أحمد بن عبد الله الكرماني

حميد الدين أحمد بن عبد الله الكرماني الملقب بحجة العراقين (352 - بعد 412هـ/963 ـ بعد 1021م)، من أعظم أقطاب الدعوة الإسماعيلية الفاطمية أيام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وكبير الدعاة، وأبرز متكلمة الإسماعيلية وفقهائهم، كان من أقوى الدعاة وأنشطهم، عالم بارز؛ فكلف مهمة داعية العراقين وفارس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد في القاهرة ورحل إلى فارس، وكان يتردد على القاهرة، وكان يخالف الغلاة والنحلة الدينية الدرزية التي ظهرت آنذاك، ويدحض مقالاتهم، وقد استدعاه الحاكم بأمر الله سنة 409هـ/1018م إلى القاهرة للرد على حسين بن حيدرة الفرغاني المبتدع الخارج على المذهب؛ الذي قُتِل بعد قليل من ذيوع دعوته والفرغاني المسمى بالأخرم أو الأجدع، ظهر في القاهرة عقب ظهور حمزة بن علي الزوزني مؤسس الدعوة الدرزية بقليل سنة 408هـ/1018م ودعا بما يشبه ما دعا إليه حمزة وقال: «إن المعبود هو الحاكم»، وقال بالتناسخ والحلول وألوهية الحاكم، ونادى بإبطال النبوة والنبوات، وأسقط اسم الله واسم النبي والأئمة واسم أمير المؤمنين، وعدّ التنزيل والتأويل والتشريع خرافات وقشوراً، وأرسل بمضمون نظريته رقاعاً إلى العلماء والقضاة والأكابر، وكان الكرماني ممن تلقوا إحداها، وذاعت دعوته في العامة والمغامرين والمرتزقة، وحدث خرق كبير في المذهب الفاطمي ذلك الوقت أواخر سني الحاكم هدّد كيان المذهب والدولة بالانهيار، وكتب الكرماني رده على الفرغاني حين كان في القاهرة سنة 409هـ/1018م في «الرسالة الواعظة» يفند فيها مقولاته ويدحضها، ويشرح الكرماني في الرسالة (سمو الألوهية) ومهمة الإمام القائم في تلقي رسالتها، ويرد على تساؤلات الأخرم عن معنى الإسلام وشرائطه، وعن الشريعة وكونها محدثة أم قديمة مع الدهر؟ وكون الشريعة هي الدين أم طريق الدين؟ وما النفس والعقل؟ بالقول: «إن علم ذلك شريف مثبت في صحف مكرّمة، وديعة من جهة أربابها: الرسول   والقائم فينا عبد الله ووليه ابن نبيه الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين وآبائه الأئمة الطاهرين»، وندد بإغفال اسم الله والنبي والأئمة وأمير المؤمنين الذين هدم الله بهم أركان الضلال، وبيّن بهم الحرام من الحلال، ولا يقبل الله أعمال العباد إلا بولايتهم.

ويدحض الكرماني دعوة الأخرم لألوهية الحاكم فيقول: «إن الله تعالى ليس بجسم، وليس هو المادة، وهو متقدس عن صفات الجسم ومتقدس عما يدرك بالعقول والأفهام؛ ولذا فإن العبادة ليست لشخص، وإن المعبود ليس بشخص؛ وبذلك ظهر كفرك وإلحادك، نعوذ بالله منهما» ويقول: «وأما قولك وقول أصحابك: إن المعبود تعالى هو أمير المؤمنين فقول كفر تكاد السموات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدّاً أن دعوا للإله المعبود غيراً، فيا لجسارة على الله حين جعلوا إليه شريكاً ما أعظمها! ويا لجرأة على الله تعالى حين جعلوا المعبود غيره تعالى: ما أفظعها! ولقد قالوا عظيماً، وافتروا إثماً؛ مبيناً وذلك كفر محض. فما أمير المؤمنين إلا عبد خاضع، له طائع، يسجد لوجهه الكريم، ويعظمه غاية التعظيم، وباسمه يستفتح، وعليه في أموره يتوكل، وأمره إليه يفوض، والله تعالى قد فضله على خلقه، وجعله من جهة رسوله محمد   خليفة له في أرضه، ووسيلة لعباده إلى جنته، وأوجب طاعته، وهو ـ سلام الله عليه ـ يتبرأ إلى الله تعالى ممن يعتقد فيه ذلك، وهو ينفي ما تنسبه أنت وأصحابك إليه عن نفسه»، ويتابع الكرماني: «أما قولك وقول أصحابك: إن الشريعة والتنزيل والتأويل خرافات وقشور وحشو لا تتعلق بها نجاة؛ فهو شقاوة تدعو إلى حر النيران وكفر من الشيطان وارتداد عن الإسلام. ولولا أن أمير المؤمنين أسدل ستر الأمن على المؤمن والمنافق والمسلم والكافر لكان الجواب عن ذلك التنكيل بك، ثم قطع الوتين منك، وتجريد حد السيف عليك، وأنصحك، ومن نكال الدنيا والآخرة أحذرك، وإياك وهذه المقالات الشنيعة، ولا يغرّنّك الإغفال عنك، وتب إلى الله تعالى قبل أن يضيق عليك الإمهال».

وللكرماني ثلاث عشرة رسالة، أهمها التاسعة؛ واسمها «مباسم البشارات بالإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين» والحادية عشرة واسمها «الكافية في الرد على الهاروني الحسني»، والهاروني فقيه زيدي تُوفي 411هـ، وله كتاب «البلاغ الأكبر» الذي يدحض فيه نسبة الحاكم إلى ولد عبد الله بن ميمون القداح، ويؤكد نسبته لعلي بن أبي طالب، ويوردها كاملة؛ بيد أن كتابه «راحة العقل؛ هو أهم ما كتب، ويعرض فيه فلسفة المذهب الإسماعيلي متكاملة، ويبحث في ذات الله تعالى، فينزهه عن الصفات وعن الجسمانية، ويبين مراتب الدعوة على النحو الآتي: الناطق، الأساس، الإمام، الباب، الحجة، داعي البلاغ، الداعي المطلق، الداعي المحصور، المأذون المطلق، المأذون المحصور، المكاسر.

ويشرح الكرماني نظرية الحكم الإمامية الفاطمية، ويرى أن طاعة الإمام واجبة للملوك والرعايا، وأنه رئيس الدولة الأعلى، وقد يكون هو الإمام الروحي والملك الزمني معاً، وقد يكون تحت رياسة ملوك آخرين يدينون له بالطاعة الدينية والدنيوية، وهو الحاكم المطلق، وعنه تتدرج السلطات من أعلى إلى أسفل؛ فهي إذاً من الناحية الدستورية نظرية الحكم المطلق، وتتميز فوق ذلك بأن الإمام رئيس الدولة الأعلى يتصف بالعصمة والقداسة بصفته قائم الزمان وأن قيامه يرجع إلى مشيئة الله.

مات الكرماني في فاس.


المصادر

  • يوسف الأمير علي. "الكرماني (أحمد بن عبد الله ـ)". الموسوعة العربية.

للاستزادة

  • محمد عبد الله عنان، الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية (مكتبة الخانجي، القاهرة 1983).
  • محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية (دار الفكر العربي، القاهرة 1995م).