اضراب حمالي الفحم في بورسعيد 1882

كان أول إضراب في تاريخ الطبقة العاملة المصرية هو إضراب حمالو الفحم في بور سعيد في أول إبريل 1882. كان هناك عدة آلاف من العمال الصعايدة المهاجرين يعملون في بور سعيد التي يوجد فيها مقر الورش الرئيسية وتسهيلات الصيانة الخاصة بشركة قناة السويس. وكانت بور سعيد أهم محطة للتزود بالفحم في هذا الطريق البحري الهام. وكان هؤلاء العمال الصعايدة يستأجرون لتفريغ الفحم المنقول من الخارج على السفن إلى الصنادل وشحنه في المراكب المارة بالقنال.[1]

ولم يكن هذا العمل قديما، إذ أن مدينة بور سعيد نفسها قد تأسست عام 1859، وافتتحت قناة السويس عام 1869، فان العمال كانوا حديثي الهجرة. ولم يستأجر هؤلاء العمال مباشرة من الشركات التي يملكها الأجانب ولكن من خلال وسطاء عرفوا باسم “المشايخ” كانوا يدفعون للعمال أجورهم وكان “رئيس المشايخ” مسئول عن خصم “الفردة” (ضريبة الرأس) من أجورهم. وكان هؤلاء المشايخ يقتطعون من أجر الحمالين نسبة قد تصل إلى 30% من الأجر الذي هو فرنك واحد لكل طن.

وقد بدأ حمالو الفحم إضرابهم في أول إبريل 1882 وهذه كانت فترة عدم استقرار تحت حكم حلف وطني بقيادة أحمد عرابي وكان الخديوي يبحث عن العون الأجنبي كي يعود إلى السلطة ووصلت الأزمة إلى ذروتها في يوليو وبدأ الاحتلال البريطاني على مصر. ولكن مطالب هؤلاء العمال كانت محلية واقتصادية في جوهرها. فقد طالبوا بمضاعفة أجر المقطوعية ورفضوا العودة إلى العمل بالنسبة القديمة. وهى فرنك واحد للطن- وحتى إذا كان ذلك تحت حماية القوات الحكومة. وادعى أصحاب العمل أن أجور حمالي الفحم كانت مرتفعة بل أكثر ارتفاعا من الأجور التي تدفع لأمثالهم في مالطا ومارسيليا وحتى لندن. وفى فترة مبكرة من الإضراب اقترح أصحاب العمل نظاما جديدا للأجور يبقى على أجر المقطوعية القديم ولكنه يخفض عمولات المشايخ، غير أن هذا الاقتراح قوبل باستمرار الإضراب والإلحاح على زيادة النسبة زياد كبيرة مما كان سيفيد العمال والمشايخ. ونتيجة لازدياد الضغط الآتي من ربابنة السفن لعدم استطاعتهم الحصول على الفحم، هددت الشركة بالإتيان بعمال مالطيين وأرمن من اسطنبول وطلبت الحماية من إحدى السفن الحربية البريطانية في حالة حدوث إلى صدامات. وأرسلت لجنتان من القاهرة إحداهما مختلطة (مصرية، أوروبية) والأخرى مصرية لدراسة النزاع. وكان موقف اللجنة الأولى ضد العمال في حين أن اللجنة الثانية دعت إلى زيادة الأجور بنسبة 31%. لكن الشركات رفضت هذه الزيادة وادعت أنها مستغَلة وليست مستغِلة. غير أن العمال عادوا إلى عملهم في مايو بعد أن اضطرت الشركات في حقيقة الأمر إلى قبول الزيادة تحت التهديد بإضراب ثاني. وفى الشهور التالية كسب حمالو الفحم مكاسب إضافية فحصلوا على أجور بلغت ما بين 3 و 4 فرنكات للطن الواحد بالنسبة للسفن التي تتزود بالفحم، وفرنك واحد للطن بالنسبة لتفريغ السفن الناقلة للفحم، وهو عمل أخف وطأة.

غير أن انتصار حمالو الفحم لم يدم طويلا فقد شنت شركات الفحم هجمة في أكتوبر 1882 بعد الاحتلال البريطاني، إذ أغلقت هذه الشركات منشآتها ومنعت الحمالين من الدخول مطالبة إياهم بالقبول بالسعر القديم. وقاوم العمال ولكنهم هزموا في النهاية واضطر بعضهم إلى ترك بور سعيد أثناء غلق الشركات بحثا عن عمل. وأضرب مرة أخرى حمالو الفحم في بور سعيد في إبريل 1907 ولم يكن هذا فقط لزيادة سعر المقطوعية ولكنه أيضا لإلغاء نظام “المقاولة” أي لإيجاد نظام للتشغيل والدفع من شركات الفحم مباشرة. ولكن حمالي الفحم في بور سعيد لم يكونوا لينتصروا في نضالهم ضد المقاولة. والوقع أن وظائفهم كفت عن الوجود في السنوات القليلة التالية بعد تحول السفن والمراكب من الفحم إلى البترول واختفى حمالو الفحم من على المسرح الصناعي وبالتالي اختفوا من على مسرح الصراع الطبقي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

  1. ^ "نشأة الحركة العمالية المصرية". مجلة الاشتراكية الثورية. 1995-06-01.