مؤتمر المائدة المستديرة 1965

مؤتمر المائدة المستديرة 1965، هو مؤتمر عقد في جوبا، إلا أن أعمال شغب وحرائق في جوبا دفعت المؤتمر للانتقال إلى الخرطوم. عقد المؤتر في الفترة من 16-29 مارس 1965 بهدف مناقشة العلاقات الدستورية بين السودان وجنوب السودان، واختلف الجنوبيون داخل المؤتمر إلى ثلاثة أقسام، قسم مطالب بالوحدة وآخر بالانفصال وثالث طالب بالحكم الذاتي في إطار سودان موحد فدرالي، وكلف المؤتمر لجنة ببحث المستقبل السياسي للسودان، ولكن حكومة سر الختم الخليفة استقالت قبل أن ترفع اللجنة توصياتها.[1]

إلا أن المؤتمر قابل عقبة كأداء وانتهى بتأسيس لجنة الإثني عشر، التي تكونت من الأحزاب السياسية المشاركة. واضطر سر الختم خليفة للاستقالة ووعدت الحكومة بإجراء انتخابات عاجلة قبل يونيو 1965. وبإجراء الانتخابات العاجلة في الشمال مستثنية الجنوب لأسباب أمنية، انتهت الحكومة الانتقالية لسر الختم خليفة وبدأت ما سمي الحكم الديمقراطي الثاني في السودان بقيادة محمد أحمد محجوب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمهيد

بعد سقوط النظام العسكري للجنرال عبود، قامت حكومة تسيير أعمال بقيادة سر الختم خليفة. وكتب وليام دنق رسالة إلى سر الختم يقترح فيها عقد مؤتمر حول قضية جنوب السودان. وافقت حكومة السودان على الاقتراح وأرسلت وفداً إلى كمپالا للتفاوض مع أعضاء سانو في المنفى. إلا أن الفـُرقة بين سانو والزعماء الجنوبيين كانت عميقة، فبرزت ثلاث اتجاهات بين الجنوبيين[2]:

  • الأول، وليام دنق الذي نادى باتحاد فدرالي.
  • الثاني، آگري جادن الذي اِنتُخِب رئيساً لسانو، وكان يفضـِّل التفاوض مع الحكومة إذ طالبت جماعته بالاستقلال السياسي للمنطقة الجنوبية.
  • الثالث، جوسف أدوهو الذي كان قد اِستُبدِل مؤخراً من رئاسة سانو وعـُيــِّن في سانو أميناً للشئون الدستورية، وكان يرفض التفاوض مع الحكومة؛ وكان موقناً بأن لا شيء مثمر سيأتي المفاوضات. أدوهو كان على علاقة بإسرائيل منذ مطلع الستينيات.
  • الرابع، نادت الجبهة الجنوبية، وكان يمثلها گوردون مورتات ماين، بحق تقرير المصير للمنطقة الجنوبية وحق سلطة الجنوب تقرير علاقتها بالشمال.

وبعد مفاوضات معمقة، توصلت الوفود من المنطقة الجنوبية وحكومة السودان إلى اتفاق على عقد مباحثات.


افتتاح المؤتمر

في 16 مارس 1965، انعقد مؤتمر المائدة المستديرة بوفود من المنطقة الجنوبية وحكومة السودان في الخرطوم. وقد حضر المؤتمر مراقبون من أوغندا وكينيا وتنزانيا وغانا ونيجيريا والجمهورية العربية المتحدة. فيؤ الماضي، لعبت تلك الدول دوراً محايداً وأعطت دعماً محدوداً لسانو لأن السودان دولة عضو في منظمة الوحدة الأفريقية. أوغندا كانت البلد الوحيد الذي كان يمنح ملجأ حصين لعدد كبير من اللاجئين الجنوبيين، معظمهم طلبة.

بين الدول المراقبة الست، لعبت أوغندا دوراً محورياً في جمع الجنوب والشمال معاً لمناقشة قضاياهم الداخلية. وقد ندد علناً وزير الداخلية الأوغندي، فيلكس أوناما بالزعماء الجنوبيين في المنفى الذين رفضوا العودة لمائدة التفاوض. وفي مؤتمر المائدة المستديرة سنة 1965، نادت حكومة السودان بتوحيد السودان. وقد ضم مقترحها التالي:

  • السودان، بحدوده الحالية، هو بلد واحد له طابع متعدد الأعراق ولذلك لا يحق لجزء منه أن يطالب بالانفصال؛
  • هناك اختلافات اقتصادية وسياسية وثقافية وعرقية بين الجنوب والشمال؛
  • الجنوب له وضع خاص؛
  • التطلعات السياسية للجنوبيين يجب الاعتراف بها؛
  • الجنوب يجب أن يكون له برلمان جنوبي ومجلس وزراء محلي؛
  • الجنوب يجب أن يكون له تمثيل خاص في مفوضية الخدمة المدنية؛ وأخيراً،
  • برلمان السودان المركزي يضطلع بالتعامل مع القضايا الرئيسية مثل الدفاع والمالية والعلاقات الخارجية وما شابه، بينما البرلمان الجنوبي مخوّل بالتعامل مع قضايا التعليم والصحة والزراعة، إلخ. القضايا الأخرى سيتعامل معها البرلمانان بشكل مشترك.

بالإضافة لذلك، ففي مؤتمر المائدة المستديرة 1965، عارضت الدول المراقبة فكرة الانفصال ودعمت التمازج بين الجنوب والشمال. وقد برز ذلك بوضوح في خطاب وزير المناجم النيجيري، يوسف ميتمة، الذي قال: “المشاكل التي تواجهونها اليوم ليست محصورة في بلدكم. فنحن في نيجيريا نعرفها جيداً، وهي مشاكل لابد وأن تواجه أي بلد بحجمكم وتعددكم. وبعون الله وتصميم قادتنا، فسنتوصل لحل مقبول مبني على سلسلة من التنازلات من كل الأطراف، تحفظ كل من المصالح العامة للجميع والمصالح الخاصة للأجزاء … إنا مؤمن بشدة أن بإمكانكم أيضاً فعل الشيء نفسه.”

كما حذر السيد أوناما، ممثل أوغندا في المؤتمر، من مخاطر التدخل الأجنبي في خلافات البلد والذي قد يؤدي بشكل سلبي إلى إلى عدم الوحدة بين الأفارقة. وبسماع الجنوبيين لخطابات المراقبين أيقنت الوفود الجنوبية أن أي حملة عسكرية تسعى لانفصال المنطقة الجنوبية عن السودان لن تلقى دعماً يُذكر من الدول المجاورة.

أحداث المؤتمر

دعا إلى انعقاده رئيس وزراء الفترة الانتقالية الثالثة في السودان، سر الختم خليفة. اتفقت هذه الأطراف على تقديم ثلاثة خيارات للمؤتمر تمثلت في الفدرالية والوحدة غير المشروطة مع الشمال والانفصال، وأبدى الجنوبيون رغبة في أن يكون البت في الخيارات الثلاثة عبر استفتاء عام، لكن الأحزاب الشمالية جميعها وقفت ضد تلك الرغبة، وأوضحت أن أقصى ما يمكن أن تمنحه للجنوب هو وضع خاص يشمل قيام مجلس تشريعي للإقليم ومجلس وزراء محدود تنحصر صلاحياته في أمور التعليم والصحة والزراعة. وبالطبع رفض الجنوبيون ذلك العرض وردوا بالمطالبة بالفدرالية.

المشاركون

ضم المؤتمر 18 ممثلا عن الأحزاب السياسية السودانية و24 من السياسيين الجنوبيين بحضور مراقبين من غانا، كينيا، أوغندا، نيجيريا، مصر والجزائر. [3]

قرارات المؤتمر

«إننا نحن مندوبي الأحزاب والهيئات السياسية التالية:[4]

1- جبهة الميثاق الإسلامي.
2- الحزب الوطني الاتحادي.
3- حزب الشعب الديموقراطي.
4- جبهة المهنيين.
5- الاتحاد الوطني الأفريقي السوداني (سانو).
6- الحزب الشيوعي السوداني.
7- جبهة الجنوب.
8- حزب الأمة.

وقد حضرنا مؤتمر المائدة المستديرة لدراسة قضية الجنوب، وقد عقد هذا المؤتمر اجتماعاته في الخرطوم في مبنى البرلمان في الفترة بين 16 ـ 29 مارس عام 1965، ودرسنا قضية الجنوب من جميع جوانبها، نعلن ما يلي:

  • أن المصالحة الوطنية ضرورة حتمية.
  • وأن الخلافات في الرأي لا تستعصي على الحل.
  • وأن تسوية هذه الخلافات لا يمكن أن تتم إلا بالطرق السلمية.

ولذا فإننا نقرر:

خطوات التسكين

أولاً: أن تتخذ الحكومة الخطوات التالية لإعادة الوضع في الجنوب إلى حالته الطبيعية:

1- تنفيذ الاتفاق المعقود بين حكومة أوغندا وحكومة السودان بشأن اللاجئين وبذلك تنتهي إعادة توطينهم.
2- الاتصال بحكومات الدول المجاورة الأخرى من أجل الوصول إلى اتفاقات مماثلة بشأن اللاجئين.
3- إعادة توطين المقيمين بالداخل ممن فقدوا مساكنهم وأملاكهم.
4- يطلب من الحكومة:

أ- تخفيف المجاعة في المناطق التي تأثرت بها في الجنوب.
ب- بحث الأسباب الجذرية للمجاعة والفيضانات في الجنوب واتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهتها.
ج- إعادة نقل جميع المدارس الجنوبية من الشمال إلى الجنوب.

الخطوط العامة للسياسة

ثانياً:إتباع هذه الخطوط السياسية:

1- اختيار عدد اكبر من الجنوبيين للتدريب لشغل المناصب التالية:

أ- ضباط الشرطة والسجون.
ب- رجال الإدارة.
ج- ضباط الجيش.
د- رجال الصحة ومساعدوهم.
هـ- مهندسو الغابات. و- المسؤولون عن الصيد ومصائد السمك.

2- تعين الجنوبيين في مناصب الإدارة والبوليس والسجون والاستعلامات كلما وجد أبناء الجنوب المؤهلون لشغلها. وعندما لا يتوفر العدد الكافي من أبناء الجنوب تتخذ الخطوات اللازمة للتعجيل بتدريبهم وترقيتهم. 3- تكافؤ الفرص في التوظف، والمساواة في الأجور وألاّ يكون هناك تمييز بسبب المعتقدات الدينية أو اللغة أو العنصر.
4- حرية الأديان وحرية النشاط التبشيري في حدود القانون.
5- السماح للأفراد وللهيئات الخاصة بفتح المدارس بشرط مراعاة القانون.
6- حرية الحركة والتنقل.
7- إنشاء جامعة في الجنوب.
8- إنشاء مدرسة ثانوية للبنات ومدرسة زراعية في ملكال.
9- إعادة إنشاء مدرسة يامبيو الزراعية ومركز التدريب في جوبا والمركز البيطري في الملكال.
10- يتولى رئاسة جميع المدارس جنوبيين مؤهلون، ولا يجوز حرمان أحد من الترقية إلى منصب ناظر المدرسة بسبب عدم معرفته باللغة العربية.
11- إيجاد أعمال للعاطلين.
12 - تشكيل مجلس اقتصادي قومي للتنمية الاقتصادية تنبثق عنه وكالة للتنمية الاقتصادية في الجنوب. ويتولى هذا المجلس دراسة المشروعات التفصيلية التي أعدتها فرقة البحث في عام 1954 وغيرها من المشروعات في كافة مجالات التنمية، وتتخذ القرارات بشأن تنفيذها. وينبغي للحكومة أيضاً أن تدرس أحياء مشروع أزاندى.
13- إعطاء الأولوية للسكان المحليين في استغلال الأراضي ويمنحون كافة التسهيلات.

ثالثاً: يعلن المندوبون المشتركون في هذا المؤتمر تصميمهم على رفع المظالم التي حاقت بالجنوب وتطبيق السياسة المشار إليها آنفاً، ويعلنون استعدادهم لإرسال وفد للسلام يطوف بإنحاء الجنوب لتهدئته وإعادة الأوضاع فيه إلى حالتها الطبيعية، ويؤكدون أنهم سيستخدمون كل ما يتوفر لديهم من وسائل لإنهاء الصراع القائم خلال فترة شهرين.

النتائج والتوصيات

رابعاً: نتائج وتوصيات المؤتمر:

1- قام المؤتمر بدراسة بعض أشكال الحكم المقترحة للسودان، ولكنه لم يصل بشأنها إلى قرار إجماعي كما تقضى لوائح المؤتمر.
2- ولذا عين المؤتمر لجنة تضم أثنى عشر عضواً لدراسة مسألة التنظيم الدستوري والإداري الذي يحمى المصالح الخاصة للجنوب كما يحمى المصالح العامة للسودان وتتولى اللجنة إضافة إلى ذلك المهام التالية:

أ- تعمل كلجنة للرقابة على تنفيذ الخطوات والسياسة المتفق عليها. ب- تضع الخطط اللازمة لتهدئة الوضع في الجنوب وتدرس الخطوات اللازمة لإلغاء حالة الطوارئ وفرض حكم القانون.
3- تقدم اللجنة نتيجة أعمالها إلى المؤتمر الذي ستدعوه الحكومة للانعقاد خلال ثلاثة شهور.

انجازات اضافية للمؤتمر

خامساً: نعتقد أن المؤتمر قد نجح إضافة إلى هذه المنجزات في تحقيق ما يلي:

1- إتاحة الفرصة للقادة السياسيين في الشمال والجنوب لأول مرة منذ ست سنوات للالتقاء في جو ودي وتبادل الرأي حول قضية الجنوب.
2- إتاحة الفرصة للدول الأفريقية الشقيقة التي دعيت لحضور المؤتمر للتعرف على المشكلة وبذل جهودها في سبيل حلها.
3- إزالة المخاوف والشكوك التي كانت قائمة بين القادة السياسيين في الشمال والجنوب وإيجاد أساس متين للتفاهم والتعاون.
4- إتاحة الفرصة لشعبنا في الجنوب والشمال لمعرفة الحقائق وبالتالي إدراك أبعاد المشكلة ورؤيتها في حجمها الحقيقي.

وفي اعتقادنا أن هذا الإدراك وحده هو السبيل الذي سيمكن شعبنا من السير إلى الأمام واستخدام طاقاته وموارده من أجل بناء المستقبل، وهو السبيل الذي يمكننا من تحويل آمالنا في السلام والمحبة والثقة إلى حقيقة واقعة.

شكر

سادساً: إننا نعرب عن شكرنا العميق:

1- لرئيس المؤتمر للدقة والنزاهة التي أدار بها جلسات المؤتمر فأسهم ذلك في نجاحه.
2- للسادة المراقبين وحكوماتهم وشعوبهم لاهتمامهم البالغ بشؤون السودان وللجهود التي بذلوها لتحقيق المصالحة الوطنية ولإسهامهم الكبير في نجاح المؤتمر.
3- للسكرتير العام للمؤتمر ولسكرتارية المؤتمر للجهود المخلصة التي بذلوها قبل انعقاد المؤتمر وأثناء انعقاد جلساته مما أسهم في نجاح أعماله.
4- لحكومة السودان لمبادرتها باتخاذ سياسة متقدمة أدت إلى عقد المؤتمر وللتأييد المعنوي والمادي الذي قدمته بسخاء.»

مرئيات

<embed width="320" height="240" quality="high" bgcolor="#000000" name="main" id="main" >http://media.marefa.org/modules/vPlayer/vPlayer.swf?f=http://media.marefa.org/modules/vPlayer/vPlayercfg.php?fid=2fbfd1c5a5b457e5777" allowscriptaccess="always" allowfullscreen="false" type="application/x-shockwave-flash"/</embed>
مؤتمر المائدة المستديرة 1965



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ أبرز مبادرات واتفاقيات السلام، الجزيرة نت
  2. ^ "The 1965 Round Table Conference between the Southern Region and Khartoum Regime". paanluelwel.com. 2018-02-09.
  3. ^ موقف الحكومات السودانية المتعاقبة من مشكلة الجنوب، الجزيرة نت
  4. ^ قرارت مؤتمر المائدة المستديرة بشأن جنوب السودان، موسوعة المقاتل