سبعة عشر تناقضاً ونهاية الرأسمالية

«سبعة عشر تناقضاً ونهاية الرأسمالية»، كتاب ألـّفه ديڤد هارڤي في عام 2014. هذا الوصف هو «الأزمة التاريخية الكبرى». ففى نص دقيق يسبق محتويات الكتاب البالغ الأهمية يحدد هارفى مقصده بمعنى «الأزمة»، خاصة مع كثرة استخدام هذه المفردة للدرجة التى جعلتنا نتعايش معها.

كتاب "سبعة عشر تناقضاً ونهاية الرأسمالية (بالإنگليزية). انقر على الصورة لمطالعة الكتاب كاملاً.

يدرك هارفى بداية أن الأزمة ــ تاريخيا ــ ضرورية لتجديد الرأسمالية. فالرأسمالية على مدى التاريخ كانت تستفيد من أزماتها وتستطيع من خلال »كهنتها وسحرتها« أن تجدد من نفسها ــ بحسب فؤاد مرسي. فأزمة الكساد الكبير التى عرفتها الرأسمالية فى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1929 كانت مقدمة لتأسيس اقتصاد رأسمالي يراعى التأمين الاجتماعى بعض الشيء، ما عرف بالاقتصاد الكينزي، إلا أن دهاقنة الاقتصاد الأمريكي اليميني المحافظ (وبخاصة الذين يتبعون مدرسة شيكاغو للاقتصاد بقيادة ميلتون فريدمان. وبالمناسبة هي التي خرج منها ليو شتراوس المرجعية الفكرية لليمين المحافظ الدينى الذى كان له دور لاحق فى التخديم على الليبرالية الجديدة)، قد أسسوا إلى «اقتصاد الحرب الدائمة»، كوسيلة ناجعة تنشط حركة الرأسمالية وتحميها من الركود. ولكن السؤال لمن يكون التنشيط والحماية تحديدا؟

تشير الأرقام إلى الأرباح التى جنتها الشركات الكبرى من الحرب حيث زادت أرباحها من ما يقارب 7 مليارات دولار فى سنة 1940 إلى ما يقارب 15 مليار دولار مع نهاية الحرب. واستطاعت هذه الأرباح أن تحل مشكلة السيطرة على الناس،الأمر الذى جعل تشارلز ولسون رئيس شركة جنرال إلكتريك أن يكون سعيدا بالحرب لأنها أوقفت الاستمرار فى برامج الدعم الاجتماعي. بلغة اخرى استفادت منها «القلة الثرية». ترتب على ما سبق عدة ترتيبات منها: الأول: تعظيم درجة الاحتكارية فى الاقتصاد القومي، والثاني: زيادة درجة تركز تمركز رأس المال، والثالث: الدمج بين قوة وسلطة رأس المال الاحتكارى مع قوة وسلطة جهاز الدولة وامتزاجهما فى كيان واحد يسيطر على كافة مناحى الحياة فى المجتمع، يهدف أساسا إلى تحقيق أمرين هما:

أولا: استقرار النظام الاجتماعي؛ ولكن الاستقرار بأى معنى؟ يعنى الاستقرار هنا ما يلي: أ) عدم جواز إجراء أى توزيع راديكالى للثروة أو القوة. ب) كما لا يجوز ـ للناس ـ تحدى سيطرة النخبة أو سيطرة الطبقة الرأسمالية الاحتكارية (شبكة الامتيازات المغلقة وهو التعبير الذى صغناه فى 2008)،

ثانيا: الاستمرار ولكن بنهج جديد يتسم بأمرين: «بالاحتكارية الشديدة وأن يكون ذلك من خلال قلة، لذا تمادت الرأسمالية فى التوسع من المركز إلى خارجه (بالحروب، وبالمضاربات...إلخ)، توسع/ إمبريالية دون مستعمرات. وفى هذا يقول هارڤي» لقد شكلت هذه القوة المتزايدة «نذير طغيان»، وذلك: «لما تملكه من تأثير اختراقى عظيم الانتشار ولقدرتها على متابعة مصالحها الضيقة من خلال المبالغة فى التهديدات وافتعال الأزمات الخارجية لكى تبنى اقتصادا حربيا يجعلها أكثر قوة.ولكى تبقى فى قوتها الاقتصادية وجدت الصناعات الدفاعية حاجتها فى تنمية تجارة تصدير السلاح. ولعبت التجارة دورا أساسيا فى تراكم رأس المال الأمريكي، من جهة أخرى كانت سببا فى نشوء عسكرة مفرطة...».

فى هذا السياق، حل «الأخطبوط» محل الدولة. والأخطبوط هو تعبير نستعيره من أحد الأدباء الأمريكان (فرانك نوريس (1870-1902) الذين كانت له بصيرة وإطلالة رؤيوية على سلوك الشركات الأمريكية فألف رواية عنوانها: «الأخطبوط» تعكس مدى سطوة الشركات وتأثيرها على السلطة السياسية. لذا وصفها هذا الأديب «بالأخطبوط» لقدرته على الامتداد فى كل اتجاه بسبب تعدد أياديه، وأن رأسه تقابل لديه «مبدأ الاحتكار».

كانت الكوارث الاقتصادية المتعاقبة (200 كارثة مالية) هى المحصلة النهائية للاقتصاد الأخطبوطي «الشركات الاحتكارية». كوارث يمكن رصدها فى الآتي:

  • أولا: تغيير ميزان القوى بين المال والعمل، وهو ما يستدعى من منظور المواطنة إعادة النظر فى حقوق المواطن وفق مستجدات منظومة العمل.
  • ثانيا: ما بات يعرف ــ فى الأدبيات المعاصرة ــ تكثيف الاستغلال.
  • ثالثا: إضعاف الحركة النقابية بشتى الطرق حتى فى المجتمعات التى لها تاريخ عريق فى العمل النقابي.
  • رابعا: التراجع عن أى مكاسب اجتماعية عرفها المواطنون.
  • خامساً: الاستنزاف المطلق للموارد والثروات الطبيعية واعتبارها شأن خاص للقلة الثروية بالرغم من تأكيدنا فى تعريفنا للمواطنة الذى اجتهدنا فيه مبكرا على تضمين فكرة التقاسم العادل للثروة العامة للبلاد كأحد تجليات المواطنة (المواطنة والتغيير ـ 2006).
  • سادسا: التدمير دون حساب للبيئة.
  • سابعا: تجمع عدة إشكاليات اقتصادية فى آن واحد مثل: الركود، والارتفاع المتنامى فى نسب البطالة، والفشل فى تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وكلها أدت إلى تذمر متعدد الدرجات.

فى المحصلة، كان من شأن هذه الكوارث أن تتسبب فى إحداث أزمة مركبة متعددة الأبعاد والزوايا. أى ليست اقتصادية محض. أخذا فى الاعتبار تغير السياق كليا على شتى المستويات ومن ثم لن تصلح الإصلاحات الاقتصادية التجميلية النمطية فى التعامل مع المستجدات المجتمعية. وهنا تكمن أزمة الرأسمالية الراهنة. وهي أزمة كشفت عن 17 تناقضا فى بنيتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • سمير مرقص (2015-07-04). "نهاية الرأسمالية (2).. الأزمة التاريخية الكبرى". صحيفة الأهرام.