محمد عبد الله حسن

(تم التحويل من سيد محمد بن عبد الله)

السيد محمد بن عبد الله حسن (7 أبريل 1856 - 21 ديسمبر 1920) قائد الجهاد ضد الاحتلال البريطاني والإيطالي والإثيوبي في الصومال في مطلع القرن العشرين. كان يلقبه البريطانيون ب"الملا المجنون".

السيد محمد عبد الله حسن
Sayid Maxamed Cabdille Xasan
Sayyid Mohammed Abdullah Hassan.jpeg
تمثال السيد محمد عبد الله حسن في مقديشو، الصومال.
وُلِدَ7 أبريل 1856
توفي21 ديسمبر 1920 (عن عمر 64)
الهيئةدولة الدراويش
اللقبزعيم دولة الدراويش

وفي 11 يناير 1904 م (20 شوال 1321 هـ) قامت قوات الإحتلال البريطاني بمهاجمة قوات الدراويش التابعة للزعيم الصومالي "السيد محمد بن عبد الله حسان" ، وأوقعت إصابات بالغة بين قواته. وقد استمر الملا في محاربة الإستعمار البريطاني للصومال حتى سنة 1920 عندما لجأت بريطانيا إلى الطيران لقصف مواقع الثوار، ثم جاءت وفاة الملا لتضع حدا لثورته الإسلامية.

حصن طالح الذي بناه محمد عبد الله حسن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مسرح الأحداث

إصيبت البلاد الصومالية بالاستعمار في أواخر القرن الماضي، و تعرضت الوحدة الصومالية إلي التجزؤ إلي مناطق نفوذ بريطانية و فرنسية و إيطالية و حبشية، و اتخذ الدخلاء الأجانب أسلوباً إجرامياً في كبت الحريات، كل في منطقة نفوذه تبعاً للسياسة الرامية إلي تحطيم القوى المعنوية و الروحية للشعب الصومالي كي تتمكن الدولة المستعمرة من أن تحقق مطامعها من استنزاف خيرات البلاد بدون مقابل، و تسخير القوى البشرية في الداخل والخارج لمصالح المستعمر. و منذ الوهلة الأولي لدخول الأجانب في أرض الصومال المقدسة، و الشعب الصومالي كاره لهم، مجتهد في طردهم و تخليص البلاد من ظلم هؤلاء الحكام المستبدين، الذين ينهبون خيراتهم و يسحقون كل عزيز عندهم، و يدوسون كل مقدس كريم لديهم، و يفصحون عن حياة ماجنة خليعة تتسم بالعربدة و شرب الخمر في صورة تتنافي مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يعتنقه الشعب الصومالي.

وكان حتما أن يثور الشعب الصومالي المسلم، الذي حمل راية الجهاد و الدعوة الإسلامية منذ فجر الإسلام، و ارتفعت راية الإسلام في كل شرق أفريقيا خلال القرن السادس عشر على يد الداعي الكبير الإمام أحمد جري الأوجاديني الصومالي، فكان على هذا الشعب النبيل العريق في الإسلام، المناضل في سبيل حريته، المحافظ على دينه الحنيف، أن يبحث عن قائد لثورته، ليعيد الحق إلي نصابه، و يطرد الدخلاء من أرض الوطن. و استجاب الله لهذا الشعب الكريم و بعث لهم بأوجاديني آخر ليقود ثورتهم في العصر الحديث إلي النصر المبين، و يحفظ راية الإسلام خفاقة و يسحق كيد المبشرين، و يضع لأمته أسس الاستقلال والحرية و الوحدة ذلك الرائد الأول للقومية الصومالية هو السيد محمد عبد الله حسن، الذي كان مثلاً للرائد الأفريقي الحر، و القائد في النضال الشعبي، و خير بطل لخير معركة، فحق علينا أن نسميه مهدي الصومال. أو أول رائد للقومية الصومالية.

و قد ظهر رائد القومية الصومالية في الفترة التي برزت فيها ثورة أحمد عرابي بمصر، و ثورة أحمد محمد المهدي بالسودان، و كلاهما ضد السيطرة و التحكم الأجنبي، و إجلاء القوات الأجنبية عن أرض الوطن، بل كلاهما لم يتعرض لمثل ما تعرض له مهدي الصومال في أرض الصومال، إذ كان على مهدي الصومال أن يحارب ثلاث دول كبرى عريقة في الاستعمار و السيطرة على الشعوب و هى بريطانيا و إيطاليا و فرنسا، و دولة رابعة تريد أن تظهر في هذا الميدان الفاسد و هو ميدان الاستعمار و تشترك في تقسيم الغنيمة لتثبت جدارتها، و هى الدولة الحبشية. فكان صراعاً عنيفاً ضد دول أربع، و صراعا ًعنيفاً في توحيد كلمة الصوماليين و تعبئة الشعور القومي رغم دسائس المستعمرين و ما استطاع الدخلاء الأجانب بما يملكونه من جيوش جرارة و أسلحة و مدافع و طائرات أن ينالوا منه معركة انسحاب أو انهزام و إنما النصر دائماً كان للهلال على الصليب خلال عشرين عاماً أعلن فيها السيد محمد عبد الله حسن الثورة ضد الاستعمار بمختلف ألوانه و أشكاله.

تعاون الدخلاء فيما بينهم و قووا من جبهة اتحادهم في الوقت الذي مال إليهم حفنة من الحكام المرتزقين الذين تابعوا الشيطان، و استكانوا من أجل رواتب سنوية يحصلون عليها من خزينة الدخلاء بل في الحقيقة من خيرات بلاد الصومال، و جذبتهم الوعود المضللة بالحماية و الاستقلال و التقدم الحضري فعاونوا المستعمر الذي استعان بالدسائس و المؤامرات و الرشاوي لتحطيم الجبهة الصومالية المتحدة و قد تمكنوا من محاصرة البطل في منطقة قد تلوث آبارها بالميكروبات. للقضاء على قوات المجاهد الصومالي الكبير، و لكنهم بأعمالهم غير الإنسانية زادوا في محبة الشعب لقائده، و زادوا من ثقة الشعب في ضرورة تخليص أرض الوطن من الدخلاء الأجانب، فكان للشعب الصومالي الإنتصار و كان للدخلاء الهزيمة و العار أبد الدهر.


سيرته

نشأته

ولد الزعيم القائد محمد عبد الله حسن حوالي عام 1273 هـ (1856م) في قرية فوب فردوت ناحية نقال ( منطقة حوافر الخيل) من بطون بهجري أحد بطون قبائل الأوجادين قرب ولورال وواردير. وأبوه عبد الله حسن نور من قبيلة بهجري الصومالية، وأمه من قبيلة الدولبهنتا الصومالية، فكان من خير أب وخير أم . من بيئة اشتهرت بالشجاعة والبسالة والإقدام مما أكسب شخصيته أصالة النسب والشجاعة والكرم. بدأ البطل السيد محمد عبد الله حسن حياته مع أخوانه في حفظ القرآن الكريم وتفهم تعاليم الإسلام الحنيف كعادة أهل البدو في الصومال والبلاد الإسلامية، وقد جود القرآن الكريم، وحفظ الكثير من المتون على يد شيوخ الأوجادين. وبعد وفاة والده الشيخ عبد الله حسن نور انتقل مع والدته إلى الصومالند حيث عاش في كنف أخواله فترة من الزمن، تعلم خلالها على يد أساتذة من العرب والصوماليين فعرف بعض العلوم الرياضية والفلكية، وأجاد اللغة العربية إجادة تامة، ثم ارتحل مرة أخرى إلى الأوجادين أحد المراكز الإسلامية في الصومال ليرتشف أصول الفقه والتشريع والسيرة على يد شيوخها وعلمائها العظام.

واشتغل السيد محمد بالتدريس فترة في الصومالند (الصومال البريطاني سابقاً) فاشتهر بين المعلمين بسعة الاطلاع وغزارة العلوم والمعارف، حتى لقب بالفقيه البارع، لما يمتاز به من عمق التفكير وبراعة التعبير والإقناع. غير أنه تحول مرة أخرى إلى طلب العلم في مساجد مقدشوه التي كانت ذات شهرة واسعة على المحيط الهندي من كرم الضيافة لطلاب العلم والدين، علاوة على ما بها من الشيوخ المتخصصين في مختلف أنواع العلوم وفروع التفسير والتشريع، فلما وصل إلى مرتبة الشيوخ علماً وأدباً وخلقاً، أراد أن يقوم بزيارة الأراضي المقدسة لتأدية فريضة الحج فاتفق مع نفر من شيوخ مقدشوه على تأدية الفريضة، وكان ذلك حوالي عام 1890 ميلادية أي كان عمره حينئذ أربعة وثلاثين عاماً. وخلال إقامته في أراض الحجاز، تردد على الشيوخ العرب، ينهل من علومهم ومعارفهم، ويتدارس سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، وألم بالعلوم الإسلامية من فقه وتشريع، وخلال تردده بين مكة والمدينة تعرف على الفقيه الشيخ صالح السوداني مؤسس الطريقة الصالحية، وتتلمذ على يديه حتى آخاه في المعرفة والإنسانية، وكان الشيخان يتتبعان أخبار ثورة المهدي في السودان، وثورة العرابيين في مصر ضد الظلم والطغيان والمستعمر الغاشم الذي جاء إلى أوطانهم بوباء التبشير والاستعباد. وقام الشيخان بالدعاوة إلى تعضيد الثوار في مصر والسودان وضرورة حماية أخوانهم في الله من يد الكفرة والملحدين.

وخلال السنوات الثلاث أو الأربع التي قضاها في أرض الحجاز، كان السيد محمد يتتبع أخباروطنه العزيز وما تعرض له نتيجة التنافس الأوروبي في تمزيق وطنه العزيز إلى مناطق نفوذ أو مستعمرات يعمل فيها الأجنبي وفق مصالحه، وفي مواسم الحج كان السيد محمد يهرع إلى ملاقاة أبناء وطنه من الصوماليين القادمين لتأدية فريضة الحج ويتعرف منهم أحوال وطنه وما فعل المستعمر بأخوته وأولاد عمومته. وما هى إلا فترة وجيزة في عمر الزمن حتى عاد السيد محمد عبد الله حسن إلى أرض الوطن وكان ذلك حوالي عام 1896، ليستكمل العقد الفريد الذي انتظم فيه الحركة الوهابية في الحجاز والحركة السنوسية في ليبيا، والحركة المهدية في السودان، والحركة الصالحية في الصومال.

وقد تحدث الشيخ جامع عمر عيسى راوية التاريخ والأدب في الصومال. في كتاب ((مجاهد الصومال السيد محمد عبد الله حسن)) فقال ))وفي عام 1896 عاد السيد محمد من الحجاز بعد أن أكمل دراسته العلمية في الحرمين، وأقام في عدن عند عودته مدة لا تزيد عن ستة أشهر، وقبيل ذهابه إلى الحجاز نزلت حكومة المستعمرة في ساحل بربرة بدعوى التجارة بدون رضى أهلها، وأخذت تبني الكنائس، وتنشر دين المسيحية، بعد أن انسحبت السلطات المصرية التي كانت ولاية من ولايات الخلافة الإسلامية)).

(( نزل السيد محمد عبد الله في ميناء بربره وعندما أراد أن يحمل متاعه إلى البلد قال مدير الجمرك الإنجليزي لا تأخذ منه شيئاً حتى تؤدي الرسوم الجمركية، فقال السيد في ثورة وغضب هل دفعت أنت رسوم جمركية عند نزولك هنا؟ ومن أعطاك تأشيرة الدخول لبلادنا؟ فرد الترجمان بما قاله وأضاف إلى ذلك أنه شيخ مجذوب، ولذلك أطلق الانجليز على السيد محمد اسم الشيخ المجنون(( الملا المجنون)) ومضى السيد في طريقه، واستوطن بربره، واشتغل بتدريس للعلوم الدينية في المساجد والمجالس العامة)).

دعوته

أنشأ السيد محمد عبد الله حسن في بربره مركزاً لنشر تعاليم الطريقة الصالحية، وأخذ ينشر دعوته بين مريديه موضحاً لهم المعاني السامية لكتاب الله وتعاليم الإسلام، ويبث في أخوانه روح الكفاح والنضال في سبيل نشر الدعوة الإسلامية ومناهضة أعداء الدين والوطن. وخلال إقامته القصيرة في بربره أمكنه أن يقضي على عناصر الاختلاف والفتن بين صفوف أخوانه، وآخى بين المواطنين حباً في الله فخلق تكتلاً صومالياً جديداً في الجهاد والدعوة لتحرير الوطن. وكان السيد محمد في دعوته يعتمد على شخصيته الفذة، ورجاحة عقله، وسرعة بديهته، والاقناع بالحجة والراهين، والاستشهاد بالقرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى ما يمتاز به من براعة في قرض الشعر والتأثيرفي نفسية سامعيه حتى جمع عدداً كبيراً من المواطنين من حوله، يؤمنون برسالته ودعواه، وقد أطلق على مريديه اسم الدراويش.

ومن أقواله المأثورة (( أريد أن أفرش سجادة صلاة على هذا البحر لتؤلف بين المسلمين وتؤاخي بينهم)). وكان ينادي بمحاربة العصبية، وتنظيم المجتمع الصومالي على أسس دينية سليمة، وكان ينتقل بين بربره وكيرت وكوب فاراوود في وادي السنولي موطن أمه، وغيرها من المراكز التي أنشأها وبنى فيها مساجد للعبادة. وانتقلت دعوته على يد تلاميذه إلى كل ناحية في الصومال، وأتى إليه طلاب العلم والشيوخ للاستماع إلى تعاليمه ونشرها في مدنهم. وأدرك السيد محمد أن نجاح دعوته لابد لها من الجهاد والكفاح والصبر للوصول إلى الغاية السامية التي يدعو إليها وهى الصومال الإسلامية المتحدة المتحررة من كل قيد العاملة في الفلك الإسلامي، فأنشأ قوة حامية ومناضلة من أجل تثبيت الدعوة ومحاربة العابثين بالقيم الإسلامية، فاختار من قبيلة هبرجدابورسي قوة سماها (( حجاتو)) (أي الخداشون) ومن قبيلة ميكاطيل قوة سماها حنوجر (أي الصياد) ومن قبيلة الطولبهنتا قوة سماها القيادة ولكنه لم يستمر طويلاً في هذا التنظيم بسبب العداء والفتن التي ظهرت بين القبائل التي مالت للأجانب الذين رشوهم بالمال والهدايا والمرتبات الشهرية، غير أنه تمكن من جمع شملهم في محبة الله.

بواعث الجهاد

حدث في عام1897 أن وصل إلى ساحل بربره جماعة من المبشرين تحت الحماية البريطانية، وأراد المبشرون الإنجليز أن ينشروا الدعوة المسيحية بين المواطنين، وافتتحوا مركزين للدعوة في بربره وفي مدينة أخرى ساحلية اسمها ديمولي، وتحدث الصوماليون على طول الساحل عن الدعاة المسيحيين، فتقدموا إلى السيد محمد يريدون منه استفساراً عما يفعلونه أمام المبشرين وحماتهم من البريطانيين، وكان الجواب سليماً على صورة شكوى قدمها السيد محمد إلى الإدارة البريطانية في الصومالند، طالباً إبعاد المبشرين عن الصومال وفق رغبات الشعب المسلم، ولم تتحرك الإدارة في خطوة عملية. إلى أن كانت حادثة القسيس الإنجليزي الذي كان منزله بجوار أحد المساجد في بربره، ومن عادة المؤذن أن يصعد إلى أعلى المنبر ويؤذن في مواعيد الصلاة، وفي فجر يوم من الأيام استيقظ القسيس على صوت المؤذن الذي يؤذن لصلاة الفجر، فما كان منه إلا أن أطلق عياراً نارياً على مؤذن المسجد. وكان العيار الناري الشرارة الأولى لقيام الثورة الصومالية ضد المبشرين في الصومال، وقام الشعب تحت قيادة الشيخ التقي السيد محمد إلى مركزديمولي فهدموه وإلى بربره التي لجأ إليها القسيس وتلاميذه من مركز ديمولي ولكن القوات البريطانية الموجودة في بربره حالت بين الشعب الثائر وبين المبشرين وتلاميذهم بأن بعثت بهم على ظهر سفينة إلى عدن. وأعلنت الإدارة البريطانية أن لا تبشر بعد اليوم في الصومال، ويفتخر الصوماليون اليوم في الإقليم الشمالي بأنه لا مراكز ولا مدارس ولا ملاجئ تبشير في أراضيهم. وأدرك البريطانيون أن محرك الكفاح الوطني ورائده هو السيد محمد لذلك وجهوا إليه انذاراً بسرعة الرحيل عن أراضي بربرة، فخرج السيد محمد من بربرة إلى نقال حيث قام بشراء عشرين بندقية فرنسية وتابع سيره مع نفر من مريديه إلى ناحية أغادينا ونشر دعوته بين سكان غرومي وقد وجد فيها استجابة عند شعب أغادينا وانضم إليه عدد كبير من مريديه.

أول معركة ضد الأحباش

قام السيد محمد بتعبئة مريديه نحو الكفاح والجهاد في سبيل الله، وكانت المعركة الأولى حوالي عام 1899 حينما وصل بعض الجنود غير النظاميين من الأحباش إلى مدينة جججة الصومالية، ليفرضوا اتاوة على سكانها بعد أن قاموا بنهب المنازل، وما في المساجد من حصر وسجاد، وما في الحقول من محاصيل وحيوان، وتقدم السيد محمد وجنوده إلى مشارف مدينة جججة وقاموا بغزوة سريعة على معسكرات الأحباش، وانتصر عليهم، وتقهقروا مهزومين، وغنم السيد محمد ورجاله الكثير من السلاح والعتاد الطلياني، وعادوا إلى أغادينا، غير أن السيد محمد لم يستطب الحياة فيها، ومن ثم اتجه إلى مدينة فطوين لإعداد قواته للقيام بحملات واسعة ضد البريطانيين حتى يجلوا عن البلاد.

التعبئة العامة

بدأ السيد محمد بالدعوة إلى توحيد القوى الصومالية ضد المستعمرين، وكان في عمله هذا لابد أن يصطدم مع بعض زعماء القبائل الصومالية، لأن المجتمع الصومالي في هذا الوقت كان مجتمعاً قبلياً وكان رئيس القبيلة له السلطة العليا فإذا خرجت الزعامة من يد رئيس القبيلة، كان ذلك انقلاباً في حياة المجتمع، لا يرضى عنه رئيس القبيلة، فإذا وافق البعض فإنه من المؤكد أن البعض الأخر لا يوافق على خروج الزعامة لأن ذلك في اعتقادهم إضعاف لنفوذهم ومن ثم حدث احتكاك بين السيد محمد وبعض القبائل التي رفضت الكفاح وانضمت إلى قوى الاستعمار فكانت حروب بين مبدأين، كل له أنصاره ومؤيدوه. واضطر السيد محمد أن يدخل الحرب في الجبهة الداخلية لضمان وحدة المقاومة وعدم التسلل للخونة، فكانت ضربة على الخونة والمتعاونين مع الاستعمار تحت تأثير المال والجاه، وقد انضم إليه الكثير من القبائل الوطنية التي أيدت دعوته وزادته قوة وإصراراً على انتزاع حقوق مواطنيه من يد المستعمرين.

دعوة السلاطين والحكام لتوحيد الصفوف

بعث السيد محمد برسائل متعددة إلى السلاطين والحكام في مختلف أنحاء الصومال، يدعو لتوحيد الصفوف والجهاد في سبيل الله. ومن أشهر الرسائل الرسالة الموجهة إلى السلطان عثمان محمود المجرتين. وهذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله. كيف الرعية وحامي ديارهم منفذ أوامر الشرع المنادي به في سبيل الله. جناب المجاهد السلطان عثمان بن محمود سلطان المجرتين أيده الله ووفقه ونصره آمين. أعرض على مسامعكم الكريمة بعد رفع ما أوجبه الله من التحية الخالصة والدعاء المقبول إن شاء الله، أني أبعث لكم كتابين تباعاً تنفيذاً لقول الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم،(( الدين النصيحة لله ولرسوله ولخاصة المسلمين وعامتهم)) و بينت فيهما ما يفترضه الواجب الديني لمعالجة المطامع المسلطة على بلادهم من دولة إيطاليا الكافرة، الظالمة القاسية، و وضحت لعظمتكم أن الله تعهد بنصر المؤمنين، و تكفل بألا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً إذا قاموا بتأييد دينهم، والسير على سنن قرآنهم، فإنه قال ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)). و قال في سورة الأنفال (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)) وعلى هذه السنن نهج السنوسي مع إيطاليا في طرابلس الغرب، فإنه هزمها وقهرها وغنم ما لايحصى من الذخائر والعتاد الحربي، ولم يتركه هملاً، بل صار يقاتلهم به بعد أن استعد لكل ما يلزم، وعلى هذه القاعدة أيضاً سلك سلطان الريف في المغرب الأقصى فإنه غضب لله وخرج منفرداً يقاتل في سبيل الله، ومازال يسير في وادي الإخلاص بحزم وحكمة وثبات حتى صار يقود اليوم مائتي ألف مقاتل مزودين بالبنادق والمدافع الضخمة والرشاشات السريعة التي غنمها منهم وسار يستعملها ضدهم حتى أرهب دولتي فرنسا وأسبانيا ودك قواتهما العظيمة وكاد يسحقها سحقاً، وكذلك مثل سلطان باشا الأطرش في الديار الشامية مع دولة فرنسا، وعلى هذه الخطة يسير حاكم مسلم حكيم. وكل من ولاه الله حاكماً على طائفة من المسلمين واجب عليه أن يتزود ويستعد بما يرفع عن أمته الويل، وإذا لم يفعلف فإنه يكون عاصياً ومسئولاً يوم الفزع الأكبر أمام رب العزة. ولقد تعهدت لمقامكم المهيب أنكم إذا أردتم السبيل الواضح الموصل إلى الانتصار السريع فلابد من الاستعداد، وإعداد القوة والرجال لمقاومة خصومكم المثل بالمثل، وذلك ليس من الصعب ولا من المستحيل بل يتوقف على توجيه إرادتكم القوية نحو ذلك بعد مشيئة الله. وأؤكد لكم صدقاً في كتابي هذا المرسل مع أحد خاصتكم عمرجامع مع ماسبق في كتبي السابقة، وقد وضحت له تفصيلات ذلك شفهياً بحضور خاصتكم محمود عواله فإذا عزمتم على العمل الموصل إلى سرعة حصول المرغوب فيه يجب أن تختاروا لكم وكيلاً أميناً رسمياً. والسلام) إمضاء السيد محمد عبد الله حسن

وهذا نموذج آخر لرسالة بعث بها السيد محمد إلى العلماء والشيوخ يحثهم على الجهاد في سبيل الله بإرشاد أبناء الأمة نحو الكفاح من أجل ذويهم وحرمتهم ووحدتهم. والرسالة إلى الشيخ حسن بن الشيخ آدم. الشيخ عبد الله بن عيداروس الشيخ الحاج يوسف بن عبدي الشيخ المعلم إبراهيم

بعد حمد الله والصلاة على رسوله يقول السيد محمد ومراد هذه الرسالة أمران أحدهما إبلاغ السلام، سلام الله عليكم وعلى من حضر لديكم. والثانية أريد منكم وأطلب إليكم مؤكداً حيث أنكم من العلماء الأعلام الذين هم الهداة أن تقوموا لإعلاء كلمة الدين الإسلامي. ولتوحيد صفوف أمتنا الصومالية لمقاومة الأعداء الذين يحتلون بلادنا، وستعبدون أمتنا، ويهينون شرفنا وعزتنا، ويحاولون إذلال ديننا الذي هو أشرف الأديان. وحذروا الأمة من الأشياء التي تجلب لهم الهلاك في الدارين، وتسبب لهم الكفر والارتداد، أعاذنا الله من الجميع، وبعد ذلك تكفيرهم لنا مع كوننا مسلمين موحدين مجاهدين في سبيل الله عاملين لإعلاء كلمة الله، ولإنقاذ بلادنا من براثن الأعداء الكافرين ومخالب أعوانهم المنافقين الكذابين. ومع ذلك يكفروننا بلا موجب، فيا علماء الإسلام حذروهم من ذلك وحذروهم من اتباع الكفرة والكفرمعهم، والتنظيم لهم، ونسيان العزة والتحاكم إليهم، والمعاملة معهم، ودعوة الرعية، ونصب البوارق، وجلب الفضائح إلى بلادهم، فإن ذلك كله مما يجلب الويل والهلاك. ان اتباع الكفرة لاشك أنه من المكفرات، وأما السكن معهم فتحريمه ظاهر بالكتاب والسنة أما الكتاب فيقول تعالى (( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وبئس المصير)). وأما الأحاديث ففيها قول الرسول (( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا يا رسول الله ولم؟ قال لا تراءى الناران. وأما التنظيم لهم فهو مما يجلب الكفر، وقد أنكر العلماء إيمان من عظم الكفرة لأن الله أمر بإهانتهم وقال في حقهم (( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاستعداد للحرب

قام السيد محمد بالدعوة إلى الجهاد في المراكز التي أنشأها في مختلف أنحاء البلاد، وتعبئة الشعور العام ضد المستعمر الغاشم وتوحيد صفوف المجاهدين الصوماليين ودعوة الحكام والسلاطين للإشتراك في الدفاع عن أرض الوطن وحمايته من المبشرين ومناشدة العلماء والشيوخ للقيام برسالتهم في الدعوة للجهاد المقدس ضد الدخلاء الأجانب, وخلال هذه الفترة من التعبئة العامة كان السيد محمد قد وضع مخططاً حربياً لضمان نجاح العمليات الحربية، وكان هذا المخطط الحربي يسير في عدة اتجاهات منها:

1-تنظيم الجيش وتدريبه على أحدث الطرق في القتال الفردي والجماعي. 2-جعل الصفوة الممتازة من أبناء القبائل الموالية له فرسان الطليعة. 3-الاعتماد على التجار العرب في توريد الأسلحة عبر مواني بربره وزيلع إلى معسكرات الجيش الصومالي. 4-الاعتماد على الذخائر والأسلحة التي كانت بمخازن الجيش المصري وتهربت من هرر إلى داخل الصومال. 5-الاعتماد على بعض السلاطين والحكام الذين تعهدوا بتوريد الأسلحة للجيش. 6-بناء مخازن ومستودعات في مغارات الجبال لا يعرف مناطقها غير المسئولين عنها. 7-بناء الحصون في أماكن استراتيجية كنطاق لتغطية عامة لمخازن الأسلحة. 8-الإكثار من بناء القلاع والحصون داخل الأوجادين كمنطقة تجمع واستقرار للقوات الصومالية. 9-حفر عدد من الآبار على طول جبهات الحدود الإيطالية والحدود البريطانية. 10-توزيع صهاريج المياه على نطاقات واسعة 11-التنبيه على القائمين بالأعمال الزراعية بمضاعفة الانتاج لسد حاجة المقاتلين وتوفير المؤنة اللازمة حتى في أحرج الأوقات. 12-إرسال الوفود إلى البلاد العربية من أجل السلاح والذخائر وطلب المساعدات كالعقاقير الطبية وغيرها.


إعلان الجهاد المقدس

أصدر السيد محمد أول بيان ثوري لإعلان الجهاد المقدس ضد المستعمرين والمبشرين أوضح فيه ما يجب اتباعه نحو دينهم الحنيف، والجلد في القتال والاستشهاد في سبيل الله. وهذا نص البيان بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين على أمور الدنيا والدين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. أما بعد ،، فاعلموا يا أخواني وفقني الله وإياكم لطاعته، أن الله لم يخلقنا عبثاً، وإنما خلقنا لحكمة يعلمها وهى عبادته وطاعته. فقال (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) ويثبت لنا هذا نبينا الذي أرشدنا إلى دينه القويم وأوجب علينا اتباعه ونهانا عن مخالفته فقال (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) وأيده بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولم يترك من أمور الدنيا والأخرة شيئاً إلا بينه. وما سار الإنسان على وفق أوامره ونواهيه إلا بلغ أقصى مناه، ونال ما يتمناه نحمدك اللهم على هدايتك وما كنا لنتهدي لولا أن هدانا الله.

ان أجل طاعة لله تتمثل في نصرة دينه، والجهاد ضد أعدائه، وقد جاء ( البادريون ) المبشرون إلى بلادنا وليس لهم غرض إلا إفساد عقيدتنا، وانتقاص أبنائنا، ونشر المسيحية في أراضينا، والسكوت على هذا معناه الرضا. والرضا بالكفر كفر وعذاب. والكفر لا يحل إلا على القوم الكافرين. وعليكم أن تقوموا بواجبكم الديني وأن تدفعوا شر هؤلاء قبل أن يستفحل الداء ويعز الدواء، أن زعماء الكفار قد غزوكم في بلادكم يريدون إفسادكم، وإفساد دينكم، وإجباركم على اعتناق مسيحيتهم، معتمدين على حماية حكوماتهم، وعلى ما لديهم من سلاح وعتاد، فحسبكم من سلاحكم إيمانكم بالله، وقوة عزيمتكم فلا ترهبوا جنودهم ولا كثرة سلاحهم فالله أقوى منهم وأكثر. هذا وكونوا صابرين على الشدائد، وموطدين العزم على التقوى طول أيام الجهاد في سبيل الله والعقيدة.

قال تعالى (( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، ولاتهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله حكيماً)). وإياكم والضجر إذا توالت عليكم الهزائم فإن الحرب سجال، وقد تكون الهزيمة اختياراً لكم على صدقكم وقوة عزيمتكم. قال تعالى (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين))، وإذا رأيتم من المسلمين من يعينون الكفار بأن دلوهم على الطرق وأماكن المياه أو كانوا لهم عيوناً أو جواسيس فاقتلوهم حيث وجدتموهم فليسوا بمسلمين. قال صلوات الله عليه : (( من حمل السلاح علينا فليس منا)). أعلن جهادي أنا ومن اتبعني على الحكومة الإنجليزية التي تظل بكنفها المبشرين ( البادرين) مستعيناً بالله متوكلاً عليه، ولا يمنعني من جهادها مانع، ولا أعلم ما الله بعد ذلك صانع. ولكن الأمل منه أن يحقق المراد، وأني لأرجو أحد الفوزين أن أموت شهيداً أو أطهر البلاد من درن الكفار، والله ولينا حسبنا ونعم الوكيل.

أشهر المعارك الحربية

قام السيد محمد عبد الله حسن وأتباعه بعدة معارك حربية مع قوات الاستعمار ومن أشهر هذه المعارك، الوقائع التالية:

غزوة بهر طبغ ( حوض الدم)

في أبريل 1901 أصدرت الحكومة البريطانية أمراً إلى الكابتن سواين بالقيام على رأس جيش من قاعدة بربره إلى مدينة أفبكيلي، إذ قيل أن السيد محمد قد جمع دراويشه في هذه المنطقة لمحاولة التغلغل داخل ثكنات الجيش في بربره، والحصول على أسلحة وصلت حديثاً إلى الميناء. وتحرك الكابتن سواين بجنوده نحو الداخل، وكان السيد محمد على علم بتحركات الجيش الإنجليزي، فترك مدينة أفبكيلي، هو و جنوده ليلاً حتى إذا ما وصلت القوات الإنجليزية إلي المدينة التي قيل أنها محصنة جداً لم يجدوا بها شيئاً، و قد فاجأهم السيد محمد برجاله في صباح الثالث من مايو، و كانت أول معركة يدخل فيها السيد محمد على رأس جيش منظم، و كان الإنتصار عظيماً للصوماليين و الخسائر فادحة للبريطانيين، و تخليداً لهذا الإنتصار سميت هذه المعركة باسم معركة بهر طيغ أو حوض الدم لكثرة الدماء البريطانية التي ملأت بقاع المدينة.

غزوة قرطدن

لم يمض شهر على غزوة بهر طبغ حتى وصلت الأنباء إلي معسكرات المسلمين في ناحية لاس عانو أن البريطانيين بعثوا بحملة أخرى أكثر عدداً تحت قيادة الكابتن سواين للثأر من السيد محمد و رجاله الذين فاجأوه في صباح الثالث من مايو سنة 1901 و قتلوا عدداً كبيراً من البريطانيين. و لما علم السيد محمد بأمر الحملة نادي في جنوده قائلاً : ( يريد الكفرة أن يلحقوا بنا الهزيمة لما ألحقناه بهم من خراب و تدمير. فإلي الجهاد يا رجال الإسلام.) و تقابلت جيوش السيد محمد و جيوش بريطانيا العظمي إلي الشرق من لاس عانو بنحو خمسين ميلاً في مكان يدعي قرطدن، و كان النصر فيها للهلال على الصليب في 16 يوليو عام 1901.

السياسة الجديدة لبريطانيا ضد قوات السيد محمد: في مارس عام 1902 اضطر البرلمان البريطاني بعد أن قام البرلمانيون بدراسة تقرير ونستون تشرشل وزير المستعمرات عن الحالة في شرق أفريقيا، أن يقرروا إرسال وفد إلي الصومال لمعرفة الحقائق من أفواه الشعب و المسئولين، و كلفت الحكومة البريطانية سير ريجنالد و نجت حاكم السودان العام بالسفر إلي الصومال على رأس وفد، و كتابة تقرير عن أحوالها، و تقديم مقترحات عملية لحل الأزمة الصومالية، و مقابلة المسئولين البريطانيين لتخفيف عبء الحكومة، و تهدئة ثورة الشعب الصومالي الثائر على الحكومة. و بعد زيارة ونجت للصومال كتب تقريره مقترحاً وضع خطة للقضاء على قوات السيد محمد بالإشتراك مع القوات الفرنسية، و إقناعها بعدم بيع أسلحة أو ذخيرة للثوار. و من مقترحاته فتح باب المفاوضات المباشرة مع السيد محمد و إقرار السلام. و عملت بريطانية بالإقتراح الأول و هو أسلوب العنف و التهديد و اعتمدت في حروبها إلي استخدام الطائرات لأول مرة في شرق أفريقيا، للإرهاب و التنكيل بقوات السيد محمد، و تحولت الصحاري الصومالية الصافية إلي مداخن من الأتربة بفعل القنابل الكثيرة التي دمرت الكثير من مساكن الصوماليين الأبرياء.

غزوة بيرطقة

( شمال جالكعيو ) 19 أكتوبر 1902 كان السيد محمد و رجاله في منطقة مدق عام 1902 طلباً للراحة و الاستعداد لغزوات واسعة المدى، و انتظاراً للأسلحة التي وعد سلاطين الماجرتين أن يمدوا بها الدراويش الصوماليين مساهمة منهم مع أخوانهم الصوماليين في جهادهم ضد الطليان و الإنجليز و الأحباش. و عملت المخابرات البريطانية بمواقع القوات الصومالية بقيادة السيد محمد، فأصدرت السلطات البريطانية على ساحل الصومال أمراً بتعبئة جيش جرار لمداهمة الصوماليين في ناحية مدق ( داخل نطاق الصومال الإيطالي ) و ذلك بالإتفاق مع إيطاليا بشأن السماح للقوات البريطانية بمطاردة السيد محمد و رجاله حتى داخل أراضي المحمية الإيطالية. و السيد محمد الحريص على مصالح وطنه بعث الرسل إلي نواح مختلفة بعيدة عن أرض معسكرات الصوماليين للتجسس على الأعداء، و قد جاء رسول يخبره أن جيشاً بريطانيا ً في طريقه إلي مدق، فتأهب السيد و رجاله للدفاع و المقاومة، و التقي الجيشان في بيرطقه و كان النصر للدراويش بجانب ما غنموه من الأسلحة الحديثة الوافرة لدى العدو.

معركة عفاروينه في 17 إبريل 1903

و ما أن وصلت أخبار هزائم البريطانيين في الصومال، و الخسائر الفادحة في الأرواح و الأموال حتى قررت الحكومة البريطانية أن تقضي على الثورة الصومالية مرة واحدة قبل أن يستفحل أمرها، و يزداد نفوذها مما لا يتفق و السياسة البريطانية على ساحل الصومال، في الوقت الذي قد تتأثر فيه المحميات البريطانية الأخرى بالنزوع إلي الحرية و الاستقلال. و أتخذت الترتيبات اللازمة نحو ترك قوات إنجليزية من قاعدة بربره إلي منطقة مدق و أن تبعث إيطاليا بحملة ثانية من ناحية الجنوب. على أن يتعاون البريطانيون، و الإيطاليون في غزو من ناحية الشرق. وخرجت القوات الإنجليزية من الشمال والإيطالية من الجنوب في الوقت الذي وصلت فيه السفن البريطانية إلى هوبيا، وتبعاً لاتفاقية عام 1889 بين سلطان هوبيا وإيطاليا كانت هوبيا تحت الحماية الإيطالية، ومن ثم سمح الإيطاليون للجنود البريطانيين بالعبور خلال أراضي هوبيا رغم احتجاج السلطان يوسف على الذي نفاه الإيطاليون إلى أسمرة. وبعد أن تجمعت الجيوش في منطقة مدق أرادوا أن يدمروا حصون الدارويش دفعة واحدة، غير أن السيد محمد عمل على سحب القوات المعادية إلى أرض عفاروينه حيث تمكن أن يلحق بهم خسائر أكثر من أي معركة أخرى منذ أن أعلن الجهاد ضد الإنجليز والإيطاليين والأحباش. وفي اليوم التالي لهذه المعركة تعرض السيد محمد ورجاله إلى قوات إنجليزية قادمة من ناحية هود وأمكن هزيمتها في معركة درتولي، وهلل المسلمون حمداً لله بأنهم في يومين متتاليين استطاعوا أن يهزموا قوات إنجليزية وإيطالية أحسن سلاحاً منهم وأكثر عدداً، وقد غنم الصوماليون غنائم كثيرة. وعلم السيد محمد أن منليك بعث بجيش تحت أمرة ضباط بريطانيين لمهاجمة الدراويش في الأوجادين غير أنهم تراجعوا حينما بلغتهم الأخبار عن مدى خسائر القوات الإنجليزية والإيطالية في معركتي عفارونيه ودرتولي.

الاتفاقيات البريطانية الإيطالية للحد من نفوذ السيد محمد

وجدت بريطانيا أنها خلال الفترة ما بين 1900 إلى 1904 لم تستطع أن تحصل على أية انتصارات أمام قوات السيد محمد، واتضح لها من كشوف الوفيات والمفقودين أن عدد الضباط الإنجليز والجنود الذين تفقدهم بريطانيا في محاربة السيد محمد يزداد من عام إلى عام بل من معركة إلى أخرى، حتى كانت آخر معارك عام 1904 بلغ عدد القتلى أكثر من عشرة أضعاف ما حدث في أول معركة رغم المساعدات التي تقدمها إيطاليا من حين إلى آخر مما أزعج الرأي العام البريطاني للخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد الحربي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معاهدة 1905

ومن أجل إصلاح الموقف البريطاني في الصومال، دخلت بريطانيا في عدد من الاتفاقيات الدولية على نطاق واسع بهدف إيجاد أصدقاء لها أمام المحنة التي تجابهها في الصومال للقضاء على قوات السيد محمد وأتباعه. ومن أجل ذلك قامت بريطانيا بإبرام معاهدة 1905 بشأن الاعتراف بمحمية الصومال الإيطالي كحقيقة واقعة مقابل أن تعترف إيطاليا بمحمية الصومال البريطاني ونفوذ البريطانيين في جوبالند وكينيا. وفي الوقت نفسه تتعهد الدولتان بالعمل لما فيه انهاء قوات السيد محمد وأتباعه من الصومال، وتصفية شئون سلطان زنجبار على ساحل الصومال، كما جاء في رسالة المركيز لاندس داون البريطاني إلى السنيور باتا الإيطالي في 13 يناير 1905 وتعتبر هذه الرسالة جزءاً من معاهدة سنة 1905 التي من أهم نصوصها.

مادة1 : تدفع الحكومة الإيطالية مبلغ 144 ألف ليرة إيطالية أو ما يماثلها بالعملة الاسترلينية في بنك انجلترا لحساب حكومة زنجبار في خلال ثلاثة شهور من تبادل الوثائق. على أن تستمر إيطاليا في دفع قيمة الإيجار المتفق عليه حتى ينتهي ثمن الشراء إلى البنك وبذلك تنتهي كافة حقوق السلطان بمقتضى اتفاقية 1892، 1896 بشأن إدارة المدن والمواني والمقاطعات على ساحل بنادر التي تقوم بإدارتها الشركة الإيطالية، على أن يكون لرعايا السطان ورعايا بريطانيا كافة الامتيازات المتفق عليها سابقاً.

مادة 2: في حالة تخلي الحكومة الإيطالية عن حقوقها الإقليمية سواء بمقتضى معاهدات و اتفاقيات أو عرف أو ما شبه ذلك في المستعمرات الأخرى لسلطان زنجبار، فإنها تكون من هذا التاريخ تحت يد صاحبة الجلالة البريطانية بحكم أن زنجبار في يدها منذ عام 1987م.

مادة 3: تتعهد الحكومة الإيطالية في حالة تخليها عن أي جزء من الأراضي المذكورة في أي وقت فإن لبريطانيا حق تملكها بالشفعة. و في الشهر الثاني من تاريخ إبرام معاهدة 1905 دخلت بريطانيا مع إيطاليا في مفاوضات بشأن التعاون في القضاء على قوات السيد محمد، و في الوقت نفسه طلبت من فرنسا أن تغلق موانيها و طرقها ضد تسرب الأسلحة الحربية إلي قوات السيد محمد.

و رغم الإتفاقيات و الجهود الأوروبية في شل قوات السيد محمد فإنهم لم يحققوا أي نصر حربي ذي إعتبار. و لذا وجدت بريطانيا أن الطريق الوحيد لتهدئة ثورة الشعب الصومالي هو التفاوض المباشر مع السيد محمد، و منحه كل ما يرغب في حدود بقاء القوات الأجنبية في الصومال. و قامت مباحثات بريطانيا – إيطالية على أن تقوم إيطاليا بالتفاوض مع السيد محمد بشأن عقد إتفاق صلح و سلام ثم تقوم بريطانيا من ناحيتها بالتصديق على المعاهدة التي تبرمها إيطاليا مع السيد محمد.


معاهدة الصلح والسلام

كان السيد محمد و رجاله معسكرين بناحية أيل، حينما وصل الكومنداتور إلي اليج على ساحل المحيط الهندي و ناشد السيد محمد إجراء مفاوضات بشأن الصلح و السلام، و بعد نقاش طويل وقع الطرفان معاهدة الصلح و السلام في مارس سنة 1905.

  • المادة الأولي:

نصت على الصلح الدائم بين السيد محمد عبد الله وأتباعه، و الحكومة الإيطالية و التابعين لها من الصوماليين، و كذا الحال مع بريطانيا و الحبشة. وإن كل نزاع أو إختلاف ينشب بين السيد محمد و أتباعه مع إيطاليا أو بريطانيا أو الحبشة يعرض بطريقة ودية مسالمة عن طريق مبعوثين من الطرفين تحت رئاسة المندوب السامي الإيطالي أو المندوب الإنجليزي في حالة ما إذا كانت نقطة النزاع مع البريطانيين.

  • المادة الثانية:

نصت على تحديد منطقة إقامة السيد محمد و أتباعه ما بين رأس جاراد و رأس حابي بموافقة سلطان هوبيا و سلطان مجرتنيا الخاضعين للمحمية الإيطالية على أن يكون لإيطاليا حق تعيين مندوب عنها في أي وقت كحاكم على هذه المنطقة، و يساعده السيد محمد عبد الله على أن يقوم السيد محمد عبد الله كوكيل لأعمال إيطاليا حتى يعين مندوب إيطالي.

  • المادة الثالثة:

نصت على حرية التجارة في المنطقة الخاضعة لنفوذ الشيخ محمد، و أن يتعهد رسمياً بمنع مرور الأسلحة من البر أو البحر، أو استرادها، و كذلك تجارة الرقيق و أن الخالف لهذه القوانين يقع عليه عقاب تحدده الحكومة الإيطالية حسبما تري.

  • المادة الرابعة:

نصت على أن المنطقة المخصصة للسيد محمد و أتباعه هى منطقة نوقال و هود و لهم حق الرعي في المناطق الجنوبية من محمية الصومالند البريطانية على ألا تتعدي الحركة الرعوية خط الآبار – (هالين – هودين ) – ( هودين – نقال ) – ( نقال – ودانوت). و له حق الرعي إلي الجنوب من نطاقهم، و يجب أن يحصل على موافقة من أصحاب الأراضي في مجرتنيا و مدق، و أن المنازعات التي تتعلق بالمراعي أو سكان هذه الجهات ترفع إلي السلطات الإيطالية التي تقوم بحلها.

في 28 ذي الحجة 1322هـ .

إمضاء. السيد محمد عبد الله، ج. بستالوزا

إعتماد المعاهدة من بريطانيا

وقعت بريطانيا على الملحق الإضافي للإتفاقية لإمتداد السيد محمد و أتباعه إلي هالين – هودين – بوران – دانوت – كورمس – و صارت الإتفاقية نافذة المفعول إعتباراً من تاريخ توقيع الملحق الإضافي في مارس سنة 1907. ( انظر الخريطة رقم 11)

إلغاء المعاهدة من طرف السيد محمد

قام السيد محمد بدراسة الإتفاقية الإيطالية، و ما قام به البريطانيون من تعديلات، و أدرك أنها مؤامرة و الهدف منها تحديد نطاق الدراويش حتى يمكن القضاء عليهم في حيز ضيق بين المحمية البريطانية و المحمية الإيطالية و في المعاهدة إهانة لشخصية السيد محمد، إذ جعلته نائباً للحكومة الإيطالية المستعمرة في صوماليا و ذلك في نطاق المنطقة المحدد للسيد محمد و الدراويش و هى أيضا تحد من تسليح الشعب المجاهد في سبيل تحرير بلاده من الدخلاء. و رغم إعتراف بريطانيا بالمعاهدة فإن السيد محمد أعلن أن الإتفاقية ملغاة لأنها لاتتفق و آمال الصوماليين في الحرية و الاستقلال الكامل. و اضطر السيد محمد أن ينقض الإتفاقية مستنداً إلي قوله تعالي ( و أما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) و إستأنف السيد محمد و أتباعه القتال من جديد، و نقل مركز القيادة من أيل إلي تاليح لحصانتها و سهولة الإتصال مع بقية المراكز الدفاعية الصومالية.

فشل المؤامرات البريطانية

بعد إعلان إلغاء معاهدة الصلح و السلام أدركت بريطانيا أن مؤامرة الإعتراف بالصومال الإيطالي، و مؤامرة معاهدة السلام والصلح، و مؤامرة الإتفاق مع فرنسا على عدم تسليح أو السماح بمرور أسلحة السيد محمد و أتباعه. إلخ لم يكن اهذه المؤامرات نصيب من التوفيق. و في عام 1910 بعد عمليات حربية غير فاصلة، بسبب نزوع السيد محمد و أتباعه دائماً إلي عرقلة تقدم الوحدات الثقيلة من الأجهزة الحربية البريطانية في غزواتها سواء على يد الفدائيين أو عن طريق الكمائن، صدرت الأوامر من الحكومة البريطانية بتراجع وحدات الجيش إلي الأراضي الساحلية و ترك المدن و القلاع الداخلية للسيد محمد و أتباعه ريثما ترسل تعليمات أخرى إلي القواد الإنجليز على شاطيء الصومال. و من كشوف التسجيل الحربي البريطاني إتضح أن تراجع البريطانيين على الساحل كان لجمع الشمل و معرفة الحي من الميت، و توزيع السلاح و إحضار فرق عسكرية جديدة من الهند و عدن و كينيا تنضم إلي قوة المحمية بصفة استثنائية و تربط وجودها بحياة السيد محمد فإذا ما قتل عادت هذه الفرق إلي قواعدها في شرق أفريقيا و الهند و عدن و كينيا.

تهديد و وعيد

كتب الجنرال رتشارد كورنفيلد القائد العام للقوات البريطانية المسلحة في محمية الصومالند رسالة إلي السيد محمد عبد الله حسن. جاء فيها.( من قائد القوات البريطانية في الصومال إلي قائد قوات الدراويش السيد محمد عبد الله حسن. أما بعد. لقد نصحناك و أنذرناك من سوء العاقبة، و لم تقبل نصيحتنا، و لهذا فقد تكون عرضة لهجوم حكومة أكبر منك قوة، و سننسفك نسفاً أنت و من معك، إذا لم ترجع عن غيك، و تخمد ثورتك الجنونية و اعلم أن دولة صاحبة الجلالة عظيمة جداً، و لا يستطيع مجنون مثلك أن بنال منها شيئاً، فارجع عما أنت فيه، وعد إلي صوابك قبل أن تقع عليك المصيبة، و تندم على أعمالك السيئة، و الموت ينتظرك متى أصررت على عنادك). و كانت إجابة السيد محمد على رسالة ريتشارد كورنفيلد البريطاني كالتالي. ( من السيد محمد عبد الله حسن قائد قوات الدراويش الإسلامية إلي الجنرال رتشارد كورنفيلد قائد قوات الشيطان. قد أطلعت على رسالتك، و فهمت منها جميع أغراضك الدنيئة و أغراض حكومتك الوضيعة، و اعلم أن قواتكم التي تفاخرون بها لا تساوي لدي شيئاً، و أعلمك أيضاً أنكم إذا كنتم تحاربون بقواتكم الهائلة، فإنني اقاتلكم بنيتي الوطنية، و إيماني القوى، و عزيمتي المتينة التي لا تعرف الملل، مهما تكن الظروف فلن استسلم و لن أكون للشرك عبداً).

معركة دلمادوب

أدركت بريطانيا أن إسلوب التهديد لا يجدي مع السيد محمد المؤمن برسالته و دعواه في تحرير و استقلال وطنه، و قررت أن تدخل حرباً كبرى مكشوفة أمام قوات السيد محمد، فأبرقت إلي الجنرال رتشارد كورنفيلد أن يعد جيشاً قوياً و له مطلق التصرف في استدعاء الضباط و الجنود للدخول في المعركة الثأر للشرف البريطاني الذي استهزأ به السيد محمد، و أن يقضي قضاء تاماً على ما سمعوه بالعصابات الصومالية و قطاع الطرق، و أن يترأس القوات المسلحة المغيرة و التي تتألف من القوات الهندية الإنجليزية القادمة من الهند بالإضافة إلي القوات الموجودة في المنطقة ( أي قوات المحميات البريطانية في عدن و الصومال و زنجبار وكينيا). و اعتبر رتشارد أن المعركة تمثل هيبة بريطانيا، و حدد مكانها في تاليح معقل الدراويش، و بعد أن تجمعت قواته. زار زئير الأسد في جنوده. قائلاً. إلي الفناء يا عصابات الطرق. و دخلت الفرق الإسلامية الصومالية معركة الحقد و الثأر بكل عزيمة و إيمان و دارت رحى الحرب في أكتوبر 1913 و قتل الجنرال رتشارد في بداية المعركة عند دولمادوب و خرج الشرف الصومالي مصوناً قد حمته دماء ذكية طاهرة لتروي شجرة الحرية، و تعلن انتصار الحق على الباطل و الاستعمار. و تراجعت القوات الإنجليزية مذعورة إلي النطاق الساحلي. و هى تضمد جروحها، و تبكي قائدها الكبير الذي سقط مضرجاً بدمائه تحت سنابك خيول الفرسان الصوماليين الصناديد. و أعلنت وزارة المستعمرات البريطانية حداداً على الجنود و الضباط و قائدهم الكبير و الذين سقطوا في المعركة ضد الصوماليين أو أسروا. و أعلن الصوماليون عن فرحتهم الكبرى فسجدوا لله شكراً على هذه الغنائم من الأسلحة و العتاد الحربي الذي لا يحصيه حاسب. و كانت هذه الذخائر خير معين للقوات الصومالية ضد البريطانيين مرة أخرى و أخرى في انتصارات متتالية. ولا فرق بين معركة عدوه سنة 1886 و معركة دلمادوب الكبرى سنة 1913 ففي الأولي ( 1886 ) هزم الإيطاليون و في الثانية ( 1913 ) هزم البريطانيون وفي الأولي تحصل الأحباش على الأسلحة بالشراء من الإيطاليين و استخدموها ضدهم، و في الثانية غنم الصوماليون أسلحة من البريطانيين و حاربوهم بها.

بريطانيا تعرض ملك الصومال على السيد محمد

أدركت بريطانيا أن سياسة المفاوضات من أجل الصلحوالسلام تحت ظل الاستعمار لم تجد قبولاً عند السيد محمد المؤمن برسالته، و أن سياسة التهديد و الوعيد أسفرت عن قتل القائد العام للقوات البريطانية في الصومال و عن هزيمة الجنود البريطانيين في معركة دولمادوب و خسائر كبيرة في الأرواح و العناد. فاتخذت بريطانيا سياسة جديدة هى سياسة التعظيم و التكبير والإغراء و الهدايا و الرشوى فبعثت ببرقية إلي القائد العام للقوات البريطانية في الصومال أن يرفع العلم الأبيض رمزاً للسلام، و أن يدخل في مفاوضة مباشرة مع السيد محمد و أتباعه بحضور نائب ملك الهند و أن يمنحه الأمان، و كل ما تشتهي نفسه من أجل استقرار المحمية البريطانية في الصومال. فبعث القائد الجديد برسالة إلي السيد محمد يناشده أن يلبي نداءه و يجتمع في مكان قريب من لاس عانود في ساعة محدده. فاستجاب السيد محمد لنداء القائد البريطاني الجديد عسي أن تنتهي المفاوضات باستقلال وطنه. و تقابل الوافدان الإنجليزي و الصومالي. و تباحثا في أمر الاستقرار و الهدنة. و تقدم نائب ملك الهند بهدية إلي السيد محمد بعد أن قدم التحية باسم ملكة بريطانيا و حكومتها و شعبها. و خلال الحديث أدرك السيد محمد محور الهدنة و الصلح، و هو أن يلقي الدراويش سلاحهم مقابل أن تعترف الحكومة البريطانية و الدول الصديقة بالسيد محمد كملك على الصومال، و أن بريطانيا تضمن له اعتراف الدول به كملك على الصومال. و مع الهدية القيمة وبريق المجد و السلطان الكبير فإن السيد محمد لم ينظر إلي هذه الاعتبارات و ذاك الإغراء، بل أمر مرافقيه بالقاء الهدايا و قال كلمته المشهورة الخالدة التي تعتبر دستوراً لأمانة النضال و الصدق في القيادة و هى ( أني لم أفكر في أن أكون ملكاً، و لم يكن ذلك هدفي لا في الحاضر و لا المستقبل، و لكن هدفي الوحيد هو أن أطهر بلادي من الاستعمار، و اعيد إليها حقوقها المغتصبة، و اطهرها من الشرك و النفاق ولست أبالي بعد ذلك أن أحيا أو أموت ). و لو أن السيد محمد كان يرغب في الملك لما رفضه حين عرض عليه مع الهدايا القيمة و لكنه لا يرغب ألا في الحرية لوطنه، و الاستقلال لبلاده. و عاد الوفد الصومالي إلي مناطق التجمع للقوات الإسلامية ليروي على إخوانه ما ذهبت إليه السياسة البريطانية من تهديد و ضرب بالحديد و النار إلي الوعد بالأماني و الأحلام في ظل الاستعمار و العبودية.


استعدادات صومالية لحرب واسعة ضد المستعمرين

قام السيد محمد بتوزيع القوات الصومالية على ثلاث جبهات، جبهة لمحاصرة القوات الإنجليزية على النطاق الساحلي، و جبهة لمحاصرة منطقةبنادر لتحول دون تقدم أي فرق إيطالية إلي مدق أو مجرتنيا، و جبهة مرابطة داخل أراضي الأوجادين و كانت بصفة دائمة و إليها يرجع الفضل في عدم وقوع أي إعتداء حبشي نحو الأوجادين منذ أن ثار السيد محمد و أعلن الثورة الصومالية ضد الدخلاء و المستعمرين في عام 1901. و كان مسامو العالم في مصر و البلاد العربية و في الهند و تركيا وغيرها يباركون هذا الجهاد العظيم لمسلمي الصومال، و خشى البريطانيون أن يزداد الصوماليون قوة بتعضيد القوى الإسلامية، فأسرعت بريطانيا إلي عقد إجتماعات في لندن و في روما و في أديس أبابا للتشاور في مسألة الصومال، و السيد محمد و أتباعه، لأن القضاء على السيد محمد و أتباعه معناه إمكانية المحافظة على التقسيم الحالي للصومال بين الدول الأوروبية و الحبشة، و أن نجاح ثورة السيد محمد معناها طرد الأوروبيين و الأحباش من كل بقعة يعيش فيها صومالي، و كانت بريطانيا في هذا الوقت تعاني من قوات الدراويش في السودان. و قوات الدراويش في الصومال و أيقنت أن الأيام ستكون في صالح الشعوب الإفريقية إذا لم يتخذ المتآمرون قراراً سريعاً بشأن ما سموه حرب العصابات الصومالية و قائدها السيد محمد. و تسربت أنباء الإجتماعات التي يعقدها الدخلاء و تكتلهم ضد القوى الصومالية للقضاء عليها و إبقاء الصومال المقسم إلي خمس وحدات سياسية. في الوقت الذي كان يعاني فيه السيد محمد من نقص في الأسلحة و التموين بسبب الرقابة البريطانية و الإيطالية على سواحل الصومال و منافذها البحرية، و لذا كان حتماً على السيد محمد ان يتجه إلي العالم الإسلامي يطلب منه مساعدة مسلمي الصومال في قضيتهم العادلة.

معاهدة حماية مع الدولة العثمانية

أرسل السيد محمد عبد الله حسن الوفود إلي دول العالم الإسلامي لمد الصومال بالسلاح و الذخائر و التموين و وفداً خاصاً إلي الدولة العثمانية التي كانت تحكم دول العالم الإسلامي في أفريقيا وآسيا و كان الوفد الصومالي برياسة الشيخ أحمد مشروع بن محمود الصومالي نيابة عن السيد محمد لإجراء معاهدة حماية مع الدولة العثمانية. و هذا نص المعاهدة عن النسخة الأصلية المصورة في كتاب ( الحديد و النار ) لكروسيللي طبعة (1936 ).

بسم الله الرحمن الرحيم حرر في 9 محرم الحرام 1335 موافقاً تشرين الأول 1132 الموقع على هذه الحماية السنية بدولة العلية العثمانية أيده الله بفتحه و بنعمته و بعزه الشيخ أحمد مشروع بن محمود الصومالي المندوب المفوض المطلق المأمور بالتوقيع على حجة الحماية السنية بدولة العلية العثمانية من حضرة السيد محمد بن عبد الله حسن نور أمير قبائل الصومال بأفريقيا الصومالية الغربية الشمالية النائب عن القائم مقامه بالنيابة المقبولةالمعتمدة عن الأمير السيد المشار إليه، و عن العلماء و مشايخ القبائل و التابعين لهم على العموم بقوله: إننا نقر و نعترف لخليفة المسلمين السلطان الأعظم محمد رشاد خان الخامس و للدولة العلية العثمانية أيدها الله بالحماية المطلقة و اليد الطولي القوية لأننا من التابعين لها، المتمكن من عرش الجلالة الإسلامية العثمانية و سلاطينها من آل عثمان العظام أيدهم الله مدي الأزمان.

و أننا لا نعترف لغير خليفة المسلمين بتبعية دينية، أو علاقة سياسية و نرفض رفضاً كلياً ما تزعم به دول الإنجليز و الطليان علينا، أو على أرضينا من المزاعم الوهمية التي لا ظل لها من الحقيقة، بل نلعن عليهما الحروب المستمرة، و قد زحزحنا جيوشهما في الحروب السابقة المشهورة بيننا و بينهم، و أننا لا نعترف لها بحق، و لا غيرهما عنها، و القائمين مقامها، المستقلين بأرضنا النافذة فيها أحكامنا من دول الاستعمار في أرضنا غير الدولة العلية العثمانية نحن النائبين في حدودنا المعروفة الواقع مركزها غربي شمالي من أفريقيا الصومالية من حدودها الأربعة: شرقاً قبائل المجرتين من الصومال و البحر، و غرباً: حدود الحبشة، و جنوباً: مقدشوه، و شمالا: قبائل و أرسنجلي والبحر. هذه حدود أرضنا المستقلين بها من قدم الزمان المحتوية على جبال ورمال و وديان وسهول و وعر، شعوب و قبائل شتي من الصومال.

وبناء على إعلان خليفة المسلمين الجهاد المقدس في هذه الحرب العمومية على دولة الإنجليز و الطليان و المتفقين معهما نعلن أيضا جهادنا الآن عليهما، و نوجب عليها القيام التام بحقوق الدولة العلية العثمانية، و ما وجب لها و على كل من قام بمخالفة خلفة المسلمين. و من الآن فصاعداً نلزم أنفسنا و نوجب عليها القيام التام بحقوق الدولة العلية العثمانية، و ما وجب لها ديناً و سياسة من رفع أعلامها، و موالاة من والاها و معاداة من عاداها على حسب ما توجبه علينا ديانتنا الإسلامية بمقتضي الفتوي الشرعية، و أن نراعي رضاها، و نتجنب كل مداخله أو مخالفة أو مصادقة أجنبية لا توجبها على التأمين.

هذا عنا و عن أبنائنا و أتباعاً ما دمنا و دامت الدولة العلية العثمانية في الوجود، ثم إننا نلتمس من رجال دولتنا العلية العثمانية أيدها الله إعلان حمايتنا، و نشرها إلي جميع الدول الأوروبية ليعلموا حقيقة احتمائنا بالدولة العلية العثمانية ليؤيدوا ذلك و يثبتوه قياماً بواجب العدالة و الحرية الواجبتين على كل دولة متمدنة. و قد أخذنا هذا على أنفسنا، و ارتضيناه و اخترناه بأنفسنا، و مما هدانا الله إلي القيام به لقوله تعالي( و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) ارتضاه و قبل العمل بمقضاه.

الشيخ أحمد مشروع بن محمود. ( ختم أحمد مشروع بن محمود )

بناء على حجة الحماية السنية بالدولة العلية العثمانية أيدها الله وأعلاها تعهدنا نحن العثمانية بلحج أمير اللواء على سعيد باشا المفوض من طرف الدولة العلية العثمانية للشيخ أحمد مشروع بن محمود الصومالي المفوض بالنيابة عن الأمير السيد محمد بن عبد الله حسن نور أمير قبائل الصومال المقيم بالمربعة الصومالية الغربية الشمالية و التابعين لأحكامه من العلماء و مشايخ الصومال على العموم بحماية أنفسهم و أتباعهم و أموالهم و أرضهم سهولها و نجودها و ما اشتملت عليه حدودها المذكورة أعلاه من كل عدوان و اعتساف من أي دولة كانت بعد حصول الصلح من هذه الحرب العمومية من الدول، و واجب تعهده على الدولة العثمانية أيدها الله القيام التام بحقوق الحماية حسب ما توجبه عليها قواعد الدول المتمدنة. قائد القوة العثمانية بلحج ( ختم أمير اللواء على سيعد )

غير أن هذه الإتفاقية لسوء الحظ وقعت في يد البريطانيين على ساحل الصومال الشمالي مع الوفد الذي قام بالمفاوضة بشأنها و على أية حال كانت الإمدادات الحربية و الموينية تصل إلي يد الثوار الصوماليين عبر مواني الساحل الأفريقي. و كانت دول العالم الإسلامي مع الصوماليين في جهادهم، في مراكزهم أو في المؤتمرات العالمية، و نادي كل مسلم خارج الوطن الصومالي بحق مسلمي الصومال في الحرية و الإستقلال و قدم التجار العرب المسلمين كل تسهيلات لاستحضار الأسلحة، كما أعانوا الفرق الإسلامية الصومالية بالمال و مواد التموين، و التحق بعضهم في صفوف الجهاد من أجل حرية الصومال و استقلاله.

الدسائس البريطانية بين صفوف المجاهدين الصوماليين

1 – لجأت الحكومة البريطانية إلي حياكة سلسلة من الدعايات المضللة ضد السيد محمد و رجاله فاتهموه بالشراسة، و عدم الإنسانية، و حب سفك الدماء، و الميل إلي المجون، و العربدة، و اختطاف النساء إلي أو كاره الخاصة. و وصفوه بالملا المجنون. غير أن هذه الدعايات المغرضة، و الإفتراءات الكاذبةة لم تجد أذنا صاغية عند المجاهدين من القبائل الصومالية و أن كان تأثر بها بعض الأفراد ممن لم تتح لهم فرصة التعرف ولو عن قرب عن شخصية السيد محمد، و دماثة أخلاقه.

2- و كان من المعتاد عند البريطانيين عقب إبرام أي معاهدة مع أي قبيلة أن تمنح رئيس القبيلة جزءاً من المال، و بعض الهدايا، و المواد الغذائية في الوقت الذي كان فيه الإيطاليون يعطون مرتبا سنويا للسلاطين و الحكام، و تراءي لبريطانيا أن الإتساع في عملية المرتبات الشهرية على قسطين مع بعض الهدايا للقبائل و الجماعات الموالية للمستعمر من شأنه أن يوجد فوراق مادية و حضارية بين رؤساء القبائل، و في الوقت نفسه و سيلة لجذب عدد أكبر من المؤيدين عن طريق الرشاوي و المربات لضعاف النفوس و قامت بريطانيا بممارسة هذه الوسيلة و هى منح دريهمات قليلة لكسب عدد أكبر من السكان دول الدخول في معارك خاسرة في الأرواح و الأموال، و استطاعت بريطانيا خلال عامين أن تجد بعض المؤيدين للبريطانيين ضد الأعمال التي يقوم بها السيد محمد و رجاله.

3 – و أخيراً و لاندري كيف استطاع البريطانيون أن يتحصلوا على مخطوط من الشيخ محمد صالح صاحب الطريقة الصالحية و فيها توجيه إلي مسلمي الصومال التابعين لعقيدته أن يهجروا السيد محمد و أتباعه و يذكر المخطوط هذا القرار. لإتخاذه تعاليم تبتعد عن روح الصالحية كشرب الخمر و المجون و العبث بالنساء وحب سفك الدماء. واعتبار السيد محمد و التابعين له خارجين عن عقيدة الصالحية. و في هذا إفتراء صارخ للحقيقة. و على أية حال سواء كانت رسالة شيخ الصالحية مملاة عليه بحد السلاح، أو أنها مدسوسة عليه أو ما شابة ذلك فمما لاشك فيه أن هذه الرسالة كان لها تأثير كبير في نفوس الكثير من العلماء و المشايخ و البسطاء من الناس، و أن كانوا لم يعلنوا تصديقهم للرسالةمرة واحدة إما خشية بطش السيد محمد بهم، أو لأنهم شكوا في الأمر، أو لأنهم فضلوا السكون و الإبتعاد عن تأييده إلي حد كبير. و تحول بعض أنصاره و مريديه و الحاسدين له على نجاحه المتلاحق في حملاته من زعماء القبائل و رؤساء العشائر و الحكام وغيرهم من مساندته إلي جواسيس عليه، ينقلون أخباره و تحركاته إلي المستعمر صاحب الفتن و باعث الإنقسامات بين صفوف المجاهدين المسلمين.

موقف السيد محمد من دسائس البريطانيين

 
حصن تالح، معقل الثوار الصوماليين

و من الثابت أن السيد محمد كان قد استخدم ما حباه الله به من مهارة فنية فائقة، في الإعتماد على التدابير التقليدية في جذب وحدات جيشه من النظام الأسري إلي داخل إطار الوحدة الإسلامية فكان له التوفيق الكبير. و قد قام السيد محمد بدحض أكاذيب المستعمرين و أذنابهم وبعث برسائل متعددة إلي السلاطين و الحكام و رؤساء القبائل و العشائر يطلب منهم أن يستمروا في تأييد دعواه و سبق أن أوردنا نموذج من رسائله للسلطان عثمان محمود ليؤازره العمل لتوحيد صفوف المجاهدين الصومالين بالإضافة إلي القصائد التي يبعث بها أو ينشدها في مناسباتها. و للسيد محمد قصائد تعتبر من أورع ما قيل في الشعر الصومالي الكلاسيكي، فقد كان الشعر و سيلة طبيعة للاتصال بإخوانه و مريديه و مؤيديه في نضاله ضد البريطانيين و الفرنسيين و الأحباش، و غالباً ما كان يعطي تعليماته لأتباعه بطريقة شعرية، و كان لاذعا في صب هجائه على اعدائه، وحلوا شجيافي منح تمنياته الطيبة لأصدقائه و معضديه عنطريق الشعر أيضا، و له قصائد طوال من الجباي و يمكن أن نقتطف المقطوعة التالية من جيفتو (يمتاز بالجماعية في الإنشاد ) بعنوان اجابة السيد في اليج. و فيها دحض لإتهامات البريطانيين و وصمهم بالفتن و المؤامرات. فيقول:

أنا أشكو وأنتم عن الإغارات عليكم تتحدثون . أنتم الظالمون و على قطعانهم تستولون. أنتم السارقون لثرواتهم و على مساكنهم تنهبون. أنتم الفاسدون لأوطانهم و بالروث تلوثون. دفعتوهم للجوع فأصبحوا للعفن و الضواري يأكلون. و إذا التفاهات من فتات مابين أكواخهم يسرقون. فلا أشكو إليكم و لا إلي أنتم تشكون. فأنا أشكو و أنتم عن الإغارات عليكم تتحدثون.


نهاية السيرة الخالدة للسيد محمد عبد الله حسن

في أؤائل عام 1919 علم السيد محمد و رجاله أن الحكومة البريطانية قررت أن تعبيء جيشاً برياً مزوداً بالعربات المصفحة و المدافع الرشاشة السريعة الطلقات، و عشرة آلاف جندي من المشاة تساندهم قوى هائلة من الطيران بقصد التوغل في أراضي المحمية لتطهيرها من الدراويش و تفادي الخسائر التي تصاب بها المعسكرات البريطانية من جراء المفرقعات التي يضمها الفدائيون الدراويش في جهات مختلفة من المعسكرات، حتى اختفت فرق عسكرية بريطانية بأكملها.

و كان السيد محمد يعسكر مع الدراويش في مكان قريب من عرجابو حينما وصلته هذه الأنباء على لسان تاجر عربي. فأمر السيد محمد أن يرتحل الجنود إلي تاليح المركز العام للقيادة الصومالية لمتانة التحصن بها، و بدأ سير القوات الصومالية صوب تاليح غير أن الأنباء وصلت عن وجود فرق إنجليزية متجهة ناحيتها لذلك إتجه السيد محمد و الدراويش ناحية نقال قاصدين نهر شبيلي للإنضمام إلي القوات الصومالية المرابطة هناك برأسة أخيه خليفة عبد الله حسن، و بذلك جمع السيد محمد الجيوش الصومالية للدخول في معركة كبرى ضد البريطانيين. و جاء إلي المعسكر وفد صومالي يطالب بعودة السيد محمد و رجاله إلي نقال، و وقف القتال للعيش في سلم و هدوء. فقال السيد محمد بطل الاستقلال.( أعوذ بالله منكم وممن أرسلكم. لن أستسلم و لن أكون للشرك عبداً ). فانصرف الوفد عائداً من حيث أتى.

و استمر السيد محمد في اعداد الجيش و استكمال المعدات الحربية خلال ثمانية شهور أو أزيد بقليل حتى ظهر وباء مميت بين القوات الصومالية المجاهدة، و يذكر أكثر الرواة أن هذا الوباء قد حمل جراثيمه رجلان من عملاء الاستعمار الإنجليزي، و ألقوا به في آبار منطقة هروشكح التي يعسكر فيها الدراويش و نتيجة لذلك، كثرت الوفيات في الوقت الذي عز فيه الدواء و الطبيب، و لذلك كانت معارك هروشكح فيعام 1920 من المعارك الخاسرة بالنسبة للصوماليين. و استمرت الحروب البريطانية الصومالية نحو عام كامل (1920 /1921) و فيها تسجيلات رائعة لمعارك عظمى انتصر فيها الشرف الصومالي، و رغم المدافع الثقيلة و الطائرات الحربية و القنابل المدمرة التي قيل أنها ألقت أكثر من مائة قنبلة على حصن تاليح و كادت تحطمه في الوقت الذي لا يملك فيه الدراويش طائرة واحدة بينما تمتليء سماء تاليح بطائرات مقاتله ضخمة و أمام هذا الضغط الحربي الكبير اضطر السيد محمد أن يصدر أوامره كما هى عادته بالتفرق السريع و التوغل في البلاد تفادياً من وقع خسائر في الأرواح، بيد أنه استنفد كل وسائل المقاومة و التضحية، و خرج السيد محمد جريحاً من إحدى المعارك، و مات الشهيد متأثراً بجراحه في نهاية عام 1921 تقريباً، و بحث البريطانيون في نهاية المعركة عن جثمان الشهيد السيد محمد، رائد القومية الصومالية، ليفعلوا به كما فعل البريطانيون برأس السيد محمد المهدي في السودان ليجعلوا من جمجمته منفضة سجائر لملكة بريطانيا و زوارها، غير أنهم لم يتمكنوا من ذلك فقد نجح ورثته في الكفاح و الجهاد من إخوانه الدراويش أن يظل قبره سراً لا يعرفه إلا الخاصة من مريديه. و بعد عام 1921 استعادت الحكومة البريطانية قوتها للسيطرة على الإقليم الشمالي، و لكن بعد أن تركت ثورة السيد محمد مرارو و حسرة في نفوس الشعب لا يمكن أن تمحوها السنون و القرون، و قد أصاب المؤرخ البريطاني الرسمي في ذلك الوقت حينما قال ( أنه سيعيش في قلوب مواطنيه إلي الأبد كرجل وطني و زعيم خالد الذكرى، بلغ الذورة في البطولة.). و بعد أربعين عاماً تقريباً تحررت البلادبقسميها الشمالي و الجنوبي وهى اليوم تعمل لاستكمال الرسالة التي وضعها السيد محمد للاستقلال الكامل للوطن الصومالي الكبير و طرد الدخلاء و المبشرين و تدعيم الاستقلال.

مباحث المنافقين

من الرسائل الخالدة للسيد محمد عبد الله حسن للسيد محمد رسائل خالدة في الأدب و منها الرسالة العظيمة التي سماها مباحث المنافقين و هى توضح جانب من جوانب الكفاح الوطني وحقيقة بواعث الثورة الصومالية بزعامة السيد محمد. و هذا نصها كما ورد في كتاب (أضواء على الصومال ) للأستاذ عبد الصبور مرزوق. بعد حمد الله و الصلاة على رسوله.

نحن قوم قاموا بالعزم و الإيمان، و عقدوا نيتهم على أن يدافعوا عن دينهم و وطنهم وشرفهم بآخر قطرة من دمائهم، يجاهدون في سبيل الله تعالي لاعلاء كلمة الإسلام إلي أن يحققوا أغراضهم أو يستأصلوا من فوق الأرض . ونحن قوم نكافح لتطهير جميع أنحاء بلاد الصومال من الأعداء الكافرين المستعمرين لأننا نعلم تماماً أنه لا يمكن أن نعبد الله في أرض آمنيين مطمئنين، ولا أن نقيم أحكام كتابه و لا أن نستثمر خيراتها و لا أن نستنشق نسيم الحرية بها إلا بعد تحقيق الغرض المذكور.

و نحن قوم حاصرهم الكفار و المنافقون من جميع الجهات، و أحاطوا بهم كإحاطة الهالة بالقمر، و السوار بالمعصم، و قطعت عنهم جميع المواصلات و الإمدادات الحربية و الغذائية. و نحن قوم ملئت صدورهم من الغضب و الغيظ لأجل تخاذل المسلمين و تخالفهم مع كثرتهم و تعاون المستعمرين و توافقهم مع قلتهم في بلادنا.

و نحن قوم باعهم شعبهم بثمن بخس لعدوهم، و قد أنفقت الحكومة الإنجليزية و الحبشية و الإيطالية و الفرنسية في سبيل ذلك مالا كثيراً، و انضمت إليهم بعض القبائل الصومالية التي خضعت لرعوية تلك الدول بإختيارها و طوعها يقودها سلاطينها و زعماؤها و يحرضها علماؤها على حربنا. و نحن قوم لا يخضعون لأعداء دينهم و وطنهم و لو كثرت جنودهم، و تتابعت هجماتهم، و تنوعت آلاتهم المهلكات، و اشتدت وطأتهم علينا، و انضمت إلي صفوفهم أكثرية غير وطنية و أكثرية من المستخدمين الأجانب لأننا نريد أن نشتري بأموالنا و أنفسنا الجنة من الله تعالي و أن نظهر تضحيتنا في الجهاد و صدق إيماننا و إسلامنا. و نحن قوم لا نسمح للكفار أن يحتلوا بلادنا أو يحكموها، و لا نتكالب على ذلك مع المستعمرين لا بعوض و لا بتهديد، و لا نترك قوانين الشريعة و أحكامها و لا نجعلها خاضعة لقوانين الكفر و أحكامها الطاغوتية، بل نعلن حربنا على الزعماء الذين يسمحون لهم بدخول بلادنا و استعمارها و نوجه لومنا إلي العلماء و القضاة الذين يهينون شريعتنا الإسلامية و يجعلونها تحت أقدام الكفرة الفجرة. تلك أحوالنا التي سألتنا عنها، أما أحوالنا مع أكثرية القبائل الصومالية التي نتحارب معها فأفيدك أيها الشيخ أنه.

لما أزمعت في أوائل القرن الرابع عشر الهجرى بعض الدول أن تستعمر بلادنا و هى الدولة الإنجليزية و الإيطالية و الفرنسية و الحبشية.

و اتجهت أفكارها إلي ذلك و دخلت الأولي بلادنا من ميناء بربرة بمكاتبة الأهالي، و الثانية: إيطاليا من مقدشوة، و الثالثة: فرنسا من جيبوتي بتلك الصفة، و الرابعة: الحبشة إليهرر بالقوة حينما فتحها منليك في 1305هـ من يد حاكمها الصومالي الأمير عبد الله.

اتفقت عند ذلك تلك الدول الأربع على ألا تتصادم في استعمار البلاد الجديدة، و تبادلت مكاتبات سرية يجهلها جميع المواطنين، و تجعل لكل دولة من الأربع قسطاً في بلادنا بتلك المكاتبات السرية، و لكنها لم تخطط حدوداً في بلادنا كما لم تفتح فيها طرقاً. لأنه قبل تحقيق ذلك الحلم أعلنا عليهم جهادنا فكان حاجزاً بينها و بين ذلك و لن يكون لها إن شاء الله تعالي تحقيق أمانيها و تخطيط حدود أراضيه في بلادنا ما دمنا على قيد الحياة، ولن تنفعها شيئاً الخطوط المكتوبة في الأوراق. ثم أن الدول المذكورة بدأت تبذل أموالاً تافهة لزعماء القبائل ورؤساء العشائر لتشتري منهم دينهم و وطنهم و شرفهم و عزهم بتلك الدريهمات.

و كأن الزعماء لا يفهمون مرارة الاسترقاق و الاستعمار و لا يدركون ما سيحصل لهم و لشعوبهم من الذل والخزي و الهوان بعد ما خلا الجو ممن يعارضون تلك الدول.

و لا يلتفتون إلي أن تلك الدول تريد استثمار خيراتها لفائدة دولهم، و لا تريد أن تجلب خيرات بلادها إلي هؤلاء الجهلاء الأغبياء و لا يفهم هؤلاء الأغبياء أن المرتبات و المشاهرات مثلها كمثل ما يعطي للطير و الحيتان لاصطيادها. و من جهة أخرى فتح المبشرون مدارس في البلاد ليغيروا من دين الشعب. و قد تقدم الآباء و أولادهم إلي تلك المدارس المضللة لعقول الأطفال و التي تنشئهم نشأة غير دينية أو إسلامية.

و نشأ أيضا في المدن التي تسكنها تلك الدول الأربع عادة شرب المسكرات وتناول المخدرات و فتحت العاهرات أبوابها دون خجل فلما علمت و رأيت ذلك ثارت في نفسي شدة الغيرة الإسلامية و اشتعلت في قلبي الجذوة الوطنية، و التهبت روحي غضباً، و كادت تخرج من الهيكل الجسماني، فبدأت أخطب في المساجد و المحافل، و ألقي بين الأمة خطباً حماسية دينية و أتلو الآيات القرآنية الواردة في الوعد و الوعيد، و الأمر و النهي لكي أنبه الشعب قبل أن ينتشر الوباء في جميع البلاد، و يستولي العدو على جميع أنحائها، و لا أزال أحذر الشعب و أناديه، و لكن لا حياة لمن أنادي، و لا حكمة لمن أحذره. و قد قالوا لي لما نبهتهم عن تقديم أوطانهم للمبشرين و عن تجنيد رجالهم للعدو و الفاتح.(إنك تريد أن تقطع أرزاقنا و تهلكنا بالفقر و الجوع). فقلت لهم.( إن رزقكم على الله تعالي لا على غيره. ألم تسمعوا قول الله تعالي. ( و ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها و يعلم مستقرها و مستودعها كل في كتاب مبين ) فقالوا. و من أين يأتي الله برزقنا إذا أطعنا كلامك؟. فقلت لهم. ألم تسمعوا قوله تعالي.( و في السماء رزقكم و ما توعدون.) فلما سمعت منهم هذا الإحتجاج لي بأمر الرزق شرعت أزجرهم و أنهاهم عن تقديم الطاعة للكفار بكل سيء و عن الخضوع لأوامرهم و نواهيهم، و استدللت لهم بالآيات القرآنية التي تثني المسلمين عن موالاة الكفار. فقالوا لي ( هذا أشد و أعجب من مسألة الرزق لأنك تعلم أن القوة في هذا الوقت للكفار، و أن جميع المسلمين ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، و إذا لم تطع الكفار و تقبل دعوتهم هلكنا بسبب ذلك). فقلت لهم. ألم تسمعوا قوله تعالي. (و أياي فاتقون ) ، و قوله ( لا تخشوا الناس و اخشون).

فلما عجزت عن حملهم على قبول ذلك مني قلت لهم: (( إنكم إذا جاهدتم الكفار و اشتددتم ستكونون أمة قوية و لا تخافون إذ ذاك من رجال أمثالكم في الأعضاء الجسمية و الفكرية و العقلية ) و قرأت عليهم الآيات الواردة في فضل المجاهدين و ما أعد لهم في الأخرة فقالوا.( الجهاد وقته متأخر و سنجاهد في أوان الجهاد عند خروج المهدي المنتظر فعندئذ تكون لنا العصي بنادق و مدافع، و ستكون آلات الكفار عصيا.أما إذا جاهدنا الآن وليس معنا آلات حربية فلا يكون لنا إلا الهلاك في الدنيا و العذاب في الأخرة، لأن الله تعالي يقول. ( ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة).0 فقلت لهم. يأيها الجهلاء جهلكم علماؤكم عن الحقائق كلها فإن معني الآية الكريمة.( و لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة ) بترك الجهاد و الدفاع عن دينكم و وطنكم و أنفسكم. و ليس معناها أسلموا أوطانكم و أنفسكم إلي الكفار فتتحكم فيها ما تشاء وما تريد و قلت لهم أن الله تعالي قال في كتابه العزيز( كتب عليكم القتال و هو كره لكم ). و قال ( فيقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بلآخرة ).و قال ( و لا تهنوا في إبتغاء القوم أن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ).(الآية ) و قال ( ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال.(الآية).فإذا سمعتم هذه الآية و أمثالها فمن أين يأتي علماؤكم بتلك الخرافات المزعومة. و لكنهم لم يقتنعوا بشيء من الآيات و الأحاديث التي ذكرتها، بل ازدادوا طغياناً و عناداً، و كانت النتيجة أن وشي لي بعضهم، و سعي بعض علمائهم الخونة بين الحكومة الإنجليزية وبيني بالإفساد، ونصح لها بإعتقالي. و قال لمن لا يبالي بكلامه ستندم الحكومة يوم لا ينفع الندم و علمت أن واحداً منهم يقال له (أوجاس ) حصل علىأجرة شهرية جارية بتلك القصة.

لقد بدأت الجهاد من مدينة ( بربره ) التي هى مركز الحكومة الإنجليزية و اتجهت نحو القبائل البعيدة عن المدن التي بها تلك الدول المذكورة لكي أجد من بينها رجالا يتأثرون بالمواعظ القرآنية و النصائح الإسلامية، و كنت أومن أنه لا يمكن مجابهة المستعمرين و مدافعتهم بدون قوة ترد هجماتهم و توقف احتلالهم، و أن مجرد الوعظ بدون قوة لا يعيد شيئاً. فشرعت حينئذ في استعداد سريع سري من جهة بالخطب و المواعظ المؤثرة، و من جهة أخرى كنت أدعوا القبائل الصومالية أن تنتقل من الشك و الكسل إلي اليقين و العمل و من التخلف و التخاذل إلي التعاون و التكامل، و من الخوف و الهلع إلي الجرأة و الإقدام، و من الإستسلام و الذلة إلي الستبسال و العزة. فاجتمع لدي عددكبير من القبائل الصومالية، و التفوا حولي، و غرست في نفوسهم محبة دينهم و وطنهم، و بغض عدوهم من الكافرين و من يساعدهم، و انطبعت معاني الآيات القرآنية في نفوسهم، و فهموا المقصود منها، و تعاهدوا على الجهاد و الدفاع عن الدين و الوطن و الشرف و تحالفوا وأخذوا في الاستعداد بالرماح و السيوف و العصى و البنادق القليلة و الخيول.

ولما علم المستعمرون بما قمنا به من الاستعدادات أرادت الحكومة البريطانية أن تسكنا بغية أن تستأصلنا فجأة فلما علمنا بذلك ابتعدنا جهتها لكي نتم استعدادنا المنشود فأعلنت الحرب على قبيلة تساعدهم بالرجال و صادرت الجمال التي حملت بضائعها إلي بربره. فعند ذلك أعلنت الجهاد عليها و على كافة المستعمرين و على جميع القبائل التي تساعدهم في حربنا، و دعوت جهاراً جميع القبائل الصومالية إلي الدفاع عن الوطن و الدين، و أرسلت الوفود و الرسائل إليجميع أنحاء البلاد.

و لما ابتعدنا عن الحكومة الإنجليزية نتم استعدادنا، ونسلم من مباغتتها و مفاجأتها، هجمت الحبشة علينا من هرر بإتفاق بينها وبين الحكومة الإنجليزية على أن تهجم كل منهما علينا من جهة، فنالت الحبشة من بعض القبائل الموالية لنا بعض أموال و دماء فخرجت في أثرها فدارت بينها و بيننا معركة في جججة. و في نفس يوم تلك المعركة أغارت قبائل صومالية على أموالنا و أهلنا الذين تركناهم في (دك )، و تلك القبائل أرسلتها الحكومة الإنجليزية علينا و أمدتها بالمال و لكننا انتصرنا في المعركتين معا. ثم بعد قليل من المعركتين اللتين خضناهما بدون استعداد قامت بعض القبائل بمؤامرات علينا دبرها منليك ملك الحبشة مع بعض زعماء القبائل، و كان غرضهم أن يقتلوا جميع رجالنا في يوم واحد حتى لا يفلت منهم شخص، فاجتمع من تلك القبائل خمسون ألف رجل يقودهم الزعماء الذين دبروا المؤامرة. و كان هدفهم أن نختلط بهم و نحسبهم أنهم قبائل موالية لنا و معادية للحبشة و لكن لحسن الحظ أنه فبل أن نقع في الشرك استعجل بعصهم و قتل منا رجلاً يقال له الحاج عباس و هو قائم يصلي صلاة العصر، فانكشفت المؤامرة، و افتضحت مكيدتهم ثم قررنا أن نحذر القبائل كلها كما نحذر الدول المستعمرة، و قررنا أيضا أن نبتعد عن تلك القبائل التي قامت بتلك المؤامرة الخبيثة لأجل ألا نخوض حروباً مع تلك القبائل الجاهلة. و عندما ابتعدنا عن تلك القبائل المذكورة علمنا في الوقتنفسه أن الحكومة البريطانية و معها قبائل صومالية غزتنا من جهة الشمال، و أن الحبشة و معها قبائل صومالية غزتنا من جهتي الجنوب و الغرب فاتجهنا نحو الشرق لأننا لم نستكمل استعدادنا فعلمنا أيضاً أن القبائل الصومالية الموالية للحكومة الإيطالية غزتنا من جهة الشرق بايعاز و اعانة من الحكومة الإيطالية.

علمنا أيضاً أن تلك الغزوات في سلسلة واحدة متصلة حلقلتها قد دبرت لتطويقنا من جميع الجهات تقريباً فقررنا أن نتجه نحو القوات الإنجليزية لأنها المثيرة علينا جميع تلك الأمم، فحاربناها و انتصرنا عليها، و لكن لم يزل الحصار مضروباً علينا فيما بين كلادو، و رطير ( الجهات الأربعة ) فاتجهنا مرة أخرىإلي معسكرات الحكومة الإنجليزية لأننا نعلم أننا إذا انتصرنا عليها خاف البقية فانتصرنا على الجميع. و لأجل ذلك اتجهنا إلي دفاع العدو و أذنابه و قررنا أن نواصل الكفاح المرير الأليم و كلفا لهم الضربة بضربتين، و الطمة بلطمات، و قاتلناهم بعزم و شجاعة وسياسة و حكمة. و بعد ما ذاقوا العذاب والسخرية منا سموني مع سيدهم الكافر الإنجليزي ( الشيخ المجنون ) و لا استبعد ذلك من الحكومة الإنجليزية لسببين أولاً. أنها تقلد في ذلك الأمم السابقة التي كانت تتهم المصلحين من الأنبياء و غيرهم بهذه التهمة. وثانياً. أنها تستبعد محاربة رجل واحد و مناوراته و ليس مع شعبه من الآلات و لا المعدات الحربية ولا أموال و غيرها و هو ينفرد بهذه الفكرة الحماسية في وحدة و استقلال الصومال. و قالوا للدراويش و هم رجالي أننا علمنا من رأس معينة أن الحكومة الإنجليزية تتسلح بآلة تحرق الأرض، و تحرق جميع بلاد الصومال، و ستغزو الدراويش هذا الدور بتلك الأسلحة.

فلما علمت هذه الأرجوفة سكنت فزع الأمة و قلت لهم. أن تلك الآلة إذا فرضنا وجودها فهى لن تحرقنا وحدنا. بل ستحرق معنا جميع الكفار الذين في أرضنا و من يساعدونهم، و هذا ربح لنا و خسارة عليهم لأننا نموت شهداء في وقت واحد، و الشهادة هى غرضنا الرئيسي، و الكفار سيغادرون الدنيا و هى غرضهم الأول و سيدخلون النار المؤبدة عليهم. و أما إذا ظننتم أنها تحرق الأماكن الخاصة بنا و لا تحرق غيرها فهذا أمر لا يمكن تصوره لأننا نقدر أن نهرب من الأماكن المحترقة إلي أماكن غير محترقة. و قد قال تعالي.في شأن أمثالهم.( لئن لم ينته المنافقون و الذين في قلوبهم مرض و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم، ثم لا يحاورونك فيها إلا قليلاً، معلونين أينما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلاً.).

فإذا علمت ذلك فقد فهمت أسباب الحروب التي وقعت بيننا وبين القبائل الصومالية كذلك اتضحت لك الأدلة الشرعية التي اعتمدنا عليها في قتالهم و محاربتهم، و استبحنا بها دماءهم و أموالهم، و لولا ما قمنا به من محاربتهم ودفعهم عن أنفسنا و اخواننا من مؤامراتهم الداخلية، و استعجالنا لتحطيم شوكة المدبرين للإنقلاب علينا، و كشف الجواسيس المستترة في جيوشنا، لو لم نفعل ذلك لما عاشت نهضتنا أكثر من شهر واحد، و لأسرتنا القبائل بسلاسل المستعمرين، و ليتم تشتيتنا في أوائل نهضتنا و قيامنا بالجهاد و الدفاع على مشانق الكفار. إني قد حاولت مرارا، و أردت كثيراً أن أقوم القبائل بالجهاد و الدفاع عن دينها و وطنها مستقلة و منفصلة عن الدراويش من رجالي و تعهدت لكل قبيلة تقبل ذلك بالسلاح و المال. و كان غرضي من ذلك ألا يدخل في خواطرهم أننا نريد السيطرة عليهم فلم نر أي قبيلة تجيب و تقبل، اللهم إلا قبيلة (بيمال) و لكن القبائل الصومالية التي في بلادهم الجيوش الإيطالية فقد تبدد شملها، و كسرت قوتها و شوكتها، و قضي على نهضتها في مدة وجيزة. و الخلاصة أننا لا نرجو الانصاف في اطرائنا و التحدث عن حروبنا مع قوم أراقوا دماءنا، و نهبوا أموالنا، و ححاربونا سنين كثيرة، و سبونا بأشعارهم و ألسنتهم، و فعلوا بنا كل ذلك لأجل مساعدة عدونا الكافر المستعمر، و لأجل استجلاب رضائه و أمواله و استبعاد غضبه و سخطه.

و أنصح كل منصف يريد ان يعرف حق المعرفة أحوالنا و أهدافنا و أسباب حروبنا و المعارك التي انتصرنا فيها و انتصرت علينا، و عن الأمور التي عرضناهاعلى الشعب من أراد ذلك فأنصحه أن يأخذها بين أشعاري الصومالية التي نظمتها لكي تكون تاريخاً غنياً للشعب الصومالي من بعدي، تخبرهم عن غرضي الوحيد. و أن يأخذوها من خواص اخواني (الدراويش) الذين ناضلوا معي. و لكني أحذر كل منصف أن يأخذها من الرجال الذين كنا نحاربهم في الميدان أو باللسان سواء من المستعمرين أو من القبائل التي كانت معهم و لا من الذين أخذوها منهم. و أختم جوابي بالسلام على من اتبع الهدي، و جاهد الكفار و المنافقين، و كل من يساندهم أو يعاونهم، و اللعنة و الغضب على الكافرين و على الذين يبيعون دينهم و وطنهم وشرفهم. هذا. و السلام.


انظر أيضاً

هامش

المصادر

  • Abdisalam Issa-Salwe, The Failure of The Daraawiish State, The Clash Between Somali Clanship and State System, paper presented at the 5th International Congress of Somali Studies, December 1993 [1]
  • Abdi Sheik Abdi, Divine Madness: Mohammed Abdulle Hassan (1856-1920), Zed Books Ltd., London, 1993
  • Jaamac Cumar Ciise, Taariikhdii Daraawiishta iyo Sayid Maxamed Cabdulle Xasan, (1895-1921), Wasaaradda Hiddaha iyo Tacliinta Sare, edited by Akadeemiyaha Dhaqanka, Mogadishu, 1976.
  • Jardine, Douglas J., The Mad Mullah of Somaliland, London: Jenkins, 1923. Reprint. New York: Negro Universities Press, 1969 (one of the main sources of this article)
  • Said S. Samatar, Oral Poetry and Somali Nationalism: The Case of Sayyid Mahammad Abdille Hasan, Cambridge: Cambridge University Press, 1982 (analyzes Mahammad Abdille's poetry and assesses his nationalist and literary contributions to the Somali heritage)