نزهون بنت القلاعي الغرناطية (توفيت 550هـ - 1155م) هي نزهون محمد بن أحمد بن خلف القليعي الغساني شاعرة أندلسية مجيدة. كانت تساجل الرجال وتجادلهم. اشتهر شعرها بقوته وعدم تورعها عن استخدام الألفاظ الفاحشة والخادشة للحياء وهو ما يعرف باسم الشعر المكشوف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأتها

نزهون بنت القلاعي شاعرة أندلسية عاشت في أوائل القرن الثاني عشر في مدينة غرناطة في عصر المرابطين، الذي ازدهرت فيه العلوم في الأندلس وعم البلد الرخاء. وكان عهدهم، رغم كل ما اتهم به هؤلاء البربر القادمين من الصحراء الإفريقية من التعصب، من أكثر العصور نشاطاً للأديبات، وخاصة في مدينة غرناطة، واحدة من أهم مدن عصرها في شبه الجزيرة الإيبيرية.

وكان والدها محمد بن أحمد بن خلف القليعي الغساني قاضياً، تولى قضاء غرناطة سنة 508هـ, وتوفي سنة 510ه ـ وكان من أهل الفضل والحسب والدين، ولم تحتفظ المصادر بتاريخ ولادة نزهون أو وفاتها.

كانت نزهون ذات جمال فائق, خفيفة الروح، سريعة البديهة, كثيرة النوادر, بارعة في الأدب, حافظة للأشعار مع معرفة بضرب الأمثال, نابغة في قول الشعر.

وإذا أخذنا شح أخبار النساء الشاعرات في كتب التراث بعين الاعتبار، فإن ما حافظت عليه المصادر عن حياة نزهون الماجنة وأشعارها الهجائية، مفاجئ بوفرته، فقد وصلتنا أشعارها وأخبار عن حياتها، التي كانت موضوعاً تداوله الرواة في روايات عدة، مع أننا نعرف القليل عن أصلها أو طبيعة علاقاتها مع الرجال الذين تعاملت معهم. قال عنها الضَّبّي في كتابه "بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس" أنها "كانت سريعة البديهة حاضرة الجواب"، وأما ابن الأبار، فقال عنها في مصنفه "التكملة لكتاب الصلة" أنها "كانت صاحبة فكاهة ودعابة وكانت ماجنة"، وكذلك ابن سعيد المغربي الذي وصفها أنها: "شاعرة ماجنة كثيرة النوادر". عاشت نزهون في غرناطة تحت ظل أبو بكر محمد بن سعيد، الذي كان مولعاً بها. ونعرف عن طريق قصيدة أرسلها لها أنه كان يغير عليها من كثرة صحبتها للرجال فيقول: يا من ألفُ خِلٍّ من عاشقٍ وصديقْ أراكِ خلَّيت للناس منزلاً في الطريق قد يتساءل القارئ كيف يمكن لرجل في مكانته أن يسمح بمثل هذا التجافي؟ قد يعود ذلك إلى سرعة بديهة نزهون وذكائها، إذ عرفت كيف تحافظ على مكانته المميزة، مجيبة في هذه المناسبة أنها تقدمه على سواه، كما قدم أهل الحق أبي بكر الصديق على غيره، لما له من سابقة في الإسلام.[1]


الشاعرة الحرة، سليطة اللسان

مما يمكن إعادة نسجه من كتب التراث، نحن نعرف أن نزهون لم تكن من الجواري، وكذلك كان حال معظم الشاعرات الأندلسيات، ولكن الحرية التي تمتعت بها نزهون كانت مع ذلك نادرة. وقد لعب دوراً في ذلك ما اشتهر عنها من سلط اللسان، إذ كان يسعفانها دائماً في تعاملها مع الرجال. عرف عن والي غرناطة أبو بكر بن سعيد حبه للمجالس الأدبية، فكان يجمع فيها أشهر شعراء عهده الذين كانوا يسافرون إلى غرناطة خصوصاً لحضور هذه المجالس في قصوره. وأما نزهون، فكانت هي أيضاً ضيفة على هذه المجالس، تتعامل مع هؤلاء بطلاقة تحت رعاية الوالي.

شعرها

قرأت نزهون على أبي بكر المخزومي الأعمى (541هـ) وتأثرت به وبطريقته. كانت بينها وبين ابن قزمان منافرة ومجادلات لا تخلو من سلاطة اللسان ولم تتورع فيها عن استخدام الألفاظ الفاحشة ردا عليه أو على من يسيء لها غيره.

أمثلة من شعرها

هجاؤها للمخزومي وابن قزمان

وصلنا من أشعارها سبع قصائد قصيرة، يتميز معظمها بهجاء لاذع وألفاظ غير لائقة لا نجدهما إلا عند شاعرتين أندلسيتين سبقتاها في هذا المجال، وهما ولادة بنت المستكفي ومهجة بنت التياني. يمكننا أن نقول أن شهرة نزهون تعود إلى هجائها لشاعرين معروفين من شعراء عهدها هما: أبو بكر المخزومي الأعمى وابن قزمان الزجال. فهل دخلت التاريخ لجرأتها؟ كان المخزومي ذا لسان سليط مثلها لا يسلم من هجائه أحدٌ، حتى أبناؤه. وقد تبادلا شعراً ونثراً يحتوي على ألفاظ يخجل منها حتى محققي المصادر التي ترد فيها مناوشاتهما فيحذفونها، رغم إيرادها في المخطوطات، ومنها، تعرّض المخزومي لها متهماً إياها بالكبرياء رغم فحشها، إلى درجة أنه ينوه بعلاقة جنسية بينهما فيقول: ألا قل لنزهونة ما لها تجرُّ من التِّيه أذيالها ولو أبصرت فَيْشةً شَمَّرِتْ ـ- كما عّوَّدَتْني - سِرْبالها فتجيب هي بما هو أشنع: قُلْ للوَضيعِ مقالاً يُتْلى إلى حين يُحْشَرْ من المدوَّر أُنْشِئْت والخرا منه أعْطَر تدخل أشعارهما المتبادلة في مجال الدعابة، التي كانت من غير شك تضحك الجالسين في الأسمار، فقد عرفت نزهون بخفة الروح والحلاوة وسرعة الجواب. ولا شك أن علاقتها مع المخزومي كانت علاقة صداقة متينة، فقد كانت تجالسه وتأخذ منه الشعر، فكان يقال "لو كنت تبصر من تجالسه"، وتجيب هي متباهية بفتنتها، "لغدوت أخرس من خلاخله". كانت إذاً امرأة فصيحة تسلط سيف لسانها للمدافعة عن نفسها وتستخدم الهزل لصالحها لتضحك الرجال بينما هي تتمتع بحرية الرأي والقول في عالم الذكور، فكان الفحر والهجاء سلاحٌ يمنع الآخرين من التجرؤ على انتقادها في الملأ والتقليل من قيمتها.

وهي القائلة مفاخرةً بنفسها وبجودة شعرها: إن كنتُ في الخَلْقِ أُنْثى فإنَّ شِعْري مذكَّر وأما قصتها مع ابن قزمان فطرفة أخرى من طرفها. وكان ذلك عند وصول هذا الزجال الشهير إلى غرناطة للقاء الوالي ابن سعيد في قصره، لابساً غِفارة صفراء، وهي زي الفقهاء في ذلك الوقت. وكان ابن قزمان معروفاً أيضاً بالمجون وشرب النبيذ، ولا شك أنه كان يبغي التهكم من فقهاء عصره فقد كانت سلطتهم قوية في عصر المرابطين. عندما رأته نزهون قالت له: "أصبحت كبقرة بني إسرائيل ولكن لا تَسُرُّ الناظرين"، قاصدة معجزة البقرة الصفراء في قصة النبي موسى. فقال لها: "إن لم أسُر الناظرين، فأنا أسُر السامعين، وإنما يُطلب سرور الناظرين منك، يا فاعلة يا صانعة". كل هذه الروايات في العصر المرابطي تدل على حاجة الناس الماسة إلى الترفيه عن الذات، كما أنها تقدم لنا لمحة على مجتمع دفعه التعصب إلى المجون الكاريكاتوري. من شعرها تخاطب أستاذها الأعمى المخزومي بهجاء فيه إقذاع فتقول:

قل للوضيع مقالا يتلى إلى يوم يحشر
خلقت أعمى ولكن تهيم في كل أعور
جازيت شعرا بشعر إني لعمري أشعر
إن كنت في الخلق أنثى فإن شعري مذكر

من نوادر نزهون الغرناطية جاء الشاعر ابن قزمان ليناظر نزهون الغرناطية وكان يرتدي رداءً واسعا أصفر اللون فلما رأته قالت: "إن ابن قزمان كبقرة بني إسرائيل صفراء فاقع لونها ولكن لا تسر الناظرين"

وقال في المغرب: من أهل المائة الخامسة ذكرها الحجاري في المسهب، ووصفها: بخفة الروح، وانطباع النادرة، والحلاوة، وحفظ الشعر، والمعرفة بتصريف الأمثال مع جمال فائق وحسن رائق. وكان الوزير أبو بكر بن سعيد أولع الناس بمحاضرتها ومذاكرتها ومراسلتها، فكتب إليها مرة هذين البيتين:

يا من له ألف خل... من عاشق وصديق
أراك خليت للنا... س منزلاً في الطريق

فأجابته:

حللت أبا بكر محلاً منعته... سواك وهل غير الحبيب له صدري؟
وإن كان لي كم من حبيب فإنما... يقدم أهل الحق فضل أبي بكر

ولما قال فيها الأعمى المخزومي:

على وجه نزهون من الحسن مسحة ... وتحت الثياب العار أو كان باديا
قواصد نزهون توارك غيرها ... ومن قصد البحر استقل السواقيا

قالت:

إن كان ما قلت حقاً ... من نقض عهد كريم
فصار ذكرى ذميماً ... يعزى إلى كل لوم
وصرت أقبح شيء ... في صورة المخزوم

وقال لها بعض الثقلاء:

على من أكل معك خمسمائة سوط فقالت:
وذى شقوة لما رآني رأى له ... تمنيه أن يصلى معي جاحم الضرب

فقلت: كلها هنيئاً وإنما ... خلقت إلى لمس المطارف والشرب

ودخل الكندي الشاعر على المخزومي وهي تقرأ عليه، فقالت: أجز يا أستاذ:

لو كنت تبصر من تكلمه ... فأنعم وأطال الفكر، فما وجد شيئاً!!. فقالت:

لغدوت أخرس من خلاخله

البدر يطلع في أزرته ... والغصن يمرح في غلائله


الهامش

  1. ^ ليلى جريص نافارو (2017-03-11). "الأديبة الغرناطية الماجنة التي عرفت ألف "عاشق وصديق"". رصيف22.