أخبار:ملك إسبانياالسابق خوان كارلوس يغادر البلاد

الملك الإسپاني السابق خوان كارلوس.
خوان كارلوس والملك عبد الله.
ملك البحرين حمد بن عيسى يستقبل ملك إسپانيا السابق خوان كارلوس في المنامة.

كانت المحكمة العليا الإسپانية قد أعلنت في يونيو 2020، عن فتح تحقيق في احتمال تورط خوان كارلوس بقضية فساد مرتبطة بتشييد قطار فائق السرعة في السعودية. وقال مكتب المدعي العام بالمحكمة إنّه يسعى لكشف علاقة الملك السابق بالمشروع منذ يونيو 2014، وهو التاريخ الذي فقد فيه خوان كارلوس حصانته، حين تنازل عن العرش لصالح ابنه فليپه.[2]

وقد فازت شركات إسپانية بعقد قيمته 6.7 مليار يورو لبناء خط قطار سريع بين مكة والمدينة، الذي يُعرف بمشروع قطار الحرمين السريع.

ويشمل التحقيق مصارف سويسرية، ويشتبه مسؤولو مكافحة الفساد الإسپان، أنّ الملك السابق أخفى أموالاً غير معلنة في سويسرا، حيث لا يزال التحقيق جارياً. وبحسب موقع "لا فانگارديا" الإسپاني، ينتظر المحققون الإسپان وثائق حول الملف من السلطات السويسرية. وقال مكتب المدعي العام إن التحقيق "يهدف إلى تثبيت أو استبعاد ضرورة (الملاحقة) الجنائية على أساس الوقائع التي جرت بعد شهر يونيو 2014".

ويركز تحقيق المدعي السويسري إيڤ بيرتوسا على هدية تلقاها خوان كارلوس من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله عام 2008 بقيمة 100 مليون دولار (80 مليون جنيه إسترليني) وما إذا كانت على صلة بإبرام عقد بقيمة 6.7 مليار يورو لإنشاء قطار الحرمين السريع في السعودية.

وكشفت التحقيقات عن وجود مؤسستين بالخارج على صلة بحسابات بنكية سويسرية، الأولى هي مؤسسة لوكوم ومقرها پنما، والتي تأسست لتلقي منحة العاهل السعودي بقيمة 100 مليون دولار. وقد تمت تصفيتها عام 2012 وتحويل قيمة المنحة بالكامل تقريباً لصالح تسو زاين-ڤيتگينشتاين وهي سيدة أعمال ألمانية المولد.

وتحتفظ تسو زاين-ڤيتگينشتاين بعقد موقع من خوان كارلوس يفيد بأن التحويل المالي كان "منحة لا ترد" وليس غسيل أموال، غير أنها تقول كذلك إنها دفعت الأموال التي تم تحويلها إليها من مؤسسة لوكوم لشراء شقتين تستخدمهما هي وخوان كارلوس في منتجع ڤيلارز السويسري.

أما المؤسسة الثانية فهي زاگاتكا المسجلة في ليختنشتاين والمستفيد الرئيسي منها ألڤارو دي أورلينانز وهو ابن عم غير مباشر للملك. وقد قام المدعي السويسري باستجواب دي اورلينانز بشأن تلقي حساب المؤسسة البنكي عدة ملايين من صفقات تجارية بالخارج، وبشأن انفاق زاگاتكا أكثر من خمسة ملايين يورو على رحلات طيران خاصة لصالح خوان كارلوس.

ويقول دي أورليانز إنه ساعد الملك بدافع الإحساس بشرف العائلة وإن ملايين زاگاتكا تخصه بالكامل.

شبهات سابقة

تكررت التلميحات والشائعات خلال فترة حكم خوان كارلوس بشأن حياته الباذخة والمزاعم حول علاقاته العاطفية خارج إطار الزواج وصلاته بصفقات تدور حولها شبهات فساد غير أن وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية غضت النظر عنها إلى حد كبير، حتى أبريل 2012 حين وقع حادث خلال ممارسة الملك آنذاك لإحدى هواياته وهي الصيد.

لم يكن الملك في رحلة صيد للخنازير البرية أو الغزلان في بلاده وإنما للأفيال في بتسوانيا، في وقت وصلت فيه معدلات البطالة في إسپانيا إلى 24 في المئة خلال أسوأ موجة ركود منذ تولى خوان كارلوس قيادة البلاد نحو الديمقراطية.

وما لبث أن كُشف الغطاء عن هذه الرحلة السرية حين تعرض خوان كارلوس لكسر في الفخذ ونقل إلى إسپانيا. وجاءت حادثة الصيد بعد فترة وجيزة من فضيحة أخرى حين تورط زوج ابنته إيناكي اوردانگارين في قضية فساد أودت به إلى السجن عام 2018.

حينها انقلبت وسائل الإعلام والتي كانت مهادنة له في السابق على خوان كارلوس. وعلى الفور تم إبلاغ المواطنين الإسبان بأن ملكهم كان في بتسوانا مع عشيقته تسو زاين-ڤيتگينشتاين في رحلة تكفل بها قطب سعودي.

وأدت سلسلة من المشكلات الصحية والشائعات المتواصلة بشأن حياته الخاصة إلى اتخاذه قراراً بالتنازل عن العرش لصالح ابنه فليپه في يونيو 2014. لكن الأسوأ كان بانتظار "الملك الفخري" الجديد.

في عام 2018 نشرت صحيفة إل سپانيول الإلكترونية سلسلة مقالات بنيت على محادثات مسجلة بين تسو زاين-ڤيتگينشتاين وخوسيه فيلاريخو وهو محقق شرطة سابق مسجون حالياً. ولم تكن عشيقة خوان كارلوس السابقة على علم بأن فيلاريخو اعتاد على تسجيل محادثاته مع ذوي الثروة والنفوذ.[3]

وخلال حديثها معه في منزلها بلندن عام 2015 أشارت تسو زاين-ڤيتگينشتاين إلى ما وصفتها بجهود خوان كارلوس الخرقاء في غسيل الأموال. وتحدثت عن أنها تفاجأت حين قيل لها أنها تلقت هدية عقارية من العاهل المغربي محمد السادس بقيمة 3 ملايين يورو قبل أن يُطلب منها نقل ملكيتها إلى خوان كارلوس.

وبحسب التسجيل قالت تسو زاين-ڤيتگينشتاين بصوت يكاد يكون مسموعاً "يقولون إنها لا تريد رد الممتلكات، لكنني إن فعلت سأواجه تهمة غسيل الأموال وأودع السجن". وبعد ذلك زعمت أن جهاز الاستخبارات الإسپانية شن حملة ترهيب منظمة لإجبارها على التعاون معه.

وقالت تسو زاين-ڤيتگينشتاين "ليس لدى الملك أي فكرة عما هو قانوني وما هو غير ذلك".

أدت التسجيلات مباشرةً إلى فتح تحقيقين في جنيف والمحكمة الوطنية في إسپانيا. وتولت المحكمة العليا في إسپانيا التحقيق لكونها الجهة القضائية الوحيدة المخولة بمساءلة ملك سابق.

رغم أن عجلة الإجراءات القضائية تدور ببطء وقد لا تؤدي بخوان كارلوس إلى قفص الاتهام على الإطلاق، فإن وسائل الإعلام فتحت أبوابها على مصراعيها فيما يتعلق بنمط الحياة المترف للملك السابق. وكشفت صحيفة إل باييس الإسپانية --والتي كانت داعماً تقليدياً قوياً لخوان كارلوس- عن قيام الملك السابق في عام 2010 بزيارة مدير ثروته بمنزله في سويسرا حاملاً حقيبة تحوي مبلغ 1.9 مليون دولار قال إنه هدية من ملك البحرين حمد بن عيسى.

ولعل أكثر ما ألحق ضرراً بالملكية في إسبانيا كمؤسسة هو ما كُشف عنه في مارس 2020 حول وجود اسم فليپه كمستفيد بالوراثة من مؤسستي لوكوم وزاگاتكا، الأمر الذي دفع الملك الحالي لإعلان رفضه لأي تركة اقتصادية ربما يكون خوان كارلوس قد أوصى بها له.

وفي بيان عن العائلة المالكة في إسپانيا، أُعلن أن خوان كارلوس لن يحصل بعد ذلك على مخصصاته السنوية من الميزانية الرسمية للدولة والتي تقدر بـ200 ألف يورو. ولم يظهر خوان كارلوس علناً منذ ذلك الحين.

لا يتمتع المك السابق بأي حصانة في سويسرا بغض النظر عن تاريخ ارتكاب أي جرائم محتملة، وبالتالي يبقى الأمر مرهوناً بالمدعي بيرتوسا ما إذا كان سيوجه إليه اتهامات. وفيما يخص تحقيق المحكمة العليا في إسپانيا، يعتقد أغلب الخبراء أن الاتهامات لن تطال الملك السابق لأن أغلب الجرائم المحتملة وقعت قبل تخليه عن العرش.

كما صوت الكونگرس الإسپاني ضد طلب من أقلية تضم أحزاب اليسار وأحزابا إقليمية لعقد جلسة تحقيق حول أصول ثروات خوان كارلوس بالخارج.

بعد ثلاثة أيام من إعلان رفضه لثروة أبيه، ظهر فليپه في التلفزيون مخاطباً الشعب الإسپاني بعد فرض إجراءات الإغلاق بسبب وباء كورونا، ولم يشر إلى أي من الفضائح، فيما خرجت أقلية من المواطنين في الشرفات تقرع الأواني احتجاجاً على تصرفات العائلة المالكة.

على مدى الأسابيع الأخيرة، رفضت العائلة المالكة التعليق على أي من التفاصيل التي تم الكشف عنها والتي صارت تشير إليها بوصفها "الحياة الخاصة" لخوان كارلوس.

لكن التقارير التي تحدثت عن نقل ملايين اليوروهات إلى مقر إقامة العائلة المالكة في قصر زارزويلا من قبل خوان كارلوس ومعاونيه، وظهور تسجيل جديد لتسو زاين-ڤيتگينشتاين تقول فيه إن الملك السابق كان يدفع نفقات عائلته " نقداً"، كل هذا لا يضع مجالاً للملك فليپه لأن ينأى بنفسه عن خطايا أبيه.

ويرى البعض أن فليپه بحاجة إلى أن يتخذ خطوات أوسع باتجاه القطيعة مع الماضي. رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أقر مؤخراً بأن الاتهامات بحق خوان كارلوس "مزعجة"، وقال إنه يؤيد تعديل مبدأ الحصانة المطلقة لرأس الدولة.

ويقول خوسيه أنطونيو زارزاليخوس المؤيد البارز للملكية ورئيس التحرير السابق لصحيفة إيه بي سي الملكية إن الملك فليپه بحاجة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات لتأمين مستقبله على العرش، بما في ذلك "الإبعاد الفعلي" لخوان كارلوس من قصر زارزويلا. ويضيف " على فليپه أن يقدم توضيحاً كاملاً للمجتمع الإسپاني وأن يدرس الكشف عن الدخل مثلما يفعل الساسة المنتخبون".


المصادر

  1. ^ "Spain's former king Juan Carlos, suspected of corruption, leaves the country: palace". فرانس پرس. 2020-08-03. Retrieved 2020-09-03.
  2. ^ "خوان كارلوس: التحقيق مع الملك الإسباني السابق بتهم فساد مرتبطة بالسعودية". بي بي سي. 2020-08-03. Retrieved 2020-08-03.
  3. ^ "ملك اسبانيا السابق كارلوس تلقى عشرات ملايين الدولارات من السعودية والمغرب والبحرين". بي بي سي. 2020-07-20. Retrieved 2020-08-03.