محمد أبو الفتح عبد العزيز

(تم التحويل من محمد أبو الفتح)

محمد أبو الفتح عبد العزيز (و. 1933 - ت. 2004)، هو مصرفي مصري شهير وكان رئيس مجلس ادارة بنك القاهرة (14-8-1991 - 14-5-1999).[1] إثر تزايد هروب رجال أعمال مصريين من مصر في أواخر عقد 1990، وتوقفهم عن سداد ديون ببلايين الجنيهات للبنوك المصرية، سـُجن بتهمة تسهيل الاستيلاء علي المال العام بينما كان السبب الحقيقي هو ادلاؤه بتصريحات للإعلام أن التسهيلات الائتمانية موضع الخلاف قام بها بناء على تعليمات شفهية من مسئولين أعلى منه.[2] توفى عشية تصريحه أنه سيدلي باكر بأدلة الأوامر الهاتفية التي تلقاها لاعطاء قروض لأصدقاء جمال مبارك وعلاء مبارك.

محمد أبو الفتح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

تخرج من كلية التجارة، جامعة عين شمس سنة 1955.


قضية القروض المعدمة

حكاية التهم الموجهة إلي أبوالفتح مازالت متداولة أمام القضاء منذ أصدر المستشار ماهر عبد الواحد،‏ النائب العام قرارا بمنعه من التصرف في أمواله العقارية والمنقولة وإدارتها بسبب إعطائه قروضا لرجال أعمال ومستثمرين دون ضمانات كافية، وبصرف النظر عن إدانته أو براءته، فإن حالة المتهم النفسية والصحية كانت بحاجة إلي أسلوب آخر في التعامل، لا سيما أن الشخصيات العامة تسيطر عليها فكرة واحدة حين يزج بها في السجن، وهي أن ثمة مؤامرة أو حسابات وتوازنات تدور في الكواليس أطاحت بها‏، وأن هذه الزنزانة الموحشة ستكون نهاية الرحلة المفعمة بالانتصارات‏.‏ وانتصارات أبوالفتح كانت كثيرة، في الضوء وفي دهاليز السلطة أيضا، ويذكرنا صديقه بأحدها حين حضر أبوالفتح آخر الاجتماعات المهمة في أبريل عام ‏1999,‏ مع الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء السابق وإسماعيل حسن، محافظ البنك المركزي السابق ونخبة من المصرفيين، وتطرق الحديث إلي ضرورة إعادة الاستقرار إلي سوق النقد الأجنبي وإيجاد آليات جديدة بالتعاون مع اتحاد البنوك لتوفير المعلومات عن عمليات الاستيراد وموقف السلع في الأسواق‏.‏

استمع أبو الفتح للنقاش،‏ ثم نظر إلي الجنزوري قائلا لابد من حل هذه المشكلة قبل أن تتفاقم، فهناك خلل حاد ينبغي علاجه وأنصت رئيس الوزراء لكلمات أبوالفتح باهتمام لأنه يدرك جيدا أن من يحدثه خبير متمرس في الاقتصاد، ورغم أن الجنزوري رد عليه مؤكدا وجهة نظره وطمأنه بعبارة إن شاء الله فإن المشكلة تفاقمت بالفعل لأن أحدا لم ينظر للخلل باعتباره مرضا في البنية الأساسية للاقتصاد المصري‏.‏ ولم يكن رئيس بنك القاهرة السابق متناقضا مع قناعاته التي مات بها، فصديقه الذي التصق به في الداخل وفي رحلاته الخارجية علي مدي‏ 20‏ عاما أكد لنا أن أبوالفتح أصر في آخر زيارة له علي الحديث عن أوجاع الاقتصاد المصري رغم دموعه التي انحدرت علي وجنتيه، إذ قال إن البنوك تقوم بدورها الطبيعي حاليا رغم الاتهامات التي توجه إليها، كما كان يؤمن بأن أسباب الأزمات الاقتصادية والضغوط علي الموارد من النقد الأجنبي تتركز في عمليات الاستيراد العشوائي‏.‏

ضـحـيــة

وإذا كانت انتصارات أبوالفتح قد توقفت مع أول خيوط الأحزان عندما استأثر بنك القاهرة بأكثر من‏ 280‏ قضية من ‏900‏ قضية رفعتها البنوك ضد الهاربين بالقروض المصرية، فإن مسئولا مصرفيا بارزا أكد أن أبوالفتح حمل التركة السيئة بمفرده وتركه الآخرون يسبح في تيار معاكس دفع ثمنه حياته، وأضاف إن الحكاية ليست حكاية أبوالفتح أو حارس جزيرة الكنز كما أطلقوا علي القضية، وإنما هي حكاية بدعة مصرفية سميت بـ العملاء الإستراتيجيين الذين فتحت أمامهم خزائن البنوك المغلقة في منتصف التسعينيات ومنهم رامي لكح، حتي صارت المديونيات الضخمة لهذه الفئة عبئا لا تتحمله البنوك، وكان لابد أن تتم المراجعة في بنك القاهرة‏.‏

وأضاف إن تركة الديون المتعثرة التي تثقل كاهل البنك والتي تتراوح بين 6 و8 مليارات جنيه لها ما يبررها من الأسباب الموضوعية، ولكن أبوالفتح حمل خطايا الإدارة وخطايا أوضاع السوق الذي أصابته صدمة الركود، وذهب بها خلف القضبان ليواجه أبشع أنواع الإدانة وحده، مع أن أصابع الاتهام كانت تشير إلي كثيرين، غير أن أبوالفتح رحل فجأة وقبل أن يتم البت في حقيقة ما وجه إليه من اتهامات‏.‏

بيع أو دمج بنك القاهرة ببنك مصر

لبيع بنك القاهرة أو دمجه في بنك مصر جرت عمليات التقييم من جي بي مورجان وحضر عن الدولة ابن ابراهيم المعلم ووزير ورئيس مجلس اداره بنك مصر وانتهي الامر بعدم البيع إلا أن قرار الدمج أعطي الفرصه لبنك مصر الفرصه للحصول علي قرض مقابل تنقية المحفظة الائتمانية لبنك القاهره وفي المقابل تم لبنك مصر أخذ مبني اداره بنك القاهره وبرج رشدي والفروع المميزة وتم وضعه ضمن ممتلكات شركة بنك مصر للاستثمار وتسري الآن اشاعه لعرضه للبيع من المالك.

القبض عليه

 
محمد أبو الفتح

كانت قضية أبو الفتح من أشهر القضايا الخاصة بالفساد في الجهاز المصرفي، الذي منح من خلال منصبه قروضاً وتسهيلات لبعض العملاء بلغت 12 مليار جنيه وهو رقم ليس بسيطا بالتأكيد. في يناير 2003 [3] ألقت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة القبض علي محمد أبو الفتح رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة السابق ومحمود بدير نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر اكستريور ومحمد أنور مدير عام بنك مصر اكستريور السابق بناء علي أمر النيابة العامة بضبطهم والتحقيق معهم حول اتهامهم بمنح قروض بدون ضمانات للعديد من العملاء.

وقد بدأت نيابة الأموال العامة العليا بإشراف المستشار هشام عبد المجيد المحامي العام تحقيقاتها مع المسئولين الثلاثة لقيامهم بمنح تسهيلات ائتمانية وقروض لعدد من العملاء بدون ضمانات كافيه وبضمانات وهمية، ووجهت لهم النيابة تهمه تسهيل الاستيلاء علي المال العام في التحقيق الذي باشره طارق حربي رئيس النيابة . وقد تلقت نيابة الأموال العامة تقرير إدارة الرقابة علي البنوك بالبنك المركزي المصري الذي أكد تواطؤ المسئولين الثلاثة السابقين في منح تسهيلات ائتمانية وقروض لعدد من العملاء بالمخالفة للقواعد المصرفية وأصدرت النيابة أمرا بضبط وإحضار المسئولين الثلاثة.

وكانت تحريات العميد محسن اليماني مدير مكافحة جرائم الاختلاس بإشراف اللواء محمد سعد مساعد وزير الداخلية لمباحث الأموال العامة قد أكدت تورط محمد أبو الفتوح رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة السابق في منح عدد من العملاء تسهيلات ائتمانية وقروضا بلغت نحو 12 مليار جنيه.

وأكد تقرير لجنة الرقابة علي البنوك بالبنك المركزي والتي شكلتها النيابة لفحص معاملات بنك القاهرة وفروعه المختلفة ونصت في تقريرها علي وجود مديونية علي كل من شركات حاتم الهواري الهارب خارج البلاد بأكثر من مليار جنيه وشركات باسم عزام وعبد الناصر عيد، وعبد الرحيم سمك بباقي المبلغ. كما تبين من التحقيقات قيام المتهم بمنح تسهيلات ائتمانية بلا ضمانات لرجل الأعمال حسام أبو الفتوح في القضية التي باشر التحقيق فيها معتز صديق رئيس النيابة.

وكانت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة قد ألقت القبض علي المتهم كما ألقت القبض علي كل من محمود بدير نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر إكستريور ومحمود أنور مدير عام البنك وتم ترحيلهم إلي نيابة الأموال العامة العليا التي بدأت في استجوابه في القضية المتهم فيها عبد الله طايل رئيس مجلس اداره البنك السابق.

وفاته في الزنزانة

في التحقيق بعد سجنه، قال أن لديه تسجيل لكل الأوامر الهاتفية التي تلقاها لإعطاء قروض، فرفعت النيابة "الادارية" التحقيق لذلك اليوم، على أن يستأنف في اليوم التالي.


في ذلك المساء ذهب محمد أبو الفتح للصلاة في مسجد السجن. وبعد الصلاه داهمته أزمه قلبية وقبل نقله لمستشفي السجن، ويشير المقربون له أن الأزمة القلبية كان سببها أدوية من ادارة السجن. وإلى الآن لم يُفتح تحقيق لا في وفاته ولا في ديون بنك القاهرة، التي تحول دفاتره دون بيعه، لكثرة المخالفات الجنائية.

الأوامر الهاتفية التي تلقاها كانت لاعطاء قروض لأصدقاء جمال مبارك وعلاء مبارك.

الأوامر غالبيتها كان من رئيس الوزراء آنئذ، كمال الجنزوري شخصياً، حسب رواية ابنه أحمد.

الجنازة والدفن

الجنازة تأخرت حوالي ٤ ساعات إلى أن وصل الجثمان بعد تعنت النيابة بالتصريح بالدفن. ولاحظ من قام بالدفن أن الجثة منتفخة جداً مع أن الدولة زعمت أنه توفي صباحاً وكان من المفترض أن يصلى عليه عقب صلاة الظهر، إلا أنهم انتظروا لبعد صلاة العصر بساعة حتى وصول الجثمان.

الحكم في القضية

على الرغم من وفاة محمد أبو الفتح أثناء المحاكمة إلا أن النائب العام أحال ورثة محمد أبو الفتوح رئيس بنك القاهرة السابق ومجدى يعقوب نصيف وسامي متوشلح (هارب) صاحبي شركات و3 آخرين من مسئولي البنك لمحكمة الجنايات استولوا على مليار و350 مليون جنيه كشفت تحقيقات وديع حنا رئيس نيابة الأموال العامة أن أبو الفتوح قبل وفاته أمر بصرف شيكات لصالح صاحبي الشركات رغم ان رصيدهما لا يسمح بذلك بالإضافة إلى 15 موافقة بمنح المتهمين قروضا بضمانات وهمية انقضت الدعوى الجنائية بوفاته ويلزم ورثته مع باقي المتهمين برد الأموال المستولى عليها. وأضافت التحقيقات أن المتهمين خديجة عبد الفتاح محمد مدير عام بنك القاهرة فرع مدينة نصر ومحمد احمد عمر نائب رئيس البنك وإسماعيل حسن عبد الوهاب مدير فرع البنك بحدائق القبة شاركوا في ارتكاب الجريمة وبلغ المستولى عليه مليارا و350 مليون جنيه من أموال البنك ومنحت النيابة المتهمين وقتا طويلا لتسوية مديونياتهما ولكن أفاد رئيس بنك مصر والمشرف على بنك القاهرة بان التسويات المقدمة من المتهمين صورية.

معلومات شخصية

ابنه أحمد يعمل مدير الائتمان في بنك الشركة المصرفية وابنته سحر و تعمل محاسبة في بنك باركليز.

المــــوت في الزنـــزانــــة‏ - بقلم القرموطي والجلاد

تحقيق: مجدي الجلاد ـ جابر القرموطي[4]
20 سبتمبر 2003، بالأهرام العربي.

مات محمد أبوالفتح‏، الرئيس السابق لبنك القاهرة داخل محبسه في سجن طرة خبر صغير قرأناه مع قهوة الصباح، بعد أن كانت قضيته تحتل صدر صفحات الحوادث، لم يقل الخبر كيف مات، هل مات مقهورا لأنه كان يدير في يوم ما واحدا من أكبر بنوك مصر، ثم حبسوه علي ذمة قضيتين مازالتا أمام القضاء، أم رحل وفي الحلق غصة وفي القلب جرح لأن جسده لم يتحمل، بورش الزنزانة الذي يأكل أجساد المجرمين العتاة؟‏!‏

أيا كان الأمر، فإن هذا الرحيل الصامت يطرح تساؤلات تستعصي علي الإجابات، فإذا كان أبوالفتح ليس المسئول الأول الذي يلقي ربه داخل السجن، فهل لنا أن نسأل‏:‏ كيف تأكل الحكومة أبناءها؟‏!‏ وهل تتحول دماء العز والسلطة داخل السجن إلي كيمياء تتفاعل، وتتفاعل حتي يستسلم المسئول للموت؟‏!‏ يبدو أن الأمر لا يحتمل إدانة أحد، ولكن ـ أضعف الإيمان ـ أن نتذكر آخرين ماتوا بنفس الطريقة‏.‏ كان ينهنه بالبكاء بين كل كلمة وأخري، هكذا قال لنا صديقه فؤاد معروف الذي زاره في السجن قبل وفاته بأيام، روي لنا أن محمد أبوالفتح كان يشعر أن الزنزانة ربما تطبق عليه جدرانها قبل أن تظهر براءته، ويؤمن معروف الذي فضل إخفاء صفته، واسمه كاملا ببراءة أبوالفتح ولكنه يؤكد أن صديقه الذي مات في سجن طره قد رحل وفي أعماقه جرح كبير لأنه كان يقول لأفراد عائلته وأصدقائه في كل زيارة إن يوما سيأتي قريبا تنشر فيه الصحف علي صفحاتها الأولي خبر الحكم ببراءته، ويصمت صديقه للحظات، ثم يقول كان القدر يخفي له خبر الوفاة الذي نشر في الصفحات الأولي قبل أن تظهر براءته من التهم الموجهة إليه‏.‏

وحكاية التهم الموجهة إلي أبوالفتح مازالت متداولة أمام القضاء منذ أصدر المستشار ماهر عبد الواحد،‏ النائب العام قرارا بمنعه من التصرف في أمواله العقارية والمنقولة وإدارتها بسبب إعطائه قروضا لرجال أعمال ومستثمرين دون ضمانات كافية، وبصرف النظر عن إدانته أو براءته، فإن حالة المتهم النفسية والصحية كانت بحاجة إلي أسلوب آخر في التعامل، لا سيما أن الشخصيات العامة تسيطر عليها فكرة واحدة حين يزج بها في السجن، وهي أن ثمة مؤامرة أو حسابات وتوازنات تدور في الكواليس أطاحت بها‏، وأن هذه الزنزانة الموحشة ستكون نهاية الرحلة المفعمة بالانتصارات‏.‏ وانتصارات أبوالفتح كانت كثيرة، في الضوء وفي دهاليز السلطة أيضا، ويذكرنا صديقه بأحدها حين حضر أبوالفتح آخر الاجتماعات المهمة في أبريل عام ‏1999,‏ مع الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء السابق وإسماعيل حسن، محافظ البنك المركزي السابق ونخبة من المصرفيين، وتطرق الحديث إلي ضرورة إعادة الاستقرار إلي سوق النقد الأجنبي وإيجاد آليات جديدة بالتعاون مع اتحاد البنوك لتوفير المعلومات عن عمليات الاستيراد وموقف السلع في الأسواق‏.‏

استمع أبو الفتح للنقاش،‏ ثم نظر إلي الجنزوري قائلا لابد من حل هذه المشكلة قبل أن تتفاقم، فهناك خلل حاد ينبغي علاجه وأنصت رئيس الوزراء لكلمات أبوالفتح باهتمام لأنه يدرك جيدا أن من يحدثه خبير متمرس في الاقتصاد، ورغم أن الجنزوري رد عليه مؤكدا وجهة نظره وطمأنه بعبارة إن شاء الله فإن المشكلة تفاقمت بالفعل لأن أحدا لم ينظر للخلل باعتباره مرضا في البنية الأساسية للاقتصاد المصري‏.‏ ولم يكن رئيس بنك القاهرة السابق متناقضا مع قناعاته التي مات بها، فصديقه الذي التصق به في الداخل وفي رحلاته الخارجية علي مدي‏ 20‏ عاما أكد لنا أن أبوالفتح أصر في آخر زيارة له علي الحديث عن أوجاع الاقتصاد المصري رغم دموعه التي انحدرت علي وجنتيه، إذ قال إن البنوك تقوم بدورها الطبيعي حاليا رغم الاتهامات التي توجه إليها، كما كان يؤمن بأن أسباب الأزمات الاقتصادية والضغوط علي الموارد من النقد الأجنبي تتركز في عمليات الاستيراد العشوائي‏.‏


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ضـحـيــة

وإذا كانت انتصارات أبوالفتح قد توقفت مع أول خيوط الأحزان عندما استأثر بنك القاهرة بأكثر من‏ 280‏ قضية من ‏900‏ قضية رفعتها البنوك ضد الهاربين بالقروض المصرية، فإن مسئولا مصرفيا بارزا أكد أن أبوالفتح حمل التركة السيئة بمفرده وتركه الآخرون يسبح في تيار معاكس دفع ثمنه حياته، وأضاف إن الحكاية ليست حكاية أبوالفتح أو حارس جزيرة الكنز كما أطلقوا علي القضية، وإنما هي حكاية بدعة مصرفية سميت بـ العملاء الإستراتيجيين الذين فتحت أمامهم خزائن البنوك المغلقة في منتصف التسعينيات ومنهم رامي لكح، حتي صارت المديونيات الضخمة لهذه الفئة عبئا لا تتحمله البنوك، وكان لابد أن تتم المراجعة في بنك القاهرة‏.‏

وأضاف إن تركة الديون المتعثرة التي تثقل كاهل البنك والتي تتراوح بين‏6‏ و‏8‏ مليارات جنيه لها ما يبررها من الأسباب الموضوعية، ولكن أبوالفتح حمل خطايا الإدارة وخطايا أوضاع السوق الذي أصابته صدمة الركود، وذهب بها خلف القضبان ليواجه أبشع أنواع الإدانة وحده، مع أن أصابع الاتهام كانت تشير إلي كثيرين، غير أن أبوالفتح رحل فجأة وقبل أن يتم البت في حقيقة ما وجه إليه من اتهامات‏.‏

ميلاد حنا: أبو الفتح مظلوم

ولأن السجن مفتوح دائما للمجرمين والفاسدين، ومغلق علي أولئك الذين يشكلون خطرا علي المجتمع، فإن علي نجم محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك الدلتا الدولي يرفض أن يري أبوالفتح بين هؤلاء، بل أنه يطالبنا بمحاولة التعرف علي الرجل بموضوعية حتي بعد وفاته وبعيدا عن ملابسات قضايا البنوك لأنها شديدة التعقيد، لذا فهو في عيني نجم كان رجلا فاضلا، ولم يكن من السهل أن يقع في أخطاء‏.‏ ويقول بشيء من الحزن كنت علي اتصال به من آن إلي آخر قبل تصاعد تطورات قضيته والزج به خلف القضبان، وحاولت مرارا الاطمئنان عليه في البداية عندما أثيرت قضية هروب رجل الأعمال حاتم الهواري، وأبلغني أبوالفتح وقتها أن الوضع تحت السيطرة وأن حاتم قدم ما يثبت التزامه وقدرته علي السداد، وعندما خدعه وهرب كانت هناك أصول وتمت اتصالات بذويه للالتزام بسداد مديونيته، وهو ما يعني أن الرجل كان جادا في التعامل مع المتعثرين، وما حدث بالنسبة للهواري تكرر مع لكح، ومازلت أتعجب مما آل إليه أمر أبوالفتح بعد ذلك، وكيف تحول إلي متهم أوحد‏!‏ ويروي علي نجم ذكرياته مع محمد أبوالفتح بقوله التقيت به للمرة الأولي في منتصف السبعينيات في السعودية عندما كان يعمل في بنك القاهرة، هناك، وكان شخصا دمث الخلق كعادته واستمرت علاقتي به دون انقطاع حتي عاد إلي مصر وعمل مديرا عاما للقطاع الخارجي في بنك القاهرة مدة طويلة قبل أن يتولي رئاسة البنك في أواخر الثمانينيات‏.‏

وطالب نجم بالإحسان إلي ذكري أبوالفتح وتحري الدقة فيما ينشر عن قضية الديون المتعثرة ببنك القاهرة وانتظار ما تسفر عنه التحقيقات والمحاكمات‏.‏ أما ماجدة نور الدين، المدير العام السابق في بنك القاهرة، فأكدت أنه كان رجلا ملتزما يقدر العمل ويقضي وقتا طويلا بمكتبه لإنجاز أعباء رئاسة واحد من أهم بنوك القطاع العام التي ارتبطت بتحويل مدخرات المصريين إلي الداخل‏.‏

ويقول أحد الذين زاملوه في اتحاد البنوك في الجيل الأصغر إنه كان حريصا علي الحديث في القضايا التي تخص سير العمل المصرفي وقليلا ما شارك في الأحاديث الجانبية، وكان يتمتع بالصراحة والوضوح في الدفاع عن آرائه دون أن يكون صداميا مع أحد‏.‏

غير أن الكلمات الأكثر تجسيدا لمحمد أبوالفتح خرجت من أحد معاوني الخدمة القدامي في البنك، وهو عم محمد حسانين الذي قال‏:‏ رحم الله أبوالفتح الذي نحتسبه عند من في جواره لا يضام، كان أبوالفتح إنسانا مع الصغير قبل الكبير، ولم يكن يستطيع تحمل ما مر به في الفترة الأخيرة‏.‏ ويري حسانين أن أبوالفتح مات بحسرة ما يحدث له، الكل تنكر وتركوه فريسة لأناس ظالمين ولم يمهله الوقت الكافي للدفاع عن نفسه ليموت وهو متهم رغم طموحه البسيط أن يموت وهو بريء‏.‏

صدمة العيوطي

غير أن محمد أبوالفتح ليس أول من مات في السجون من أصحاب السلطة والنفوذ، إذ يبدو أن جنائز المسئولين التي تخرج من الليمانات لن تتوقف، ربما لأن الكارت يحرق دائما حين تنتفي جدوي استخدامه، وانتفاء الجدوي تعني في حالة الرجال آخر العمر وربما لأن الحكومة بحاجة دائمة إلي رجال يدخلون في تروس اللعبة ويخرجون في الوقت المناسب ولو في صندوق خشبي، فهل كان عيسى العيوطي من هؤلاء؟‏!‏

السؤال بلا إجابة حتي الآن، فرغم رحيل العيوطي رئيس ومؤسس بنك النيل داخل السجن، فإن أحدا لا يعرف إن كان قد مات كمدا بسبب انهيارحلمه بتكرار تجربة طلعت حرب، حينما أسس بنك مصر، أم متأثرا بطعنة داهمته وهو في قمة مجده، عندما اتهمته ابنته علية العيوطي بالاستيلاء وتسهيل الاستيلاء بغير حق علي مليون جنيه من حسابها بالبنك‏.‏

ولأنه كان يبلغ من العمر ‏90‏ عاما، لم يتحمل العيوطي حياة السجن فدخل مستشفي السلام الدولي ليرقد فيه‏3‏ سنوات كاملة تحت حراسة أمنية مشددة، حيث كان يقضي فترة السجن في الأحكام التي صدرت في قضية نواب القروض، ليخرج بعد ذلك في حراسة غير مشددة ولكن محمولا علي الأكتاف‏.‏

وقصة صعود عيسي العيوطي هي ذاتها قصة أبوالفتح إذ عمل في بداية حياته في الدول العربية وأسس عددا من مكاتب المحاسبة هناك مستغلا الطفرة النفطية، كما ارتبط بعلاقات وثيقة مع العديد من أفراد الأسر الحاكمة في الدول الخليجية، ثم توصل إلي فكرة إنشاء بنك النيل واختار هذا الاسم لارتباطه الشديد بشخصية مصر، إذ كان يحلم دائما بتكرار تجربة طلعت حرب، ورغم أنه أسس البنك في عام‏1928,‏ فإنه أنشأ ‏18‏ شركة تابعة له في السنوات التالية، تماما مثلما فعل طلعت حرب عندما أنشأ الشركات التابعة لبنك مصر‏.‏

ويميل الكثيرون إلي اعتبار عيسي العيوطي ضحية لنفسه، حيث دفع ثمن فشله في إدارة البنك ويستدل المدافعون عنه بأنه هو الذي تقدم ببلاغ ضد ابنته عليه العضو المنتدب للبنك وزوجها محمود عزام عضو مجلس الشعب السابق لتنفجر قضية نواب القروض، والتي شهدت فصولا مثيرة ليجد عيسي العيوطي نفسه متهما في عدة قضايا باعتباره رئيسا للبنك الذي حدثت فيه المخالفات، حتي لو كانت من وراء ظهره‏.‏

موت رئيس الوزراء

مات العيوطي وبعده أبوالفتح‏، إثنان من المصرفيين البارزين دخلا السجن وخرجا منه إلي القبر والثمن عدة مليارات طار بها رجال الأعمال إلي الخارج‏، ليس مهما‏!

المهم أن الدكتور عبد العظيم أبو العطا مات قبلهما‏، هل تذكرون هذا الرجل‏، لابد أنكم لم تنسوه‏، كان وزيرا للري في عام‏1975، ثم وزيرا للزراعة والري في عدة حكومات حتي‏4‏ أكتوبر‏1978، وبعد خروجه من الوزارة اختلف مع الرئيس الراحل أنور السادات وتحول إلي صفوف المعارضة‏، واعتقد الكثيرون أن هذا العالم الجليل سوف يختم حياته في هذه المساحة الدرامية‏، ولكنه تحول بعد ذلك إلي أول ضحايا البورش وزنازين كبار المسئولين‏.‏

لم يدخل أبو العطا السجن وإنما زجوا به في المعتقل في اعتقالات سبتمبر ‏1981،‏ والتي جمعت زبدة المجتمع المصري‏.‏

كان صاحبه ورفيقه في السجن الدكتور ميلاد حنا‏، المفكر المعروف‏، لذا حين قلت له‏:‏ هل تذكر عبدالعظيم أبوالعطا؟‏!‏ أجاب بالصمت للحظات ثم ترحم عليه ورد إلي السؤال‏:‏ وما الذي ذكرك به؟‏!‏ فقلت‏:‏ كيف مات الرجل؟‏!‏ لم يتحمل قلبه ظروف السجن‏، وبكيناه جميعا علي جدران الزنازين‏، فرغم أنه لم يدخل المعتقل مع الدفعة الأولي فقد جاءنا بعد مفارقة غريبة‏، حيث ذهب في يوم‏ 3 سبتمبر إلي زوجتي بعد أن علم بنبأ اعتقالي وقال لها‏:‏ كيف يقبضون علي ميلاد بسبب الفتنة الطائفية؟ وأضاف لها‏:‏ إنني مستعد أن أشهد أنه رجل وطني ولا يعرف التعصب الديني‏، بل أنه واحد من أهم دعاة الوحدة الوطنية منذ شبابه‏، إنني ذاهب إلي وزير الداخلية ـ فهو صديقي ـ وسأقول له إن القبض علي ميلاد حنا خطأ كبير‏!‏ ويروي د‏.‏ ميلاد حنا الحكاية التي ذكرها في كتابه ذكريات سبتمبرية إذ عاد أبوالعطا لزوجته مساء الجمعة‏4‏ سبتمبر فلاحظت أنه كان مكسور الخاطر وقال لها يبدو أن الموضوع أكبر مما تصورت وأعتقد أنهم سيعتقلوني قبل الصباح‏.‏

وصدق حدس الوزير السابق‏، فقد تم القبض عليه في يوم السبت‏ 5 سبتمبر ولم يكن يدري شيئا عما تخفيه له أقداره داخل السجن‏، ففي الأيام الأولي لاعتقاله دخل مستشفي السجن‏، ولكنه تركه عائدا إلي زملائه في الزنزانة بعد أن أحس أنه وحيد وسط عتاة المجرمين‏، والمحزن أن أبوالعطا توسط لدي السادات بنقله تحت الحراسة لمستشفي خاص ولكن السادات رفض‏.‏

وفي يوم الجمعة ‏16 نوفمبر عقب الفسحة الصباحية أخذ عبدالعظيم حماما ساخنا من الدش البائس بالسجن‏، وكانت المياه الساخنة لا تأتيه إلا يوم الجمعة فقط عدة ساعات قليلة في الصباح‏، وشاهدت عبدالعظيم خارجا من الحمام وعلي رأسه فوطة ومرتديا بيجامته وكنت أجلس مع فريد عبد الكريم‏، فوجدنا خطواته متثاقلة‏، وعندما جاء وقت الصلاة وأذن عادل عيد بصوته الجهوري وقف الشيخ مصطفي عاصي إماما للمصلين لاحظت أن عبدالعظيم يجلس في الصف الأول وغير قادر علي الوقوف مكتفيا بإيماءة الرأس‏.‏ وبعد الصلاة ذهبنا إلي حجراتنا‏، وبعد لحظات فوجئنا بالدكتور كمال الإبراشي طبيب الأسنان المشهور ومعه د‏.‏ علي النوريجي أحد زعماء المعارضة في كفر الشيخ يسألان عن حقنة هيموكلار ليعطياها له وبعد فحص أمتعته لم نجدها‏، فصرخا بأن قلب عبدالعظيم أبوالعطا يكاد يتوقف‏، وعلي الفور انطلق المعتقلون وراحوا ينادون علي الضباط والأطباء ولكنهم كانوا قد غادروا المكان تركونا في حراسة البسطاء من الحراس‏، فوقفنا جميعا في الممر أمام غرفته في انتظار محاولات زملاء السجن من الأطباء لعمل تنفس صناعي‏، إلي أن خرج د‏.‏ الإبراشي مجهشا بالبكاء وقال لنا‏:‏ البقية في حياتكم‏.‏

يصمت د‏.‏ حنا قليلا وكأن المشهد مازال حاضرا‏، ثم يضيف‏:‏ لقد مات د‏.‏ عبدالعظيم أبوالعطا ولم يتم التحقيق مع أحد‏، رغم أنه لو كان هناك طبيب مقيم وأعطاه حقنة هيموكلار لما كان قد مات‏، وفي تقديري المتواضع لكان قد صار أبو العطا رئيسا لمجلس الوزراء في مصر عام‏ 1983، لأنه كان أكثر الشخصيات السياسية علي الساحة المؤهلة لهذا المنصب بعد خروج المعتقلين من السجن‏.

الهامش

  1. ^ "تاريخ بنك القاهرة". بنك القاهرة.
  2. ^ مصطفي عبيد (2006-10-31). "حوار مع محمود عبد العزيز، رئيس مجلس ادارة البنك الأهلي المصري". جريدة الوفد.
  3. ^ "الحكومة المصرية تصعد حملتها ضد رجال أعمال لم يسددوا قروضا للبنوك بلغت 14 مليار جنيه". جريدة الشرق الأوسط. 2003-01-10.
  4. ^ مجدي الجلاد و جابر القرموطي (2003-09-20). "المــــوت في الزنـــزانــــة‏!‏". الأهرام العربي.