النويري الإسكندراني

النويري الإسكندراني هو محمد بن القاسم بن محمد النويري الإسكندراني المالكي، (المتوفى بعد عام 775هـ)، مولده بـ(نويرة) بالصعيد الأدنى، وسكن الإسكندرية حُباً في الرباط على الثغور، ويُعرف بـ(النويري الإسكندراني) تمييزاً له عن النويري المشهور صاحب (نهاية الأرب) المتوفى سنة 733هـ. وقد شهد النويري الإسكندراني غزوة القبارصة للإسكندرية عام 767هـ وما صاحبها من فجائع ، ووضع لتدوين أحداثها كتابه المسمى بـ (الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام والأمور المقضية في وقعة الإسكندرية وعودها إلى حالتها المرضية) والمعروف اختصاراً بـ(الإلمام) أو (مرآة العجائب).

وقد سجل النويري في كتابه أحداث الغزوة، واستطرد كثيراً في كل الفنون حتى صار كتابه أشبه بالموسوعة في التاريخ والأدب والفقه.

وقد بُدئ تحقيق الكتاب على يد المستشرق السويسري إتيان كومب الذي حقق قسماً يسيراً منه ثم توفي ، و استكمل تحقيقه المؤرخ المصري الدكتور عزيز سوريال عطية حتى أتمه في منتصف السبعينيات و نشرته دائرة المعارف العثمانية بالهند ، وأعادت وزارة الثقافة المصرية طبعه مُصوراً هذا العام في أربعة مُجلدات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوات الأندلسيين المطرودين

و كان من استطرادات النويري في كتابه أن ذكر أخباراً لغزوتي (جيان) و (أبدة) عام 769هـ [الإلمام 3/317] و قد نقل عن حجاج المغاربة كتابي (الغني بالله) إلى سلطان المغرب (أبي فارس المريني) اللذين كتبهما شاعر الأندلس و وزيرها لسان الدين الخطيب (ت 776هـ) دون أن يُشير إليه ، بل أورده على أنه كتاب من سلطان غرناطة إلى سلطان فاس دون ذكر كاتبه ، وقد أسقط المقدمات و الخواتم و دمج الكتابين في نص واحد ، و قد أورد (ابن الخطيب) كتابيه في [ريحانة الكتاب 1/160،171] و بين النصين اختلافات يسيرة و زيادة و نقص في بعض المواضع لعلنا نُفردها بموضوع.[1]

و بعد أن فرغ النويري من نقل نص ابن الخطيب الذي دمج فيه رسالتيه قال [الإلمام 3/327] : ((و كان السلطان محمد بن يوسف سلطان المسلمين بالأندلس المعروف بابن الأحمر رسم في غزوته أن كل من غنم غنيمة فهي له ، فاستغنى المسلمون المجاهدون كثيراً حتى قيل إنه لم يبق من المسلمين بالأندلس فقير ، و قيل إن السلطان ابن الأحمر المذكور لما كثرت عليه أسارى الفرنج من النسوان و الولدان ، قيل له : لم يكن لهؤلاء محمل ، و ليس لهم قدرة على المشي ، بخلاف الأسارى الأعلاج فإن لهم قدرة عليه ، فقال السلطان : بل للنسوان و الولدان محمل ، فافعلوا مثل ما أفعل يُحملوا كلهم . و أخذ امرأة جميلة أردفها خلفه ، و أخذ ولداً صغيراً حمله قدامه ، ففعل كل من في العسكر كفعله ذلك ، و مضوا بهم إلى بلاد المسلمين ، فتسرى المسلمون بالنسوان ، و جُعلت الولدان في المكاتب يقرؤون القرآن .

و لما كان في شعبان سنة تسع و ستين و سبعمائة ، ورد في ركب المغاربة القاصدين للحج رجل من أهل مُليج [بلدةٌ بالمنوفية بدلتا النيل] ، كان دخل الإسكندرية يتسوق منها لدكانه الذي ببلده على جاري عادته ، فصادف بها وقعة القبرسي حين ظفر بها ، فأُسر بجملة من أسر من أهلها ، فأخبر عن نفسه أنه وقع في سهم رجل من نصارى الأندلس ، قال : فصرت أسيراً في مملكة القند ملك (جيان) ، فلما ظفر السلطان بن الأحمر بها ، كنت في جملة من أسره منها ، فوقفت بين يدي سلطان المسلمين ، و هو أبو عبدالله محمد بن الأحمر مُستغيثاً ،و قلت له :

أيها الملك المنصور إنني رجل مسلم من ذرية المسلمين ، و لم أكن نصرانياً ، و لا آبائي و لا أجدادي نصارى ، قال : و من أين أنت ؟ قلت : أنا من بلدة يقال لها (مليج) من أرض مصر ، بين مصر[الفسطاط] و الإسكندرية ، دخلت الإسكندرية أتبضع منها على جاري عادتي لدكاني الذي ببلدتي ، فصادفت وقعة القبرسي بها ، فنُهبت و أُسرت ، فأتي بي النصارى إلى هذه الأرض ، و استوفيت ما كتب الله علي ، و قد خلصني الله تعالى من الأسر على يديك بما فتح الله عليك ، و قد حصلت بين يديك، وأنا الآن في جملة أسراك، وأنا مسلم مثلك ، أقرأ ما تيسر من القرآن ، و أصلي على سيد الأنبياء محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم سيد ولد عدنان ، ثم تشهدت و قرأت سورة من القرآن ، فعلم أني من المسلمين لا من النصارى الكافرين.

ثم قال لي: ووقعة الإسكندرية صحيحة كما قيل ؟ قلت له : ظفر بها صاحب قبرس نهبها و أسر منها و أنا من جملة تلك الأسارى ، ثم أخبرته بخبر ظفره بها ، و فرار أهلها منها، حتى تسلمها الملعون منهم في يوم واحد، وهو يوم الجمعة في أواخر المحرم سنة سبع و ستين و سبعمائة. فقال عند ذلك :لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، إنا لله و إنا إليه راجعون ، لقد هتكتنا أهل الإسكندرية بين النصارى ، أتاهم كلب من كلاب الجزر أقل عددهم و نهب بلدهم ، و لا أخذ لهم بثأر ، فآه آه ، لو كنا بالقرب من قبرس لكانت قبرس أكلة رجل من أهل الأندلس . قال : ثم إنه أحسن إلي وأطلق سبيلي ، ولي نحو سنة أقطه السهل و الوعر إلى أن وصلت إلى الإسكندرية صحبة الركب المغربي ، و قد حصل لي أمر مريج ، و ها انا سائر لبلدي مليج .

قال المؤلف: حدثني بعض المغاربة القادم في الركب المغربي بسبب الحج أن القند صاحب المملكة النصرانية أرسل للسلطان بن الأحمر يطلب منه الصلح لما داخله من الرعب بسبب إخرابه مدائنه ، فقال لرسوله : أرسل القند يصالحني ، و تمضي النصارى إلى سواحل المسلمين بمصر يقاتلونهم ، لا كان ذلك أبداً حتى تُرد أموال الإسكندرية إليها مع أسراها ، و يأتيني كتاب صاحب مصر بأنكم اصطلحتم معه لأنه خادم الحرمين الشريفين ، و أنا خادمه بسبب ذلك ، و حينئذ أصالح صاحبك القند ، و إلا السيف بيني و بينه حتى أملك إشبيلية و قرطبة و طليطلة و أعيدها للمسلمين كما كانت لهم ، فلما بلغ القند مقالته ، قصر لسانه عن رد جوابه.

و قالت المغاربة الحجاج : إن المسلمين أخذوا من حصون الفرنج بالأندلس حصوناً عدة منها حصن (أشر) ، و حصن (الرود) ، و حصن (قنييل) ، و حصن (الجوابر) و حصن (طورن) و حصن (فرضالس) ، وحصن (قنيط) و حصن (بيغوا الحجر) و حصن (برج الحكيم) ، و مدينة (أشونة) ، ومدينة (برشانة) بعد أخذه للمدن المتقدم ذكرها [أي في كتابي بن الخطيب] ، فجملة ما أخذ السلطان بن الأحمر للنصارى في تلك السنة ما بين مدينة و قرية ثمانية و أربعون غير الحصون المذكورة . .......... فبغزوة السطان أبي عبد الله بن الأحمر هذه ، حصل للمسلمين أخذ ثأر الإسكندرية ، وثأر السلطان أبي الحسن المريني المتقدم ذكره )) .

انتهت روابة النويري عن الحجاج المغاربة ، وهي كما قلت أقرب إلى الرواية الشعبية ، إلا أن فيها من التفاصيل ما يجعلها جديرة بالاهتمام .


الهامش

  1. ^ الطويل (2010-06-28). "غزوات الغني بالله عام 769هـ ، تفاصيل يرويها مؤرخ مصري معاصر عن الحجاج المغاربة". منظمة الشعب الأندلسي العالمية. Retrieved 2010-10-24.