الولاء والبراء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الولاء في اللغة

الولاء في اللغة : اسم مصدر من والى يوالي موالاة وولاء، قال في لسان العرب ما خلاصته : الموالاة كما قال ابن الأعرابي : أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح، ويكون له في أحدهما هوى، فيواليه أو يحابيه، ووالى فلان فلانا إذا أحبه، والولي فعيل بمعنى فاعل، ومنه وَلِيَه إذا قام به، ومنه قول القرآن : (الله ولي الذين آمنوا) الآية 257 البقرة، ويكون الولي بمعنى مفعول في حق المطيع، فيقال : المؤمن ولي الله ووالاه موالاة وولاء، من باب قاتل أي تابعه.

وهذه الكلمة المكونة من الواو واللام والياء يصاغ منها عدة أفعال مختلفة الصيغ والمعاني، يأتي منها وليَ وولّى وتولّى ووالى واستولى


إختلاف المعاني عند الاستخدام

ولكل من هذه الأفعال معنى يختلف عن الآخر عند الاستعمال :

  • أولا : وليَ : يطلق ويراد به القرب، تقول : وليَ فلان فلانا، وفلان يلي فلانا أي قريب منه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والولي القريب، فيقال : هذا يلي هذا أي يقرب منه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر) أي لأقرب رجل إلى الميّت.

ويأتي : وليَ بمعنى : الاستيلاء والملك، فيقال وليَ الأمر بعده سلفه إذا صار الأمر إليه.

  • ثانيا : ولّى يأتي لازما، فيكون بمعنى ذهب، كقوله صلى الله عليه وسلم في قصة ابن أم مكتوم حينما جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته فرخص له صلى الله عليه وسلم، قال الراوي : فلما ولّى – أي ذهب – ناداه فقال : أتسمع النداء؟ قال نعم، قال : فأجب، وفي لفظ : لا أجد لك رخصة. ويأتي متعديا فيقال : ولّى فلان فلانا الأمر إذا أسنده إليه.
  • ثالثا : تولى، يأتي معدى بحرف (عن) فيكون بمعنى أعرض لقوله سبحانه وتعالى (فتول عنهم فما أنت بملوم)الآية 54 الذاريات ،أي : أعرض عنهم، ويأتي متعديا بنفسه فيكون بمعنى اتبع، يقال : تولاه : أي اتبعه واتخذه وليا كقول القرآن : (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)الآية 51 المائدة، ويـأتي لازما كقول القرآن (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم)الآية 38 محمد
  • رابعا : يقال والى فلان فلانا إذا أحبه واتبعه، والولاية معناها النصرة والحماية والاتباع.
  • خامسا : استولى : يقال استولى الجيش على بلد العدو إذا أخذوها عنوة.

معنى الولاء في الشرع

معنى الولاء في الشرع : فهو تولي العبد ربه ونبيه باتباع الأوامر واجتناب النواهي وحب أولياء الله من المؤمنين. هذا كله من الولاء.

تعريف البراء لغة

البراء تعريفه لغة : مصدر برى بمعنى قطع، ومنه برى القلم بمعنى قطعه، والمراد هنا قطع الصلة مع الكفار، فلا يحبهم ولا يناصرهم ولا يقيم في ديارهم. قال ابن الأعرابي : بري إذا تخلص، وبريء إذا تنزه وتباعد، وبريء إذا أعذر وأنذر، ومنه قول القرآن (براءة من الله ورسوله)الآية 1 التوبة، أي إعذار وإنذار، والبريء والبرى بمعنى واحد، إلا أن البراء أبلغ من البريء.

تعريف البراء شرعاً

والبراء في الشرع : هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإنذار والإعذار، يقال برى وتبرأ من الكفار إذا قطع الصلة بينه وبينهم فلا يواليهم ولا يحبهم ولا يركن إليهم ولا يطلب النصرة منهم.

منزلة الولاء والبراء في الإسلام

الولاء والبراء قاعدة من قواعد الدين وأصل من أصول الإيمان والعقيدة، فلا يصح إيمان شخص بدونهما، فيجب على المرء المسلم أن يوالي في الله ويحب في الله ويعادي في الله، فيوالي أولياء الله ويحبهم، ويعادي أعداء الله ويتبرأ منهم ويبغضهم، قال صلى الله عليه وسلم : (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله).

فمما تقدم يتبين أن الولاء يقوم على المحبة والنصرة والاتباع، فمن أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فهو ولي الله، قال ابن عباس : من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كَثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا).

أما من والى الكافرين واتخذهم أصدقاء وإخوانا فهو مثلهم، قال القرآن (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)51 المائدة، والقرآن العزيز مشتمل على كثير من الآيات التي تحذر من اتخاذ الكافرين أولياء، كقول القرآن (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)الآية 118 آل عمران. وقال القرآن : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة)الآية 1 الممتحنة

أما البراء فهو من الأسس التي تقوم عليه العقيدة الإسلامية وهو البعد من الكفار ومعاداتهم وقطع الصلة بهم، فلا يصح إيمان المرء حتى يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه ويتبرأ منهم ولو كان أقرب قريب، قال سبحانه وتعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)الآية 22 المجادلة، فقد تضمنت هذه الآية الكريمة أنه لا يتحقق الإيمان إلا لمن تباعد عن الكفار المحادين لله ورسوله وبرئ منهم وعاداهم ولو كانوا أقرب قريب، وقد أثنى سبحانه وتعالى على خليله إبراهيم حينما تبرأ من أبيه وقومه ومعبوداتهم حيث قال ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) (سورة الزخرف)، وقد أمرنا سبحانه وتعالى بأن نتأس بالخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) (سورة الممتحنة).

رأي آخر في الولاء والبراء

يقول فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن بيه في كتابه الإرهاب : والحقيقة أن البراء مفهوم عقدي يتعلق بالولاء في العقيدة والدين والملة وهو الذي يكفر فاعله وينصر خاذله " وويقول في موطن آخر من كتاب الإرهاب ويقول : "يكون البراء من الأعمال وليس من الأشخاص " ويدلل على ذلك بقول الله تعالى :

  • فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون (216 / الشعراء)

وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

  • اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد (صحيح البخاري)

ويقول معالي الأستاذ الدكتور حامد بن أحمد الرفاعي في كتابه (شركاء.. لا أوصياء) :

فالبراء إذًا براء وجداني عقدي مما يعتقد الآخر ويعمل، وليس براء من انتمائه البشري، أومن التعاون معه في أدائه الحضاري الحياتي، فنحن والآخـر شركاء في الأداء الحضاري، وشركاء في النهوض بمهمة التكليف الرباني للناس جميعًا " عمارة الأرض وإقامة الحياة "، لذا فإننا نؤمن أن دائرة المشترك مع الآخر تأخذ بالانفتاح والانفراج بعد دائرة العقيدة والاعتقاد.. فهناك مساحة مشتركة وواسعة للتعايش والتعاون والتفاهم والتنافس في رحاب دائرة الشريعة:

فالشريعة كما هو معلوم تتكون من قسمين رئيسين :

1.أحكام وقواعد تتعلق بالأحوال والشؤون الدينية الشخصية,

2.وأحكام وقواعد ومبادئ وقيم تتعلق بالمصالح العامة للمجتمع.

  • فبالنسبة للقسم الأول : المتعلق بالخصــوصيات الدينية والأحــوال الشخصية.. فالإسلام قد أعطى غير المسلمين في المجتمع المسلم الحق بأن يحتكموا في ذلك إلى شرائعهم.
  • أما ما يتعلق بالقسم الثاني من الشريعة : إي المتعلق بالمصالح العامة في المجتمع.. فالإسلام يقرر أن المواطنين في ذلك سواء في الحقوق والواجبات، وعلى هذا الأساس فإن المشترك الحياتي بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المسلم واسع وكبير, ويتسع الأمر أكثر وأكثر.. بل يتحول إلى التعاون والتنافس المفتوح في فعل الخير بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات في ميادين الشريعة :

" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " (48 / المائدة)