فاضل (فيلم)

فاضل Fazil هو فيلم رومانسي أمريكي صدر في 1928 للمخرج هوارد هوكس وبطولة تشارلز فارل وگرتا نسن من استوديوهات فوكس. يحكي قصة أمير عربي ولد ونشأ في الصحراء، وقصة غرامه مع إمرأة باريسية حسناء وزواجهما. إلا أن الاختلافات الهائلة في الثقافة تلقي بظلالها على الزواج.

فاضل Fazil
Fazil movie by Howard Hawks.jpg
اخراجهوارد هوكس
الحوار السينمائيتشارلز فارل وگرتا نسن
قصةقصة أمير عربي ولد ونشأ في الصحراء، وقصة غرامه مع إمرأة باريسية حسناء وزواجهما. إلا أن الاختلافات الهائلة في الثقافة تلقي بظلالها على الزواج.
بطولةتشارلز فارل وگرتا نسن
شركــة
الانتاج
تواريخ العرض1928
البلد الولايات المتحدة
اللغةالإنگليزية

من ناحية الديكور يخيّل الى المتفرج ما أن يشاهد غرف منزل الأمير فاضل ولو في مجموعة الصور المتبقية، انه دخل دار پيير لوتي، الروائي المولع بالشرق في نهاية القرن التاسع عشر، أو لوحة من لوحات جيروم أو ديلاكروا. ومن ناحية الموضوع لا شك أن هذا المتفرج سيجد نفسه، مع هذا الفيلم، في مواجهة كل تلك الأفكار التي صاغها الغرب لنفسه عن شرق غرائبي. أما من ناحية حضور المرأة في الفيلم، فإن المتفرج لن يكون بعيداً من صورة الحريم.[1]

كل هذه «الكليشيهات» المعهودة، منذ ما لا يقل عن قرنين من الزمن، يمكن للمرء أن «يشاهدها» في فيلم «فاضل» وهو واحد من أول أفلام المخرج الأميركي الكبير هوارد هوكس. أو بالأحرى لن يمكن المرء أن يشاهدها، بل يسمع عنها أو يقرأ فقط، مع اطلاعه على بعض الصور المتبقية. ذلك ان هذا الفيلم «المؤسس» ضائع، تذكره كتب تاريخ السينما بصفته شبحاً لا وجود حقيقياً له. ونقول هنا انه «فيلم مؤسس» لأنه كان واحداً من أوائل الأفلام الأميركية التي أسست لتلك النظرة الملتبسة الظالمة حيناً، والمتواطئة حيناً، والساعية الى إغراق المتفرج في غرابة من دون أن تتنبه الى مدى السوء والمخاتلة اللذين تحفل بهما، النظرة التي ألقتها هوليوود على الشرق المتخيل غرباً... فأصبح الشرق الراسخ في ذهن الغرب بصفته الحقيقة، أي الشرق الذي لا شك يخامر ذهن الغربي المتوسط العادي في كل مرة جاءته انباء الشرق البائس العنيف التعيس... وآه كم تجيئه هذه الأنباء في كل يوم...

والحقيقة ان تلك النظرة لو تأسست، فقط، على أفلام مثل «فاضل»، لما حمل الأمر كل السوء الذي حمله... لكن «فاضل» كان مجرد نظرة ملتبسة من الصعب تحميلها أي يقين. إذ، على رغم سذاجة الموضوع وتهافت الحبكة، فإن شيئاً ما في الفيلم يظل قادراً على أن يقول لنا إن هاوارد هاوكس، حتى في فيلمه الساذج هذا، ظل قادراً على ألا يكون شريراً تجاه شرق سيقول لاحقاً غير مرة انه، بعد كل شيء، لم يكن يعرفه أبداً إلا عبر النظرة الغربية الراسخة: النظرة التي تقوم هنا على المقابلة بين ذكورية الشرق، وأنوثة الغرب، ولكنها تنتهي قائلة ان عبودية تلك الأنوثة لهذه الذكورة، لم تكن إكراهية، بل طوعية. ومن هنا كان من المنطقي حين عرض الفيلم في فرنسا، عام انتاجه، ان تحمل نسخته الفرنسية عنوان «المستسلمة». ذلك أن بطلة الفيلم، الباريسية الحسناء، لم تخضع لأميرها الشرقي إلا برضاها، بل ستموت معه، برضاها أيضاً.

وحتى لا نستبق الأحداث، قد يكون من الأفضل هنا شرح من هو «فاضل» في هذا الفيلم ومن هي «باريسيته الحسناء» وماذا جاءا يفعلان معاً في عوالم ألف ليلة وزينة بيار لوتي ولوحات ديلاكروا. في الفيلم الذي اقتبس أصلاً عن مسرحية معروفة كتبها الفرنسي پيير فروندي (اعتمدناها هنا لرسم الاحداث)، لدينا الأمير الشرقي فاضل الذي لا نعرف حقاً من أي بلد هو أو ماذا يعمل أو من أين يأتي بالمال الذي يؤمن له العيش الصاخب. كل ما نعرفه عنه أنه ثري جداً، شديد الرجولة، حنون حين يريد، وسريع الغضب حين يشاء. وأنه يعيش في ذلك القصر الفاخر كما كان يعيش سلاطين العصور الوسطى، محاطاً بالفخامة وبالخدم والأتباع. وفاضل هذا يلتقي خلال زيارة يقوم بها الى البندقية في إيطاليا، بالفرنسية الحسناء فابيان، التي تجد نفسها على الفور منجذبة اليه مغرمة به، وهو بدوره يغرم بها ويقرر ان يتخذها امرأة له. توافق هي على هذا بكل سرور، مدفوعة من ناحية بحبها الحقيقي له، ومن ناحية أخرى بفضولها للتعرف الى شرقه الغامض. وهكذا يصطحبها الى بلده لتعيش في قصره عزيزة مكرمة... لكن الفتاة سرعان ما تكتشف وهي في الحريم انها الآن أسيرة بقدر ما هي زوجة، وسجينة بقدر ما أعطيت حرية أن تحب أميرها الساحر. في البداية تقبل فابيان بهذا الواقع مأخوذة بحب الأمير لها وغرابة العيش في مكان يفوق أحلامها خيالاً... لكنها، وكما كان ينبغي للأمور أن تكون عليه، تبدأ بعد قليل بمعاناة الضجر: فهي اعتادت حياة مختلفة تماماً عن هذه الحياة التي تعيشها الآن. اعتادت أن تعيش كما يحلو لها وأن تقابل من الصديقات، وخصوصاً الأصدقاء، من تشاء وفي أي وقت تشاء. ان هذا كله لم يعد متوافراً لها الآن. كل ما هو متوافر حب فاضل وسجنه والأبهة الفارغة التي تعيش في أحضانها. لكنها حين تفاتح أميرها بهذا كله لا تجد لديه أدنى تجاوب، فهو يملكها، روحاً وعاطفة وجسداً، وما عاد في إمكانها أن تعيد الزمن الى الوراء. ويبدأ بين الاثنين صراع عنيف، سرعان ما يتدخل فيه عدد من أصدقاء فابيان الأوروبيين، الذين ها هم الآن يسعون الى إنقاذها مما هي فيه. ويتمكنون بفضل جهودهم المشتركة، من إطلاق الرصاص على الأمير - الذي لم يكن أساء إليهم أية إساءة كما يؤكد لنا الفيلم - ويهرّبون فابيان من القصر. وهنا يحدث ما لم يكن في الحسبان: فالرصاصة جرحت الأمير لكنها لم تقتله. أما فابيان فإنها بعد برهة من إحساسها بالحرية، تبدأ بالحنين الى فاضل، إذ تكتشف أن حبها له كان قوياً وحقيقياً. وهكذا تعود إليه كالمنومة مغناطيسياً يجذبها الحب. وفاضل، الذي لا يخفي انه يحبها حقاً، هو الآخر، يستقبلها عند عودتها بفرح، ولكنه كان أضمر أمراً... فكرامته وذكورته لم يكونا ليسمحان له أن يقبل استعادة حبيبة هربت منه بعدما تآمرت مع أبناء جلدتها... لذلك يصطحبها الى الصحراء حيث يدفعها الى جرع السم الذي في خاتمه، وهو السم نفسه الذي يجرعه هو الآخر ويموتان معاً، وسط حر الصحراء ورملها.

ان في إمكاننا، ازاء هذا الفيلم أو ما نعرفه من أحداثه على الأقل، أن نكتب صفحات عن الصورة النمطية التي زرعتها «هوليوود» في أذهان متفرجيها عن الشرق والرجولة والقسوة ومكانة المرأة وما الى ذلك. أما بالنسبة الى هوارد هاوكس، الذي كان في ذلك الحين في بداياته التي قادته لأن يكون لاحقاً واحداً من أكبر مبدعي هوليوود، وفي أفلام لا علاقة لها بالشرق أو بالحريم، من قريب أو من بعيد، بالنسبة الى هوكس كانت المسألة مسألة تحقيق فيلم عن الحب وقوة تأثيره. وهو إذا كان اختار حالاً متطرفة، فإنما فعل ذلك - كما سيقول هو على الأقل - للتشديد على الحب، لا على الفوارق بين الشرق والغرب. ومع هذا لو كان الفيلم لا يزال موجوداً وفي متناول اليد، لكان من السهل استخدامه ضد الشرق، وصولاً الى «أبلسة» تلك العاشقة التي، إذ اندفعت وراء غريزتها وأميرها، إنما خانت مبادئ الغرب وحريته... بل خانت مبادئها هي نفسها التي طالما كانت أعلنت عند بداية الفيلم عن تمسكها باستقلالها ونضالها ضد طغيان الذكر.

مهما يكن من الأمر فإن هوارد هوكس نفسه عبر دائماً عن ارتياحه لاختفاء نسخ هذا الفيلم. إذ في الوقت الذي بدأ فيه يبتعد عن النظرة الغربية الخبيثة التي يحملها ازاء «الحلم الشرقي» وازاء «خضوع المرأة»، كان أضحى مخرجاً كبيراً، يوقّع اسمه على عشرات الأفلام التي تعتبر علامات هوليوودية كبيرة مثل «وحدها النسور لها أجنحة» و «الطريق الى المجد» و «ان تملك أو لا تملك» أو «السبات العميق»، وصولاً الى «ريو برافو» و «رياضة الرجال المفضلة» و «الدورادو» وغيرها من أفلام حققت منذ عهد السينما الصامتة حتى رحيل هوكس عام 1977 عن عمر يناهز الواحد والثمانين عاماً بعد سنوات قليلة من تحقيق فيلمه الأخير «ريو لوبو» (1970).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ ابراهيم العريس (2010-12-11). "«فاضل» لهوارد هاوكس: الشرق والغرب يتبادلان الخضوع والهيمنة". جريدة الحياة اللبنانية.