رتشارد برنزلي شريدان

رتشارد برنزلي شريدان Richard Brinsley Sheridan (و.30 اكتوبر 1751 - 7 يوليو 1816) كان كاتباً مسرحياً وشاعراً أيرلندياً وملـَك لوقت طويل المسرح الملكي، حارة دروري. وعلى مدى 32 عاماً كان عضو البرلمان، وعضواً في حزب الهويگ البريطاني. تعبيراً عن مكانته في المجتمع فقد دفن في وستمنستر آبي.

رتشارد برنزلي شريدان

وارتبط ببـِرك وفوكس في قيادة عنصر الهويج التحرري إيرلندي ثان هو رتشارد برنزلي شريدان. وقد نشر جده توماس شريدان الأول مترجمات عن اليونانية واللاتينية، كتاباً سماه "فن التورية"، ربما سرت عدواه إلى حفيده. أما أبوه توماس شريدان الثاني فكان في رأي البعض لا يفوقه غير جاريك ممثلاً ومديراً للمسرح. وقد تزوج فرانسيس تشيمبرلن، وكانت كاتبة مسرحية وروائية ناجحة. ونال الدرجات العلمية من دبلن وأكسفورد وكمبردج، وحاضر في كمبردج في التعلم؛ وكان الواسطة في الحصول على معاش ملكي لجونسن، وحصل على معاش لنفسه. وألف كتاباً مسلياً عن "حياة سويفت" وغامر بنشر "قاموس عام في اللغة الإنجليزية" (1780) ولما ينقض على نشر قاموس جونسن غير خمسة وعشرين عاماً. وأعان ابنه على إدارة مسرح دوروري لين، وشهده يصعد في دنيا الرومانس والأدب والبرلمان.

وهكذا أتيحت لرتشارد عناصر التفوق الفكري والدراما في بيئته إن لم يكن في دمه. وقد ولد في دبلن (1751)، حين بلغ الحادية عشرة أوفد إلى هارو حيث أقام ست سنين واكتسب تعليماً كلاسيكياً جيداً؛ وحين بلغ العشرين ردد صدى جده بنشره مترجمات عن اليونانية. وفي علم 1771 ذاك بينما كان يعيش في باث مع والديه، وهام حباً بوجه إليزابث آن لنلي الجميلة وصوتها، وكانت في السابعة عشرة، تغني في الحفلات الموسيقية التي يقدمها أبوها المؤلف توماس لنلي. والذين رأوا لوحة من اللوحات التي رسمها لها جينزبرو(55)يدركون أنه لم يكن أمام رتشارد من سبيل إلا الهيام والإنتشاء، ولا أمامها هي أيضاً إذا صدقنا أخته، إذ رأته فتى مليحاً محبباً على نحو لا يقاوم. "كان خداه يشرقان ببريق العافية، وعيناه أبدع العيون في العالم... وله قلب رقيق محب... وقد شرح صدر أفراد الأسرة وأبهجهم ما اتسمت به كتاباته فيما بعد من خيال عابث وظرف أصيل ودعابة لا تؤذي. ولقد أعجبت به ، بل أوشكت أن أعبده. وما كنت لأتردد في أن أضحي بحياتي من أجله"(56).

وكان لإليزابث آن خطاب كثيرون، ومنهم تشارلز أخو رتشارد الأكبر، واشتدت مضايقاته حتى أفضت بها إلى تعاطي الأفيون بغية قتل نفسها. ثم تماثلت للشفاء، ولكنها فقدت الرغبة في الحياة حتى أنعش الحب رتشارد روحها المعنوية من جديد. وهدد ماثيوز باغتصابها، فهربت مع شريدان إلى فرنسا بدافع الخزف والحب معاً، وتزوجته (1772)، ثم لجأت إلى دير قرب ليل في حين عاد رتشارد إلى إنجلترا ليسترضي أباه وأباها. ونازل ماثيوز في مبارزتين، وقد أبقى على حياة ماثيوز في الأول بعد أن انتصر عليه، أما في الثانية فقد أعجز خصمه عن النزال لأنه كان ثملاً بالخمر، وهبط بالمبارزة إلى درك المصارعة ثم عاد إلى باث ملطخاً بالدم والخمر والوحل. وتبرأ منه أبوه، ولكن توماس لنلي أعاد إليزابث آن من فرنسا وبارك زواجهما (1773).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمله في المسرح

وشرع رتشارد وهو في الثانية والعشرين في جمع المال بكتابة التمثيليات إذ أبت عليه كبرياؤه أن يترك زوجته تعوله بالغناء أمام الجمهور. وهكذا أخرجت أولى تمثيلياته "المزاحمون" في 17 يناير 1775 في كوفنت جاردن. وكان حظها سيئاً تمثيلاً واستقبالاً، ثم وفق شريدان إلى ممثل أكفأ يلعب الدور الرئيسي، وكان العرض الثاني (28 يناير) بداية لسلسلة من الانتصارات المسرحية التي حققت الشهرة والثراء لشريدان. وسرعان ما راحت لندن كلها تتحدث عن السير انتوني أبسوليوت، والسير لوشس أوتريجر، والآنسة ليديا لانجويش، وتقلد خلط السيدة مالا يروب بين الألفاظ(58) .

وكان شريدان يملك معيناً لا ينضب من النكت في رأسه، ينثرها على كل صفحة، ويخلع الذكاء والظرف على الخدم والاتباع، وجعل الحمقى يتكلمون كالفلاسفة. ولامه النقاد لأن شخوصه لم تكن دائماً متوافقة مع حديثها، لأن النكت والدعابات التي تفرقع في كل مشهد وتتدفق في كل فم تقريباً قد أثلمت لذعها بالإفراط؛ لا ضير، فقد استطاب النظارة هذا المرح، وهم يستطيبونه إلى يومنا هذا.

ثم أحرزت مسرحيته "القهرمانة" نجاحاً أعظم حتى من نجاح "المزاحمون"، وقد قدمت أول مرة في 2 نوفمبر 1775 على مسرح كوفنت جاردن، واستمر عرضها خمساً وسبعين ليلة في موسمها الأول، فحطمت بذلك الرقم القياسي الذي حققته "أوبرا الشحاذ" في 1728، وهو ثلاث وستون ليلة وهالت هذه المنافسة المثيرة ديفد جاريك الذي كان يمثل على مسرح دروري لين، ولكنه لم يستطع أن يجد رداً سريعاً لاذعاً أفضل من إحياء "الاكتشاف" وهي تمثيلية من تأليف أم شريدان التي ماتت قبيل ذلك. وانتشى شريدان بخمرة النجاح، فعرض على جاريك أن يشتري نصيب النصف الذي يملكه في دروري لين؛ وأحس جاريك بأنه تقدم في العمر، فوافق نظير 35.000 جنيه؛ وأقنع شاريدان حماه وصديقاً له أن يساهم كل منهما بمبلغ 10.000 جنيه؛ أما هو فدفع 1.300 جنيه نقداً، ثم جمع الباقي بقرض (1776). وبعد عامين جمع 35.000 جنيه أخرى، وأصبح مالكاً للمسرح هو وشركاؤه، ثم تولى إدارته.

وظن الكثيرون أن ثقته بنفسه جاوزت الحد، ولكن شريدان انتقل إلى نصر حين أخرج (8 مايو 1777) "مدرسة الفضائح" وهي أعظم مسرحيات القرن الثامن عشر نجاحاً. واصطلح أبوه الآن معه بعد أن كان غاضباً عليه منذ فر بحبيته قبل خمس سنوات. وتالا هذه الانتصارات فترة توقف في صعود نجم شريدان. ذلك أن العروض التي قدمت على دروري لين تبين أن الجمهور لا يقبل عليها، ورع الشركاء شبح الإفلاس. وأنقذ شريدان الموقف بمهزلة "فارص" سماها "الناقد" وهي هجاء للدرامات الفاجعة ونقاد الدراما المقنطعين. على أن بطأه المألوف تدخل، فلم يكن قد كتب المشهد الأخير مع أن الافتتاح المحدد لم يبق عليه غير يومين. واستطاع حموه وآخرون بخدعة أن يستدرجوه إلى حجرة في المسرح، وأعطوه ورقاً وقلماً وحبراً وخمراً، وأمروه بالفراغ من التمثيلية، وحبسوه في الحجرة. فخرج ومعه النهاية المطلوبة، فجربها الممثلون ووجدت وافية للغرض، وكان العرض الأول (29 أكتوبر 1779) ابتسامة أخرى جاد بها الحظ على الإيرلندي المتحمس.


عمله بالسياسة

 
In Uncorking Old Sherry (1805), James Gillray caricatured Sheridan as a bottle of sherry, uncorked by Pitt and bursting out with puns, invective, and fibs.

ثم تلفت من حوله باحثاً عن عوالم جديدة يغزوها، وقرر أن يدخل البرلمان. ودفع لناخبي ستافورد خمسة جنيهات إنجليزية لكل صوت، وفي 1780 اتخذ مكانه في مجلس العموم لبرلياً متحمساً. وشارك فوكس وبيرك في اتهام وارن هيستنجز، وفي يوم واحد رائع سطع نوره فحجب نورهما جميعاً، وكان أثناء هذا يعيش مع زوجته المثقفة في هناءة وبذخ، مشهوراً بحديثه، وظرفه وحيويته، ولطفه، وديونه. وقد لخص اللورد بايرون هذه العجيبة فقال "كل ما فعله شريدان، أو يريد أن يفعله، رائع، والأفضل من نوعه دائماً. لقد كتب أفضل كوميديا، وأفضل دراما... وأفضل فارص... وأفضل خطاب (مونولوج عن جاريك)، تتويجاً لهذا كله، ألقي أفضل خطبة... تصورها الناس أو سمعها في هذا البلد"(59). ثم أنه كان قد ظفر بحب نساء إنجلترا إلى القلوب واحتفظ بهذا الحب.

كان شاريدان كله الخيال والشعر، ومن العسير أن نصوره في عالم وليم بي الثاني وفي جيله نفسه، ذلك الرجل الذي لم يعترف إلا بالواقع، وسما فوق العاطفة وحكم بغير البلاغة. وقد ولد (1759) في أوج مجد أبيه، وكانت أمه أخت جورج جرنفيل، رئيس الوزراء 1763-65؛ رضع السياسة منذ حداثته، وترعرع في جو البرلمان. وإذ كان هشاً عليلاً في طفولته، فقد أبعد عن ممارسات المدارس "الخاصة" الصارمة واتصالاتها المهيئة لحياة المجتمع، فربي في البيت بإشراف أبيه الدقيق، الذي علمه طريقة الإلقاء بأن جعله يتلو شكسبير أو ملتن كل يوم. فما ناهز العاشرة حتى كان دارساً كلاسيكياً ومؤلفاً لمأساة. ثم أرسل إلى إلى كامبرج حين بلغ الرابعة عشرة، فلم يلبث أن مرض، فعاد إلى بيته، وبعد عام ذهب ثانية، وإذ كان ابناً لشريف من كبار الأشراف فقد تخرج أستاذاً في الآداب عام 1776 دون امتحان. ثم درس القانون في لنكولنزان، ومارس المحاماة برهة قصيرة، ثم رشح للبرلمان في الحادية والعشرين عن دائرة جيب يهيمن عليها سير جيمس لوذر. وكان خطابه الافتتاحي في البرلمان مؤيداً تأييداً قوياً لما اقترحه بيرك من إصلاحات اجتماعية حتى أن بيرك وصف بأنه "ليس شظية من الشجرة العجوز (أي سر أبيه) بل هو الشجرة العجوز بعينها"(60).

وإذ كان الابن الثاني لأبيه، فإنه لم ينل غير 300 جنيه راتباً سنوياً، مع المعونة بين الحين والحين من أمه وأخواله؛ وقد شجعت هذه الظروف البساطة الصارمة في سلوكه وخلقه. فتجنب الزواج لأنه نذر نفسه بحملته للسعي إلى السلطان. ولم يلذه قمار ولا مسرح. ومع أنه في مرحلة لاحقة أفرط في الشرب تهدئة لأعصابه بعد صخب السياسة وضجيجها إلا أنه اكتسب شهرة بنقاء الحياة ونزاهة المقصد؛ وكان في وسعه أن يشتري، دون أن يكون في وسع أحد أن يشتره. وما سعى قط إلى الثراء، وندر أن بذل تنازلات للصداقة، ولم تكتشف غير قلة حميمة، وراء تحفظه البارد وضبطه لمشاعره، ما خفي من مرح ودود، بل من حنان ومحبة في بعض الأحايين.

وفي مطامع عام 1782، حين أوشكت وزارة اللورد نورث على الاستقالة ضمن "الصبي"-كما لقب بعض النواب بت في تعطف-أحد خطبه إعلاناً فيه شيء من الغرابة: "أما عن نفسي، فلا يمكن أن أتوقع أن أكون عضواً في حكومة جديدة، ولكن لو كانت هذه العضوية في متناولي فإنني لزاماً علي أن أعلن أنني لن أقبل أبداً منصباً ثانوياً"(61)، أي أنه لن يقبل منصب أدنى من المقاعد الستة أو السبعة التي ألغت ما أصبح يسمى "مجلس الوزراء". فلما عرضت الوزارة الجديدة أن تعينه نائباً لوزير خزانة إيرلندة بمرتب 5.000 جنيه في العام رفض، وواصل العيش على إيراده البالغ 300 جنيه. وكان واثقاً من التقدم، وأمل أن يظفر به بفضل كفايته الشخصية، فعكف على العمل بهمة، وأصبح أكثر أعضاء مجلس العموم اطلاعاً في ميادين السياسة الداخلية، والصناعة، والمالية. وبعد عام من إعلانه الفخور قصده الملك لا ليكون مجرد عضو في الحكومة بل ليرأسها. ولم يحظ رجل قط قبله برآسة الوزارة وهو في الرابعة والعشرين؛ وقل من الوزراء من ترك على التاريخ الإنجليزي بصمة أعمق مما ترك.


المصادر

  • Lee, Sidney. "Sheridan, Richard Brinsley" Dictionary of National Biography. Vol. LII, London: Smith, Elder & Co. 1897. (pp. 78–85) Retrieved March 2, 2008
  • Richard Brinsley Sheridan Retrieved March 2, 2008

وصلات خارجية

مناصب سياسية
سبقه
جورج كاننگ
أمين خزانة البحرية
1806-1807
تبعه
جورج روز
پرلمان بريطانيا العظمى
پرلمان المملكة المتحدة
سبقه
Richard Whitworth
عضو البرلمان عن ستافورد
1780-1806
تبعه
Richard Mansel-Philipps
سبقه
Earl Percy
عضو البرلمان عن وستمنستر
1806-1807
تبعه
Lord Cochrane
سبقه
السير وليام مانزر
عضو البرلمان عن إلشستر
1807-1812
تبعه
Lord Ward