رسالة هاستنجز إلى إبراهيم باشا في 2 يناير 1819

بينما كانت قوات إبراهيم باشا تسيطر على الدرعية وتزحف صوب الأحساء، كانت حكومة الهند البريطانية تناقش تغير الخريطة السياسية والاستراتيجية لحوض الخليج العربي على ضوء تلك النطورات. كما كانت حكومة الهند البريطانية تدبر أمر حملة جديدة إلى الخليج للقضاء على قدرات المشيخات العربية البحرية، وخاصة القواسم، التي كانت تنقض على السفن التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية وتستولي على محتوياتها. وكانت مثل تلك العمليات قد تزايدت بشكل كبير خلال العقدين الأولين من القرن التاسع عشر.

وطرأت على ذهن حاكم عام الهند، فرانسس رودن-هستنگز Francis Rawdon-Hastings، فكرة تعاون عسكري بين حكومة الهند البريطانية ومصر (محمد علي باشا) ضد القواسم بالذات على اعتبار أنهم يمثلون عدواً مشتركاً للطرفين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نص الرسالة

  من إرل هـَستنگز إلى إبراهيم باشا

كتبت في 2 يناير 1819

لقد اغتبطت للأنباء التي نقلت إلي عن الإنتصار الرائع للقوات العثمانية التي تحت قيادتكم المباشرة، وإنني لأنتهز فرصة وصول أنباء سقوط الدرعية إلي لأهنئكم على شجاعتكم الفذة وحكمتكم المتميزة وقيادتكم التي بمقتضاها زحف جيشكم في وقت مبكر وبكل مقومات الشرف. فكانت الهزيمة الكاملة، وسقوط قوة وصلت بسرعة إلى مكانة عالية بشكل غير عادي هي النتيجة التي يتباهى بها.

ولقد كتب لسموكم في النهاية أن تخضعوهم.

إن المنطلق لتقديم تهانئي ولأن ألتمس إخلاصي لكم ليوجد من حسن حظي في ملابسات الإتصالات الودية مع والدكم المبجل محمد علي باشا والي مصر، وأن مشاعر الاحترام والاعتبار التي أكنها لسموه، وأن صداقته التي لا تتغير ونياته القلبية نحو الحكومة البريطانية وكلها تؤخذ على أنها تقوي وتدعم ليقودني بالضرورة لأن أتمتع بنعمة ما نتحصل عليه رعايته.

ولكنني أؤكد لكم أن امتناني قد تدفق لأن تهانئي بمناسبة كان فيها مجد ابنه وخليفته في القيادة أمراً شديد الإرتباط.

ولقد اُبلغت أن سعادتكم تتجهون الآن إلى استخدام قواتكم المظفرة لإرغام شيوخ آخرين متصلبين لطاعتكم، وخاصة القواسم.

ومن المحتمل أنه بلغ مسامعكم أن عمليات القرصنة الجريئة والنهب التي ارتكبت بواسطة القبيلة المذكورة في الخليج الفارسي، والأعمال العدوانية القاسية التي اقترفت بواسطة طواقمها، قد وضعتهم في حالة عداء مع الحكومة البريطانية.

زمن ثم، كنا نفكر في اتخاذ اجراءات لتأديبهم في وقت مبكر. وقد طرحت احتمالية لهدف سعادتكم أن نتلاحم بواسطة عمل مشترك من جانب الحكومتين.

إن قيام تعاون مشترك بين الجيش الذي تتولون قيادته، والجيش والقوة البحرية اللتان تقدمهما الحكومة البريطانية ليبدو لي هو الطريق المعبد والمقبول.

وإذا ما تفضلتم سعادتكم وصدقتم على هذا الإجراء، بإنني أحيل سعادتكم إلى السير/ إيفان نيپيان، حاكم بومباي، الذي هو على بينة من مشاعري إزاء هذه النقطة. والذي ستكون معه الاتصالات بشأن شكل هذا التعاون وبشأن الفترة التي ستكون مناسبة للتنفيذ. وإنني لألتمس بيكم أن تنظر بعين الإعتبار لذلك على نحو ما انظر أنا إليه.

وإذا ما حظيت الخطة التي اقترحتها على سعادتكم بتبنيكم لها، فبكل وبشكل مناسب وملائم للتعاون بين سعادتكم، أو ضباطكم المفوضين بصلاحيات كافية، والسادة من قبل الحكومة البريطانية مزودين بالسلطات الشاملة والتعليمات من صاحب السعادة حاكم بومباي.

وكمبادرة شخصية لتقديركم واعتباركم فإنني أرجو التفضل بقبول سيف سيبعث إليكم من كلكتا مع هذا الخطاب مقدماً لكم من حاكم بومباي.

 


تحليل

ولكن كلاً من الحكومتين كان لها سياستها الخاصة بها والمختلفة اختلافاً جوهرياً عن الأخرى.

  • كانت عين حكومة الهند البريطانية على الخليج بينما كانت عين محمد علي على البحر الأحمر.
  • كان كل منهما أقل اهتماماً بقلب الجزيرة العربية حينذاك.

ولكن كانت حكومة الهند البريطانية ترى أن تعاون حكومة إسلامية مثل مصر محمد علي معها لتوجيه ضربة قاضية للقواسم هو الأكثر صواباً حيث أن ذلك يحول مصر في شرق الجزيرة إلى حليف لبريطانيا، ونظراً لأن قدرات مصر حينذاك كانت برية وليست بحرية، بإن محصلة هذا التعاون ستكون لصالح بريطانيا في منطقة الخليج.

وفعلاً دبجت حكومة الهند البريطانية خطاباً من هستنگز إلى محمد علي باشا يغريه بالتعاون العسكري المشترك ضد القواسم، ولكن حامل هذه الرسالة وصل إلى شرق الجزيرة العربية في الوقت الذي كان فيه إبراهيم باشا قد غادر الأحساء، وعبر بمعظم قواته الجزيرة العربية إلى الحجاز. ومنها غادر إبراهيم باشا الحجاز دون أن يعطي جواباً لدعوة حكومة الهند البريطانية لمشاركتها في حملتها ضد القواسم. فكان أن تحركت الحملة الإنجليزية إلى الخليج، وقد شاركت فيها سلطنة عمان، لتوجيه ضربة قاضية للقدرات البحرية لمشيخات الساحل (المتصالح) بين الأحساء ومسقط عام 1819.

أما محمد علي فقد وجد نفسه محط آمال السلطان العثماني لتوجيه الضربات العسكرية ضد المتمردين على الحكم العثماني في كريت وفي اليونان (المورة) وفي البلقان. بل وكانت مصر محمد علي أمل السلطان في أن يبعث محمد علي باشا بقواته لإنقاذ بغداد من الحصار الذي ضربه الفرس عليها. ونلاحظ في رسالة محمد علي باشا إلى ابنه إبراهيم باشا، الذي كان يقود جيشاً لفتح السودان، أن محمد علي ذكر لابنه تكليفات السلطان لمحمد علي بالقيام بتلك المهام الإنقاذية للدولة العثمانية دون أن يذكر من بينها مسئولية الدولة أو مسئوليته في إنقاذ الخليج ومشيخاته من التسلط البريطاني في الخليج، حتى يمكننا القول إما:

  1. أن الخليج كان يمثل حينذاك أحد الأطراف الأقل أهمية عن بقاع الدولة الأخرى الأمر الذي أعطى الفرص الواسعة للسيطرة البريطانية على تلك المنطقة.
  2. محمد علي، الذي خُبّر بأس بريطانيا في حملتي النيل (على نابليون) وفريزر، قد أعلم منها مباشرة عن اهتمامها بالخليج، لذلك فقد أراد محمد علي تفادي أي فرصة للإحتكاك مع بريطانيا.


وفي الحقيقة ان محمد علي قد تعرض لمحاولات عديدة لاستغلال قوته سواء من قبل فرنسا التي أرادت منه التعاون معها لاحتلال الجزائر أو من قبل الدولة العثمانية التي كلفته بالحروب التالية: في شبه الجزيرة العربية، في اليونان.

الهامش