الأدب الاوكسيتاني

الأدب الاوكسيتاني أو الأدب الپروڤنسي Littérature Provençale هو الأدب الشعبي في جنوبي فرنسة، ولغته هي الأوكية Langue d’oc، وهي لغة رومانسية متفرعة عن اللغة اللاتينية ذات لهجات عدة، تكلمها الناس في كل من إقليم پروڤنس Provence، وإليه ينسب هذا الأدب، وبيارن Béarne، وگاسكون Gascogne، وڤال داران Val d’aran في إسبانية، وڤيلانوڤا فونتانه Villanove Fontane في إيطالية، وأقاليم أخرى. ولهذه المناطق لهجات محلية متقاربة مع بعض الفوارق في اشتقاقاتها عن اللاتينية مثل البروفنسية الأوكية والدوفينية Le daunphinois والأوڤرنية L’auvergnat والليموزانية Le limousin.

ويعد الشعر أكثر فنون هذا الأدب شهرة وازدهاراً، وأهم من برز فيه هم شعراء التروبادور وهم مجموعة من الشعراء الغنائيين الذين تألقوا في جنوبي فرنسة وشمالي إيطالية في العصور الوسطى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مراحل تطور الأدب

درج مؤرخو الأدب على تقسيم الأدب البروفنسي إلى ثلاث مراحل: عُرفت الأولى منها بالاتباعية (الكلاسيكية)، وفيها بلغ الأدب ذروة شامخة في البيان والنضج الفني، وامتدت من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر. والثانية كانت مرحلة تشتت، وظهرت فيها لهجات محلية متعددة، وامتدت من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر. والثالثة انتعش الأدب فيها انتعاشاً جزئياً، وامتدت من القرن التاسع عشر إلى أواخر القرن العشرين. وظهرت أثناءها حركة لإحياء التراث البروفنسي.


المرحلة الأولى

تشتمل على أقدم النصوص البروفنسية التي انتهت إلينا محفوظة في مخطوطة لدى الفاتيكان، ويظن أنها تعود إلى القرن العاشر، وهي تتضمن موضوعات مثل «آلام السيد المسيح» Passion، وبعضاً من الشعر التعليمي الوعظي محفوظة في مخطوطة أورليانية Orléans، وازدهر أيضاً الشعر الدنيوي من خلال قصائد وليام التاسع William IX، وهي عبارة عن أحد عشر مقطعاً شعرياً يدعى ستروفِه Strophes، التي تشكل جزءاً من القصيدة الإغريقية تنشده الجوقة، نظمها لتكون مادة للغناء في البلاط، موضوعها الحب النبيل، وهي ذات أسلوب أدبي منمق، وقد اقتفى أثر وليم التاسع الكثير من الشعراء، وجلّهم ينحدر من أصل نبيل. وبذلك غدا هذا الشعر عملاً مؤيداً لسياسة البلاط.

تدور الفكرة الرئيسية في الشعر البروفنسي حول الإخلاص والطهر وتفاني الفارس من أجل الحب، وقد بولغ في هذا الحب حتى غدا ضرباً من العبادة. ومن الأعلام الأثيرة في هذا الحب الأميرة إيلينور Eleanor، وهي حفيدة وليم التاسع وزوج لويس السابع ملك فرنسة، ففي قصرها احتشد شعراء التروبادور، وبنفوذها اجتاح شعر التروبادور شمالي إيطالية. وقد اختلف النقاد في أصول الشعر البروفنسي، فمنهم من رده إلى أصل شعبي لاتيني مستوحى من الأغنيات القروية الساذجة التي حظرت الكنيسة قسماً غير قليل منها في القرن السادس الميلادي. ومنهم من غالى وزعم أن الشعر البروفنسي جاء منذ نشأته منَزَّهاً عن أي تأثير أجنبي، وفي ذلك قال الناقد الفرنسي جان روا «انبثق فجأة زهرةً انشقت عنها الأرض بلا ساق ولا جذور»، ومنهم من يرى أن للموشحات العربية في الأندلس أعظم تأثير في تألق هذا الشعر شكلاً ومضموناً، ومن أدلتهم على هذا الحكم إسراف الشعر البروفنسي في استخدام الموسيقى والقوافي على نحو يذكّر بفن الموشحات العربية، وإلحاحه على فكرة الحب العذري والعاطفة الجياشة التي تعبر عن حالة غرامية شبه مرضية تنشد مَثَلها الأعلى في السيدة لا في العذراء.

التروبادور

اختلف الباحثون في أصل هذه اللفظة، فزعم بعضهم أنها من أصل لاتيني، وتعني «يؤلف»، وذهب بعضهم إلى أنها قد تكون محرفة عن الفعل العربي «طرب». وشعر التروبادور قصائد مغناة تتألف من مقاطع شعرية مختلفة الأوزان والقوافي، وتحافظ على نظام واحد للمقاطع إلا الأبيات الأخيرة منها.

انطلق شعر التروبادور على ألسنة شعراء مهرجين جوالين يتحفون الناس بألاعيبهم وحيلهم، وما إن كاد القرن الحادي عشر ينقضي حتى انفصل الشعر عن التهريج والتسلية، واستوى شعر التروبادور فناً قائماً له شعراؤه الموهوبون الذين ازدادوا عدداً، وطبقت شهرتهم الآفاق، وله موضوعاته المتميزة كالحب العذري الذي تغنى به أكثر من أربعمئة شاعر مثل جوفريه رودل Jaufré Rudel الذي اشتهر بشعره عن الحب غير المتبادل الذي يحرق صاحبه بشوق عارم للمحبوبة، وبرنار دو فنتادور Bernard de ventadour وپيير ڤيدال Piere Vidal وغيرهم. أما أغاني الحب التروبادورية فهي ذات أنماط عدة، أشهرها الشانسون Chanson وفيها يتهالك الشاعر كي يحظى بنظرة من سيدته النبيلة، والألبا Alba، وهي مرثية تعزف ألحان الفراق عند انبلاج الفجر، والباستورل Pastourelle، وتحكي مغامرات فارس مع فتاة ذات أصل وضيع.

ويعد الهجاء اللاذع للمجتمع ثاني الموضوعات التي كانت محوراً للشعر آنذاك، وخاصة هجاء الأسياد الذين يتمرغون في حمأة الرذائل. ومن أهم شعراء الهجاء گاڤودان Gavaudan وپيير دوڤرنيه Piere d’Auvergne.

ومنها النقد السياسي، وفيه لمع برتران ده بورن Bertran de Born الذي كان يستحث أنجال هنري الثاني Henri II على إطاحة مُلْك أبيهم، ولمع أيضاً في هذا المجال الشاعر بيير كاردينال Piere Cardenal الذي انتقد جشع الإكليروس والفرنسيين عموماً بعد أن كان شاعر الحب.

وفي المجال التاريخي اشتهرت في القرن الثاني عشر القصيدة البروفنسية «أنشودة الحرب الصليبية على الألبيجيين» Chanson de la croisade contre les albigeois (والألبيجيون: فرقة دينية مسيحية، أنكرت الحرية وبعْث الأجساد والكهنوت، وحرّمت القسم والزواج)، ولم يشتهر بالشعر الملحمي سوى جيرار دو رويسيون Girard de Rouissillon. وفي النثر الشعري اشتهرت باللهجة البروفنسية رواية شعرية مجهولة المؤلف تدعى «فلامنكا» Flamenca (نحو 1280م) تتألف من ثمانية آلاف سطر، وتدور أحداثها حول الحسد والعادات الاجتماعية.

وقد تضافرت جملة من العوامل في بداية القرن الثالث عشر فأخمدت جذوة الأدب البروفنسي، منها عجز الشعراء عن التجديد في الشكل والمضمون، وانصرافهم إلى الشعر الديني وإفناء قرائحهم في تمجيد القديسين، كما في أشعار جيرو ريكيه Giraut Riquier وقصيدته «العذراء» La Vierge، والتفاتهم إلى المسرحيات الدينية كمسرحيات «الأسرار» Mystères ومسرحيات «المعجزات» Miracles، والحرب الصليبية على الألبيجيين، الذين نعتتهم الكنيسة بالهراطقة. وقد دامت هذه الحرب سنوات عدة في النصف الأول من القرن الثالث عشر، وانتهت إلى سقوط الأرستقراطية التي احتضنت الشعر وروّجت له. وهناك عامل آخر سبّب هذا الانحطاط في الأدب البروفنسي وهو زحف اللغة الفرنسية الشمالية إلى مدن الجنوب، فأزاحت اللغة الأوكية عن عرشها، وصارت لغة البلاد الرسمية. وهكذا انفض الشعراء عن الجنوب الفرنسي، بعد أن أصبحت صنعة الشعر فيه راكدة بائرة.

المرحلة الثانية

اعترى الضعف اللغة الأوكية في هذه المرحلة، وتفرعت عنها لهجات محلية متنافرة إلا أن هذا الركود لم يمنع ثلة من الأدباء أن يهبوا من سباتهم ينادون بإحياء البروفنسية، ورأوا في الفرنسية لغة هجينة، وحدثت نهضة للأدب البروفنسي كان من أعلامها بي دو غاروس Pey de Garros الذي ترجم مزامير داود بلغة أوكية ناصعة البيان، وقصائد غسكونية (1567م) Poesias gasconas، وغيوم آدر Guillaume Ader صاحب القصيدة الملحمية «النبيل الغسكوني» (1610) Lou Gentilome gascoun يمتدح فيها هنري الرابع الغسكوني، وبيير غودلان Pierre Goudelin، وغاسبر زيربان Gaspar Zerbin، والكاتب المسرحي نيقولا فيزيه Nicolas Fize الذي كتب «أوبرا فرونتينيان» (1679) L’Opéra de Frontignan. وأهم ما ميز الأدب البروفنسي في هذه المرحلة أنه عبر عن ذوق باروكي Baroque، ولكن أسلوب الهزل هيمن على نصوصه، وهو هزل ينشأ من الواقع بخلاف الهزل في الأدب الفرنسي الذي يشوه الواقع بأسلوب ساخر. وقد سعى الشعراء والكتاب أيضاً بتأثير من بيير غودلان، الذي يعد رائداً في إحياء اللغة البروفنسية، لإحياء التراث الاتباعي (الكلاسيكي)، ومن أهم هؤلاء الشعراء جان دو فاليز Jean de Valés الذي كتب نصاً هزلياً عن الكاتب الروماني فرجيل[ر]، والشاعر فرانسوا دي كورتيت François de Cortète الذي كتب قصائد ريفية ونصوصاً كوميدية تميزت بأسلوبها الرقيق الذي مازال محطاً للإعجاب حتى اليوم.

المرحلة الثالثة

 
Meeting of the Félibres in 1854
 
Félibrige Latin

بدأت في نهاية القرن الثامن عشر وبقي خلالها الهزل الأوكي مسيطراً على الأدب في بدايتها، ونبغ فيه أعلام منهم ج. ب. فافر J.B.Favre الذي كتب قصيدة بطولية سـاخرة هي «حصار كاداروسا» Lou Siège de Cadaroussa ورواية «قصة جان»Istoriade Jan يصور فيها عادات الحياة الريفية وأخلاقياتها، وهناك أيضاً ج. ب. جيرمان J.B.Germain، وإستاينول Estaynol، وأنطوان فابر دوليڤه Antoine Fabre d’Olivet صاحب كتاب «اللغة الأوكية وأصول مبادئ تكوينها النظرية والتطبيقية»Langue d’oc rétablie dans ses principes constoutifs thèriques et pratiques وهو كتاب جم الفائدة إذ اشتمل على اتجاهات الفكر السائدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ثم أسهمت طائفة من الأدباء في إحياء اللغة الأوكية، منهم جان جوزيف ديولوفه Jean Joseph Diouloufet وجاك جاسمان Jacques Jasmin، وماريوس بوريلي Marius Bourelly وغيرهم، وبشر هؤلاء بمدرسة تأصلت بعدهم لإحياء التراث الأوكي. ففي سنة 1854، في قصر مدينة أفينيون Avignon، اجتمع لفيف من الشعراء البروفنسيين أمثال فريدريك ميسترال[ر] Frédéric Mistral وجوزيف روماني Joseph Roumanille وتيودور أوبانيل Théodore Aubanel وأسسوا مدرسة أدبية باسم «فيليبريج» Félibrige كما أصدروا مجلة سنوية باسم «الحولية البروفنسية» L’Almanach Provençal وكُرِّست هذه المجلة لإذاعة أفكار هذه المدرسة الأدبية وما يكتبه أعضاؤها، وعنيت بتوحيد كتابة اللهجات الجنوبية، وإحياء النصوص البروفنسية.

الأدباء

وقد تألقت أسماء كثيرة أنعشت الأدب البروفنسي وجددته من أمثال أوبانيل وروماني الذي اشتهر بشعره الدنيوي الصادق وبأعماله النثرية التي تميزت بالطرافة وخفة الروح. أما ميسترال، الذي منح جائزة نوبل عام 1904، فقد تميز من معاصريه من الشعراء بقصائده القصصية الطويلة مثل «ميريو» (1895) miréio و«كاليندو» (1867) Calendau. وقد ابتعد غيرهم من الشعراء السلفيين البروفنسيين عن التجديد، فجمدوا الشعر في صيغ وموضوعات محددة. وفي عام 1923 أسست مجلة «أوك» Oc التي نشرت أدباً بروفنسياً عصرياً فيه روح الجدة، ومن كتّاب هذه المجلة شارل كامبرو Charles Camproux وجورج ريبول Georges Reboul و ايف روكيت Yves Rouquette وروبير لافون Robert Lafont الذي كتب «جوان لارسيناك» (1951) Joan Larsinac.

اوكسيتانيا

أراگون


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قشتالة وليون

إيطاليا

كان الأدب البروفنسي مجداً تليداً من أمجاد العصور الوسطى، وترك أثراً واضحاً في آداب فرنسة وإيطالية.

انظر أيضاً

المصادر

  • زكي عروق، محمد قاسم. "البروفنسي (الأدب ـ)". الموسوعة العربية.

للاستزادة

ـ الأدب الأندلسي من منظور إسباني، ترجمة الطاهر أحمد مكي (مكتبة الآداب، القاهرة 1990م).