الفتح الميدي-البابلي للامبراطورية الآشورية

الفتح الميدي-البابلي للامبراطورية الآشورية الحديثة، كان آخر حرب خاضتها الامبراطورية الآشورية الحديثة بين عامي 626 و609 ق.م. بعد خلافته لشقيقه آشور إتيل إيلاني (حكم 631-627 ق.م.)، سرعان ما واجه ملك آشور الجديد سين‌شارإيش‌كون (حكم: 631-627 ق.م.)، ثورة من أحد كبار قادة شقيقه، سين-شومو-ليشير، الذي حاول انتزاع العرش لنفسه. على الرغم من التعامل مع هذا التهديد بسرعة نسبيًا، إلا أن عدم الاستقرار الناجم عن الحرب الأهلية القصيرة ربما جعل ذلك أتاح الفرصة لمسؤول أو قائد آخر، نبوپلاصر (حكم 626-605 ق.م.)، للنهوض والاستيلاء على السلطة في بابل. إن عدم قدرة سين‌شارإيش‌كون على هزيمة نبوپلاصر، على الرغم من المحاولات المتكررة على مدار عدة سنوات، سمح لنبوپلاصر بتوطيد سلطته وتشكيل الامبراطورية البابلية الحديثة، واستعادة الاستقلال البابلي بعد أكثر من قرن من الحكم الآشوري. بعدها، غزت الامبراطورية البابلية الحديثة، والامبراطورية الميدية تحت حكم الملك كياخارس (حكم 625-585 ق.م.)، معقل الآشوريين. عام 614 ق.م.، استولى الميديون على آشور ونهبوها، المركز الطقسي والديني للإمبراطورية الآشورية، وعام 612 ق.م، هاجمت جيوشهم المشتركة العاصمة الآشورية نينوى ودمرتها. مصير سين‌شارإيش‌كون مجهول لكن يُفترض أنه مات دفاعًا عن عاصمته. لم يخلفه سوى ملكاً واحداً، آشور-أوباليت الثاني (حكم 612-609 ق.م.)، وربما كان نجله، الذي حشد ما تبقى من الجيش الآشوري في مدينة حران، وبدعم من تحالف مع مصر، حكم ثلاث سنوات، في محاولة أخيرة لمقاومة الغزو الميدي-البابلي لمملكته.

الفتح الميدي-البابلي للامبراطورية الآشورية
Map of Assyria.png
خريطة الامبراطورية الآشورية الحديثة عام 824 ق.م. (الأخضر الداكن) وفي أقصى اتساعاها عام 671 ق.م. (الأخضر الافتح)، تحت حكم الملك آسرحدون.
التاريخ626–609 ق.م.
الموقع
النتيجة الانتصار الحاسم للمديين والبابليين
سقوط الامبراطورية الآشورية [1][2][3]
المتحاربون
الميديون
البابليون
الآشوريون
مصر
القادة والزعماء
كياخارس
نبوپلاصر
سين‌شارإيش‌كون
آشور-أوباليت الثاني
نخاو الثاني
القوى
غير معروفة غير معروفة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

في النصف الأول من القرن السابع، كانت الامبراطورية الآشورية الحديثة في أوج قوتها، وسيطرت على كامل الهلال الخصيب، وتحالفت مع مصر. ومع ذلك، عندما توفي الملك الآشوري آشوربانيپال لأسباب طبيعية عام 631 ق.م،[4] قوبل نجله وخليفته آشور إتيل إيلاني بالمعارضة والاضطراب، وهو أمر شائع في التاريخ الآشوري.[5] حاول مسؤول آشوري يُدعى نابو-ريحت-أوسر اغتصاب العرش الآشوري بمساعدة مسؤول آخر، سين-شار-إيبني، لكن الملك، على الأرجح بمساعدة سين-شومو-ليشير، أوقف نابو-ريحت-أوسر وسين-شار-إيبني، ونجح في سحق المؤامرة بسرعة نسبية[4] [5] ومع ذلك، فمن المحتمل أن بعض أتباع آشور استغلوا ما اعتبروه حاكماً ضعيفاً لتحرير أنفسهم من السيطرة الآشورية وحتى مهاجمة البؤر الاستيطانية الآشورية. حوالي عام 628 ق.م، وسع يوشياهو، تابع آشوري وملك يهوذا في الشام، أرضه حتى وصلت إلى الساحل، مستولياً على مدينة إسدود وموطناً بعض قومه هناك.[6] نهاية آشور إتيل إيلاني غير واضحة، لكن كثيراً ما يُفترض، دون أي دليل داعم، أن شقيق آشور إتيل إيلاني تقاتل معه على العرش،[7] وفي النهاية، تقلد العرش في منتصف عام 627 ق.م.[8] في نفس الوقت تقريبًا، توفي ملك بابل التابع، كندلانو، ومن ثم أصبح سين‌شارإيش‌كون حاكماً لبابل، كما أثبتته النقوش في مدن الجنوب مثل نيپور، اوروك، سيپار وبابل نفسها. [9] في هذا الوقت تقريبًا، كانت الإمبراطورية الآشورية الحديثة أيضًا في خضم موجة جفافة كبرى امتدت 125 عامًا من 675 حتى 550 ق.م.، مما أضعف الإمبراطورية.[10]


مسار الحرب

صعود بابل

 
الامبراطورية البابلية الحديثة تحت حكم نبو نيد (ح. 556-539 ق.م.).

لم يدم حكم سين‌شارإيش‌كون لبابل طويلاً، حيث تمرد الجنرال سين-شومو-ليشير فور وصوله إلى العرش.[8] كان سين-شومو-ليشير شخصية رئيسية في عهد آشور إتيل إيلاني، حيث قام بإخماد العديد من الثورات وربما كان الزعيم "الفعلي" للبلاد. ربما يعرض الملك الجديد منصبه للخطر، لذلك ثار في محاولة للاستيلاء على السلطة لنفسه.[9] استولى سين-شومو-ليشير على بعض المدن شمال بابل، بما في ذلك نيپور وبابل نفسها وحكم ثلاثة أشهر قبل أن يهزمه سين‌شارإيش‌كون.[8] ربما مستغلاً حالة عدم الاستقرار السياسي التي سببتها الثورة السابقة واستمرار الفترة الانتقالية في الجنوب،[8][11] هاجم نبوپلاصر كلاً من نيپور وبابل،[n 1] وفي أعقاب الهجوم الآشوري المضاد الفاشل، تم تتويج نبوپلاصر رسمياً ملكاً لبابل في 22/23 نوفمبر 626 ق.م، واستعاد دولة بابل كمملكة مستقلة.[12]

عام 625-623 ق.م، حاولت قوات سين‌شارإيش‌كون مرة أخرى هزيمة نبوپلاصر، وقامت بحملتها في شمال بابل. كانت الحملات الآشورية ناجحة في البداية، حيث استولت على مدينة سيپار عام 625 ق.م. وصدت محاولة نبوپلاصر لإعادة احتلال نيپور. كما توقف مدينة تابعة آشورية أخرى، عيلام، عن دفع الجزية لآشور خلال هذا الوقت والعديد من المدن البابلية، مثل دير، ثارت وانضمت إلى نبوپلاصر. إدراكًا للتهديد الذي يمثله هذا، قاد سين‌شارإيش‌كون بنفسه هجومًا مضادًا هائلًا شهد استعادة اوروك بنجاح عام 623 ق.م.[13] ربما كان سين‌شارإيش‌كون قد انتصر في النهاية، لكن تمردًا آخر، بقيادة قائد آشوري، وقع في المقاطعات الغربية للإمبراطورية عام 622 ق.م.[13] استغل هذا القائد، الذي لا يزال اسمه مجهولاً، غياب قوات سين‌شارإيش‌كون للتقدم في مسيرة إلى نينوى، والتقى بجيش استسلم دون قتال ونجح في الاستيلاء على العرش الآشوري. يشير استسلام الجيش إلى أن المغتصب كان آشوريًا وربما حتى عضوًا في العائلة المالكة، أو على الأقل شخصًا يمكن قبوله كملك.[14] بعدها تخلى سين‌شارإيش‌كون عن حملة بابل لهزيمة المغتصب، منجزاً المهمة بعد ما يقرب من مائة يوم من الحرب الأهلية؛ لكن غياب الجيش الآشوري أدى إلى قيام البابليين بغزو آخر البؤر الاستيطانية الآشورية المتبقية في بابل عام 622-620 ق.م.[13] بدأ الحصار البابلي لاوروك بحلول أكتوبر 622 ق.م، وعلى الرغم من انتقال السيطرة على المدينة القديمة بين آشور وبابل، إلا أنها كانت تحت الحكم البابلي بحلول عام 620 ق.م،[15] وعزز نبوپلاصر حكمه على بلاد بابل بالكامل.[16] خلال السنوات العديدة التالية، حقق البابليون عدة انتصارات أخرى ضد الآشوريين وبحلول عام 616 ق.م، وصلت قوات نبوپلاصر حتى نهر البليخ. سار الفرعون پسامتيك الأول، حليف آشور، بقواته لمساعدة سين‌شارإيش‌كون. قام الفرعون المصري خلال السنوات القليلة الماضية بحملة من أجل بسط هيمنته على المدن الصغيرة في بلاد الشام، وكان من مصلحته أن تنجو آشور كدولة عازلة بين مملكته والامبراطورية البابلية والميدية في الشرق.[16] شُنت حملة مصرية-آشورية مشتركة للاستيلاء على مدينة جابلينو في أكتوبر 616 ق.م، لكنها انتهت بالهزيمة، وبعد ذلك ظل الحلفاء المصريون في غرب الفرات، ولم يقدموا سوى دعم محدود.[17] عام 616 ق.م، هزم البابليون القوات الآشورية في عرفا ودفعوهم إلى الزاب الصغير.[18] فشل نبوپلاصر في الاستيلاء على آشور، المركز الطقسي والديني لآشور، في مايو من العام التالي، مما أجبره على التراجع إلى تكريت، لكن الآشوريين لم يتمكنوا من الاستيلاء على تكريت وإنهاء تمرده.[17]

تدخل الميديين

 
خريطة الامبراطورية الميدية في أقصى اتساعها (القرن السادس ق.م)، بحسب المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت.

في أكتوبر أو نوفمبر 615 ق.م.، غزا الميديون تحت حكم الملك كياخارس بلاد آشور وفتحوا المنطقة المحيطة بمدينة عرفة استعدادًا لحملة نهائية كبيرة ضد الآشوريين.[17] في نفس العام، هزموا سين‌شارإيش‌كون في معركة تاربيسو، وفي عام 614 ق.م، فتحوا آشور ونهبوا المدينة وقتلوا العديد من سكانها.[1][18][19][20] ولم يصل نبوپلاصر إلى آشور إلا بعد أن بدأ النهب بالفعل واجتمع مع كياخارس، متحالفًا معه، ووقع اتفاقية مناهضة للآشوريين ونبوخذ نصر، تزوج ابن نبوپلاصر من أميرة ميدية. بعد فترة وجيزة، قام سين‌شارإيش‌كون بمحاولته الأخيرة في هجوم مضاد، وهرع لإنقاذ مدينة رحيلو المحاصرة، لكن جيش نبوپلاصر تراجع قبل أن تبدأ المعركة.[21] عام 612 ق.م، انضم الميديون والبابليون إلى حصار نينوى، واستولوا على المدينة بعد حصار طويل ووحشي، ولعب الميديون دورًا رئيسيًا في سقوط المدينة.[21][22][23][24] على الرغم من أن مصير سين‌شارإيش‌كون غير مؤكد تمامًا، إلا أنه من المقبول عمومًا أنه مات دفاعًا عن نينوى.[25][26]

بعد تدمير آشور عام 614 ق.م، كان التتويج الآشوري التقليدي مستحيلًا،[27] لذا توج آشور-أوباليت الثاني في حران، التي اتخذها عاصمة جديدة له. بينما كان البابليون ينظرون إليه على أنه الملك الآشوري، من المحتمل أن الرعايا القلائل المتبقيين الذين حكمهم آشور-أوباليت الثاني لم يشاركوا هذا الرأي، وبقي لقبه الرسمي وليًا للعهد ("مار-شري"، التي تعني حرفياً "ابن الملك").[28] ومع ذلك، فإن عدم كون آشور-أوباليت ملكًا رسميًا لا يشير إلى أن مطالبته بالعرش قد تم الطعن فيها، فقط أنه لم يتوُج بالمراسم التقليدية.[29] كان الهدف الرئيسي لآشور-أوباليت هو استعادة الوطن الأم للآشوريين، بما في ذلك آشور ونينوى. وبدعم من قوات حلفائه، مصر والمانيون، كان هذا الطموح ممكنًا تمامًا، وربما بدا حكمه المؤقت من حران كولي للعهد، بدلاً من الملك المتوج شرعيًا، وكأنه ظرف مؤقت. بدلاً من ذلك، شكل حكم آشور-أوباليت في حران السنوات الأخيرة من الدولة الآشورية، التي لم تعد موجودة فعليًا كإمبراطورية في هذه المرحلة.[2][29][30] بعد أن سافر نبوپلاصر نفسه في قلب الأراضي الآشورية التي تم احتلالها مؤخرًا عام 610 ق.م. من أجل ضمان الاستقرار، شرع الجيش الميدي-البابلي في حملة ضد حران في نوفمبر عام 610 ق.م.[30] خوفًا من اقتراب الجيش الميدي-البابلب، فر آشور-أوباليت وفرقة من التعزيزات المصرية من المدينة إلى صحراء سوريا.[31][32] استمر حصار حران من شتاء 610 ق.م. إلى بداية 609 ق.م، واستسلمت المدينة في النهاية.[33] يعتبر فشل أوباليت في حران بمثابة نهاية للملكية الآشورية القديمة، التي لن تستعاد أبداً.[34]

بعد أن حكم البابليون حران ثلاثة أشهر، حاول آشور-أوباليت مع قوة كبيرة من الجنود المصريين استعادة المدينة، وشن حصارًا في يونيو أو يوليو 609 ق.م.[31][35] استمر الحصار لشهرين على الأكثر، حتى أغسطس أو سبتمبر، قبل أن يجبرهم نبوپولاصر على التراجع. ربما تراجعوا حتى قبل ذلك.[35]

التبعات

المصير النهائي لآشور-أوباليت غير معروف وحصاره حران عام 609 ق.م. هو آخر مرة ذكر فيها هو أو الآشوريون بشكل عام في السجلات البابلية.[31][35] بعد معركة حران، استأنف نبوپلاصر حملته ضد ما تبقى من الجيش الآشوري في بداية عام 608 أو 607 ق.م. يُعتقد أن آشور-أوباليت كان لا يزال على قيد الحياة في هذه المرحلة، لأنه في عام 608 ق.م، قاد الفرعون المصري نخاو الثاني، خليفة پسامتيك الأول، شخصيًا جيشًا مصريًا كبيرًا إلى الأراضي الآشورية السابقة لإنقاذ حليفه وتحويل مد الحرب.[31] يعتقد المؤرخ م.ب. روتن أن آشور-أوباليت قد عاش حتى عام 606 ق.م،[31] ومع ذلك، بحلول هذا الوقت، فإن الإشارات إلى الجيش المصري في المصادر البابلية لا تشير إلى الآشوريين أو ملكهم.[27]

على الرغم من أن ذكر آشور-أوباليت لم يعد يذكر بعد 609 ق.م، استمرت الحملات المصرية في بلاد الشام لبعض الوقت حتى هزيمة ساحقة في معركة كركميش عام 605 ق.م. على مدار القرن التالي، كانت مصر وبابل، اللتان كانتا على اتصال مباشر مع بعضهما البعض من خلال سقوط آشو ، في حالة حرب مع بعضهما البعض على السيطرة على الهلال الخصيب.[35][36]

الهوامش

  1. ^ It is also possible that Nabopolassar was an ally of Sin-shumu-lishir in the previous revolt and merely continued his rebellion, but this theory requires more assumptions without any concrete evidence.[9]

المصادر

  1. ^ أ ب Liverani 2013, p. 539.
  2. ^ أ ب Frahm 2017, p. 192.
  3. ^ Curtis 2009, p. 37.
  4. ^ أ ب Ahmed 2018, p. 121.
  5. ^ أ ب Na’aman 1991, p. 255.
  6. ^ Ahmed 2018, p. 129.
  7. ^ Ahmed 2018, p. 126.
  8. ^ أ ب ت ث Lipschits 2005, p. 13.
  9. ^ أ ب ت Na’aman 1991, p. 256.
  10. ^ Mary Caperton Morton (15 January 2020). "Megadrought Helped Topple the Assyrian Empire". Eos. Retrieved 21 March 2022.
  11. ^ Beaulieu 1997, p. 386.
  12. ^ Lipschits 2005, p. 14.
  13. ^ أ ب ت Lipschits 2005, p. 15.
  14. ^ Na’aman 1991, p. 263.
  15. ^ Boardman 1992, p. 62.
  16. ^ أ ب Lipschits 2005, p. 16.
  17. ^ أ ب ت Lipschits 2005, p. 17.
  18. ^ أ ب Boardman 2008, p. 179.
  19. ^ Bradford 2001, p. 48.
  20. ^ Potts 2012, p. 854.
  21. ^ أ ب Lipschits 2005, p. 18.
  22. ^ Frahm 2017, p. 194.
  23. ^ Dandamayev & Grantovskiĭ 1987.
  24. ^ Dandamayev & Medvedskaya 2006.
  25. ^ Yildirim 2017, p. 52.
  26. ^ Radner 2019, p. 135.
  27. ^ أ ب Reade 1998, p. 260.
  28. ^ Radner 2019, pp. 135–136.
  29. ^ أ ب Radner 2019, pp. 140–141.
  30. ^ أ ب Lipschits 2005, p. 19.
  31. ^ أ ب ت ث ج Rowton 1951, p. 128.
  32. ^ Bassir 2018, p. 198.
  33. ^ Bertman 2005, p. 19.
  34. ^ Radner 2019, p. 141.
  35. ^ أ ب ت ث Lipschits 2005, p. 20.
  36. ^ Edwards 1970, p. 14.

المراجع