ماركيز دو كوندورسيه

(تم التحويل من كوندورسيه)

ماري جان أنطوان نيكولا ده كاريتا، مركيز كوندورسيه Marie Jean Antoine Nicolas de Caritat, marquis de Condorcet (و. 17 سبتمبر 174328 مارس 1794) كان فيلسوفاً فرنسياً ورياضياتياً وعالماً سياسياً مبكراً صاغ مفهوم طريقة كوندورسيه. وعلى خلاف معاصريه، دافع عن الاقتصاد الحر، التعليم الحكومي الحر والمتساوي، الدستورية، والمساواة في الحقوق للنساء والناس من كل الأعراق. وقيل أن أفكاره وكتاباته جسدت المُثل العليا لعصر التنوير والعقلانية، ويبقى مؤثراً حتى يومنا هذا. وكانت ميتته غامضة في السجن بعد فترة كان فيها هارباً من السلطات الثورية الفرنسية. وهو خاتم الفلاسفة العقلانيين.

نيكولا ده كاريتا، مركيز كوندورسيه
Nicolas de Caritat, marquis de Condorcet
Nicolas de Condorcet.PNG
پورتريه ماركي كوندورسيه بريشة Jean-Baptiste Greuze (ح. 1780-90)
عضو المؤتمر الوطني
عن إين
في المنصب
20 سبتمبر 1792 – 8 يوليو 1793
سبقهLouis-Jean-Samuel Joly de Bammeville
خلـَفهشاغر (1794–1795)
مجهول الخلَف
الدائرة الانتخابيةسان-كوِنتان
عضو الجمعية التشريعية
عن السين
في المنصب
6 سبتمبر 1791 – 6 سبتمبر 1792
خلـَفهJoseph François Laignelot
الدائرة الانتخابيةParis
تفاصيل شخصية
وُلِد17 سبتمبر 1743
ريبمون، أين
توفي28 مارس 1794
بور-لا-رين
الحزبالجيرونديون
الزوجصوفي ده كوندورسيه (ز. 1786; d. 1794)
الأنجالAlexandrine de Caritat de Condorcet
المدرسة الأمكلية ناڤار
الوظيفةفيلسوف وعالم رياضيات ومنظر سياسي مبكر
المهنةدارس، عالم رياضيات وفيلسوف

مسيرة الفيلسوف
العمل البارز
المشروع الدستوري الجيروندي، اسكتش لصورة تاريخية للتقدم في العقل البشري
العصرفلسفة القرن 18
المنطقةالفلسفة الغربية
المدرسةالتنوير
الليبرالية الكلاسيكية
الليبرالية الاقتصادية
الاهتمامات الرئيسية
الرياضيات والسياسة
الأفكار البارزة
فكرة للتقدم، Condorcet criterion, Condorcet's jury theorem, طريقة كوندورسيه، Voting paradox

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ولد جان-أنطوان-نيقولا كاريتا، مركيز كوندورسيه، حفيد أسرة عريقة في دوفينيه، في پيكاردي (1743)، وتلقى تعليمه على اليسوعيين في رامس وباريس، وظل سنين طويلة لا يفكر إلا في أن يكون رياضياً كبيراً. وحين بلغ السادسة والعشرين أنتخب عضواً في أكاديمية العلوم. وحين أصبح فيما بعد سكرتيراً دائماً لها، كتب التأبينات للأعضاء الراحلين، كما فعل فونتننل للأكاديمية الفرنسية، وقد أحب فولتير هذه التأبينات التذكارية كثيراً حتى أنه قال لكوندورسيه: "إن الجمهور يتمنى أن يموت أكاديمي كل أسبوع أو نحوه حتى تتاح لك فرصة الكتابة عنه"(103). وقد زار ڤولتير في ڤرنيه (1770)، وعلق على طبعة تنظم أعمال فولتير نشرها بومارشيه، وكتب لها مقدمة حارة بعنوان "حياة فولتير" وأقنعه دالامبير بأن يكتب مقالات للموسوعة، وقدمه لجولي دلسبيناس، التي أصبح في حفلات استقبالها قطباً من الأقطاب رغم خجله. لا بل أنه كان في نظر جولي لا يفضله غير دالامبير من حيث سعة عقله، وربما كان يفوقه في حرارة حبه للخير. وكان أحد الرعيل الأول ممن انضموا للحملة التي شنت على تجارة الرقيق (1781). وقد أعانت جولي على تحريره من ربقة عشقه اليائس للآنسة دوسي، وهي فتاة لعوب استغلت حبه لها دون أن تبادله أياه. وقد عزى نفسه بصداقة جان-باتست سيوار ومدام سيوار، وعاش معهم في شركة ثلاثية قانعة.[2]

وفي 1785 أصدر "مقالاً في تطبيق التحليل على الاحتمالات" وفيه سبق نظرية مالتوس إذ قال إن نمو السكان ينحو إلى تجاوز إنتاج الطعام، ولكنه لم يدع إلى العفة الجنسية علاجاً، بل أقترح تحديد النسل.

 
جاك طورگو كان أستاذ وقدوة كوندورسيه وصديق حياته

وقد رحب بالثورة فاتحة لمستقبل التعليم الجامعي، والعدالة، والرخاء. وفي 1790 اختير للمجلس البلدي الذي كان قد تسلم إدارة باريس. ثم أنتخب عضواً في الجمعية التشريعية التي حكمت فرنسا من أول أكتوبر 1791 إلى 20 سبتمبر 1792، ووضع بوصفه رئيساً للجنة التعليم العام تقريراً يدعو إلى نظام قومي للتعليم الابتدائي والثانوي، العام، المجاني، الشامل للجنسين على السواء، والبعيد عن النفوذ الكنسي، ويخطط التقرير لهذا التعليم تخطيطاً عاماً، وقد وضع مبدأ "دولة الرفاهية" قال: "يجب أن يكون هدف جميع المؤسسات الاجتماعية تحسين الأحوال البدنية والفكرية والأخلاقية لأكثر طبقات السكان عدداً وأشدها فقراً". وقدم التقرير إلى الجمعية في 21 أبريل 1792، ثم عطلت حروب الثورة اتخاذ إجراءات تنفيذه، ولكن وطد نابليون سلطته جعل تقرير كوندورسيه الأساس الذي أرسى فوقه تنظيمه للتعليم من جديد في فرسنا تنظيماً بدأ به عهداً حاسماً.

ولم يتح لكوندورسيه مثل هذه المكانة المرموقة في المؤتمر القومي الذي حل محل الجمعية التشريعية، لأن الجيرونديين المحافظين تشككوا فيه بوصفه جمهورياً، وارتاب اليعاقبة المتطرفون في نواياه بوصفه أرستقراطياً يحاول أن يخضع الثورة لسيطرة الطبقة الوسطى(. وقد صوت في صف الذين أدانوا لويس السادس عشر مذنباً بالخيانة، ولكنه صوت ضد إعدامه. فلما عين مع ثمانية آخرين أعضاء في لجنة وكل إليها صياغة دستور جديد، قدم مشروعاً رفض بدعوى إسرافه في محاباة البورجوازية-فلما تبنى المؤتمر الذي سيطر عليه اليعاقبة دستوراً أكثر تطرفاً، كتب كوندورسيه نشرة غفلاً من التوقيع ينصح فيها المواطنين أن يرفضوه. وفي 8 يوليو 1793 أمر المؤتمر بالقبض عليه.

وظل تسعة أشهر مختبئاً في منزل لأرملة المصور كلود-جوزيف ڤرنيه. ولكي يصرف ذهنه عن خوف القبض عليه ألف كتيباً يصلح تلخيصاً لحركة التنوير، و "كتاباً أزرق" (أي مخططاً) للمجتمع المثالي القادم. وعنوان المخطوط "نشرة تمهيدية لجدول تاريخي بمراحل تقدم العقل البشري".

كذلك سماه Esquisse أي تخطيط، ويبدو أنه كان يؤمل أن يكتب يوماً ما عرضاً أكثر تفصيلاً لفلسفته.

وقد استوحى مخطوطه من المحاضرة التي أجمل فيها طورجو، يوم كان لاهوتياً، (11 ديسمبر 1750) "المراحل المتعاقبة لتقدم الفكر البشري" وقسم كوندورسيه التاريخ إلى عشر مراحل: (1) اتحاد الأسر في قبائل. (2) الرعي والزراعة؛ (3) اختراع الكتابة؛ (4) ازدهار الثقافة اليونانية حتى عهد الاسكندر؛ (5) تطور المعرفة خلال صعود روما واضمحلالها؛ (6) العصور المظلمة، من 476م. إلى الحروب الصليبية؛ (7) نمو العلم بين الحروب الصليبية واختراع الطباعة؛ (8) من جوتنبرج إلى بيكن، وجاليليو، وديكارت، "الذين خلعوا نير السلطة؛ (9) من ديكارت حتى تأسيس الجمهوريتين الأمريكية والفرنسية؛ (10) عصر الفكر المحرر.

 
ماركي ده كوندورسيه

وكان كوندورسيه لا يعترف للعصور الوسطى بقدر، شأنه في ذلك شأن فولتير، فقد تمثل فيها تسلط الكنيسة على الفكر الأوربي، وتخدر الشعب بسحر القداس، وانبعاث الشرك نتيجة لعبادة القديسين. ومع أنه احتفظ-كفولتير أيضاً-بإيمان ربوبي بالله، فإنه اعتمد على تقدم المعرفة وانتشارها لتقويض سلطان الكنيسة، وتوسيع الديموقراطية، بل والارتقاء بالأخلاق، فقد شعر بأن الخطيئة والجريمة هما إلى حد كبير نتيجة للجهل. "سيأتي الوقت الذي تشرق الشمس فقط على أحرار الرجال الذين لا يعرفون لهم سيداً غير عقلهم". وقد اثنى على فولتير لإطلاقه الفكر من عقاله، وعلى روسو لإهماله الناس بأن يقيموا نظاماً اجتماعياً عادلاً. وصور الخير العميم الذي سيفيض بهما القرنان التاسع عشر والعشرين بفضل جهود القرن الثامن عشر: التعليم العام، وحرية الفكر والتعبير، وتحرير المستعمرات، والمساواة أما القانون. وإعادة توزيع الثروة. وقد تذبذب بعض الشيء في أمر حق التصويت للجميع: فهو يريد بصفة عامة أن يقصر التصويت على أصحاب الأملاك أو الثروة مهما قلت، وكان أحياناً يخشى أن تمكن سذاجة الجماهير قلة غنية من أن تلقنهم آراءهم متى شاءت، وهكذا تخلق أولجركية بورجوازية، مستترة وراء واجهة ديموقراطية، ولكن هروب لويس السادس وماري أنطوانيت إلى فارين، والخوف من أن تحاول الدول إعادة الملكية الديموقراطية في فرنسا، ودعاه إلى الدعوة لحق التصويت للجميع بما فيهم النساء.

وقد تطلع في الخيال من عزلته المطاردة إلى مستقبل ملؤه جلائل الأعمال. فتنبأ بصعود الصحافة ضابطاً لطغيان الحكومة؛ وبتطور دولة الرفاهية بفضل التأمين والمعاشات الاجتماعية؛ وبحفز الثقافة نتيجة لتحرير المرأة؛ وبإطالة عمر الإنسان بفضل تقدم الطب؛ وبانتشار النظام الاتحادي بين الدول؛ وبانقلاب الاستعمارية إلى معونة أجنبية تقدمها البلاد المتقدمة للمتخلفة؛ وبخفة التعصب القومي نتيجة لانتشار المعرفة؛ وبتطبيق البحوث الإحصائية على إنارة السياسات وصياغتها؛ وبازدياد ارتباط العلم بالحكومة. وإذ رأى كل عصر مضيفاً أهدافاً جديدة لإنجازاته، فلا يمكن إذن أن تكون هناك نهاية متطورة للتقدم. ولا يعني هذا أن الإنسان سيغدو كاملاً في أي وقت، بل أنه سيسعى أبداً إلى الكمال. "أن الطبيعة لم تحدد زماناً لكمال الملكات البشرية، وقابلية الإنسان للكمال لا حدود لها، وتقدم هذه القابلية-التي ستكون منذ الآن مستقلة عن أي قوة قد تبغي تعطيلها-لا حد له غير عمر هذا الكوكب الذي ألقتنا الطبيعة على سطحه". وقرب الختام هذا التخطيط تصدى كوندورسيه للمشكلة التي سيعرضها بعد أربع سنين في "مقال عن مبدأ السكان" (1798): "ألا يجوز أن تأتي لحظة... يترتب فيها على زيادة سكان العالم عن أسباب العيش تناقص مستمر لسعادتهم،... أو على أفضل تقدير تذبذب بين النفع والضرر؟ وألا يدل ذلك على أن العالم قد وصل إلى نقطة يستحيل تحقيق المزيد من التحسين بعدها-وأن قبول النوع الإنساني للكمال قد بلغ بعد سنين طويلة مرحلة يعجز عن تجاوزها؟

ومنذا الذي يستطيع التنبؤ بالحالة التي يمكن أن يوصل إليها فن تسخير عناصر الطبيعة لحيز الإنسان في الوقت المناسب؟... وحتى لو اتفقنا على أننا سنصل يوماً ما إلى ذلك الحد... فإنه قبل أن يقع هذا كله سيكون تقدم العقل قد واكب تقدم العلوم، وتعصب الخرافة السخيف قد كف عن إفساد القانون الأخلاقي والحط منه بتعاليمه المنكرة... ولنا أن نفترض أنه إذا جاء ذلك الوقت فإن الناس سيعرفون أن عليهم واجباً قبل أولئك الذين لم يولدوا بعد، هو واجب تيسير السعادة لهم، لا مجرد العيش وكفى".

ولم يكن تفاؤل كوندورسيه تفاؤلاً أعمى تماماً. "ما زلنا نرى قوى التنوير لا تملك أكثر من جزء صغير جداً من العالم، والمتنورين حقاً وصدقاً تطغى عليهم كثرة جماهير الناس الذين مازالت تسيطر عليهم الجهالة والتعصب. ومازلنا نرى مناطق شاسعة يرزح فيها البشر تحت نير العبودية". ولكن "صديق الإنسانية" يجب ألا يفقد الأمل أمام هذه المصاعب، فانظر إلى الكثير من الأشياء النبيلة التي أنجزت فعلاً، أنظر إلى التطور الهائل للمعرفة وحب المغامرة، فأي شيء يستعصي على هذه الإنجازات إذا اتصلت وانتشرت؟ وهكذا أختتم كوندورسيه كتابه برؤيا كانت سنداً له في الشدة، وبديلاً له ولآلاف غيره عن إيمان فوق طبيعي. وإلى القارئ الكلمة الأخيرة والمتوجة لحركة التنوير:

"كم تعزى الفيلسوف الذي يرثى للأخطاء والجرائم والمظالم التي ما زالت تلوث الأرض، والتي كثيراً ما يكون هو نفسه ضحيتها-لكم تعزيه هذه النظرة للنوع الإنساني، وقد تحرر من أغلاله،... يسير قدماً بخطى ثابتة مطمئنة على طريق الحق، والفضيلة، والسعادة. أن تأمل هذا المشهد هو الذي يجزيه عن الجميع ما بذل من جهود في إعانة تقدم العقل والدفاع عن الحرية.. وهذا التأمل ملاذ له لا تستطيع ذكرى مضطهديه أن تتبعه إليه. فهناك يحيا بالفكر مع الإنسان وقد رد له حقه وكرامته الطبيعيتان، وينسى الإنسان الذي عذبه وأفسده الجشع، أو الخوف، أو الحسد؛ هناك يحيا مع أترابه في جنة خلقها العقل، وجملتها أطهر اللذات التي عرفها حب البشر".

— كوندورسيه


الإعتقال والوفاة

 
كوندورسيه دُفن رمزياً في الپانثيون (في الصورة) في 1989.

ولقد أوشك اعتراف الإيمان هذا أن يكون صرخة رجل شاعر بأن الموت يبحث عنه. فلما خشي كوندورسيه أن يلحق الضرر بمدام فرنيه إذا اكتشفت أنها تؤويه، أودعها مخطوطة وغادر بيتها متنكراً رغم اعتراضاتها. وبعد أن تشرد أياماً على أطراف باريس طلب طعاماً في فندق. وأثار الشبهة مظهره وعدم وجود أوراق تعرف بهويته. وسرعان ما تبينه القوم أرستقراطياً. وقبض عليه، وزج في سجن بمدينة بور-لا-رين (7 أبريل 1794). وفي صبيحة الغد وجد ميتاً في زنزانته. وقد ذهب أول كاتب لسيرته إلى أنه حمل السم في خاتم، وابتلع هذا السم، غير أن تقرير الطبيب الذي فحص الجثة عزا موته إلى جلطة في أحد عروقه(122). أما المؤتمر فقد أمر بعد حصوله على تخطيطه وقراءته بأن تطبع الدولة ثلاثة آلاف نسخة منه وتوزعها في جميع أنحاء فرنسا.

انظر أيضاً

Wikisource has original works written by or about:

الهامش

  1. ^ Pilbeam, Pamela M. (2014). Saint-Simonians in Nineteenth-Century France: From Free Love to Algeria. Springer. p. 5.
  2. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

المراجع

وصلات خارجية

سبقه
برنار-جوزيف سوران
المقعد 39
الأكاديمية الفرنسية

1782-1794
تبعه
گابرييل ڤيار