قدور بن غبريط

سي قدور بن غبريط (1868 - 1954) ترجمان السلطان مولاي عبد الحفيظ. أنشأ مسجد باريس.

سي قدور بن غبريط

ولد قدور في سيدي بلعباس في 1868، وقد يكون ممن تعلموا في "مدرسة تلمسان"، التي كانت ثالثة ثلاث مدارس أنشأتها فرنسا لتخريج من تحتاجه في شؤون الجزائريين في النواحي الدينية. وقد وجدت فيه فرنسا "قابلية الاستخدام" فبعثته في سنة 1893 إلى المغرب الأقصى كمترجم في بعثتها في طنجة، وفي 1902 عين عضوا في لجنة تعيين الحدود بين الجزائر والمغرب.

Abdelqader Benghabrit (second from right) with Muhammad al-Muqri, fr (Charles Émile Moinier), Sultan Abd al-Hafid of Morocco, in Rabat 8 August 1912.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معاهدة فاس

وفي 1912، عمل مترجماً في المفاوضات بين السلطان عبد الحفيظ والدبلوماسي الفرنسي Eugène Regnault (fr) والتي أسفرت عن توقيع معاهدة فاس، التي أسست المحمية الفرنسية في المغرب. ومكافأةً له، منحه الجنرال المقيم أوبير ليوتي منصب رأس الپروتوكول للسلطان.[1][2]

وقد ظهر دوره الخسيس في المغرب عندما بدأت فرنسا تطبيق في احتلال المغرب، فكان ابن غبريط إحدى وسائلها للضغط على السلطان المغربي عبد الحفيظ للتوقيع على "معاهدة الحماية" التي فرضتها فرنسا على المغرب الأقصى في 30 مارس 1912.[3][4]

جمعية الحرمين هي جمعية أنشأتها فرنسا، وأوكلت إليه إنشاء مسجد في باريس، والإشراف عليه، "اعترافا" منها بفضل الجنود المسلمين عليها في الحرب العالمية الأولى، ولكن ذلك المسجد "صار محلّ لهو وطرب، ثمن الدخول إليه بخمس فرنكات، يتردّد عليه عدد وافد من "الرّوامة"، ولا يزوره المسلمون."[5][6]

وفي سنة 1916 عندما قام عميل آخر في المشرق العربي بإعلان ما يسمى "الثورة العربية الكبرى" ضد الدولة العثمانية، حليفة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، بعثت فرنسا وفدا كبيرا من "مسلمي إفريقيا" إلى الشريف حسين لتشجيعه على مواصلة "ثورته"،[7] وكان يرأس هذا الوفد ابن غبريط، الذي صرح قائلا: "إن المسلم الحقيقي لا يتردد في الاشتراك في رأي شريف مكة المكرمة، الذي يصرح جليا بأنه يحارب بجانب بريطانيا وحليفاتها في سبيل الحق، وقد سها الألمان عن الحقيقة عندما ظنوا أن الأتراك والمسلمين يندمجون معا في اعتقاد واحد، وأوضح أن العرب فصيلة مستقلة، وأما الترك فكثير منهم متسلسلون من أشخاص لا يعرف أصلهم".[8]

وكان الثمن البخس الذي قبضه هو تعيينه في السنة الموالية (1917) رئيسا لجمعية أحباس الحرمين الشريفين، التي جمعت أموالا طائلة من شتى أنحاء العالم الإسلامي لبناء "مسجد" باريس، كما زُعم. وقد حدّثنا الشيخ العباس ابن الشيخ-الحسين (عميد مسجد باريس في الثمانينات توفي في 1989) أن الجزائريين فُرضت عليهم في العشرينيات ضريبة سمّوها تهكما وسخرية "غرامة ابن غبريط"، كما "أنعمت" عليه فرنسا في سنة 1925 بلقب "وزير شرفي" كأنها تعوضه عن الشرف الذي باعه بثمن بخس، دراهم معدودة. ثم عيّن على رأس "مسجد باريس" حتى هلك في 1954 فما بكت عليه السماء والأرض. وقد اعتبر مالك ابن نبي ذلك المسجد "إقطاعا لـ ابن غبريط".[9]

كان ابن غبريط أمينا على مصالح فرنسا، حيث كان يصف دعاة الإسلام الصحيح في باريس بـ "المغرضين"، وصرح بأنه"يتشرف بمنعهم من جامع باريس،.. ويردد عبارات الشكر والثناء للحكومة التي أيّدته ضد دعاة الإسلام"،[10] حتى شبهه الإصلاحيون بـ "فردنان ميشال"، الذي أصدر قرارا في 16 فبراير 1933 يمنع بموجبه أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من إلقاء الدروس في المساجد.

لقد أشرب بن غبريط "حب فرنسا"، وكان يفتخر بهذا الحب، وسعى إلى تكريم فرنسا، حيث ذكر الأديب أحمد حسن الزيات أنه حضر تدشين "مسجد" باريس في 1926، واتّسخت أذناه مما سمع من التزلف والتملق لفرنسا فلما جمعه لقاء ببن غبريط سأله: "كيف يبتهج العرب بعيد الحرية وهم عبيد؟" ويفتخرون بمجد فرنسا وهم أذّلة؟"، فلم يدعني أتمّ كلامي وإنما قاطعني محتدّا بقوله: "لا يا سيدي، ليس الفرنسيون بأكثر فرنسية منا، نحن نتمتع في ظلال الجمهورية بالإخاء الصحيح، والرخاء الشامل. وإن الجنود الجزائريين في الجيش والشرطة، والعمال المراكشيين والتونسيين في المصانع والمزارع يُعاملون بما يعامل به الفرنسي القحّ. أدام الله نعمة فرنسا على شعوب العرب، ونفع بعلومها وحضارتها أمم الإسلام".[11]


الهامش

  1. ^ Thomas, Martin (2008). Empires of Intelligence: Security Services and Colonial Disorder After 1914 (in الإنجليزية). University of California Press. ISBN 978-0-520-25117-5.
  2. ^ Pennell, C. R. (2000). Morocco Since 1830: A History (in الإنجليزية). Hurst. ISBN 978-1-85065-273-1.
  3. ^ بهيجة سيمو: الإصلاحات العسكرية في المغرب (1844 ـ 1912) وآسيا ابن عدادة: الفكر الإصلاحي في عهد الحماية.
  4. ^ alcazar (2014-05-28). "من هو "قدور بن غبريط" سلف وزيرة التربية "نورية بن غبريط-رمعون" ؟". الهداف.
  5. ^ جريدة الشهاب. ع 96 في 13 / 05 / 1927. ص 15. وهي تنقل عن جريدة "لوكري دو باري" (صرخة باريس).
  6. ^ المولود الحافظي. انظر كتاب: "منهج الشيخ المولود الحافظي في التربية والتعليم"، للأستاذين عبد الحليم وعبد السميع بوبكر.
  7. ^ انظر تفاصيل هذه الزيارة في كتاب: "على خطى المسلمين، حراك في التناقض" للأستاذ الدكتور أبي القاسم سعد الله. عالم المعرفة. ص 66 - 135.
  8. ^ حسن صبري الخولي: سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين... ج1. ص 162. وهو ينقل عن جريدة الكوكب. ع 17. في 21 نوفمبر 1916.
  9. ^ مالك بن نبي: مذكرات شاهد للقر. ج2. ص 93. ط 1984
  10. ^ جريدة البصائر ع 99. في 11 فبراير 1938 . ص 2
  11. ^ أحمد حسن الزيات: وحي الرسالة. ج 4. ص 168.