صقر غانم سعد الغانم

صقر غانم سعد الغانم (و. 1845 - ت. 1918)، كان قائداً لجيش الشيخ مبارك الصباح.

صقر غانم سعد الغانم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

وُلد صقر غانم سعد الغانم عام 1845، وعاصر حقبة مليئة بالأحداث والمعارك المصيرية في تاريخ الكويت، إبان حكم الشيخ مبارك الصباح. وهو والد غانم صقر الغانم، أول قائد للشرطة في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت السابق.


التواصل مع زعماء القبائل

يعتبر التواصل والعلاقات المباشرة مع زعماء القبائل من أهم واجبات القيادات في هذه المنطقة العربية، وهي الوسيلة الرئيسة لبناء تحالفات تكون مفيدة عند نشوب المعارك، والتي كانت كثيرة في تلك الفترة، وغالباً ما كانت تدور بين القبائل لأسباب اقتصادية، فحياة أبناء البادية مرتبطة بالحصول على المراعي الجيدة، وعندما تجدب أرضهم يضطرون إلى دخول أراضي غيرهم الذين إما أن يقاتلوهم أو يطلبوا منهم حصة من نتاج الماشية نظير الرعي، وتكون الكلمة الفصل هنا للقوة والعدد والعتاد، أما حكام المدن المتناثرة في الصحراء فإن مصدر دخل الحاكم الرئيس هو الزكاة التي يحصلون عليها من الرعاة، وهي التي تعزز دخل الإمارة من ضريبة الواردات التجارية مثلما كانت عليه الحال في الكويت، فقد كانت ضريبة الواردات فيها تعادل 5%، ثم خفضت في عهد الشيخ سالم المبارك الى 4%، وفي المقابل يتحمل الحاكم مسؤولية الدفاع عن رعايا الإمارة داخل المدن وفي القرى والصحراء من القبائل التي تدفع له الزكاة، ضد الهجمات التي يعتبرها كثير من أبناء الصحراء مصدر رزق لهم، فتارة تكون شرارتها عداوة قديمة وتارة ترتبط بالدين وتارة تكون للرغبة في بسط النفوذ بهدف الحصول على منفذ بحري أو امتداد في عمق الصحراء، في كل الأحوال تكون الغنائم المادية هي الهدف الأهم.[1]

الشيخ سالم والأمير عبد العزيز

كانت العلاقة بين الشيخ سالم والأمير عبد العزيز بن سعود مرتبكة لعدة أسباب، من بينها موضوع زكاة القبائل التي تتبع بلد كل منهما، فقد أوفدت السلطات البريطانية بعثة برئاسة الكولونيل هاملتون لتسوية الخلاف بين الأمير بن سعود والشيخ سالم، وصلت البعثة إلى الرياض في أوائل نوفمبر 1917، وتحدث هاملتون مع بن سعود حول معاهدة الصداقة الموقعة بين بريطانيا وبن سعود (ديسمبر 1915) وضرورة عدم التدخل في شؤون القبائل الكويتية، فرد عليه بن سعود، حسب ما ورد في كتاب «تاريخ الكويت» للخترش، بأن «قبيلة العوازم غادرت الكويت واستقرت في أراضيه فلم تعد كويتية بعد ذلك».

لقد كانت مسألة تحديد المناطق التابعة لكل حاكم تمثل حجر الأساس لفض المنازعات، ولهذا السبب تم فيما بعد عقد مؤتمر العقير في 12 ربيع الآخر 1341 الموافق 2/12/1922 لترسيم الحدود بين العراق والسعودية بسبب كثرة غارات القبائل النجدية على الأراضي العراقية الواقعة تحت الاحتلال البريطاني، ثم امتدت أعمال المؤتمر إلى ترسيم حدود جديدة بين السعودية والكويت، في حين أن موضوع الحدود مع الكويت لم يكن مطروحا أساسا للنقاش في المؤتمر ولهذا لم يكن للكويت ممثل في المؤتمر باستثناء الميجر مور المقيم السياسي في الكويت.

إذاً كان المحرك الأساسي لمعارك الصحراء هو الدافع الاقتصادي، ولا يغير من ذلك الواجهة الدعائية اللازمة لحشد الجند تحت أي مبرر ديني أو غيره، ففي بلاد نجد أيضا تسبب العامل الاقتصادي في فصم العرى بين عبد العزيز بن سعود وحركة الإخوان، بعد أن واجه متاعب كبيرة لكبح جماح شهوة الغزو والسلب لديهم، رغم أنهم كانوا يهتفون بشعارات دينية في غزواتهم التي تتجه في نهاية المطاف الى تحصيل الغنائم حتى قبل أن تضع المعركة أوزارها، وقد نفد صبر بن سعود من تلك التصرفات التي تكررت معها هجماتهم على المناطق العراقية المحاذية للحدود السعودية، واستياقهم المواشي من القبائل القاطنة في تلك المناطق، وقد اعترضت الحكومة البريطانية عدة مرات على تلك الهجمات كون العراق في تلك الفترة كان واقعا تحت الاحتلال والإدارة البريطانية المباشرة، لهذا قامت قواتها الجوية بعمليات عسكرية ضد قوات الإخوان، ثم عقدت «اتفاقية بحرة» مع الملك عبد العزيز في 1925 في مخيمه قرب مدينة جدة، بهدف وقف تلك الهجمات، إلا أنها لم تتوقف. (كتاب حرب في الصحراء – غلوب باشا)

هجوم ابن رشيد على الكويت

بعد سبعة أشهر فقط من انتصاره في معركة الصريف في 17 مارس 1901، هجم عبد العزيز بن رشيد على الكويت لمواصلة انتقامه الذي بدأه فور انتهاء معركة الصريف ضد عدد من مدن القصيم التي وقف بعضها مع الجيش الكويتي.

قدوم ابن الرشيد إلى الكويت لم يكن يستهدف الصبيحية ولا منطقة وارة شبه الخاليتين إلا من بعض الآبار والمزارع التي احتاج إليها ابن رشيد معسكراً لجيشه ومكانا تشرب منه دواب الجيش، فقد كان هدفه دخول الكويت والقيام بأعمال انتقامية مماثلة لما قام به فعلا في بريدة التي أعمل القتل في رجالها لعدة أيام حتى امتلأت حفر آبار مياهها بجثث من قتلهم، فخرج إليه الناس حاملين المصاحف يطلبون منه الكف عن القتل.

تجهيز جيش قوي لحماية الكويت

تحدث صقر الغانم مع المقربين منه عما دار بينه والشيخ مبارك إثر معركة الصريف، عندما ذكره بما كان قد نصحه به بشأن طريقة الاستعدادات العسكرية، حيث كان صقر يخشى من بعض القبائل من غير قبائل الكويت حتى وإن كانت حليفة للكويت، بسبب معرفته بتركيز رجالها على الغنائم وتراخيهم في القتال، وهو أمر كان صقر الغانم يهتم به في جميع المعارك التي خاضها، مثلما جاء في حديثه للجند في إحدى المعارك التي قادها إلى جوار جابر المبارك مع الظفير، شمالي آبار جابدة، في العراق حيث خاطب الجند قائلا حسب ما ذكر عبدالعزيز بن رشيد في الصفحة 187: «لا تنظروا إلى نيل الغنائم من عدوكم، فهو سيضحي بالغالي والنفيس فعليكم بالثبات»، لقد كانت مسألة ثبات الجند وخوفه من تفضيل الغنائم سببا لعدم رضاه عن تركيبة الجيش الذي توجه الى معركة الصريف.

وحدث في معركة الصريف ما توقعه صقر، ففي بداية المعركة كانت بوادر النصر لجيش مبارك، وبمجرد أن شن بن رشيد هجمة مضادة صاح رجل من القبائل المشاركة طلبا للغنائم فقط (الكسيرة، الكسيرة) فانسحبت تلك القبائل، في حين بقي الجيش الكويتي صامدا بعدهم خمس ساعات حتى تحول النصر الى هزيمة.

بعد أن استمع الشيخ مبارك الى تذكير صقر له بما سبق أن حذر منه، قال له: «جرى اللي جرى يا صقر، وشفايدة الكلام الحين؟»، فقال له صقر: «العلوم عندي أن بن رشيد جايك بالكويت بعدما ذبح الرجال في بريدة وكل من وقف معانا، وملأ القلبان بالجثث، فإذا كان هذا فعله مع اللي ناصرنا فماذا سيفعل بأهل الكويت؟»، فأصيب الشيخ مبارك بصدمة شديدة، وقال: «منين هالكلام؟».

وتابع صقر: «الكلام اللي قلته لك وصلني اليوم، ولا بد نطلع له برة بجيش قبل لا يوصل الكويت، وإلا إذا دخلها وصار بين البيوت ما نقدر عليه، أحتاج رجالا من أهل الكويت والقبايل اللي معانا»، وبالفعل وصل بن رشيد الى مشارف الكويت في 2 جمادى 1319 هجري، الموافق 23/9/1901، أي بعد سبعة أشهر فقط من معركة الصريف التي حدثت في 26 من ذي القعدة 1318 الموافق 17/3/1901.

وافق مبارك على قيام صقر الغانم بالتحضير للمعركة القادمة، فلم يضيع صقر الوقت وبادر بإرسال رجاله الى القبائل الموالية للكويت، وسار بقوة عسكرية كبيرة انطلقت من الجهراء وعسكرت خارجها جهة جبل سنام بانتظار جيش بن رشيد، الذي صدمته أخبار خروج جيش بهذا الحجم بعد تلك الهزيمة الكبيرة، حيث ساعدت علاقات صقر الغانم الوثيقة بالقبائل المجاورة للكويت في تجاوبها مع دعوته للنفير، فقد كانت تعلم أن انتصار بن رشيد على الكويت مرة ثانية سيعقبه إيذاؤه لتلك القبائل بسبب ولائها للشيخ مبارك، فنجح صقر في حشدها من خلال التحرك بسرعة في التعبئة والتموين، ووجد صقر في معسكره وسط ذلك الجيش الذي تمتع بجاهزية عالية لمواجهة العدو، وأرسل صقر العيون لرصد تحركات جيش بن رشيد، الذي علم بأمر الجيش الكويتي واستعداداته فاضطر الى التوقف عن المسير نحو الكويت والتحول باتجاه الصبيحية، بعد أن تغير الوضع الذي بنى حساباته عليه، والذي يقوم على أن هزيمة الصريف لم تبق للكويتيين قوة كافية للصمود أمامه، فكان تجهيز هذا الجيش الكويتي بهذه السرعة صدمة له وضربة لمخططه الذي يقوم على معاجلة الكويت المهزومة الضعيفة بضربة أشد قسوة.

كما قام الشيخ مبارك بمراسلة الإنكليز فأرسلوا بدءا من تاريخ 24 سبتمبر ثلاثة طرادات بحرية وهي (ماراثون، سفنكس، آساي، الأخير خرج من كراتشي) حسب البرقيات المنشورة في كتاب «التاريخ السياسي للكويت، في عهد مبارك»، د. فتوح الخترش، صفحة 144، كما أمر الشيخ بحفر خندق حول مداخل مدينة الكويت لعرقلة أي هجوم قد يصل إليها، وبالرغم من أهمية تلك الإجراءات الدفاعية، فإن مبدأ «الهجوم هو خير وسيلة للدفاع» جعل من خروج جيش جرار إلى خارج مدينة الجهراء لملاقاة العدو، بمشاركة جميع أهل الكويت مع إخوانهم من القبائل الحليفة، أمرا مختلفا في الجانب القتالي عن وصول الطرادات الإنكليزية التي رابطت في البحر ولم تصل الى ساحة القتال غرب الجهراء.

وعند التدقيق في تاريخ وصول تلك السفن البريطانية وموعد وصول القوات الغازية فإن تأثير المواجهة البرية- من الناحية الزمنية- قد حسم الأمور بالنسبة إلى الجيش الغازي، فغير اتجاهه ولم يحاول حتى الالتحام مع الجيش الكويتي، فاتجه نحو الصبيحية بعد أن تغير الوضع الذي بنى حساباته عليه، والذي يقوم على أن هزيمة الصريف لم تبق للكويتيين قوة كافية للصمود أمامه، فكان تجهيز هذا الجيش وبهذه السرعة صدمة له وضربة لمخططه الذي يقوم على معاجلة الكويت المهزومة والضعيفة بضربة أشد قسوة لا تقوم بعدها للكويت ولا لأهلها قائمة.

برقيات المقيم البريطاني

حدثت واقعة اعتقال صقر الغانم في 14 يناير 1910، حسبما جاء في برقية الكولونيل شكسبير فيما نصه: «ثارت ضجة بتاريخ الرابع عشر من يناير بسبب اعتقال صقر بن غانم وبعض أتباعه بتهمة التآمر على حياة الشيخ، وقد كان هذا الرجل أحد القادة الموثوقين في حملته ضد سعدون، ولا يبدو أنه بلغ من الغباء إلى درجة يرمي فيها بنفسه نحو أمل شبه يائس في القضاء على حياة الشيخ بدفع من أبناء أخيه، وهو لا يزال حالياً في السجن، أما الشيخ فإنه أضحى لا يتحرك إلى أي مكان دون حرس قوي من خاصة رجاله ولم تسنح فرصة للوكيل السياسي لفتح الموضوع معه حتى الآن».

يتابع شكسبير: «وصل يوسف بن سالم البدر وهو شقيق لأمين سر الشيخ مبارك من البصرة في اليوم العاشر من فبراير حاملاً مهمة إقناع الشيخ أن صقر لم يشارك أي واحد من أبناء شقيقه في مؤامرة ضده، هذا، ومع ذلك لا يزال صقر بن غانم وأتباعه في السجن».

ويضيف: «في 29 فبراير وردتنا أنباء تفيد أن صقر بن غانم الذي لا يزال في السجن منذ يناير بسبب المؤامرة المزعومة على حياة الشيخ يتعرض إلى معاملة وتعذيب».

وأشارت البرقية إلى أنه تم اعتقال صقر الغانم وبعض أتباعه، ومن أبرزهم يعقوب الغنيم الذي كان الساعد الأيمن لصقر والذي لا تعرف عنه عائلته شيئاً منذ تلك الحادثة، فإذا كان الاعتقال قد شمل أعوان صقر حسبما تقول البرقية فمن المرجح أن يكون الغنيم أحد هؤلاء المعتقلين، وفي ضوء تلك المعاملة القاسية التي لقيها صقر فليس من المستبعد أن يلقى أتباعه معاملة أشد قسوة وأنه تم الإجهاز عليهم في السجن بالنظر إلى أن أخبارهم قد انقطعت نهائياً عن أسرهم منذ ذلك الوقت.

رواية حسين خزعل

وقد ذكر حسين خزعل هذه الحادثة في كتابه (تاريخ الكويت السياسي) تحت عنوان «مؤامرة صقر الغانم»، ما يؤكد علاقة الشيخ خزعل بتأجيج الخلاف أو افتعاله، وملخصها حسبما جاء في الكتاب المذكور، أن معلومات مجهولة المصدر قد وصلت إلى مسامع الشيخ مبارك الصباح مفادها أن صقر الغانم يتخابر مع يوسف الإبراهيم، الذي هو ألد أعداء مبارك الصباح من أجل الانقلاب عليه.

وجاء في الصفحة 290 من الكتاب: «في عام 1329 هجري 1910 ميلادي كان الشيخ مبارك قد خرج من الكويت إلى الجهرة فجاءه شخص يدعى سعد الدخيمي وأخبره بأن هناك مؤامرة تحاك بين صقر الغانم (قائد جيوشه البرية) وبين أولاد أخويه الذين في البصرة، وذلك لقتله، وقتل ابنيه جابر وسالم، وسيقدم إلى الكويت شخص من قبيلة مطير يحمل معه رسالة سرية إلى صقر الغانم تتضمن الإشارة إلى تدبير تلك المؤامرة.

فأصدر الشيخ مبارك أمراً إلى أتباعه بأن يحضروا أمامه كل قادم من البصرة عن طريق البر للقيام بتفتيشه بين يديه تفتيشاً دقيقاً، فورد شخص من البدو فاشتبه في أمره، وجرى تفتيشه أمام الشيخ مبارك بأدق ما يمكن فلم يعثر معه على شيء وبالرغم من ذلك التفتيش الدقيق جزم الشيخ مبارك بأن هذا الشخص هو الشخص المرسل إلى صقر الغانم، فأمر بإعادة تفتيشه، ثم أمر بخلع نعله وعند فتحها عثر فيها على رسالة تبين منها بعض الإشارات الغامضة التي تؤدي إلى وجود مؤامرة فاحتفظ بها، وأمر بسجن ذلك الرجل، وعاد مسرعاً إلى الكويت ليتعرف الأمر بنفسه، وأصدر أوامره بالبحث الشامل والتفتيش الدقيق لجميع السفن والزوارق المتنقلة بين الكويت وشط العرب.

ثم وردت أخبار سرية من مدينة الزبير تفيد بأن رجالاً سيقدمون الكويت من الزبير بصفة تجار أغنام يحملون معهم كتاباً إلى صقر الغانم يتضمن رموزاً حول تلك المؤامرة، كما يجد معهم أسلحة وعتاداً فترقبهم الشيخ مبارك وعند وصولهم إلى الكويت وجد معهم سلاحهم الشخصي فقط، فزجهم في السجن، ثم أصدر أمره إلى علي الخليفة بالذهاب إلى دار صقر الغانم وإلقاء القبض عليه.

فذهب علي الخليفة مسرعاً إلى دار صقر الغانم ووجده جالساً في وسط الدار بغير أي إجراءات غير عادية لحمايته، وكان ولده غانم في حجره وهو يومئذ صبي صغير، فأخبره بوجوب حضوره أمام الشيخ مبارك بصورة مستعجلة فاستمهله حتى يسلم الصبي إلى أمه فلم يمهله، وقدم به إلى الشيخ مبارك، فعاتبه الشيخ مبارك عتاباً شديداً ثم أمر بزجه في السجن».

تأثير الشيخ خزعل على الشيخ مبارك في قضية الغانم

هذه الرواية من جانب الكاتب حسين خزعل غير مكتملة، فعبارة «إشارات غامضة» كما جاء في كتابه لا تثبت شيئاً، بل إن الشيخ مبارك نفسه لم يقرر تلك العقوبة بهذه السرعة، حيث قام بتكليف يوسف، شقيق عبدالعزيز السالم البدر، وكيل أعماله في البصرة بإجراء تحرياته عما بلغه عن صقر الغانم، ولو أن الشيخ مبارك كان واثقاً من أن تلك «العبارات الغامضة» ذات الإشارات غير المفهومة، تصلح دليلاً لوحدها لما أرسل السيد البدر، وبعد شهرين رجع البدر إلى الشيخ مبارك قائلاً: «الكلام اللي وصلك عن صقر لا أساس له»، نقل الشيخ مبارك هذه النتيجة إلى الشيخ خزعل الذي قال: «يا شيخ مبارك، هذا ذيب وجرحته، إذا تركته راح يرجع عليك».

قال له الشيخ مبارك: «لازم أتركه، جماعته راحوا البحرين وطلبوا من الشيخ عيسى بن علي الخليفة شيخ البحرين أن يتوسط، وأرسل لي الشيخ عيسى يخبرني انه راح يجي الكويت علشان صقر».

وكان الشيخ خزعل ذا تأثير كبير على الشيخ مبارك، وهو أمر وثقه الكابتن (س.ج. نوكس) في برقية أرسلها إلى المندوب السياسي في أبوشهر الكابتن (ب. ز . كوكس) في 6/10/1908 ضمن المراسلات، صفحة 94، قال: «... والرجل الوحيد الذي وصل إلى علمي أن له تأثيراً على الشيخ مبارك إنما هو الشيخ خزعل، شيخ المحمرة، ولا أعتقد أن تأثيره هذا ليس لمصالحه هو (خزعل) فإنه قد علم مباركاً عدداً من الطرق الجديدة للسيطرة على شعبه، وهو يتملقه لزيادة خيلائه ويرفعه إلى السماء، والاثنان مستعدان لدعم بعضهما بعضاً في السراء والضراء، وفي كل خطوة يعزمان على اتخاذها، وهذا التأثير قد لا يدخل في نطاق ما نحسب حسابه».

هذه النهاية الأليمة في حق صقر الغانم الذي دافع عن الكويت في معارك كثيرة، أخطرها ما كانت بعد حرب الصريف، فيما يسمى عسكرياً بالحرب الوقائية لتجنب معركة كان وقوعها يعني خراب الكويت بشكل كامل، ومع ذلك نجحت دسيسة الشيخ خزعل عبر الرجل الذي أرسله، سعد الدخيمي، في الإيقاع بين الشيخ مبارك والقائد صقر الغانم، فانتقم خزعل لنفسه على يد الشيخ مبارك.

وكان الشيخ أحمد الجابر قد قال لغانم، ابن صقر الغانم، رئيس الشرطة في عهده عام 1939 عندما عبر الأخير عن رغبته في الاستقالة من عمله على خلفية التجاذب السياسي الحاد في فترة المجلس التشريعي، فرفض الشيخ استقالته، قائلاً: «وإذا كان في شيء بالنفس عما جرى لوالدك صقر فو الله، ثم الله، ثم والله، إنه ما طبخنا في بيوتنا ثلاثة أيام يوم صار اللي صار لأبوك صقر، حزنا عليه»، وقد أعقب تلك الحادثة حدوث زيجات بين البيتين فتزوج الشيخ سالم بزة بنت صقر الغانم، وتزوج الشيخ ناصر المبارك لطيفة بنت صقر، ومن يقول، إن هناك تراكمات نفسية بين العائلتين بعد الحادثة يصادم الواقع المتمثل في تكليف غانم بن صقر الغانم بمسؤولية جهاز أمني حساس وهي رئاسة الشرطة، الأمر الذي يجب ألا يحول دون تسطير ما حدث من قبيل التأريخ الدقيق لدور رجل أسهم في حماية الكويت في فترة بالغة الاضطراب كادت في بعض أحيانها أن تزيح كيان هذه الدولة من الوجود .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

براءة صقر الغانم من تهمة التآمر

بعد إلقاء القبض على صقر الغانم، قام الشيخ مبارك بإيفاد يوسف بن سالم البدر وهو شقيق عبدالعزيز البدر وكيله على المزارع في الفاو، للتحقق من المعلومات التي وردته عن وجود مؤامرة يديرها صقر الغانم ضده، وبعد شهرين من البحث المكثف رجع يوسف البدر بنتيجة الى الشيخ مبارك، قال له:» طويل العمر، صقر ما عليه شيء، سألت وبحثت في كل مكان، صقر ما عليه شيء».

ومن خلال قراءة شهادة المقيم السياسي البريطاني الكابتن شكسبير، وإمعان النظر في خلاف الشيخ خزعل مع صقر الغانم، وعلاقة خزعل الحميمة مع الشيخ مبارك وقدرته الكبيرة في التأثير عليه حسبما قررت البرقيات البريطانية، فإنه من الواضح أن الدسيسة التي تعرض لها الشيخ مبارك كانت مسمومة، وكان هو نفسه ضحية لها، إذ بموجبها فقد أحد أهم قادته العسكريين بغير مبرر ولا أي خلاف يستحق معه ذلك القائد المخلص التعذيب والتشويه البدني، فضلاً عن قتل أعوانه الذين ساعدوه في حشد الجيش في العديد من المعارك التي خاضها مبارك، وحتى المعارك التي تمت بأسلوب الحرب الوقائية.[2]


المصادر

  1. ^ "صقر الغانم (1845- 1918) الحلقة (1)". جريدة الجريدة. 2020-07-15. Retrieved 2020-12-16.
  2. ^ "صقر الغانم (1845- 1918) الحلقة (2)". جريدة الجريدة. 2020-07-17. Retrieved 2020-12-16.