أخبار:الأمن اللبناني يتصدى للمحتجين بأسلحة فرنسية

مواجهات الأمن مع محتجي طرابلس اللبنانية، 26 يناير 2021.
من احتجاجات طرابلس اللبنانية، 27 يناير 2021.

في 28 يناير 2021، أُعلن عن اصابة 220 شخصاً بجروح في اشتباكات عنيفة دارت في اليوم السابق، بمدينة طرابلس، شمال لبنان بين قوات الأمن ومتظاهرين خرجوا للاحتجاج على القيود الصحيّة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ فيها البلاد.[1] وبعد ساعات، أُعلن عن وفاة شاب لبناني (30 عاماً) بطرابلس متأثراً بإصابته أثناء اشتباكات اليوم السابق.[2]

وقالت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية إنّ المواجهات أسفرت عن سقوط 226 جريحاً، 66 منهم نقلوا إلى المستشفيات بسبب خطورة إصاباتهم والبقية أسعفتهم ميدانياً طواقم طبية تابعة للصليب الأحمر اللبناني وجهاز الطوارئ والإغاثة. وفي تغريدة على تويتر قالت قوى الأمن الداخلي إنّ عددا من عناصرها تعرّضوا لهجوم "بقنابل يدوية حربية وليست صوتية أو مولوتوف، مما أدّى إلى إصابة 9 عناصر، بينهم 3 ضباط، أحدهم إصابته حرجة".

وأفاد مراسل وكالة فرانس پرس أنّ المواجهات اندلعت بعد الظهر عندما رمى عشرات الشبّان الحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات باتّجاه عناصر القوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة وخراطيم المياه لتفرقتهم، في مشهد تكرّر في اليومين السابقين. بعدها حاول حشد من المحتجّين الغاضبين اقتحام مبنى السراي، مقرّ محافظ المدينة، بينما تجمّع آخرون في ساحة النور، أحد أبرز ميادين الاعتصام خلال الاحتجاجات الضخمة التي شهدها لبنان بطوله وعرضه ضدّ الطبقة الحاكمة في خريف 2019.

في مساء 27 يناير سمع مراسل فرانس برس إطلاق أعيرة نارية حيّة مجهولة المصدر في منطقة موقع التظاهرة بينما أشعل المتظاهرون النار في مدخل مبنى للشرطة. وقال محمّد (25 عاماً)، المتظاهر الملثّم الذي فقد عمله مؤخراً في تصليح السيارات، "اتخذنا قراراً بمواصلة تحركاتنا مهما كلّف الثمن (...) لأنّه لم يبق لنا ما نخسره في البلد". وأضاف "نحن نعيش في المدينة بظروف بائسة، لم أترك باباً إلا طرقته لكنّني لم أجد فرصة عمل تؤمّن قوتنا اليومي".

وفي 26 يناير كانت مواجهات مشابهة لكن أقلّ حدّة أسفرت عن إصابة 45 شخصاً، مقارنة بـ30 شخصاً أصيبوا في المواجهات التي دارت يوم الإثنين، وفقاً للصليب الأحمر اللبناني. وطرابلس، ثاني كبرى مدن لبنان كانت أصلاً إحدى أفقر مدن البلاد حتّى قبل أن يتفشّى فيروس كورونا المستجدّ وتضطر السلطات لفرض تدابير إغلاق عام في محاولة لوقف تفشّي الجائحة، في إجراءات أدّت إلى تدهور الظروف المعيشية في البلاد.

الأسباب

ووجد قسم كبير من سكّان المدينة، ولا سيّما منهم العمال المياومون، أنفسهم بدون أي مدخول منذ دخلت حيّز التنفيذ إجراءات الإغلاق العام. وبالإضافة إلى الوضع الصحّي شبه الكارثي، غرق لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975-1990) إذ انخفضت قيمة عملته إلى مستوى غير مسبوق وتضاعفت معدّلات التضخّم في البلاد واضطرت شركات عديدة إلى القيام بعمليات تسريح جماعية لموظفيها. وبات نصف سكان لبنان الآن يعيشون تحت خط الفقر، في حين أن الطبقة الحاكمة متّهمة بعدم الاكتراث بمشاكلهم.

وبعدما كانت حركة الاحتجاج ضدّ تدابير الإغلاق العام تقتصر على مدينة طرابلس لوحدها، امتدّت شرارة الاحتجاجات يومي الثلاثاء والأربعاء إلى مدن أخرى حيث قطع متظاهرون بعض الطرق. وفي العاصمة بيروت، أضرم متظاهرون النار في إطارات سيارات أمام جدار يفصل ساحة رياض الصلح في وسط المدينة عن مقرّ البرلمان، فيما أغلق آخرون طريق المدينة الرياضية بحاويات القمامة والإطارات المشتعلة، بحسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام. ويشهد لبنان منذ نحو أسبوعين إغلاقاً عاماً مشدّداً مع حظر تجول على مدار الساعة يعدّ من بين الأكثر صرامة في العالم، لكنّ الفقر الذي فاقمته أزمة اقتصادية لا تنفكّ تتفاقم يدفع كثيرين الى عدم الالتزام سعياً إلى الحفاظ على مصدر رزقهم.

ولا يمنع تشدّد السلطات في تطبيق الإغلاق العام الذي يستمر حتى الثامن من شباط/فبراير وتسطير قوات الأمن يومياً الآف محاضر الضبط بحق مخالفي الإجراءات، كثيرين ولا سيّما في الأحياء الفقيرة والمناطق الشعبية من الخروج لممارسة أعمالهم، خصوصاً في طرابلس حيث كان أكثر من نصف السكان يعيشون منذ سنوات عند أو تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ويرجّح أن تكون النسبة ارتفعت على وقع الانهيار الاقتصادي.

وذكرت وسائل اعلام محليّة الثلاثاء أنّ أباً يعمل سائق أجرة أقدم على ترك طفلته التي تبلغ بالكاد عامين مع أحد ضباط الجيش ليلاً في طرابلس لعدم قدرته على إطعامها. وتولى الصليب الأحمر الكشف عن صحتها قبل أن يصار الى توقيف الأب ثم تسليمه الطفلة. ولبنان البالغ عدد سكّانه ستة ملايين نسمة سجّل منذ مطلع العام معدّلات إصابة ووفيات قياسية، بلغت معها غالبية مستشفيات البلاد طاقتها الاستيعابية القصوى. وارتفع عدد الإصابات منذ بدء تفشي الفيروس إلى أكثر من 289 ألفاً و660، بينها 2553 وفاة.

أسلحة فرنسية

حثّت منظمة العفو الدولية في 28 يناير 2021 فرنسا على تعليق تصدير أسلحة إلى بيروت ما لم تتعهّد باستخدامها بما يتماشى مع القانون الدولي، مؤكّدة أنّ أجهزة الأمن اللبنانية استخدمت أسلحة فرنسية الصنع لقمع متظاهرين سلميين. وقال مسؤول كسب التأييد للحدّ من الأسلحة في الفرع الفرنسي لمنظمة العفو الدولية آيمريك إلوين في تقرير، إنّ "فرنسا لا تزال منذ سنوات تزوّد قوات الأمن اللبنانية بمعدّات إنفاذ القانون التي استخدمتها لارتكاب أو لتسهيل ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان". وتحقّق مختبر أدلّة الأزمات وهيئة التحقّق الرقمي في المنظمة من صحة 101 مقطع ڤيديو لاحتجاجات اندلعت صيف العام 2015 امتعاضاً من سوء إدارة أزمة النفايات في البلاد، وللتظاهرات غير المسبوقة التي شهدها لبنان بدءاً من 17 أكتوبر 2019 احتجاجاً على الانهيار الاقتصادي وفشل الطبقة السياسية في تسيير شؤون البلاد.[3]

وتحدّثت المنظمة عن دور مشين أدّته الأسلحة الفرنسية. وأفادت عن إصابة "ما لا يقلّ عن ألف محتجّ بسبب استخدام القوة بشكل غير قانوني من جانب قوات الأمن اللبنانية التي استخدمت في الكثير من الأحيان أسلحة إنفاذ القانون الفرنسية الصنع، من ضمنها المواد الكيماوية المهيّجة مثل الغاز المسيل للدموع، والمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي، والقاذفات المتعلّقة بها". وقال إلوين "يجب على السلطات الفرنسية أن تُبلّغ قوات الأمن اللبنانية أنها لن تستطيع استئناف الصادرات إلا إذا برهنت تلك القوات على أنّ هذه المعدات تُستخدم على نحو يتماشى مع القانون والمعايير الدولية بشأن استخدام القوة والحقّ في حرية التجمّع السلمي".

وأضاف أنّ "إحدى الطرق التي تبرهن على ذلك هي إثبات إجراء مساءلة كاملة على الانتهاكات الماضية، وتقديم تعويض كافٍ لضحايا الانتهاكات". ووثّقت المنظمة إقدام قوات الأمن خلال العام الماضي على "إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع على المحتجّين مباشرة - وهذه ممارسة غير قانونية وخطرة للغاية، كذلك أطلقتها من عربة متحركة ما يجعل السيطرة على إطلاقها مستحيلاً". وتسبّب ذلك بـ"إصابات خطرة في الرأس، والجزء العلوي من الجسد في صفوف المحتجّين". وندّدت المنظمة بعمل قوات الأمن اللبنانية "في أجواء الإفلات من العقاب". وأكّدت أنّه "لم يجر أيّ تحقيق فعّال في الاستخدام غير القانوني للأسلحة ومن بينها تلك المصنوعة في فرنسا، ضدّ المحتجين السلميين، ولم يخضع أيّ فرد من قوات الأمن للمساءلة من جانب السلطات القضائية".


المصادر

  1. ^ "220 جريحاً في ليلة ثالثة من الاشتباكات بين قوات الأمن اللبناني ومحتجي طرابلس". مونت كارلو الدولية. 2021-01-28. Retrieved 2021-01-28.
  2. ^ "وفاة شاب متأثرا بإصابته خلال احتجاجات شمال لبنان". روسيا اليوم. 2021-01-28. Retrieved 2021-01-28.
  3. ^ "لبنان: "العفو الدولية" تندد باستخدام قوات الأمن أسلحة فرنسية وتدعو لتعليق تصديرها". مونت كارلو الدولية. 2021-01-28. Retrieved 2021-01-28.