البرجين، غير أنهم لم يسعفهم المال، أو المهارة الفنية، أو الحماسة، وسقطت هذه الأبراج المستدقة كما حدث في بوفيه، ولم تقم في كثدرائيات نوتردام،أو أمين، أو ريمس أبراج من هذا النوع، ولم يبن في تشارتر إلا برجان من الثلاثة الأبراج المستدقة التي كان في النية إقامتها، كما لم يبن في لاؤن إلا واحد من خمسة، وقد دمر هذا البرج المستدق في أثناء الثورة الفرنسية . وكان برج الجرس يشرف على المدن الإيطالية، كما كان البرج المستدق يشرف على براري البلاد الأوربية والشمالية. وكانت هذه الأبراج في تلك الجهات الشمالية منفصلة عادة عن بناء الكنيسة، تشبه من هذه الناحية برج بيزا Pisa المائل، أو برج جيتو في فلورنس. ولعل من شاهدوها قد تأثروا بالمآذن الإسلامية، ثم عادوا فنشروا هذا الطراز في فلسطين وسوريا، وأصبحت هي أبراج الأجراس في المدن الشمالية.

وإذ كانت العمد التي على جانبي الطرقة الوسطى في داخل الكنيسة تعتمد عليها عقود تنحني حتى تلتقي في قبة السقف، فإن هذه الطرقة تبدو للناظر كأنها هيكل المركب من الداخل في وضع مقلوب، ومن هذا الوضع اشتق اسمها Nav . وكان طولها ينقص تأثيره في نفس الناظر إليه أحياناً، وبخاصة في إنجلترا، بإضافة شباك من الرخام أو الحديد المشغول منحوت أو مصبوب نحتاً أو صباً جميلاً يعترض الصحن ليقي المحراب من تطفل العلمانيين أثناء الصلاة.

وكان في المحراب مقاعد للمرنمين كلها تحف فنية على الدوام، ومنبران، ومقاعد للقساوسة الذين يصلون بالناس، والمذبح الرئيسي الذي يحتوي في أغلب الأحيان على ستار خلفي مزخرف. ومن حول المحراب ممشى دائري يصل صحن الكنيسة بقباها، ويسمح للمواكب بأن تطوف البناء كله. وكانت بعض الكنائس تنشئ تحت المذبح قبواً تحفظ فيه مخلفات القديس الشفيع، أو عظام الأموات الممتازين، وكأنها بذلك تذكرنا بحجرات الدفن في مقابر الرومان.

وكانت المشكلة الكبرى في العمارة الرومانسية أو القوطية هي طريقة ارتكاز السقف. لقد كانت الكنائس الأولى المقامة على الطراز الرومنسي ذات سقف خشبية مصنوعة في العادة من خشب البلوط الجيد الجفاف. وإذا ما أحسنت تهوية هذا الخشب ومنعت عنه الرطوبة فإنه يبقى إلى ما شاء الله، وشاهد ذلك أن الطريقة الجنوبية المستعرضة في كثدرائية ونشستر لا تزال محتفظة بسقفها الخشبي المصنوع في القرن الثاني عشر. وأكبر عيب في هذه السقف هو تعرضها لخطر الحريق، فإذا ما شبت النار فيها من الصعب الوصول إليها لإطفائها. ولهذا فإنه لم يستهل القرن الثاني عشر حتى كانت الكنائس الكبرى كلها تقريباً قد بنيت سقفها. وكان ثقل هذا السقف هو الذي وجه تطور العمارة الأوربية في العصور الوسطى. فكان لابد من أن يرتكز قسم كبير من هذا الثقل على العمد المقامة على جانبي الصحن، وإذن فقد كان لابد من تقوية هذه العمد أو مضاعفة عددها، وقد تحقق هذا الغرض بضم عدد من العمد في مجموعة أو إحلال دعامات ضخمة من البناء محل هذه العمد. وكانت مجموعة العمد أو الدعامة الضخمة يعلوها تاج، وربما كانت لها أيضاً عصابة يتسع بها سطحها لتحمل ما يعلوها من ثقل، وكانت مروحة من العقود تقوم فوق كل مجموعة من العمد أو الدعامة: منها عقد مستعرض في الصحن يمتد إلى الدعامة المواجهة، وعقد مستعرض آخر يمر فوق الطرقة إلى دعامة في الجدار، وعقدان طوليان يمتدان إلى الدعامتين التاليتين الخلفية منهما والأمامية، وعقدان ممتدان على طولي القطرين ويصلان بين إحدى الدعامات ودعامتين متقابلتين لها في عرض الصحن، وقد يكون هناك عقدان آخران ممتدان إلى دعامتين مقابلتين يعلوان فوق عرض الممشى. وقد جرت العادة أن يكون لكل عقد ركيزته الخاصة فوق عصابة الدعامة أو تاجها. وكان يحدث أحياناً ما هو خير من هذا فيكون مستطيل كل عقد في خط غير منقطع حتى يصل إلى الأرض ليكون طائفة من العمد المتجمعة أو الدعامات المركبة. وكان الأثر الذي ينتج من هذه العمد والدعامات الرأسية من أجمل خصائص الطرازين الرومنسي والقوطي. وكان كل مربع من العامات القائمة في الصحن أو الطرقات يكون فرجة ترتفع منها العقود منثنية انثناءاً رشيقاً نحو الداخل ليتكون منها قسم سن القبة. وكان هذا السقف يغطى من الخارج بسطح هرمي من الخشب تستره وتقيه طبقة من الأردواز أو القرميد.

وكانت قبة السقف أعظم ما أنتجته عمارة العصور الوسطى. وقد سمح مبدأ العقود بإيجاد فضاء يغطي أوسع رقعة من السطح الذي ييسر وجوده السقف الخشبي أو العوارض المرتكزة على العمد. وبهذا أصبح من المستطاع توسيع عرض الصحن حتى يوائم طوله الكبير، فلما زاد هذا العرض تطلب ذلك زيادة ارتفاعه حتى يتناسب الارتفاع مع سعته، وييسر هذا ارتفاع المستوى الذي تقوم فوقه العامات أو الجدران، وهذه الاستطالة الجديدة في العمد زادت هي الأخرى من علو الكثدرائية. وزاد تناسق أجزاء القبة لما أنشأت في حافاتها "ضلوع" من الآجر أو الحجارة تمتد من زوايا تقاطع العقود. وأدت هذه الضلوع هي الأخرى إلى تحسينات كبرى في البناء والطراز. فقد عرف البناءون كيف يبدأون القبة بإنشاء ضلع فوق إطار خشبي يسهل تحريكه ونقله، ثم ملئوا المثلثات التي بين ضلعين بالبناء الخفيف مثلثاً بعد نثلث، وجعلوا هذه الشبكة الرقيقة من البناء مقعرة، وبهذا نقل الجزء الأكبر من ثقله إلى الضلوع نفسها، وجعلت هذه الضلوع قوية حتى يلقى الضغط السفلي على نقط معينة- هي دعامات الصحن أو الجدار. ولقد أضحت القبة ذات الأضلاع والعقود المتقاطعة من أهم ما تمتاز به عمارة العصور الوسطى في أعلى درجاتها.

وعولجت مشكلة ارتكاز البناء العلوي فوق هذا بجعل صحن الكنيسة أعلى من طرقاتها، وبهذا كان سقف الطرقة، هو والجدار الخارجي، بمثابة دعامة لقبة الصحن، وإذا ما بنيت فوق الطرقة نفسها قبة، فإن عقودها المضلعة تلقي نصف ثقلها إلى الداخل لتقاوم بذلك الضغط الخارجي للقبة الوسطى عند أضعف نقط في دعامات الصحن. ويضاف إلى هذا أن جزء الصحن الذي يعلوا عن سقف الطرقات يصبح في الوقت نفسه بمثابة طابق أعلى ترتفع نوافذه فوق مستوى البناء المجاور له، فتكون بذلك غير محجوبة وتضيء صحن الكنيسة. وكانت الطرقات نفسها تقسم عادة إلى طابقين أو ثلاثة أطباق تكون أعلاها شرفة، وتسمى التي أسفل منها ذات الأبواب الثلاثة لأن المسافات التي بين العقود والتي تواجه بها الصحن كانت تقسم عادة إلى "ثلاثة أبواب" بعمودين يقومان فيها. أو كان ينتظر من النساء في الكنائس الشرقية أن يصلين في ذلك المكان وأن يتركن الصحن كله للرجال.

وهكذا قامت الكثدرائية مرحلة في إثر مرحلة خلال عشرة أعوام أو عشرين عاماً أو مائة عام، تتحدى قوة الجاذبية لتمجد الله سبحانه. فإذا تمت وأصبحت معدة للصلاة دشنت باحتفال ديني فخم، يجتمع فيه كبار الأحبار وذوو المقام العالي، والحجاج، والنظارة، وجميع أهل المدينة ما عدا القرويين غير المتدينين. وتمضي عدة سنوات بعد ذلك لتكملة ما تحتاج إليه من الإضافات في الداخل والخارج وإضافة ألف من الزخارف وضروب التحلية. ويظل الناس قروناً طوالاً يقرءون على أبوابها، ونوافذها، وتيجان أعمدتها وجدرانها ما حفر أو صور عليها من تاريخ دينهم وقصصه- يقرءون قصة خلق العالم، وسقوط آدم، ويوم الحساب، وسير الأنبياء والبطارقة وما تعرض له أولياء الله الصالحون من صنوف العذاب وما قاموا به من المعجزات، والقصص ذات المغزى التي تدور حول عالم الحيوان، وعقائد رجال الدين التحكيمية، بل وآراء الفلاسفة التجريدية. كل هذه نجدها في الكنيسة تتكون منها موسوعة حجرية كبيرة في الدين المسيحي. وكان المسيحي الصالح يرجو حين يموت أن يدفن بالقرب من تلك الجدران التي تمتنع الشياطين عن الجولان حولها. ويأتي الناس جيلاً بعد جيل للصلاة في الكثدرائية، ويخرجون جيلاً بعد جيل من الكنيسة إلى المقابر التي حولها وتظل الكثدرائية الشهباء عليهم في غدوهم ورواحهم بهدوء الحجارة الساكنة حتى يجيء الموت الأعظم، ويموت الدين نفسه، فتستسلم هذه الجدران المقدسة إلى الدهر الذي لا يبقي على شيء أو حتى تهدم هذه الكثدرائية لتبنى من أنقاضها هياكل جديدة لآلهة جدد.


انظر أيضاً

 
كاتدرائية شارتر، فرنسا، معلم شهير يجتذب الحجاج ومحبي الفنون.

الهامش