أندريا دل ڤروكيو

(تم التحويل من Andrea del Verrocchio)

أندريا دل ڤـِرّوكيو (ح. 1435-1488) وُلِد أندريا دي ميشله دي فرانشسكو ده چيوني، كان نحات إيطالي، صائغ ومصور عمل في بلاط لورنزو ده مديتشي في فلورنسا في مطلع عصر النهضة. قليل من الرسومات تُنسب إليه بثقة، ولكن عدد من الرسامين الهامين تدربوا في روشته. تلاميذه ضموا ليوناردو دا ڤنشي، پييترو پروجينو ولورنزو دي كردي. أهميته الكبرى كانت كمثـّال وآخر أعماله، التمثال الراكب لبارتولوميو كوليوني في البندقية، يُعترف به عالمياً على أنه أحد روائع الفن.

أندريا دل ڤـِرّوكيو
Andrea del Verrocchio
طوبيا والملاك رفائيل (Panel 84 x 66 cm) (المعرض الوطني، لندن)
اسم الميلادAndrea di Michele di Francesco de' Cioni
وُلِدح. 1435
فلورنسا، إيطاليا
توفي1488
البندقية، إيطاليا
المجالتصوير، نحت
الحركةالنهضة الإيطالية
Worksطوبيا والملاك (تصوير)
تعميد المسيح (رسم - مع ليوناردو دا ڤنشي)
المسيح مع القديس توماس (برونز)
Putto with a Dolphin (برونز)
داڤيد (برونز)
تمثال ممتطي لبارتولوميو كوليوني (برونز - صبه ليوپاردي)

كان لڤـِرّوكيو "عين حقة" وأوتي من الشجاعة ما أمكنه به أن يفعل هذا الذي عجز عنه مينو، وأخرج أعظم آيتين من آيات النحت في عصره. أما رسومه هو فأكثرها جامد، ميتة؛ وقل أن يوجد في صور عهد النهضة ما هو أبعث على النفور من صورة تعميد المسيح الذائعة الصيت؛ فالمعمد فيها متطهر متزمت، عنيد، والمسيح وهو على ما يظن في الثلاثين من عمره يبدو كأنه شيخ مسن؛ والملاكان اللذان إلى يساره فدمان فدامة نسوية، ومن هذه الصور صورة المَلَك التي كان من العادة أن تعزى إلى ليوناردو؛ غير أن صورة طوبياس والملائكة الثلاثة صورة ممتازة؛ وفي صورة الملك الوسطى ما يستبق رشاقة صور بتيتشلي ومزاجه، كما أن صورة الشاب طوبياس تبلغ من الجمال حداً لا يسعنا معه إلا أن نقول إنها هي صورة لورنزو أو أن نقّر أن داڤنتشي قد اخذ من طراز فيروتشيو في التصوير أكثر مما كنا نظن. وثمة رسم لرأس امرأة محفوظ في كنيسة المسيح Christ Church بأكسفورد يوحي مرة أخرى بالتفكير السماوي الغامض الذي يطالعنا في صور نساء ليوناردو، كما أن صور مناظر فيروتشيو الطبيعية القائمة تنبئ مقدماً بالصخور القاتم والمجاري الخفية الغامضة التي نشاهدها في آيات ليوناردو الخيالية الحالمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد أندريا دي تشونه Andrea di Cione في فلورنسا، وحمل لقب معلّمه الصائغ جوليانو فيروكيو Giuliano Verrocchio، ويعدّ واحداً من ألمع المبدعين الإيطاليين في النصف الثاني من القرن الخامس عشر. عمل في حياته صائغاً ونحاتاً ومصوراً ورساماً للمناظر وموسيقياً. تتلمذ على يد النحات دوناتلو Donatello، وفي التصوير على يد ألـِسو بالدوڤينتي Alesso Baldovinetti، وكان أسلوبه الفني فجّاً وقاسياً كما كان يميل إلى الدقة في محاكاة الواقع.

اهتمّ في صغره بالعلوم كثيراً ولاسيّما الهندسة. وفي الفترة التي تكوّنت فيها شخصيته في مشغل صياغة الذهب نفّذ تكوينات زخرفية للكاتدرائية في فلورنسا. ومن أهم أعمال هذه المرحلة أيضاً قصعة كبيرة نفّذ على سطحها الخارجي عناصر زخرفية كثيفة ومتنوعة (نباتيةً، وحيوانيةً، وأشكالاً غير مألوفة) وكانت بديعة الصنع والمنظر، وحازت شهرة واسعة حتى إن جميع العاملين في مجال الصياغة كانوا يعرفونها. كما نفذ مزهرية عالج سطحها الخارجي بتكوين بارز يمثل أطفالاً يرقصون بحماسة ظاهرة.

تأثّر ڤـِروكيو بتقاليد المدرسة الفلورنسية التي تعد من أقدم مدارس عصر النهضة إذ تعود بداياتها إلى العصر القوطي منذ عهد جوتو Giotto. وقد اهتمت هذه المدرسة بالموضوعات الدينية على الرغم من الرغبة الدفينة لدى الفنانين في تنفيذ موضوعات مستمدة من الأساطير، والتغني بجمال الطبيعة، وتمجيد الحياة الدنيوية الرغيدة.

وأكبر الظن أن ثمة كثيراً من الخيال في القصة التي يرويها فاساري عن ڤروكيو ويقول فيها إنه لما رأى صورة الملاك التي رسمها ليوناردو في تعميد المسيح «اعتزم ألا يمسك الفرشاة مرة أخرى، لأن ليوناردو وهو لا يزال في شرخ الشباب قد بزه في هذه الصورة.» ولكننا نعلم أن ڤـِرّوكيو، وإن ظل يشتغل بالتصوير بعد ظهور صورة التعميد قضى في الواقع معظم سني حياته بعد نضوجه في الاشتغال بالنحت، فعمل بعض الوقت مع دوناتلو وأنطونيو بولايولو، وتعلم من كل منهما شيئاً، ثم نَـــمَّى هو طرازه الخاص الذي يمتاز بالصرامة وبالزوايا.


الاتجاه إلى النحت

سافر فروكيو إلى روما، ولحظ الاهتمام الكبير بالأعمال النحتية المتوزعة في ميادينها وساحاتها، فانشدّ إليها، وعزم على التخلّي عن مهنة الصياغة والانصراف إلى دراسة النحت. في البداية ركّز اهتماماته على صب الأعمال النحتية الصغيرة بمادة البرونز. كما نفذ أعمالاً نحتية بالرخام تمثل أضرحة ووجوه شخصيات معروفة، واكتسب إبان إقامته هناك شهرة كبيرة وجمع كثيراً من الأموال.

وأخذ يشق طريقه بنفسه فصب من الصلصال المحروق تمثالا نصفياً مبرءاً من الملق للورنزو-أظهر فيه أنفه، وقُصَّته ، وجبهته التي تنم عن كثرة القلق. ومهما يكن من أمره فإن المانيفيكيو (الأفخم) قد سره كثيراً نقشان في البرونز للإسكندر ودارا نقشهما له ڤروكيو؛ فبعث بهما إلى ماثياس كورڤينوس ملك المجر، وعهد إلى المثال (1472) أن يخطط في كنيسة سان لورنزو قبراً لأبيه پييرو وعمه جوڤاني. ونحت ڤروكيو الناووس في الحجر السماقي وزينه بقوائم من البرونز، وأكاليل في صورة بديعة الأزهار.

وصب بعد أربع سنين في عام 1476 كُلف تنفيذ تمثال داود David بارتفاع ذراعين ونصف الذراع، فأنجزه على هيئة محارب يافع توارت حداثته خلف وقفته القتالية، يمتشق سيفاً؛ وعلى الأرض بين قدميه رأس جوليات Goliath (جالوت) المقطوع. لقد بدا داود بملامح أرستقراطية يرتدي زيّ الصالونات المزركش، وترتسم على محياه الحيرة وعلى شفتيه ابتسامة ساحرة شبيهة بابتسامة الموناليزا (في لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة). نفذ فروكيو هذا العمل بمادة البرونز وبتقانة رفيعة المستوى. وكان فيروكيو شغوفاً بهذه المادة، ونتيجة لنجاحاته لُقِّب بـ«المعلم المتألق». لم يتطرق فيروكيو لموضوع داود؛ لينافس النحات دوناتلّو، وإنما قدمه تعبيراً عن ثقافة العصر، وانعكاساً للمرحلة التي يمثلها الحاكم لورنزو ده مديتشي الذي كلفه تنفيذ هذا العمل، فجاء رمزاً للنضال ولشرعية السلطة في هذه المرحلة. وأعجب به مجلس سيادة فلورنسا إعجاباً لم يسعه معه إلا أن يضع التمثال على رأس الدرج الرئيسية في قصر فيتيشيو، وقبل هذا المجلس في ذلك العام نفسه تمثالاً من البرنز يصور غلاماً يمسك الدلفين ويتخذه بزبزاً لعين ماء في فسقية قائمة في فناء القصر. وصمم ڤروكيو وهو في عنفوان مجده وصب من البرنز فجوة في جدار أورسان ميتشيل من الخارج ومجموعة من تماثيل المسيح وتوماس الشاك (1483). وصورة المسيح تنم عن النبالة القدسية، كما أن توماس قد صور بعطف وإدراك، وقد صقلت يداه صقلا بلغ من الكمال حداً قلما يرى له نظير في التماثيل؛ وتمثل الأثواب انتصار فن النحت، والمجموعة كلها تطالعك بواقعية حية يخيل إليك أنها تتحرك.


تمثال بارتولوميو كوليوني

 
تمثال بارتولوميو كوليوني، من صنع المثال ڤروكيو، صبه ليوپاردي

من أبرز الأعمال النحتية التي نفذها فيروكيو أيضاً النصب التذكاري لقائد الجيش المظفر بارتولوميو كوليوني Bartolomeo Colleoni.

كان هذا القائد قد خصص في وصيته مبلغاً من المال من أجل تشييد عمل نصبي له. وفي عام 1479 أعلن مجلس شيوخ البندقية عن مسابقة، وبناءً على شهرة فروكيو واسعة الانتشار وتفوقه في صناعة التماثيل والنقوش البرونزية لم يسع مجلس شيوخ البندقية معه إلا أن يدعوه (1479) إلى تلك المدينة ليصب لها تمثالاً لبرتولوميو كليوني Bartolomeo Colleoni، المحارب المغامر الذي كسب النصر لدولة الجزيرة في عدة وقائع. ولبى أندريا الدعوة، وعمل نموذجاً للجواد، وكان يتأهب لصبه من البرنز حين علم أن مجلس الشيوخ يفكر في أن من الخير أن يقصر عمله على صنع تمثال الجواد وحده، وأن يترك تمثال راكبه إلى النحات ڤـِلانو Vellano من أهل بدوا. فما كان من أندريا، كما يقول فاساري إلا أن حطم رأس النموذج وسيقانه وعاد إلى فلورنس مغضباً حانقاً. وأنذره مجلس الشيوخ أنه إذا وطئت قدماه أرض البندقية بعدئذ حطم رأسه تحطيماً حقيقياً لا مجازياً، فأجابه بأن ليس له لأن يتوقع عودته إلى المدينة لأن الشيوخ لم يؤتوا كما أوتى المثالون من المهارة ما يستطيعون به أن يعيدوا الرؤوس المحطمة إلى أصحابها. ثم عاد مجلس الشيوخ ففكر في الأمر تفكيراً خيراً من تفكيره الأول، وعهد إلى فيروتشيو بالمهمة كلها مرة أخرى، وأقنعه بأن يعود إلى عمله نظير أجر يعادل ضعفي الأجر الأول؛ فعاد وأصلح رأس نموذج الجواد وأفلح في صبه؛ ولكن المكان الذي كان يعمل فيه ارتفعت حرارته أثناء العمل ارتفاعاً كبيراً، ,اصيب فروكيو ببرد وقشعريرة، ومات بعد بضعة أيام وهو في السادسة والخمسين من عمره (1488)، ولما وضع أمامه في ساعاته الأخيرة صليب خشن الصنع، طلب إلى من حوله أن يبعدوه عنه وأن يأتوا إليه بصليب آخر من صنع دوناتلو، حتى يموت، كما كان يعيش، في حضرة الأشياء الجميلة.

وأتم المثال البندقي ألساندرو ليوپاردي Alessandro Leopardi التمثال العظيم. وأخرجه في طراز حي، وأبرز فيه على خير وجه من الحركة والسيطرة ما نفي عن هذا التمثال أية خسارة بموت فروكيو. وأقيم التمثال في كامبو دي سان دسانيوپولو Campo di San Zaniopolo- ميدان القديسين يوحنا وبولس؛ ولا يزال يزهو فيه إلى اليوم، وهو أجمل ما بقي من عصر النهضة من تماثيل الفوارس وأعظمها خيلاء. ومن الجدير بالذكر أن ثمة نسخة ثانية لهذا العمل البديع موجودة حالياً في الساحة الداخلية لأكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة البولونية وارسو.

مواده ودراساته

استخدم ڤروكيو، إضافة إلى البرونز، خامات مختلفة في تنفيذ أعماله النحتية، وكان شغوفاً باستخدام مادة الجص؛ هذه المادة التي كان يصنعها بنفسه من الصخور الطرية التي كان يحصل عليها من ضواحي سيينا وفولتيرا بعد تعريضها إلى حرارة كافية وطحنها. ومن الملاحظ استخدامه لمادة الجص في الصب المباشر للأعضاء الإنسانية الحية كاليدين والساقين والقدمين، والجذوع، إضافة إلى وجوه الموتى. لذلك يُشاهد في فلورنسا حالياً كثير من هذه العناصر في التزيينات الداخلية فوق الأبواب والنوافذ التي تبدو كأنها حية. قدم فروكيو، علاوة على ذلك، تجربة ناجحة باستخدام الشمع في بناء أعماله النحتية. وكانت تبدو بعد تلوينها وكأنها شخوص حية، كما قدم كثيراً من الأعمال المنفذة بمادة الخشب ومادة الطين المحروق terracotta.

لم يهمل ڤروكيو التصوير حتى مع انشغاله بتنفيذ الأعمال النحتية، وكان قد أعدّ كثيراً من الدراسات الأولية لموضوعات تاريخية وأسطورية؛ إلا أنه لم يتمكّن من تنفيذها لانشغاله بتنفيذ لوحات أخرى، ومن أهم أعماله في مجال التصوير لوحة تمثل تعميد السيد المسيح. وقد ساعده على تنفيذها ليوناردو دا ڤنشي عندما كان تلميذاً يافعاً في مرسمه. وكان ليوناردو قد نفذ فيها هيئة الملَك، وبدا واضحاً تفوقه على معلمه موازنة مع الشخصيات الأخرى التي نفذها فروكيو الذي انصرف عن الرسم نهائياً بعد أن رأى تفوق تلميذه عليه كما يقول ڤازاري Vasari، ولكن الحقيقة هي أن فعاليّة فروكيو واهتمامه الرئيسين قد انصبا على النحت دون غيره، وأن الأعمال الكبيرة التي كُلِّفها في هذا الميدان (النحت) لم تترك له إلا القليل من الوقت للعمل في التصوير، وهذا ما كان يضطره في أغلب الأحيان إلى أن يعهد بأعمال التصوير إلى تلامذته ومساعديه. وعند رحيله إلى البندقية حيث دُعي لتشييد نصب بارتولوميو كوليوني، سلّم فيروكيو إدارة مشغله إلى تلميذه الأثير لورنزو دي كريدي Lorenzo di Credi الذي أعاد جثمان معلّمه ڤـِروكيو إلى بلده بعد وفاته.

مرسم ڤروكيو

كان مرسم فروكيو جامعاً لخصائص النهضة، ذلك أن الفنون جميعها قد وجدت فيه في مشغل واحد، وكثيراً ما اجتمعت كلها في رجل واحد؛ فكان في وسعك أن تجد في مكان واحد فناناً يصمم بناء كنيسة أو قصر، وآخر يحفر أو يصب تمثالا، وثالثا يخطط صورة أو يرسمها بالألوان، ورابعاً يقطع جوهرة أو يرصع بها، وآخر يحضر أو يطعم العاج أو الخشب، أو يصهر المعدن أو يطرقه، أو يصنع الأعلام لموكب في عيد؛ وكان في وسع رجل مثل فروكيو، أو ليوناردو، أو ميكل أنجلو، أن يقوم بهذه الأعمال كلها. وكانت فلورنس تضم كثيراً من هذه المدارس، وكان طلاب الفن يسيرون في الشوارع في غير احتشام(27)، أو يعيشون عيشة بوهيمية يسكنون في الطوابق السفلى المستأجرة، أو يصبحون أثرياء يجلهم البابوات والأمراء كأنهم أرواح ملهمة لا تقدر بثمن، ويعلون على القانون-كما كان شأن تشيليني. وكانت فلورنس تجل الفن والفنانين ;أأكثر أكأكثر مما تجلهما مدينة أخرى عدا أثينة وحدها، وتتحدث عنهم وتقتتل من أجلهم، وتروي عنهم القصص(28) كما نروي نحن قصص الممثلين والممثلات. وكانت فلورنسا في عهد النهضة هي التي أوجدت الفكرة الوجدانية للعبقرية-أي للرجل الملهم بروح قدسية مستكنة فيه.

وخليق بالذكر أن مدرس فروكيو لم يترك وراءه مثًّالا عظيما عدا ليوناردو (الذي لم يكن مثالا خالصا بل جمع إلى عظمته في فن النحت عظمة أخرى في غيره من الفنون) يستطيع أن يواصل العمل الممتاز الذي بلغه هذا الأستاذ؛ ولكنه علم رسامين نابغين- هما ليوناردو وبروجينو- وآخر أقل منهما كغاية وإن كان ايضاً من ذوي الكفايات الملحوظة، ونعني به لورنزو دي كريدي Lorenzo di Credi. وكان سبب ذلك أن الرسم أخذ يحل تدريجاً محل النحت بوصفه الفن المحبب إلى قلوب الناس؛ وأكبر ظننا أنه قد كان من الخير أن الرسامين لم يفيدوا من الرسوم الجدارية القديمة المفقودة، ولم يخضعوا لها ويتقيدوا بها. لقد كانوا يعرفون أنه كان يوجد من قبل رجال مثل أپليز Apelles وپروتوگنيز Protogenes، ولكن قل منهم من شاهد بقايا الرسوم القديمة في الإسكندرية أو بمبي؛ لهذا لم يكن ثمة إحياء للقديم في هذا الفن، وكان الاتصال بين العصور الوسطى والنهضة في هذه الناحية واضحاً لا خفاء فيه: فقد كان خط السير من الرسامين البيزنطيين لدوتشيو Duccio ثم إلى جيتو فالراهب أنجلكو فليوناردو، فرفائيل فتيشيان، نقول إن هذا الخط كان منحرفاً معوجا، ولكنه كان واضحاً لا خفاء فيه؛ ومن أجل هذا كان على الرسامين، أن يضعوا بتجاربهم وأخطائهم قواعد فنهم وطرازه، ولم يكن هذا شأن المثالين. لقد فرض عليهم الابتكار وفرضت عليهم التجارب فرضا، فكانوا يكدحون لإظهار دقائق تشريح الإنسان، والحيوان، والنبات؛ وجربوا أنواعاً من التوليف الدائري، والمثلثي وغيرهما من الأشكال؛ وكشفوا عن حيل المنظور، وخداع التظليل لكي يعطوا لخلفيات الصور أعماقاً؛ ولاشكالهم أجساماً؛ وكانوا يجوبون الشوارع بحثاً عن الرسل والعذارى، ورسموا من نماذج عارية أو مكسوة، وانتقلوا من التصوير على الجص إلى التصوير الزلالي، ثم انتقلوا مرة أخرى من هذا إلى ذاك، واستخدموا القواعد الجديدة للرسم بالزيت التي جاء بها إلى شمالي إيطاليا روگير ڤان در ڤيدن Rogier van der Weyden وأنطونيو دا مسينا Aonio da Messina، وكانوا كلما ازدادوا مهارة وشجاعة، وكثر عدد مناصريهم من غير رجال الدين، أضافوا إلى الموضوعات الدينية القديمة قصصاً من الأساطير اليونانية والرومانية، وأنماطاً من التمجيد الوثني للجسم؛ وجاءوا بالطبيعة إلى مَرْسَمِهم، واندمجوا هم في الطبيعة، فلم يكن شيء في بني الإنسان أو في الطبيعة يبدو في نظرهم غريباً على الفن، ولم يكن ثمة وجه مهما بلغ من القبح لا يستطيع الفن أن يكشف عما فيه من معنى خفي وضاء. لقد كانوا يسجلون العالم؛ ولما أن جعلت الحرب والسياسة إيطاليا سجنا ويبابا، ترك الرسامون وراءهم خطوط النهضة وألوانها وحياتها وعواطفها الجائشة، وأخذ الرجال الموهوبون الذين كونتهم هذه الدراسات والذين ورثوا تقاليد مطردة الثراء من الأساليب، والمواد، والأفكار-أخذ هؤلاء الرجال يرسمون خيرا مما كان يرسمه العباقرة منذ قرن من الزمان. ويقول فاساري في لحظة من لحظات فظاظته إن بنوتسو گوتسولي Benozzo Gozzoli» لم يكن من الأفذاذ الممتازين... ولكنه بز كل من في مثل سنه بمثابرته، لأن بين أعماله الجمة عدداً منها لا يسع الإنسان إلا أن يقول إنها طيبة«(29).

وقد بدأ الرجل حياته الفنية تلميذاً من تلاميذ الراهب أنجلكو، وتبعه إلى روما وأرفيتو ليكون مساعداً له في عمله. ثم استدعاه بيرو المريض بالنقرس إلى فلورنسا، وطلب إليه أن يصور على جدران المعبد في قصر آل مديتشي رحلة المجوس من الشرق إلى بيت لحم. وهذه الصور هي أروع آيات بنوتسو التي صورها في الجص، وهي تتكون من موكب فخم ولكنه موكب حي من الملوك والفرسان في ثياب فخمة، ومن الأتباع والخدم، والملائكة، والصائدين، والعلماء، والأرقاء، والخيل، والفهود، والكلاب، ومن نحو ستة من آل مديتشي - ومن بينتسو نفسه، وقد أدخل بحيلة ماكرة إلى هذا الاستعراض؛ ومن وراء كل هذا في الصورة خلفيات ومناظر طبيعية جميلة تثير الدهشة. وامتلأ قلب بينتسو وهوا بهذا الظفر العظيم فسافر إلى سان جمنيانو San Gimignano وزين مكان المرنمين في سانت أجستينو Sant' Agstino بسبعة عشر منظراً مستمدة من حياة القديس شفيعها. وظل بعدئذ سبعة عشر عاماً يكدح في كامپو سانتو Campo Santo في بيزا يغطي مساحات كبيرة من جدرانها بواحد وعشرين منظراً من أسفار العهد القديم تبدأ من آدم إلى عهد النهضة. وكانت العجلة التي اتسمت بها أعمال بنوتسو سبباً في الحط بعض الشيء من جودة اعماله، فقد كان قليل العناية برسومه، وجعل كثيراً من صوره علة وتيرة واحدة باعثة على السآمة، وحشد فيها طائفة جمة مربكة من الاشخاص والتفاصيل؛ ولكنها كان يسري فيها دم الحياة وبهجتها، وكان يحب ما فيها من مناظر قوية ومن تمجيد العظماء؛ وإنما في ألوانه من روعة، وفي خصب إنتاجه من حماسة ليكاد ينسينا ما في خطوطه من نقص وعيوب.

معرض الصور

أعمال من ڤـِرّوكيو
مادونا مع الطفل الجالس (گمالده‌گالري، برلين) 
تعميد المسيح, 1474-1475, Verrocchio assisted by Leonardo da Vinci (Uffizi, Florence) 
مادونا مع القديسين يوحنا المعمدان ودوناتوس (كاتدرائية پيستويا) أكملها لورنزو دي كرِدي 
'مادونا مع الطفل، ح. 1470, من ورشة ڤـِروكيو (نيويورك، متحف متروپوليتان للفن) 
المسيح والقديس توماس (Orsanmichele, فلورنسا) 
الولد المجنح مع درفيل (قصر ڤكيو، فلورنسا) 
داڤيد (بارجلو، فلورنسا) 
كوندوتييره بارتولوميو كوليوني على صهوة جواده (قام بصنع الموديل ڤـِروكيو، وصبه ألساندرو ليوپاردي وعلى قاعدة صنعها ليوپاردي) (Campo SS Giovanni e Paolo في البندقية) 


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • أحمد الأحمد. "فيروكيو (أندريا دي تشونه المعروف بـ -)". الموسوعة العربية.