اللغة الحاسوبية XML والجيل الثاني للوِب

لقد أطلق اتحاد نص فائق (ترابطي) وإنترنت عالمية ثورة فعلية

في عالم المعلوماتية. والعنصر الجديد،

اللغة XML، هو على وَشكِ إتمام المهمة.

< J. بوساك > ـ < T. بْرِييْ >

تتخطى اللغة XML التنافرات في النظم الحاسوبية، وبذلك تسمح هذه اللغة لمستخدميها بالبحث عن بيانات علمية ومنتجات تجارية ووثائق متعددة اللغات وتبادُلها بسهولة وسرعة كبيرتين.


أعطِ الناس بعض الملامح واترك لهم اكتشاف الباقي. فإذا نظر أحدهم إلى هذه الصفحة مثلا ورأى حروفا كبيرة مطبوعة تتبعها فقرات مكتوبة بحروف صغيرة، عرف أنه ينظر إلى بداية مقالة في مجلة. ويمكنه استعراض قائمة البقالة وتمييز تعليمات الشراء. وبالنظر إلى صفوف من الأرقام يمكنه معرفة وضع حسابه المصرفي.

أما الحواسيب فليست بالطبع بهذا الذكاء؛ فهي تحتاج إلى أن تحدَّد لها ماهية الأشياء بدقة، وأسلوب ترابطها، وكيفية التعامل معها. ولغة التأشير القابلة للتوسيع Extensible Markup Language XML اختصارا هي لغة جديدة صمّمت للقيام بهذه المهام، أي لجعل المعلومات توصِّف ذاتها. وما يبدو هنا أنه تغيير بسيط في آلية تواصل الحواسيب من شأنه أن يوسِّع الإنترنت خارج نطاق توصيل المعلومات، لتغطية أنواع أخرى كثيرة من الأنشطة البشرية. وبالفعل، فمنذ استكمال تصميم اللغة XML عام 1998 من قبل الائتلاف العالمي للوِب(1) (المسمى عادة W3C) انتشر هذا المعيار انتشار النار في الهشيم في مختلف مجالات العلم والأنشطة المختلفة من الصناعة إلى الطب.

إن استعمال اللغتين XML و XSL معا يتيح للناشرين وضع أية مادة معدّة للنشر في أشكال لا حصر لها ـ اكتب مرة واحدة وانشر في كل مكان.


وهذا التجاوب المثير يغذيه الأملُ في أن تحل اللغة XML بعض المشكلات الكبرى في الوِب. وهي مشكلات معروفة: فالإنترنت شبكة تعمل بسرعة خاطفة، ولكنها كثيرا ما تتحرك ببطء شديد؛ ومع أن جميع أنواع المعلومات تقريبا متاحة بصورة آنية مباشرة على الشبكة، إلا أن ثمة صعوبات جمة في تحصيل المعلومة المطلوبة.

إن أصل المشكلتين نابع على الأغلب من طبيعة اللغة الرئيسية للوِب وهي HTML (مختصر Hypertext Markup Language، أي لغة تأشير النصوص الفائقة). ومع أن هذه اللغة تعد من أنجح لغات النشر الإلكتروني التي اخترعت، فهي تبقى لغة سطحية؛ إذ إنها توصِّف كيف يتعين على متصفِّح وِب تنظيم النص والصور والأزرار على الصفحة. ومما يسهّل تعلم هذه اللغة نسبيا اهتمامها بالشكل، إلا أن ذلك له ثمنه أيضا.


إن إحدى الصعوبات تتمثل في محاولة إحداث موقع وِب يؤدي أعمالا أكثر من مجرَّد آلة فاكس متطورة ترسل الوثائق لكل من يطلبها. يريد الأفراد والشركات من مواقع الوِب أن تأخذ أوامر من الزبائن، وترسل سجلات طبية، وحتى أن تشغل مصانع وأجهزة علمية من الطرف الآخر من العالم. ولم تُهيأ اللغة HTML إطلاقا لمثل هذه المهام.

يمكن عرض ملف معلَّم بعُلاّمات اللغة XML ويحوي، مثلا، قوائم بالأفلام السينمائية المعروضة في مدينة بأكملها، على تشكيلة واسعة من الأجهزة. يمكن لملفات الأنماط أن تصفي هذه اللوائح وتعيد فرزها وإظهارها على صفحة الوِب مع الأشكال البيانية على أي حاسوب مكتبي؛ أو كلائحة تضم النص فقط، على أداة تنظيم محمولة باليد؛ أو حتى على شكل كلام مسموع عبر الهاتف.

تسمى الكلمات المحصورة بين قوسين حادين في المثال السابق "عُلامات" tags. وليس للغة HTML أي عُلاّمة للاستجابة الدوائية، وهو ما يُظهر إحدى نواحي قصورها، فهي غير مرنة؛ إذ إن إضافة عُلاّمة جديدة تتطلب إجراء روتينيا طويلا لدرجة أن قلة فقط يحاولونها. ومع ذلك فإن كل تطبيق يحتاج إلى عُلامات خاصة به، وليس فقط تبادل السجلات الطبية.

من هنا ينشأ البطء في أداء محال بيع الكتب على الإنترنت، وكتالوگات طلبات الشراء بالبريد، وغيرها من مواقع الوِب التفاعلية الأخرى. فإذا عدَّلتَ الكمية المطلوبة أو طريقة شحنها، وأردت رؤية الأرقام التي تُمثِّل البيانات الإجمالية التي تغيَّرت، فعليك الطلب إلى مخدِّم بعيد ومُثقَل أن يزودك بصفحة جديدة وأشكال بيانية جديدة وما إلى ذلك. وخلال هذا الوقت تبقى الآلة ذات الطاقة العالية التي بحوزتك مجمدة لا عمل لها؛ لأنها لم تزود بأكثر من

لا بمعلومات حول الأسعار وخيارات الشحن.

ومن هنا أيضا يأتي المستوى غير المرضي في نوعية البحث على الوِب. ولما كان من غير الممكن تعيين شيء باعتباره سعرا، فمن المستحيل عمليا استخدام معلومات عن الأسعار في البحث.

والحل بسيط جدا من الناحية النظرية: استعمل عُلاّمات تحدِّد ماهية المعلومات وليس مظهرها. علِّم مثلا الأجزاء الخاصة بطلب قميص لا على أساس فقرة وَصَفٍّ وعمود وحرف طباعي ثخين (كما تسمح اللغة HTML)، ولكن على أساس السعر والمقاس والكمية واللون. عندئذ يستطيع برنامج ما أن يتعرف هذه الوثيقة على أنها طلب من زبون، وأن يقوم بما يلزم القيام به: كإظهاره بطريقة أو بأخرى، أو إدخاله في نظام مسك الدفاتر، أو وضع قميص جديد على بابك في اليوم التالي.

وقد بدأنا، نحن أعضاء مجموعة عمل W3C المكونة من اثني عشر شخصا، بصياغة مثل هذا الحل في عام 1996. كانت خطتنا متينة ولكنها لم تكن أصيلة تماما. فقد اعتاد مسؤولو الطباعة ـ ولعشرات السنين ـ تدوين ملاحظاتهم وتعليماتهم على المخطوطات الأولية بغية توجيه منضِّد الحروف. واستمرت هذه الطريقة من "التأشير" حتى عام 1986 عندما أقرت المنظمة الدولية للتقييس (ISO) نظاما لإحداث لغات تأشير markup languages جديدة.

ومنذئذ أثبتت اللغة المسماة "لغة التأشير المعمَّمة القياسية" Standard Generalized Markup Language أو SGML، وهي لغة مترفِّعة metalanguage تستعمل لوصف لغات أخرى، نجاعتها في تطبيقات كثيرة وكبيرة في مجال النشر. وبالفعل فإن اللغة HTML عرِّفت باستخدام SGML. والعلة الوحيدة في اللغة SGML أنها مفرطة في العمومية: فهي ممتلئة بالسمات البارعة التي تهدف إلى تخفيض عدد الضربات على لوحة المفاتيح إلى أدنى حد ممكن، في عصر يتعين فيه أن نأخذ في الحسبان كل بايت يدخَل، وهذا أمر أعقد مما تستطيع متصفحات الوِب التعامل معه.

كوَّن فريقُنا اللغة XML بإلغاء الزخرف من اللغة SGML وصولا إلى لغة مترفعة أكثر قبولا وإحكاما. تتألف اللغة XML من قواعد يستطيع أي شخص اتباعها لتكوين لغة تأشير من البداية. وتَضْمن هذه القواعد لبرنامج وحيد مدمج، يسمى محللا parser، أن يعالج هذه اللغات الجديدة جميعا.

إن اللغة XML لا تُمكّن فقط من تبادل المعلومات بين نُظُم حاسوبية مختلفة وإنما أيضا عبر الحدود الوطنية والثقافية

لنعد إلى الطبيب الذي يود إرسال سجلك المرضي بالبريد الإلكتروني إلى أحد الاختصاصيين. فلو استعمل الأطباء اللغة XML لاستحداث لغة تأشير لتكويد السجلات الطبية ـ وقد باشَرَت بذلك فعلا عدة مجموعات ـ فقد تحتوي الرسالة الإلكترونية لطبيبك على ما يلي: < ratient< name> blah blah </name> <drug-allergy> blah blah blah <drug-allergy> </patient>(4) ، فتصبح برمجة أي حاسوب لتعرُّف هذه المدونة الطبية القياسية، وإضافة هذه الإحصائية المهمة إلى قاعدة البيانات أمرا بسيطا ومباشرا.

وكما أن اللغة HTML أوجدت طريقة يستطيع بموجبها أي حاسوب قراءة وثائق الإنترنت، فإن اللغة XML تجعل من الممكن استحداث لغة عالمية يستطيع الجميع قراءتها وكتابتها، وذلك على الرغم من البلبلة الناتجة من خلط النظم الحاسوبية غير المتوافقة. وخلافا لمعظم مصاغات البيانات data formats فإن تأشير اللغة XML له معنى بالنسبة إلى الإنسان أيضا لأنه ليس إلا نصا عاديا.

إن القوة الموحِّدة للغة XML تنبع من بضع قواعد منتقاة بدقة، تتمثل إحداها في ورود العُلاّمات أزواجا على وجه العموم، كما أنها تحيط بالنص الذي يتعلق بها، شأنها شأن الأقواس. ويمكن أن تتداخل أزواج العُلاّمات، ولمستويات متعددة، كما نفعل أحيانا عند استعمال عُلامات الاقتباس.

وتفرض قاعدة التداخل هذه درجة معينة من البساطة على أي وثيقة باللغة XML، والتي تتخذ البنية الشجرية المعروفة في علم الحاسوب. وكما في شجرة العائلة، فإن كل رسم بياني وكل جزء من نص في الوثيقة يمثل أبا أو ابنا أو أخا لعنصر آخر؛ فالعلاقات واضحة لا لبس فيها. ولا يمكن للبنى الشجرية أن تمثل جميع أنواع المعلومات، ولكن بإمكانها تمثيل معظم الأنواع التي نحتاج إلى أن يفهمها الحاسوب. كذلك فإن الأشجار تلائم المبرمجين إلى حد غير عادي. فإذا كان كشف حسابك المصرفي على شكل شجرة تيسرت كتابة برمجية صغيرة تقوم بإعادة تنظيم العمليات المصرفية أو بإظهار الشيكات المسددة فقط.

ثمة مصدر آخر للقوة الموحِّدة للغة XML، وهو اعتمادها على معيار جديد يسمى يونيكود Unicode، وهو منظومة تكويد حروف تعزز خلط النصوص في جميع اللغات العالمية الرئيسية؛ في حين نجد في اللغة HTML، كما في معظم معالِجات النصوص، أن الوثيقة مكتوبة عموما بلغة واحدة معينة: الإنكليزية أو اليابانية أو العربية مثلا. وما لم تكن البرمجيات المتوفرة لديك قادرة على قراءة حروف تلك اللغة فلن تتمكن من الإفادة من هذه الوثيقة. بل قد يكون الوضع أسوأ من ذلك: فالبرمجيات المصممة للاستعمال في تايوان لا يمكنها على الأغلب قراءة النصوص الصينية المكتوبة في الصين بسبب التكويد غير المتوافق. في المقابل، تستطيع البرمجيات التي تقرأ XML كما ينبغي، التعامل مع أي مجموعة مؤتلفة من أي من زمر الحروف هذه. ومن ثم فإن اللغة XML تمكِّن من تبادل المعلومات ليس فقط فيما بين نُظم حاسوبية مختلفة، ولكن أيضا عبر حدود ثقافية ووطنية مختلفة.

ومع انتشار اللغة XML لا بد أن يغدو الوِب أكثر تجاوبا. ولا يمكن في الوقت الحاضر للأدوات الحاسوبية المتصلة به، سواء أكانت حواسيب مكتبية ذات طاقة عالية أم أدوات جيب صغيرة للتنظيم والتخطيط، أن تقوم بأكثر من إعداد استمارة، وملئها ومن ثم تكرار إرسالها إلى مخدِّم وِب واسترجاعها منه حتى يكتمل العمل. لكن المعلومات البنيوية والدلالية التي يمكن إضافتها باستخدام XML تسمح لهذه الأدوات بأن تقوم بقدر كبير من المعالجة على الفور. وذلك لن يخفف كثيرا من العبء الواقع على مخدّمات الوِب فحسب، وإنما سوف يخفض أيضا من الحركة على الشبكة بدرجة كبيرة.

يمكن لوصلة فائقة XML فتح قائمة مؤلفة من عدة خيارات. وقد يكون أحد هذه الخيارات إدخال صورة، مثل مخطط توزيع المقاعد في طائرة، في هذه الصفحة (السهم الأحمر). ويمكن أن تتضمن الخيارات الأخرى تنفيذ برنامج صغير للحجز على رحلة طيران (السهم الأصفر) أو إظهار نص محجوب (السهم الأخضر). ويمكن أيضا للوصلات أن ترتبط بصفحات أخرى (السهم الأزرق).


ولإدراك سبب ذلك تصوَّرْ أنك دخلت إلى وكالة سفريات على الخط (علخط) online، وسألتَ عن جميع الرحلات المغادرة من لندن إلى نيويورك يوم الرابع من الشهر 7، ستحصل غالبا على لائحة تفوق سعة شاشتك مرات عدة. يمكنك تقصير اللائحة بضبطها fine-tuning على وقت الإقلاع فقط، أو على السعر أو على شركة الطيران، غير أن ذلك يتطلب إرسال طلب عبر الإنترنت إلى وكالة السفر وانتظار إجابتها. ولو أنك أرسلت هذه اللائحة الطويلة باستعمال اللغة XML، لتمكنت وكالة السفر من إرسال برنامج صغير بلغة جاڤا مع لوائح الرحلات، بإمكانك استعماله لفرز البيانات واختصارها خلال أجزاء من المليون من الثانية ومن دون مساعدة المخدِّم. فإذا أخذنا في الحسبان الملايين الكثيرة من مستثمري الوِب فإن المكاسب الشاملة المحققة في الكفاءة تصبح هائلة حقا.

وفيما تزداد المعلومات على الشبكة التي توسَم بعُلاّمات XML خاصة بكل مجال، فإنه يَسْهُل عليك أكثر فأكثر العثور على ما تحتاج إليه بالضبط. إن إجراء بحث على الإنترنت اليوم حول موضوع "وظائف سماسرة الأسهم المالية" مثلا كفيل بأن يوفر لك سيلا من الإعلانات، لكنه لا يزودك في الغالب إلا بالقليل من قوائم الوظائف الشاغرة، إذ إن معظمها متوارٍ ضمن الخدمات الإعلانية المصنَّفة لمواقع الصحف على الوِب، لذا لا يصل إليها البحث الآلي. غير أن جمعية الصحف الأمريكية تقوم حاليا بإنشاء لغة تأشير مبنية على اللغة XML للإعلانات المصنفة، والتي تبشر بجعل عمليات البحث هذه أكثر فعالية.

وهذا الإجراء ـ على أهميته ـ ليس إلا خطوة مرحلية فقط. فقد أدرك العاملون في المكتبات، منذ زمن بعيد، أن الوسيلة المثلى للعثور على المعلومات على وجه السرعة تقتضي النظر لا في المعلومة المطلوبة بعينها، بل في مجموعات بيانات أصغر وأكثر تركيزا تفضي بك إلى المصادر المفيدة: من هنا وُجد كتالوگ البطاقات في المكتبة. وتسمى هذه المعلومات حول معلومات أخرى بالبيانات المترفعة metadata.

وقد أُفرد جزء من مشروع XML، منذ بداياته الأولى، لاستحداث معيارٍ صنوٍ للبيانات المترفعة؛ وهكذا كان إطار توصيف الموارد Resource Description Framework RDF، الذي أُتِم خلال الشهر 2/1999، والذي من شأنه أن يعطي لبيانات الوِب ما تعطيه بطاقات الكتالوگ لكتب المكتبة. وبانتشار هذا المعيار عبر الوب، فإن بيانات RDF ستجعل استرجاع المعلومات أسرع وأكثر دقة مما هو عليه الآن. وبالنظر إلى عدم وجود اختصاصييّ مكتبات على الوِب، وإلى أن الهمّ الأول لمسؤول موقع الوب Webmaster هو رغبته في أن يُعرَف، فإننا نتوقع أن يحقق الإطار RDF معدل نمو مدهشا للإنترنت حالما تتوضح قدراته تماما.

وغني عن القول إن هناك طرقا أخرى غير البحث للوصول إلى المراد. فالوب أولا وأخيرا "نص فائق" تتصل مليارات صفحاته بوصلات فائقة hyperlinks ـ وهي تلك الكلمات المسطرة التي تسمح بالقفز عن إحداها إلى التي تليها لدى النقر عليها. وسيكون لهذه الوصلات أهمية أكبر عندما تعمل باللغة XML. ثم إن هناك معيارا للنص الفائق القائم على XML يسمى Xlink، سيسمح باختيار وِجْهة الانتقال من بين قائمة وِجْهات متعددة. كذلك ستظهر أنواع أخرى من الوصلات الفائقة تستطيع إدخال نصوص أو صور في مكان النقر بالتحديد، بدلا من إلزامك بترك الصفحة.

لغات جديدة للعلوم

توفر اللغة XML طريقة مناسبة للعلميين لتبادل النظريات والحسابات ونتائج التجارب. فمنذ زمن بعيد وآمال الرياضياتيين ـ من بين شرائح علمية عدة ـ خائبة بسبب عجز متصفحات الوِب عن إظهار العبارات الرياضياتية إلا كصور فقط. أما الآن فإن لغة التأشير MathML تتيح للرياضياتيين إدخال معادلات في صفحات الوِب مع بعض الأسطر من النص البسيط. ومن ثم يستطيع القرّاء إلصاق هذه التعابير مباشرة بالبرمجيات الجبرية لإجراء الحسابات أو رسم البيانات اللازمة.

وقد خطا الكيميائيون خطوة إضافية بتطوير برامج متصفحات للغة التأشير الكيميائية (CML) (التي تعتمد على اللغة XML) تُظهر بيانيا البنية الجزيئية للمركبات الموصوفة على صفحات الوِب باللغة CML. إن اللغة CML ولغة التأشير الفلكية ستساعدان الباحثين على استعراض الكم الهائل من الإحالات ضمن الدوريات المتخصصة بغية الاطلاع على البحوث التي تتصل بموضوعات دراساتهم. فيستطيع علماء الفلك مثلا إدخال الإحداثيات السماوية لمجرة ما للحصول على صور وأبحاث وبيانات حولها.

كذلك ستكون اللغة XML عونا في إجراء التجارب وتحليل نتائجها. لقد باشر مهندسو الوكالة ناسا العمل منذ عام 1998 على استحداث لغة تأشير الأجهزة الفلكية (AIML)، وذلك كطريقة تسمح للعلماء بالتحكم من الأرض في المقراب الفلكي SOFIA، الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء أثناء تحليقه على متن طائرة بوينگ 747. إن هذه اللغة ستسمح ـ في نهاية المطاف ـ لعلماء الفلك في جميع أنحاء العالم بالتحكم في المقاريب، بل وربما بالسواتل (الأقمار الصنعية) بوساطة برمجيات متصفحات إنترنت مباشرة.

وفي القريب العاجل قد يتمكن علماء الوراثة من استعمال لغة التأشير للسلاسل البيولوجية (BSML) لتبادل تدفق المعلومات الناتجة من مشروعات رسم خرائط الجينات وسلسلتها. ويتيح المتصفح BSML (الذي صنعته ووزعته مجانا الشركة Visual Genomics في كولومبوس بولاية أوهايو الأمريكية) للباحثين التفتيش في قواعد بيانات واسعة من الرموز الوراثية وعرض الجذاذات snippets الناتجة في صورة خرائط ومخططات ذات دلالة، لا كسلاسل مبهمة من الحروف.

ولعل من أكثر ميزات XLink فائدة أنها تمكِّن المؤلفين من استعمال وصلات غير مباشرة تشير إلى عناصر في قاعدة بيانات مركزية بدلا من الإشارة إلى الصفحات الموصولة ذاتها. وعندما يتغير عنوان صفحة ما يستطيع المؤلف تحديث جميع الوصلات التي تشير إلى هذا العنوان، بتعديل تسجيلة واحدة في قاعدة البيانات. وهذا سيساعد على التخلص من الخطأ المعروف "404 File Not Found" والذي يدل على وصلة فائقة مقطوعة.


إن الجمع بين المعالجة الأكثر فاعلية والبحث الأكثر دقة والوصل الأكثر مرونة حريٌّ بأن يُحدث ثورة في هيكلة الوِب تجعل بالإمكان اصطناع طرق جديدة للولوج إلى المعلومات. وسيجد المستخدمون هذا الوِب الجديد أكثر سرعة وقدرة وفائدة من الوِب المتوفر حاليا.

بالطبع ليس الأمر بهذه البساطة. صحيح إن اللغة XML تتيح لأي شخص أن يصمم لغة جديدة تلبي احتياجاته، ولكن تصميم لغات جيدة يشكل تحديا كبيرا لا ينبغي الاستهانة به. والتصميم ما هو إلا البداية: إذ إن معاني العُلاّمات التي تستعملها لن تكون واضحة للآخرين ما لم تفسرها بكلام، ولا للحاسوب ما لم تَكْتب بعض البرمجيات لمعالجتها.

وبتفكير بسيط يُعرف السبب؛ فلو أن كل ما يحتاج إليه الحاسوب للتعامل مع طلب شراء هو وضع عُلاّمة "طلب شراء" لما كنا بحاجة إلى اللغة XML ولا حتى إلى مبرمجين، إذ سيكون الحاسوب وحده عندئذ قادرا على أداء المهمة.

إن ما تقوم به اللغة XML ليس سحرا، لكنه مع ذلك على درجة كبيرة من الجدوى. إنها تحدد القواعد الأساسية التي تزيل طبقة من التفاصيل البرمجية، بحيث يتسنى لذوي الاهتمامات المتماثلة التركيز على الجزء الجوهري، وهو الاتفاق على أسلوب لتمثيل المعلومات التي سيتبادلونها. وهذه ليست مسألة سهلة الحل، ولكنها ليست مسألة جديدة على أي حال.

ستُبْرَم مثل هذه الاتفاقات لأن انتشار النظم الحاسوبية غير المتوافقة استتبع بالضرورة تأخيرا وكلفة وارتباكا على كل صعيد من أصعدة النشاط البشري تقريبا.

فالناس يرغبون في تبادل الأفكار والقيام بالأعمال التجارية دون أن يلتزموا جميعا باستعمال الحواسيب ذاتها؛ علما بأن لغات تبادل فعاليات معينة تجدّ في سبيل تحقيق ذلك. وبالفعل فإن الكم الكبير من المختصرات التي تنتهي ب"ML" تشهد للإبداعية التي أطلقتها اللغة XML في العلوم والأعمال التجارية والمجالات الأكاديمية. (انظر ما هو مؤطّر في الصفحة المقابلة).

يتعين على المصممين، قبل أن يكون بمقدورهم صوغ لغة XML جديدة، الاتفاق على ثلاثة أمور: العُلامات المسموح بها، وكيف يمكن للعناصر المعلَّمة بعُلامات أن تتداخل الواحدة ضمن الأخرى، وكيف يجب معالجتها. يكوّد الأمران الأول والثاني ـ مفردات اللغة وبنيتها ـ في تعريف نمط الوثائق Document Type Definition أو DTD. ولا يَفرِض معيار XML على مصممي اللغات استخدام DTD، ولكن معظم اللغات الجديدة ربما ستحوي هذه التعاريف لأنها تسهِّل على المبرمجين كتابة برمجيات تستوعب التأشير، وتؤدي معه أعمالا ذكية.

وسيحتاج المبرمجون أيضا إلى مجموعة من التوجيهات التي تفسِّر ـ بلغة بشرية ـ معنى جميع العُلامات. على سبيل المثال، إن للغة HTML تعريفا لنمط الوثائق، لكنه مقرون بمئات الصفحات الوصفية التي يرجع إليها المبرمجون عندما ينشئون متصفحات وبرمجيات أخرى للوِب.

والمهم بالنسبة إلى المستخدمين هو ما تفعله هذه البرامج لا ما تقوله التوصيفات. وفي العديد من الحالات يُطلب إلى البرمجيات إظهار المعلومات للقراء مكوَّدة باللغة XML، إلا أن عُلامات اللغة XML لا توفر أي دليل عن مظهر المعلومات على الشاشة أو على الورق.


وهذه بالفعل ميزة لمصلحة الناشرين الذين كثيرا ما يودون أن "يكتبوا مرة واحدة وينشروا في كل مكان" ـ لاستخلاص المادة الأساسية من النشرة، ومن ثم وضعها بأشكال كثيرة مطبوعة وإلكترونية. وهكذا تسمح اللغة XML بذلك عن طريق إعطاء عُلامات للمحتوى تصف معناه بمعزل عن وسيط الإظهار. يمكن بعد ذلك للناشرين أن يطبقوا قواعد منسقة ضمن "ملفات أنماط" stylesheets لإعادة تشكيل العمل آليا لأجهزة مختلفة. والمعيار الذي يجري تطويره حاليا لملفات أنماط XML يدعى لغة ملفات الأنماط القابلة للتوسيع Extensible Stylesheet Language XSL ، ويمكن للإصدارات الحديثة لعدد من متصفحات الوِب أن تقرأ وثيقة باللغة XML، وأن تجلب ملف الأنماط المناسب وتستعمله لفرز المعلومات وإظهارها على الشاشة. ربما لا يدرك القارئ مطلقا أنه ينظر إلى XML بدلا من HTML، سوى أن المواقع المبنية على XML أسرع أداء وأيسر استعمالا.

ويتيح أسلوب النشر هذا ميزة مجانية لذوي الإعاقات البصرية، إذ بإمكانهم تحويل XML إلى نظام بريل Braille أو إلى كلام مسموع. ويتسع نطاق هذه الميزات ليشمل فئات أخرى أيضا: فالمسافرون الذين يرغبون بالتجوال في الوِب وهم داخل سياراتهم قد يجدون من المناسب أن يستمعوا إلى صفحات منها تقرأ عليهم بصوت عال.


ومع أن الوِب كانت نعمة للعلم والمعرفة، إلا أن التجارة (أو بالأحرى توقعات الأرباح التجارية المستقبلية) هي التي أذكت نموَّها الفائق السرعة. إذ استقطب الازدياد المفاجئ للمبيعات بالتجزئة على الوِب مؤخرا اهتماما كبيرا، ولكن التجارة ما بين الشركات على الإنترنت تتزايد بالسرعة ذاتها إن لم نقل بسرعة أكبر. نجد مثلا أن تدفق المنتجات من خلال عملية التصنيع تتطلب الأتمتة. ولكن الخطط التي ترتكز على التفاعل المعقّد والمباشر بين البرامج لم تكن ناجحة تماما في التطبيق العملي، لأنها تعتمد على معالجة منتظمة غير متوفرة.

ولقرون عدة ظل الناس يمارسون الأعمال التجارية بنجاح عن طريق تبادل وثائق قياسية من مثل: طلبات الشراء والفواتير والكشوف والإيصالات وغيرها. نجحت هذه الوثائق في التجارة لأنها لا تتطلب من الفريقيْن المعنييْن أن يعرف أحدهما شيئا عن الإجراءات الداخلية المتبعة لدى الفريق الآخر. فكل سجل يَعرِض بالتحديد ما يحتاج المتلقي إلى معرفته لا أكثر. إن تبادل الوثائق هو على الأغلب الوسيلة الصحيحة للقيام بالأعمال مباشرة على الإنترنت أيضا. لكن اللغة HTML غير مهيأة للقيام بهذا العمل.

في المقابل فقد صممت اللغة XML لتبادل الوثائق، وصار من الواضح الآن أن التجارة الإلكترونية العالمية ستعتمد اعتمادا كبيرا على فيض من الاتفاقات على صورة ملايين الوثائق التي تزخر بها الإنترنت باللغة XML.

وهكذا فإن الوِب العاملة باللغة XML ستكون أسرع وأكثر ودا مع المستخدم، كما أنها ستكون أفضل للقيام بالأعمال التجارية. من جهة أخرى، سيجد مصممو مواقع الوِب أنها تحتاج إلى جهود إضافية؛ فسيحتاج استثمار لغات XML الجديدة استثمارا كاملا إلى أعداد كبيرة من المبرمجين. ومع أن عهد نشاط قراصنة الوِب الذين يتدربون ذاتيا لم ينته بعد، إلا أنه الآن في خطر، وسيكون لزاما على مصممي الوِب المستقبليين التمكُّن ليس فقط من إنتاج الكلمات والرسوم البيانية، بل كذلك من بناء منظومات مترابطة ومتعددة الطبقات لتعريف أنماط الوثائق وأشجار البيانات وبنى الوصلات الفائقة والبيانات المترفعة وملفات الأنماط، وهي تؤلف بمجموعها بنية تحتية أكثر تماسكا لجيل الوِب الثاني.

للاستزادة حول هذه المقالة ثمة معلومات متاحة على الموقع

أنظر:مقالات مجلة العلوم الأميريكية