إنشاء قنصلية مصرية في أديس أبابا 1927

وباعلان تصريح 28 فبراير سنة 1922 من جانب انجلترا، أصبحت مصر بموجبة دولة مستقلة ذات سيادة، وتلا ذلك اعلان من جانب الحكومة المصرية باعتبارها حكومة ملكية دستورية لدولة مصر المستقلة، وقد عنى ولاة الأمور في مصر باعطاء هذا الاستقلال لون الاستقلال الحقيقي الذي تتمتع به الدول صاحبة السيادة الفعلية في الداخل والخارج فبادروا الى التوسع في انشاء الهيئات السياسية التي تمثل مصر المستقلة في الخارج. على أن هذا التوسع شابه الكثير من الأخطاء مثل اختيار العناصر التي تمثل مصر في الخارج. كذلك التوسع في انشاء هذه الهيئات السياسية في بلاد ليس لها صلة بمصر، والتعاضي عن انشائها في بلاد تهم مصر كثيرا (110).

وقد كثر النقد والاعتراض على هذا التوسع، كان بعضه في محله والبعض الآخر كانت وراءه عامل حزبية أو نفعية لا يعنيها صالح البلاد ونفعها. كذلك كان هناك الكثيرون يؤيدون هذا التوسع لأنه صورة لاستقلال مصر ومصلحتها وكرامتها وأن الغاءها أو التقليل منها قد يعود بمصر الى ما كانت عليه قبل التصريح باستقلالها في سنة 1922 حينما كانت السفارات الانجليزية قائمة بأمور مصر في البلاد الأجنبية، ومما يؤكد ذلك أن كل مفوضية مصرية انشئت في الخارج كانت تتسلم من المفوضيات الانجليزية مصالح مصر السياسية في البلد التي انشئت فيها (111).

وكان من ضمن البلاد التي لم تنشأ فياه مفوضية أو قنصلية أثيوبيا، وذلك بالرغم من أهميتها لمصر والضجة التي قامت في أعقاب زيارة الراس تفري وأزمة دير السلطان ومطالبة الرأي العام المصرية بتدعيم العلاقات السياسية بين مصر وأثيوبيا واقامة هيئة سياسية تمثل مصر فيها (112)، والتي كان من المفروض أن تنشأ بها مباشرة بعد استقلال مصر وصدور اللوائح والقرارات المنظمة للسلك السياسي والقنصلي المصري (113). وكانت المفوضية البريطانية هي التي تدير المصالح المصرية وشئون المصريين في اثيوبيا وقد ظل هذا الوضع قائمة الى أن تقرر قنصلية مصرية في أديس أبابا (114).

وبدأت تتخذ اجراءات انشاء القنصلية المصرية بعد أن وافق البرلمان المصري على ميزانيتها (115). فتم اختيار الأستذا عازر إسحق المدرس بمدرسة التجارة العليا بالقاهرة قنصلا لمصر في أديس ابابا، والأستاذ اسكندر عبد الملك المحامي مأمورا بها والأستاذ نمر شنودة سكرتيرا لها (116). وقد صدر القرار الخاص بانشاء هذه النقصلية وتعيين قنصلها في الوقائع المصرية وهو أمر ملكي رقم 87 لسنة 1927 (117). وبذلك تم انشاء قنصلية مصر في اثيوبيا بعد ما يزيد عن أربع سنوات منذ انشاء التمثيل السياسي لمصر في الدول الأجنبية في 18 سبتمبر سن 1923 (118).

على أن الأستاذ عازر إسحق المعين قنصلا لمصر لم يسافر ليتسلم عمله، لأن المرتب الذي يحصل عليه كمدرس بمدرسة التجارة العليا كان يوازي تماما مرتبه كقنصل، لذلك فقد طلبت وزارة الخارجية المصرية منحه مرتب 70 جنيه شهريا نظير عمله كقنصل لمصر في اثيوبيا، ويبدو أن طلب وزارة الخارجية رفض، فعين شخص آخر بدلا منه، على أن باقي العاملين في القنصلية وافقوا على العمل بها وبدأ تدريبهم على الأعمال التي سيقومون بها، ثم يسافرون بعدها الى مقر عملهم (119). وبالرغم من انتهاء تدريباتهم لم يسافروا لاستلام عمله مباشرة، وهو ما كان موضع تساؤل في مجلس النواب عن سبب عدم سفرهم وعدم فتح القنصلية المصرية. وكان التعليل لهذا التأخير في سفرهم أنهم يستعدون للسفر الى هذا البلاد النائية (إثيوبيا ) (120). والواقع أن المصريين كانوا في ذلك الوقت يشعرون برهبة من السفر اليها ويعتقدون أنها في نهاية العالم، لذلك كانت تفشل كل دعوة توجه الى الشباب المصري المتعلم بالهجرة الى اثيوبيا والعمل فيها وذلك بالرغم من وجود نسبة ضخمة من العاطلين المتعلمين في مصر في ذلك الوقت (121). على أن هؤلاء المبعوثين قاموا بواجبهم السياسي طوال مدة بقائهم في مصر وقبل سفرهم الى اديس أبابا، وذلك بالرغم من أنه لم يكن قد عين القنصل البديل بعد. من ذلك حضورهم حفل توديع أول بعثة حكومية تعليمية أرسلت إلى أثيوبيا، كما أرسل اسكندر عبد الملك برقية تمنيات طيبة الى مسيحه عبد السيد رئيس هذه البعثة التعليمية (122).

أما بالنبسة للقنصل قد اختير – بعد عام تقريبا في أواخر سنة 1928- فرج ميخائيل موسى السكرتير الثاني في مفوضية مصر في المانيا لكيون قنصلا في اثيوبيا، وكان سبب اختياره في هذا المنصب أنه كان يبدي اهتماما كبيرا بالأوضاع والأحوال الأثيوبية (123). وقد وافق فرج موسى على تولي هذا المنصب وجاء من برلين في أوائل سنة 1929. ومع أنه لم يكن قد تسلم مهام منصبه، فانه ساهم في حل مشكلة تعيين مطران أثيوباي الذي خلف الأنبا متاؤس المطران الراحل (124). ثم بعد ذلك استعد للرحيل إلى أديس أبابا فوصلها في 20 مارس سنة 1929، حيث كان في استقباله في العاصمة الأثيوبية موظفو القنصلية المصرية الذين سبقوه اليها ومدير الشئون الخارجية الأثيوبية بلاناجينا هيروي وكثير من كبار رجال الدولة الأثيوبيين والجالية المصرية في أثيوبيا، حيث هنأوه بسلامة الوصول، وبعد ذلك ركب السيارة الخاصة ومعه مدير الشئون الخارجية الأثيوبي وذهبا رأسا إلى القصر الملكي حيث الملك تفري الذي رحب به وأقام له مأدبة فاخرة حضرها مدير الشئون الخارجية وكبار رجال الدولة الأثيوبيين والسلك السياسي الأجنبي المعتمد لدى حكومة أثيوبيا، وقد لى القنصل المصري الترحيب الكامل في الأوساط السياسية الأثيوبية (125).

وعندما اكتملت مقومات القنصلية بوصول القنصل اليها بدأت تمارس نشاطها في العمل على تدعيم العلاقات المصرية الأثيوبية. فمن الناحية السياسية، كان القنصل المصري يخبر حكومته بكل التطورات السياسية التي كانت تحدث في أثيوبيا وذلك حتى تشارك مصر فيها مما يترتب عليه تدعيم العلاقات السياسية بينهما (126).

أما من الناحية الاقتصادية، فقد أرسل القنصل تقريرا اقتصاديا هاما عن البلاد الأثيوبية حيث عرف بها ووصفها وذكر أحوالها الاقتصادية وما تتميز به من منتجات زراعية أو صناعية. وأوضح أن السوق الأثيوبية، بالرغم من كثرة الحاصلات والمنتجات الأجنبية فانه قل أن يوجد شيء من الحاصلات المصرية، وعلل ذلك بعدم النشر والاعلان في حين ان الاعلان الأجنبي لمنتجاته التي تعتبر أقل جودة من الانتاج المصري يساعد كثيرا في رواجها. وطلب الاهتمام بالاعلان والدعاية وعرض بعض هذه المنتجات على الملك والرؤوس الأثيوبيين على شكل هدايا، وهذه عادة شائعة هنا، حتى اذا ما تبينوا جودتها انتشرت وبعدها تنافس المنتجات الأجنبية. ودعا بنك مصر ومصنعه الى تسويق منتجاته القطنية في أثيوبيا والتي يمكنها أن تستنفذ جميع ما تنتجه مصر مهما كانت كميته لأن المنتجات القطنية تدخل في اللباس القومي لما يقرب من عشرة ملايين أثيوبي رجالا ونساءا ، وعرض فكرة انشاء معرض مصري دائم للمنتجات القطنية والمنسوجات المصرية كنوع من الدعاية والاعلان (127).

أما في مجال العلاقات الدينية، فبالاضافة الى مساهمته في حل مشكلة تعيين المطران المصري لكنيسة أثيوبيا، فانه أيضا تابعها بعد تسلمه منصبه في أديس ابابا فارسل الى وزارة الخارجية يبلغها بسفر الوفد الأثيوبي المكلف بصحبة المطران الجديد، من أثيوبيا (128) وكتب تقريرا مفصلا عن وصوله أثيوبيا، وطلب تبليغ هذا التقرير الى البطريرك رغبة منه في تدعيم العلاقات الدينية وتقويتها بعد أن تدهورت (129).

أما في مجال العلاقات الثقافية، فقد حافظ على استمرار مد أثيوبيا بالمدرسين المصريين وبالكتب المدرسية لتوزيعها، على مدرسة منليك، كما ساهم مساهمة كبيرة في تدعيم العلاقات الثقافية الاسلامية بين البلدين، فعن طريقه أرسلت مصر بالمدسين الصالحين والاعانات المادية الى المدارس الاسلامية المنشأة في أثيوبيا، كما أرسلت مشيخة الأزهر بعثة تعليمية دينية تقوم بالتعليم والتهذيب والوعظ والارشاد لمسلمي اثيوبيا. ولقد تابع القصنل المصري بنفسه عملية الدراسة في هذه المدارس مشجعا ومدعما لها. وكانت من أكبر طرق الدعاية المصرية في اثيوبيا، فقد شكرت حكومتها وشعبها حكومة مصر على ذلك بل اقترح على الحكومة المصرية أن تفكر وزارة المعارف بأن تفتح بعض المدارس المصرية في أثيوبيا وأن تشرع في تعليم اللغة الإثيوبية (131) في الجامعة المصرية ليستطيع المصريون المهاجرون إلى أثيوبيا سرعة التأقلم. لاسيما أن الاثيوبيين لا يتكلمون سوى لغتهم ويكرهون التحدث بغيرها، هذا بالاضافة الى أنه أثرى متحف أديس أبابا بمجموعة كبيرة من الحاصلات الزراعية المصرية فهي من جانب دعاية اقتصادية ومن جانب آخر فهي ايضا مادة ثقافية لزوار المتحف (132).

هذا بالاضافة الى الأعمال الادارية التقليدية التي يقوم بها القناصل مثل التأشير على جوازات السفر والعقود والشهادات، ورأسه كل ما تصدره مصر من احصاءات وتقارير وارسال خلاصتها الى دولته ويكون على اتصال دائم بكبار التجار وأرباب المصانع والأعمال وتسهيل اتصالاتهم ومعاملاتهم مع مصر (133). ومن ذلك أنه أوصى بأحد الوزراء الأثيوبيين السابقين جاء الى مصر من قبل حكومته لكي يقيم علاقاته التجارية بين البلدين، وطلب القنصل من المسئولين في مصر تسهيل كل السبل الموصلة لاتمام مهمة هذا الوزير السابق (134).

وبفضل علاقات القنصل الطيبة مع حكام أثيوبيا استطاع أن يحصل للحكومة المصرية على حق التمتع بالامتيازات الأجنبية للمصريين في اثيوبيا مثلهم في ذلك مثل رعايا الدول الأجنبية التي لا تتلاءهم معهم القوانين الأثيوبية والنظم القضائية. وعندما وافقت الحكومة الأثيوبية وضعت وزارة الخارجية المصرية مشروع قانون بشأن الاختصاص القضائي للقناصل المصرية بصفة عامة بحيث يمكن تطبيقه في اثيوبيا وغيرها من البلاد التي يجوز فيها التمتع بالامتيازات بمقتضى الاتفاقات أو التشريع الخاص أو العادات المرعية. ويخول هذا الاتفاق للقناصل حق النظر والفصل في المنازعات المدنية والتجارية بين المصريين أو بين الأجنبي والمصري، عندما يكون الأخير مدعى عليه والحكم في المخالفات والجنح التي يرتكبها المصريون في دائرة اختصاصهم القنصلي. ولم يتعرض القانون لمسائل الأحوال الشخصية لصعوبة تكليف القنصل بالفصل فيها لتعدد الطوائف التي تتالف منها الأمة المصرية. ولما لم يكن لمصر قاض في قنصليتها بأديس اباب فقد ندب قنصلها فيها للقيام بأعمال القضاء. وقد وافق عليه البرلمان في 26/6/1937 وأصبح ساري المفعول بعد ذلك (135).


وبالرغم من أهمية وجود تبادل تمثيل سياسي، ومطالبة الراي العامل المصري حكومته بعقد معاهدة ودية مع أثيوبيا، وتشجيع الشباب الأثيوبي على دخول المدارس المصرية لا الأجنبية، ودعوة حكومة أثيوبيا لتعيين قنصل لها في مصر يكون صلة ود بين البلدين (136)، بل أن أحد أصدقاء الملك تفري في مصر وهو يوسف سليمان باشا شكل جمعية جديدة، بعد أن فشلت الجمعية السابقة، باسم "جامعة الرابطة المصرية الحبشية" هدفها تدعيم العلاقات المصرية الأثيوبية في جميع مجالاتها واشترك فيها مجموعة كبيرة من كبار المسلمين والاقباط في مصر (137)، بالرغم من ذلك كله لم يسارع حكام أثيوبيا في تعيين من يمثلهم في القاهرة، حتى بعد أن علموا برغبة مصر في تبادل التمثيل السياسي بينها وبين أثيوبيا في الوقت الذي عينت في الحكومة الاثيوبية من يمثلها في إنجلترا وفرنسا وايطاليا وهي الدول الكبرى المتاخمة لبلادها من معظم الجهات (138).

وربما كان الدافع وراء عدم تعيين قنصل أثيوبي في مصر في هذا الوقت، تفاقهم مشكلة دير السلطان وبعدها مشكلة تعيين مطران مصري لكنيسة أثيوبيا، أو ربما لأنه اكتفى بالقنصل المصري في أديس أبابا الذي نال الحظوة والثقة من الملك تفري (129)، وبالتالي لم يكن في حاجة ماسة لتعيين من يمثله في مصر وهو ما حدث تماما في مشكلة الطلبة والأثيوبيين الذين ارسلتهم حكومتهم الى مصر ليتعلموا فيها ولكنهم فشلوا وأعيدوا الى بلادهم بواسطة قنصل أثيوبيا في القدس (140). واعتقد بالاضافة لما سبق أن الملك تفري أراد أن يوضح لرجال الكنيسة المصرية أنه لا يهتم بمصر ولا بكنيستها، كذلك فان عدم تعيين ممثل له هو زيادة حرص منه فقد تفضح المكاتبات بين القنصلية الأثيوبية أو أن يتفوه أحد من العاملين الأثيوبين بها بحديث أو تصرف يكشف ما يجري في أثيوبيا من أحداث أو دوافع حقيقية للسياسة الدينية التي اتبعها الملك تفري وأتباعه مع الكنيسة المصرية (141).

وعلى أي حال، فقد بدأت المفاوضات بين البلدين لتعيين من يمثل أثيوبيا في مصر، وذلك بعد أن استقر الحكم له بوفاة الامبراطورة زويتو والمنادات به امبراطورا باسم هيلاسلاسي. وبالرغم من موافقة الحكومة المصرية على انشاء قنصلية أثيوبية في مصر فان هذه المفاوضات استمرت فترة طويلة وانحصرت في اختيار المكان الذي ستقام فيه القنصلية (142). وبالرغم من أن مصر عرضت على حكومة الاثيوبية بعض القطع الفضاء التي تصلح لاقامة قنصلية، فانها رفضت، وطلبت أن تمنح قطعة ارض بجانب محطة مصر في منطقة "باب الحديد" (143). وبالرغم من استمرار هذه المفاوضات فقد كانت الحكومة المصرية تفكر في رفع درجة تمثيلها السياسي في اثيوبيا من قنصلية الى مفوضية يعين عليها مؤقتا قائما بأعمال مفوضية ثم بعد ذلك وزيرا مفوضا. وكان الهدف من ذلك تدعيم علاقتها مع أثيوبيا (144). على أن ذلك لم يتم لأن المفاوضات بين الدولتان كانت مستمرة فصرف النظر مؤقتا لحين اتمام انشاء القنصلية الاثيوبية في مصر.

واستمرت المفاوضات بين البلدين لأن الحكومة المصرية لم تستطع أن تحقق لاثيوبيا رغبتها في منحها قطعة أرض بجوار محطة مصر (145). وأخيرا وبعد ست سنوات من افتتحاح القنصلية المصرية في أديس أببا ، أبلغت حكومة أثيوبيا وزارة الخارجية المصرية أنها قررت انشاء قنصلية لها في مصر يكون مقها مدينة بورسعيد. وقد وافقت مصر على قرار الحكومة الأثيوبية هذا، ووصل القنصل الاثيوبي اوتو برهانات مرقس الى القاهرة في أوائل شهر ديسمبر سنة 1924 حيث مكث فيها بضعة أيام ليبدا عمله فيها (146). وادراج اسم القنصل الأثيوبي في قائمة المتمتعين بالاعفاءات الجمركية مثل غيره من ممثلي الدول الأجنبية (147).

ويلاحظ أن انشاء القنصلية الاثيوبية في بورسعيد واكب تدهور العلاقات الإثيوپية الإيطالية والتي بدأت في أواخر سنة 1934 (148)، فهل كان الدافع لانشاء هذه القنصلية واختيار مدينة بورسعيد مقرا لها هو مراقبة التحركات العسكرية الايطالية المارة في قناة السويس، ولخدمة الدعاية الاثيوبية ضد الايطاليين في مصر وتدعيم العلاقات السياسية بين مصر وأثيوبيا حيث كانت الأخيرة في اشد الحاجة الى تأييد الدول ومصر كذلك في صراعها مع الايطاليين من أجل الحفاظ على استقلالها. ومما يؤكد ذلك، أن القنصل الأثيوبي ذكر في تعليله لاختيار مدينة بورسعيد كمقر للقنصلية في أن أبناء بلاده يذهبون ويجيئون دائما عن طريقها ويجب أن يكون هناك قنصل للاهتمام بأمرهم (149).

وهذا صحيح ولكن لماذا في هذا الوقت بالذات وفي هذا المكان، فان الاثيوبيين من قديم يستخدمون بورسعيد في ذهابهم ومجيئهم، كذلك ففي هذا الوقت ايضا نجد أن أثيوبيا ترفع درجة التمثيل السياسي بينهما وبين مصر بعد أن ظلت تتفاوض معها طيلة ست سنوات لكي تنشئ قنصلية لها في الاراضي المصرية، هذا في الوقت الذي تسرف فيه حكومة مصر النظر عن رفع التمثيل السياسي بينها وبين اثيوبيا وذلك تطبيقا منها لسياسة الحياد الذي اتبعتها ازاء الصراع الايطالي الاثيوبي، وبالفعل ارسلت الحكومة الاثيوبية قائمة بأعمال المفوضية وقدم أوراق اعتمداه واقام في القاهرة مع استمرار اقامة القنصل الأثيوبي في بورسعيد. أليس في هذا محاولة لكسب التأييد المصري لجانب الأثيوبيين، وبالفعل فقد تجددت الدعوة في مصر الى ضرورة تدعيم العلاقات المصرية الأثيوبية في جميع مجالاتها (150).

ولقد استمر القنصل المصري فرج موسى يقوم بعمله في اثيوبيا حتى تقرر نقله الى روما العاصمة الايطالية وتعيين الأستاذ عوض أحمد البحراوي بدلا منه في هذا المنصب، ولقد اثار هذا الاجراء من جانب الحكومة المصرية الرأي العام المصري واعتبرها محاولة لكسب رضاء إيطاليا وطالب بضرورة الحرص على علاقة مصر بأثيوبيا للروابط الدينية والتاريخية والطبيعية التي بينهما، كما أن القنصل فرج موسى كان قد درس البلاد وأهلها واكتسب ثقة ومحبة حكامها وبالتالي فائدته تكون أكثر من آخر يعين بدلا منه يجهل البلاد وظروفها ويحتاج الى زمن طويل لمعرفتها واكتساب ثقة حكامها وخصوصا في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها أثيوبيا (151). على ان هذا الاعتراض لم يجد، فقد تم نقله، إلا أن القنصل الجديد لم يستطع أن يتسلم عمله بسبب الحرب الإيطالية الحبشية الثانية وتعذر السفر الى اثيوبيا (152).

ولقد أحدث نقل القنصل السابق فرج موسى بعض التأثير السيئ في الدوائر الرسمية الاثيوبية وأعرب الامبراطور الاثيوبي هيلاسيلاسي عن عدم ارتياحه لهذا النقل في ذلك الوقت خصوصا وأنه كان يثق فيه كثيرا (153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً