روسيا وثورات الربيع العربي

روسيا وثورات الربيع العربي، هو مقال يتناول الدور الروسي في بلدان الربيع العربي، سواء قبل اندلاع الثورات أو بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

بدأ الربيع العربي أيامه في تونس المطلة على البحر المتوسط، ويبدو أن ملامح نهاية هذا الربيع قد تنتهي هناك على مشارف البحر المتوسط، وتحديداً حين يُحكم الدب الروسي سيطرته على منافذ الغاز الطبيعي المحيطة بأوروپا،

هنا على ناصية المتوسط، يتضح أكثر أن الجغرافيا لا تكذب، وأن المصالح الروسية-العربية متقابلة غير متناقضة.

على ناصية المتوسط، من صالح العرب ومن صالح روسيا أن تبقى ليبيا موحدة، وأن يتغلب خيار الحل السياسي فيها على خيار تمزيقها بين فرنسا وإيطاليا المتحفزتين للانقضاض على ليبيا، علّ أوروبا تتحرر من حاجتها للغاز الروسي.

وعلى ناصية المتوسط أيضاً، ثمة حلم عربي قديم بتحرير بطريركية الروم الأرثوذكس في فلسطين الأردن، فإن تناقضت المصالح الإسرائيلية واليونانية من جهة، والمصالح الروسية، عبر سعي إسرائيل وقبرص واليونان لتزويد أوروبا بالغاز من خلال منتدى شرق المتوسط، سيهبّ الدب الروسي لحماية مصالحه، والأمل كبير في أن تكون إحدى تلك القنوات هي تحرير بطريركية الروم الارثوذكس من حكم اليونان.[1]

هذا الحلم ما فتئ يراود الوطنيين العرب منذ قامت روسيا القيصرية بتحرير الشقيقة بطريركية أنطاكية في أواخر القرن التاسع عشر من اليونان.


الغاز الطبيعي

بعيداً عن العواطف التي تمكنت الولايات المتحدة من تجييشها في قلوب الشعوب العربية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وبعيداً عن العواطف نفسها التي لا تؤسس سياسة خارجية، بل كمائن للشعوب التي لا تمتلك أسس الوعي، فإن كلمة السر “المُعلن” في الأزمة السورية كانت الغاز. ولحسن الحظ فإن الجغرافيا، وبرغم تبدل العصور وتغير الناس، تبقى كلمتها واحدة. كان على الدب الروسي الناهض من جديد أن يثبت أركان عودته إلى العالم عبر تمكين سوريا من الصمود، وقد نجح في ذلك بالفعل، ليقطع تماماً هو وحلفاؤه (سوريا وإيران) محاولة خط غاز نابكو.

ما زالت أوروبا تعتمد على الغاز الروسي، إذ تستورد 80% من حاجتها من الغاز من روسيا، ونقرأ في دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية بعنوان "المصالح الروسية في ليبيا" إن "الدول الأوروبية ترجمت رغبتها بالتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي، بتدشين مشروع لنقل الغاز الطبيعي من بحر قزوين عبر أذربيجان، وعلى طول الأراضي التركية مروراً برومانيا وبلغاريا والمجر، ووصولاً إلى الحدود النمساوية، وذلك بتمويل أوروبي مشترك وبدعم أميركي، إذ أطلق عليه اسم خط أنابيب نابوكو".

حينها، وحسب الدراسة، ستتمكن أوروبا من الحصول على الغاز القطري الطبيعي عبر مد أنبوب عبر السعودية وربطه بأنبوب الغاز العربي الذي أنشئ في عام 2003 ليتم نقل الغاز المصري من العريش إلى الأردن وسوريا وربطه بمشروع نابوكو لتصدير الغاز إلى أوروبا.

لا نحتاج الإتيان بأدلة لنثبت أن دعم روسيا لصمود سوريا بدد ذلك الحلم الذي راود أوروبا، فماذا تبقى في جعبة الغرب لتطويق الدب الروسي، بعدما كسب نقطة عندما عاد إلى منطقتنا عبر سوريا؟

منتدى غاز شرق المتوسط

بداية سعت روسيا إلى تقليص دور أوكرانيا كممر لا بد منه للغاز الروسي إلى أوروبا، وتوجت ذلك بمشروع السيل التركي الذي دشنه كل من الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 8 يناير 2020. وبذلك تضمن روسيا وصول غازها الطبيعي إلى دول جنوب وشرق أوروبا عبر أنابيب ناقلة تمر من البحر الأسود وعبر الأراضي التركية. وتبلغ قدرة “السيل التركي” الإجمالية 31.5 مليار متر مكعب سنويا، وسيغطي احتياجات دول شرق وجنوب أوروبا بالكامل من الغاز.

بعد ذلك بأيام قليلة وتحديداً يوم 11 يناير أجرى الرئيس الروسي اتصالين؛ الأول مع ولي عهد ابو ظبي والثاني مع أمير قطر. في الاتصال الأول أطلع بوتين ولي عهد ابو ظبي على نتائج مباحثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي جرت في الثامن من يناير في إسطنبول، وأعرب عن تأييده لتفعيل الجهود الرامية إلى الوقف السريع لإطلاق النار في ليبيا وتعزيز العملية السلمية بين أطراف النزاع. وهذا كان مضمون الاتصال الثاني مع أمير قطر.

وفي اليوم ذاته، قامت المستشارة الألمانية أنگلا مركل، بزيارة إلى موسكو، حيث التقت الرئيس پوتن، لبحث الأزمة الليبية والوضع في الشرق الأوسط على ضوء تزايد التوتر بين طهران وواشنطن.

أعلنت مركل خلال الزيارة أنه لابد من تنفيذ مشروع التيار الشمالي (نوردستريم) بغض النظر عن العقوبات الأمريكية، مشددة على أن ألمانيا ستقدم كل الدعم لإتمام المشروع.

والتيار الشمالي هو خط أنابيب الغاز الأوروبي الشمالي، ويعرف أيضا باسم خط أنابيب الغاز الألماني الروسي، وهو خط أنابيب غاز طبيعي قيد الإنشاء يمتد من روسيا إلى ألمانيا، ويقوم بإيصال الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية.

لن تترك روسيا أية فرصة أمامها للاستئثار بالغاز الليبي، وتطويق أوروبا من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.

في ظل سعي أوروبا للبحث عن بدائل عن الغاز الروسي تقول الدراسة التي أشرنا إليها سابقاً: "من المؤكد أن ما حدث في المشرق العربي من صراع بين روسيا والغرب، ممكن الحدوث في شمال إفريقيا. وتتوقع الدراسة أن تكون ليبيا إحدى ساحات الصراع الساخنة خاصة في ظل ظروفها السياسية والأمنية، ما يجعل أمنها القومي ومسألة وجودها كدولة أمراً مهدداً، إلي أن تنجح العملية السياسية وتستعيد الدولة عافيتها. وتؤكد الدراسة أن روسيا لن تترك أية فرصة أمامها للاستئثار بالغاز الليبي، وتطويق أوروبا من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط".

إن الدب الروسي الذي ثبت أركانه في سوريا تماماً منذ عامين، يستمر في تطويق أوروبا حتى تبقى أسيرة حاجتها لغاز روسيا الطبيعي. وإذا قمنا بتقسيم العالم وتحليل المنطق بناء عليه وفق ألكسندر دوغين المفكر الروسي الذي اعتاد السياسيون تسميته “عقل بوتين” أو رأس بوتين” فإن أوراسيا التي تتمتع بمنطق أرضي في سياستها وليس بحرياً كما هي الولايات المتحدة، حتى تقوم وتنهض لا بد أن تتكامل مع دول موحدة غير مقسمة، من هنا نفهم حرص روسيا على وحدة سوريا، ونفهم حرص روسيا على وحدة ليبيا. وهنا يكمن التقاء المصالح العربية الروسية.

بطريركية الروم الأرثوذكس في فلسطين والأردن

سبقت الإشارة إلى أنه في جعبة الغرب كلاً من ليبيا ومنتدى غاز شرق المتوسط، والظاهر أن روسيا تسعى لتغليب الحل السياسي على تقسيم ليبيا وجعلها فريسة سهلة لكل من إيطاليا وفرنسا. يتبقى هنا منتدى غاز شرق المتوسط، الذي تسعى إسرائيل واليونان وقبرص من خلاله إلى مد أنبوب للغاز في شرق المتوسط لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى اليونان وقبرص وعبرهما إلى أوروبا، ما يشكل تهديداً لروسيا.

تنقل دويتشه فيله عن نائب مدير منتدى الطاقة اليوناني إثارته لبعض الشكوك حول مردودية الأنبوب. ففي المقام الأول تبقى التكاليف عالية: على الأقل عشرة مليارات يورو. وحقيقة أن توافق اليونان واسرائيل وقبرص على المشروع لا يعني أنها تملك رأس المال الضروري لتنفيذه، وفقا لدويتشه فيلله. ومن غير المتوقع الحصول على مساعدات أوروبية، لأن أوروبا انسحبت من موارد الطاقة الأحفورية وتراهن على مشاريع طاقة خضراء. فهناك أذن أجندة جديدة في بروكسل والخلاصة هي أنه “يجب تمويل أنبوب (إيست ـ ميد) من جهات خاصة وهذا سيكون صعبا”.

وبالتزامن مع إعلان منتدى غاز شرق المتوسط نهاية العام 2019، كان هناك إعلان يسترعي الانتباه، إذ كشف السفير الفلسطيني في موسكو، عبد الحفيظ نوفل، لوكالة “سبوتنيك” عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيزور بيت لحم يوم 23 يناير 2020.

وفي نوفمبر 2019 أكد بوتين أنه سيزور إسرائيل في منتصف يناير 2020، مشيراً إلى ضرورة مواصلة حماية المسيحيين في الشرق الأوسط تحت إشراف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والكنائس المحلية.

توقيت الزيارة مع توقيت إعلان المنتدى، يفتح باب السؤال حول ما إذا كان الدب الروسي سيتخذ من حماية المسيحيين في الشرق الأوسط تحت إشراف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وسيلة لتطويق اليونان التي تترأس بطريركية الروم الارثوذكس في فلسطين منذ ما يزيد على 400 عام، والتي لا تخفي تعاونها مع إسرائيل عبر قيامها ببيع وتأجير أملاك الكنيسة الأرثوذكسية للكيان الصهيوني.

قبل أعوام فتح الوطنيون الأرثوذكس في الأردن وفلسطين شهيتهم على تحرير كنيستهم، وأسعدتهم عودة الدب الروسي إلى المنطقة، لكن روسيا حينها كانت تثبت أركانها، وكانت الحرب في سوريا مشتعلة، وكان الأمل أن يحدث التناقض الإسرائيلي اليوناني من جهة مع روسيا من جهة مقابلة، بسبب الغاز الطبيعي، ما يجعل من زيارة الرئيس بوتين إلى بيت لحم تحديداً وليس رام الله تحمل رسائل سياسية واقتصادية على الجانب الآخر أن يسمعها.

شكلت فلسطين بؤرة مصالح روسيا في بلاد الشام، لما فيها من ذكريات توراتية وإنجيلية عزيزة على الشعب الروسي

ينقل الأب حنا كلداني في كتابه "المسيحية المعاصرة في الأردن وفلسطين" ما جاء في مراسلات راهب روسي إلى الدوق يوحنا باسيلي (1462-1505) عن الدور الروسي المنتظر اتجاه المسيحية عموماً والأرثوذكسية خاصة: "سقطت روما الأولى في الهرطقة، وسقطت روما الثانية (القسطنطينية) تحت النير التركي، ولكن انبثقت روما ثالثة (موسكو) في الشمال تنير العالم أجمع كشمس ساطعة … فقد هوت روما الأولى والثانية، أما روما الثالثة فستظل قائمة حتى نهاية الدهور وهي روما الأخيرة، فلا خليفة لموسكو، وقيام روما رابعة أمر غير معقول".

كما يشير كلداني في كتابه إلى أن فلسطين شكلت بؤرة المصالح الروسية في بلاد الشام، لما فيها من ذكريات توراتية وإنجيلية عزيزة على الشعب الروسي.

إن الأهمية الدينية لفلسطين بالنسبة لروسيا ما عادت تقتصر في العصر الحديث على تلك الذكريات التوراتية والانجيلية العزيزة على الشعب الروسي، فأهمية فلسطين تعدت ذلك إلى مراتب السياسة والاقتصاد، ففيها وعبر محتليها إحدى محاولات العبث مع الدب الروسي عبر الغاز الطبيعي.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "روسيا على ناصية المتوسط: وحدة ليبيا… وتحرير "كنيسة الروم"!". 180 پوست. 2020-01-14. Retrieved 2020-01-15.