رامايانا (دڤناگري: Rāmāyaṇa، रामायण) هي ملحمة شعرية هندية قديمة بالسنسكريتية تـُنسب إلى الشاعر ڤالميكي. وتعتبر من التراث الهندي وتكاد تكون نصا مقدسا وهي ملحمة لا يزيد طولها على ألف صفحة قوام الصفحة منها ثمانية وأربعون سطراً؛ وعلى الرغم من أنها كذلك أخذت تزداد بالإضافات من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني بعد الميلاد، فإن تلك الإضافات فيها أقل عدداً مما في الماهابهاراتا، ولا تهوش الموضوع الأصلي كثيراً؛ ويعزو الرواة هذه القصيدة إلى رجل يسمى "فالميكي"، وهو كنظيره المؤلف المزعوم للملحمة الأخرى الأكبر منها ، يظهر في الحكاية شخصية من شخصياتها ولكن الأرجح أن القصيدة من إنشاء عدد كبير من المنشدين العابرين، أمثال أولئك الذين لا يزالون ينشدون هاتين الملحمتين، وقد يظلون يتابعون إنشادهما تسعين ليلة متعاقبة، على مستمعين مأخوذين بما فيها من سحر. وكما أن "المهابهارتا" تشبه "الإلياذة" في كونها قصة حرب عظيمة أنشبتها الآلهة والناس، وكان بعض أسبابها إستلاب أمة لامرأة جميلة من أمة أخرى؛ فكذلك تشبه "رامايانا" "الأوديسية" وتقصّ عما لاقاه أحد الأبطال من صعاب وأسفار، وعن إنتظار زوجته صابرة حتى يعود إليها فيلتئم شملها من جديد. وترى في فاتحة الملحمة صورة لعصر ذهبي، كان فيه "دازا- راذا" يحكم مملكته "كوسالا" (وهي ما يسمى الآن أودا) من عاصمته "أيوذيا":

جزء من سلسلة عن
الكتب المقدسة الهندوسية

Aum

رگ‌ڤدا • ياجورڤـِدا
سـَماڤـِدا • أثارڤاڤـِدا

الأقسام
سامهيتا • برهمانا
أرنياكا • أوپانيشاد

Aitareya • Brihadaranyaka
إيشا • Taittiriya • Chandogya
كـِنا • منداكا • Mandukya
كاثا • پراشنا • Shvetashvatara

شيكشا • Chandas • Vyakarana
نيروكتا • جيوتيشا • كلپا

مهابهاراتا • رامايانا

سمريتي • شروتي
بهاگڤاد گيتا • پورانا
أگاما • درشانا
Pancharatra • تنترا • سوترا
ستوترا • دارماشاسترا
Divya Prabandha
تـِڤـَرام • Akhilathirattu
Ramacharitamanas
شيكشاپاتري • ڤاچانمروت


 ع  ن  ت

مزداناً بما تزدان به الملوك من كرامة وبسالة، وزاخراً بترانيم الفيدا المقدسة

أخذ (دازا- راذا) يحكم ملكه في أيام الماضي السعيد...

إذ عاش الشعب التقيُّ مسالماً، كثير المال رفيع المقام

لا يأكل الحسد قلوبهم ؛ ولا يعرفون الكذب فيما ينطقون ؛

فالآباء بأسْراتهم السعيدة يملكون ما لديهم من ماشية وغلة وذهب

ولم يكن للفقر المدقع والمجاعة في (أيوديا) مقام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فصول الملحمة

رامايانا Ramayana تعني باللغة السنسكريتية[ر] سيرة حياة راما، وهي ملحمة[ر] شعرية هندية تنسب إلى الشاعر المغنّي الأسطوري فالميكي Valmiki الذي زعم في مقدمتها أنه تلقى أمراً إلهياً من براهما لنظم ملحمة تروي سيرة راما. تعود الملحمة إلى القرن الثاني للميلاد، وتتألف من أربعة وعشرين ألف بيت مزدوج، في سبعة فصول، تصف أفعال وآلام البطل الأسطوري راما، ولاسيما قصة اختطاف زوجته سيتا Sita والعثور عليها وتحريرها. وهناك صيغ متعددة لنص الملحمة تتباين تفاصيلها حسب المنطقة الجغرافية التي نشأت فيها، خاصة في شمال الهند وجنوبها. إلا أن جميع الصيغ تتفق من حيث جوهر المضمون وشكله.

يحمل الفصل الأول عنوان «طفولة راما»، ويبدأ بمدخل يروي قصة نشوء ملحمة «رامايانا»، ثم تبدأ الأحداث في قصر دَشَراتها Dasaratha ملك أَيودْهيا Ayodhya الذي يُرزق بعد طول انتظار بأربعة أبناء من زوجاته الثلاث، أكبرهم هو راما، الذي يجسِّد الإله فيشنو Visnu. وبإشراف الحكيم فيشْفاميتْرا Visvamitra يخوض راما برفقة أخيه المقرب إليه لاكْشْمانا Laksmana تجارب ومغامرات متنوعة في صباهما، حتى يصلا إلى قصر الملك يَنكا Janaka في فيديها Vedeha حيث تعيش الأميرة سيتا التي ظهرت للملك في أثناء إقامته أحد طقوس الارتباط بالزرع، مجسدةً ملكوت الأرض. فقرر أن ينزلها منزلة ابنته، وألا يزوجها إلا لمن يقدر على تركيب وترِ قوس صيدٍ هائل أهدته إياه الآلهة. فلا يتمكن من ذلك سوى راما الذي يعود مع زوجته سيتا إلى موطنه، ولكن بعد خوض عدد من المغامرات الجديدة. ويضمِّن الشاعر سياق قصته عدداً من الحكايات الخرافية والقصص البطولية البراهمانية[ر] التي تفسر أصول بعض الشخصيات، كإلهة نهر الغانج مثلاً.

يروي الفصل الثاني «في أيودهيا» الأحداث التي ستسيطر على بقية الملحمة. إذ عندما يعلن الملك رغبته في تنصيب بِكره راما خليفة له على العرش تتدخل زوجته الثانية بتحريض من جاريتها، وتطالب الملك بتحقيق الرغبتين المؤجلتين اللتين وعدها بهما عندما تزوج بها. وتكون الرغبة الأولى إبعاد راما إلى الغابة للتزهد مدة أربعة عشر عاماً، والثانية تنصيب ابنها بهاراتا على العرش بدلاً من راما. ولكي يجنّب راما أباه حرج النكوث بالعهد، ينطلق إلى الغابة بصحبة سيتا ولاكْشْمانا. وعندما يموت الملك كمداً يرفض بهاراتا تسلم العرش ويلحق براما ليقنعه بضرورة العودة. ولكن حيال إصرار راما على متابعة مدة النفي، يقبل بهاراتا بأن يكون نائبه حتى عودته.

يحمل الفصل الثالث عنوان «الغابة» لأن معظم مشاهده تقع في الغابة حيث اعتزل راما الحياة منفياً. وهنا تصبح الأحداث خرافية، إذ يحيط براما ومرافقيه كأصدقاء أو كأعداء عدد من الوحوش والشياطين والآلهة والزهاد من ذوي القوى الخارقة، والحدث الحاسم هو التقاء راما بـ شورْبَنَكْها Surpanakha أخت الشيطان رافَنا Ravana التي تعشق راما وتعبر عن عشقها بإلحاح يصل حد العدوانية، مما يدفع لاكْشْمانا إلى قطع أذنيها وأنفها للتخلص منها، فيتدخل أخوها رافَنا ذو السبعة رؤوس وحاكم مملكة لانكا Lanka لينتقم لأخته، فيختطف سيتا. ولأنه وقع في حبها فإنه يعدها بالغالي والنفيس كي تقبل به زوجاً، لكنها ترفض. فيهددها بأنه سيفترسها حية إن لم تغير موقفها منه في سنة وهي في أسره.

تبدأ عملية البحث عن سيتا المخطوفة في الفصل الرابع «مملكة كيشْكِندها» حيث يلتقي راما بملك القرود سوغريفا Sugriva المخلوع من قبل أخيه. فيساعده على استعادة ملكه ويطلب مساعدته، فيوكل له سوغريفا مستشاره هَنومَت Hanumat القادر على تبديل هيئته حسب الحاجة والضرورة الذي يتمكن من تحديد مكان سيتا بمساعدة الصقر سَمْباتي Sampati.

ويسرد الفصل الخامس «الجميل» وقائع قفزة هَنومَت الخارقة التي استغرقت عدة أيام حتى وصل إلى مملكة لانكا، حيث حوَّل نفسه إلى قطٍ فتش في أرجاء المملكة كافة حتى وجد سجن سيتا، ثم كيف وقع في أسر رافنا وحرر نفسه وزرع الخراب والدمار في المملكة قبل أن يعود إلى مليكه سوغريفا وينقل الأخبار السارة إلى راما.

أما الفصل السادس والأطول فيحمل عنوان «المعركة» وموضوعه هو مجريات المعركة التي دارت بين راما ورافنا بعد أن نصب القرود جسراً ربط القارة بجزيرة لانكا. فبعد استبسال الجيشين واستخدام مختلف الأسلحة الخرافية تبقى المواجهة النهائية بين راما ورافنا الذي تتجدد رؤوسه السبعة الواحد إثر الآخر فور قطعها بسيف راما، الذي يضطر للمناورة المجهدة حتى يتمكن من طعن رافنا في قلبه مباشرة. إثر ذلك يحرر راما زوجته سيتا ويجعلها تخوض تجربة المحرقة - السير على الجمر - كي تثبت طهارتها من الشيطان رافنا، ثم يعودان إلى موطنهما أيودْهيا.

في الفصل السابع والأخير «الخاتمة» ينصاع راما لتشكيك شعبه بطهارة سيتا، فينبذها إلى الغابة حيث تلتجئ إلى بيت الشاعر الراوي فالميكي وتلد هناك الطفلين التوأمين كوشا Kusa ولافا Lava اللذين يتتلمذان على فالميكي. وذات يوم في أثناء إقامة طقس التضحية بحصان يروي التوأمان لأبيهما راما ملحمة «رامايانا» وتقسم سيتا أمام الشعب على براءتها، وتختفي في أمها الأرض التي جاءت منها. أما راما فيجد عزاءه بلقاءٍ قادم معها في ملكوت الآلهة عندما يعود إلى أصله فيشنو. وكما في الفصل الأول يسوق الشاعر في فصله الأخير مجموعة جديدة من الحكايات البطولية والخرافية البراهمانية.


شباب رام

 
رام يكسر قوس شيڤا عند Sita's Swayamvara في ميثيلا، بريشة راجا راڤي ڤارما (1848-1906)

وكان على مقربة من تلك البلاد مملكة أخرى سعيدة هي "فيديها" التي كان يحكمها الملك "جاناك" ، وقد كان هذا الملك "يسوق المحراث ويحرث الأرض" بنفسه ، فهو في ذلك شبيه ببطل إسمه "سِنْسِناتَسْ" ؛ وحدث ذات يوم أنه لم يكد يلمس المحراث بيده ، حتى إنبثقت من مجرى المحراث في الأرض إبنة جميلة ، هي " سيتا " ، وما أسرع ما حان حين زواجها ، فعقد "جاناك" مباراة بين خطّابها ، فمن إستطاع منهم أن يقوم إعوجاج قوس "جاناك" الذي يقاتل به ، كانت العروس نصيبه ؛ وجاء إلى المباراة أكبر أبناء "دازا- راذا" وهو "راما": "صدره كصدر الليث ، وذراعاه قويتان ، وعيناه ذهبيتان ، مهيب كفيل الغابة ، وقد عقد على ناصيته من شَعْره تاجاً" ولم يستطع أن يلوي القوس إلا "راما" فقدم إليه "جاناك" إبنته بالصيغة المعروفة في مراسم الزواج في الهند:

هذه سيتا إبنة جاناك وهي أعز عليه من الحياة

فلتقاسمك منذ الآن فضيلتك ، ولتكن أيها الأمير زوجتك الوفية

هي لك في كل بلد ، تشاركك عزاً وبؤساً

فأعِزَّها في سرّائك وضرّائك ، واقبض على يدها بيدك

والزوجة الوفية لمولاها كالظل يتبع الجسد

وابنتي سيتا- زين النساء- تابعتك في الموت والحياة


وهكذا يعود "راما" إلى بلده "أيوذيا" بعروسه الأميرة: "جبين من عاج ، وشفة من المرجان ، وأسنان تسطع بلمعة اللآلئ"- وقد كسب حب أهل كوسالا بتقواه ووداعته وسخائه ؛ وما هو إلا أن دخل الشر هذه الفردوس حين دخلتها الزوجة الثانية "لدازا- راذا" وهي "كايكيي" ؛ وقد وعدها "دازا- راذا" أن يجيبها إلى طلبها كائناً ما كان ؛ فحملتها الغيرة من الزوجة الأولى التي أنجبت "راما" ولياً للعهد ، أن تطلب من "دازا- راذا" نفي "راما" من المملكة أربعة عشر عاماً ؛ فلم يسع "دازا- راذا" إلا أن يكون عند وعده ، مدفوعاً إلى ذلك بشرف لا يفهم معناه إلا شاعر لم يعرف شيئاً من السياسة ؛ ونفى إبنه الحبيب ، بقلب كسير ؛ ويعفو "راما" عن أبيه عفو الكريم ، ويأخذ الأهبة للرحيل إلى الغابة حيث يقيم وحيداً ؛ لكن "سيتا" تصر على الذهاب معه ، وكلامها في هذا الموقف تكاد تحفظه عن ظهر قلب كل عروس هندية ، إذ قالت:

"العربة والخيل المطهمة والقصر المذهّب، كلها عبث في حياة المرأة

فالزوجة الحبيبة المحبة تؤثر على كل هذا ظلّ زوجها...

إن "سيتا" ستهيم في الغابة ، فذلك عندها أسعدُ مقاماً من قصور أبيها

إنها لن تفكر لحظة في بيتها أو في أهلها، ما دامت ناعمة في حب زوجها...

وستجمع الثمار الحوشية من الغابة اليانعة العبقة

فطعام (يذوقه "راما" هو أحب طعام عند "سيتا")


حتى أخوه "لاكشمان" يستأذن في الرحيل ليصحب "راما" فيقول:

"ستسلك طريقك المظلم وحيداً مع "سيتا" الوديعة ،

هلاّ أذنت لأخيك الوفيّ "لاكشمان" بحمايتها ليلاً ونهاراً ،

هلاّ أذنت "للاكشمان" بقوسه ورمحه أن يجوب الغابات جميعاً

فيسقط بفأسه أشجارها ، ويبني لك الدار بيديه؟".


وعند هذا الموضع تصبح الملحمة نشيداً من أنشاد الغابات ، إذ تقصّ كيف إرتحل "راما" و"سيتا" و"لاكشمان" إلى الغابات ، وكيف سافر معهم عامر "أيوذيا" جميعاً طوال اليوم الأول ، حزناً عليهم ؛ وكيف يتسلل المنفيّون من أصحابهم الودودين خلسة في ظلمة الليل ، مخلّفين وراءهم كل نفائسهم وثيابهم الفاخرة ، وارتدوا لحاء الشجر ونسيجاً من كلأ ، وأخذوا يشقوا لأنفسهم طريقاً في أشجار الغابة بسيوفهم ، ويقتاتون بثمار الشجر وبندقها:

"وطالما التفتت إلى "راما" حليلته، في غبطة وتساؤل تزدادان على مرّ الأيام


وتسأل ما إسم هذه الشجرة وهذا الزاحف وتلك الزهرة وهاتيك الثمرة مما لم تره من قبل...

والطواويس ترفّ حولهم مرحة، والقردة تقفز على محنيّ الغصون...

كان "راما" يثب في النهر تظلله أشعة الصبح القرمزية

وأما "سيتا" فكانت تسعى إلى النهر في رفق كما تسعى السوسنة إلى الجدول)


ويبنون كوخاً إلى جانب النهر ، ويروضون أنفسهم على حب حياتهم في الغابة.

اختطاف سيتا

 
Ravana cuts Jatayu's wings, by Raja Ravi Varma (1848-1906)

لكن حدث أن كانت أميرة من الجنوب ، وهي "سوربا- ناخا" تجوب الغابة ، فتلتقي "براما" وتغرم به ، وتضيق صدراً بالفضيلة التي يبديها لها ، وتستثير أخاها "رافان" على المجيء ليختطف "سيتا" ، وينجح أخوها في خطفها والفرار بها إلى قلعته البعيدة ، ويحاول عبثاً أن يغويها بالضلال ، ولما لم يكن ثمة مستحيل على الآلهة والمؤلفين ، فقد حشد جيشاً جراراً ، فتح به مملكة "رافان" وهزمه في القتال ، وأنقذ "سيتا" وبعدئذ (وكانت أعوام نفيه قد كملت) فرّ معه قافلاّ بها إلى بلده "أريوذا" حيث وجد أخاً آخر له وفياً ، فتنازل له عن عرش كوسالا. وللملحمة ذيل يرجح أنه أضيف إليها متأخراً ، وفيه يروى أن "راما" آمن آخر الأمر بأقوال المتشككين الذين لم يصدقوا أن تكون "سيتا" قد أقامت تلك المدة كلها في قصر رافان بغير أن تقع في أحضانه آنا بعد آن ؛ وعلى الرغم من أنها اجتازت "محنة النار" لتدل على براءتها ، فقد بعث بها إلى غاية بعيدة حيث تقيم في صومعة هناك ، مزوّدة بألعوبة الوراثة المرّة التي تقضي على كل جيل من الناس أن يورّث خلفه تلك الخطايا والأغلاط التي ورثها هو من شيوخه في شبابه؛ وتلتقي "سيتا" في الغابة بفالميكي، وتلد طفلين "لراما" ؛ وتمضي السنون ، ويصبح الولدان منشدين جوّالين، يغنيان أمام "راما" المنكود الملحمة التي أنشأها عليه "فالميكي" مستمداً إيّاها من ذكريات "سيتا" ، فيدرك أن الولدين إبناه ، ويبعث برسالة إلى "سيتا" يرجوها الرجوع ؛ لكن "سيتا" كانت قد تحطم قلبها بما أثير حولها من ريب ، فغاصت في الأرض التي كانت في بادئ الأمر أمها ؛ ويظل "راما" يحكم أعوام طوالاً في وحشة وأسى، وتبلغ "أريوذا" في عهده الرحيم عصرها الذهبي من جديد ، ذلك الذي ذاقت طعمه في عهد "دازا- راذا":

يروي شيوخ الحكماء إبان عهد راما السعيد

أن رعيته لم تعرف الموت قبل أوانه ولا الأمراض الفاتكة.

ولم تبك الأرامل حزناً على أزواجهن لأن هؤلاء لم يموتوا عن زوجاتهم قبل اكتمال العمر

ولم تبك الأمهات هلعاً على الرضّع ففقدنهم في نعومة الأظفار.

ولم يحاول اللصوص والغشاشون والخادعون المرحون بالكذب سرقة أو غشاً أو خداعاً

وكل جار أحب جاره التقيّ ، وأحب الشعب مولاه

وآتت الأشجار أكلها كاملة كلما حانت فصولها

ولم تتوان الأرض عاماً عن إخراج غلّتها في غبطة المعترف بالجميل

وأمطرت السماء في أوان المطر، ولم تعصف قط بالبلاد عاصفة تأتي على زرعها.

فكان كل واد يانع باسمٍ غنياً بمحصوله غنياً بمرعاه

وأخرج المِنْسَجُ السّندان صناعتهما، كما أخرجت الأرض الخصيبة المحروثة نبتها

وعاشت الأمة فرحة بعمل أجدادها الأولين


ألا ما أمتعها من قصة ، يستطيع حتى المتشائم في عصرنا الحديث أن يستمتع بها ، إذا كان من الحكمة بحيث يترك زمام نفسه آنا بعد آن لروعة الخيال ونغمة الغناء ؛ فهذه الأشعار التي ربما كانت أحط قدراً من ملحمتي هومر من الوجهة الأدبية- في بنائها المنطقي وفخامة اللغة وعمق التصوير ، والصدق في وصف الأشياء على حقائقها- تمتاز بدقة الشعور ، وبإعلائها من شأن المرأة والرجل إعلاء مثالياً ، وبتصوير الحياة تصويراً قوياً- وهو تصوير واقعي أحياناً ؛ فلئن كان "راما" و "سيتا" أسمى خلقاً من أن يكونا شخصين حقيقيين ، فغيرهما من الأشخاص مثل "دروبادي" و "يوذشثيرا" و "ذريتا- راشترا" و "جانذاري" يكادون يكونون في قوة الحياة التي تراها في "أخيل" و "هيلانة" و "يوليسيز" و "بنلوب" ؛ ويستطيع الهندي أن يحتج في حق قائلاً إن الأجنبي لا يمكنه قط أن يحكم على هاتين الملحمتين ، بل لا يمكنه قط أن يفهمهما ؛ فهما للهندي ليستا مجرد قصتين بل هما في رأيه بهو من أبهاء الصور ، يشاهد فيه أشخاصاً مثاليين يمكنه أن ينسج في سلوكه على غرارهم ، هما مستودع تستقر فيه التقاليد ، كما تستقر فلسفة أمته ولاهوتها ، فهما- بوجه من الوجوه- كتب مقدسة يقرأها الهندي على نحو ما يقرأ المسيحي "محاكاة المسيح" أو "تراجم القديسين" ؛ إذ يعتقد الهندي الورع أن "كرِشْنا" و "راما" صورتان مجسدتان للألوهية ، ولا يزال يتوجه إليهما بالصلاة.

تأثير الملحمة

تنظر التقاليد الهندية إلى ملحمة «رامايانا» كعمل فني موحد ومكتمل في ذاته، وضعه الشاعر فالميكي. إلا أن الأبحاث اللغوية السنسكريتية دلت على أن العمل متعدد الأساليب وأن هناك كثيراً من الإضافات اللاحقة على متنه الأساسي التي جعلت من البطل البشري راما تجسيداً للإله فيشنو الذي يشكل مع شيفا وبهاراتا ثالوث الآلهة البراهمانية. وبذلك حملت الملحمة البطولية وظيفة دينية تربوية. ولكن على الرغم من كل الأجزاء المضافة يبقى المتن الرئيسي للشاعر الوحيد فالميكي ذا أثر لا تخطئه العين، على نقيض حال ملحمة الهند الثانية، أي مهابهاراتا[ر] Mahabharata. ولاشك في أن فالميكي قد جمع وأعاد صياغة عدد من الأناشيد البطولية المعروفة قبله والتي توارثها جيل عن جيل على ألسنة الرواة المغنين. أما المقاطع المضافة فقد استغرق نسجها مع المتن الأصلي قروناً عدة، وصار من الصعب الجزم بدقة علمية أي مقاطع بقيت على صيغتها وأيها خضع للتعديل والتأويل الجديد لينسجم مع الإضافات. فشخصية سيتا مثلاً حسب لاهوت فيشنو تجسيد لزوجته لاكْشمي Laksmí، لكنها ترد في الكتب المقدسة الهندوسية ريغفيدا Rygveda كإحدى آلهات الزراعة. والتطور الذي خضعت له صورة راما من بطل بشري مبجل إلى كائن إلهي يشي بتأثير التيار العقلاني في التفسير التاريخي للأساطير. ولاشك في أن «رامايانا» أقدم من «مهابهاراتا» لأن الأخيرة تتضمن إشارات إلى «رامايانا» ومقبوسات منها، في حين أن «رامايانا» تخلو من أي ذكر لـ «مهابهاراتا». لكن لغة الملحمتين واحدة، وهي سنسكريتية الملاحم، المختلفة نوعاً ما قواعدياً عن السنسكريتية الكلاسيكية التي وضع قواعدها النحوي بانيني Panini في القرن الخامس قبل الميلاد. كما تعتبر التقاليد الأدبية الهندية ملحمة «رامايانا» العمل الأدبي الأول من حيث قيمته الفنية، وتعد مؤلفها فالميكي الشاعر الأول. إذ أن للملحمة أثراً كبيراً في تطوير اللغة الأدبية وفن الشعر الهندي، نظراً لغناها بعناصر التزيين والتلوين، ولتنوع أساليب التعبير الشعري فيها، كشعر الطبيعة والغزل والبطولة والتعليم والتصوف والتأمل والمديح والهجاء والرثاء وغيرها. ويرد في الفصل الأول على لسان الشاعر فالميكي أنه هو من ابتكر الوزن الشعري الملحمي «شلوكا» Sloka. وعلى الرغم مما في هذا الزعم من مبالغة، فإن لفالميكي حتماً فضل تطوير وبلورة استخدام وزن الـ «شلوكا» في المتن الأصلي للملحمة. أما الأجزاء المضافة لاحقاً فقد استخدمت أوزاناً وقوافي مختلفة.

نظراً لفقر الجانب الديني التربوي في «رامايانا» مقارنة مع «مهابهاراتا» فقد لجأ الشعراء في القرون اللاحقة إلى نظم مقطوعات شعرية مستلهمين شكل «رامايانا» وبنيتها، أما المضامين فقد كانت لاهوتية فلسفية، ونسبوها أيضاً إلى فالميكي، لتشكل مع «رامايانا» توازناً وتكاملاً حمل الكثير من روح التيارات الهندوسية[ر] والبوذية[ر]. ومع الزمن صارت ملحمة «رامايانا» معيناً ثراً نهل منه الشعراء والمسرحيون والقصاصون، لا في الهند وحدها، بل في جميع المناطق التي وصلتها الهندوسية والبوذية في جنوب شرقي القارة الآسيوية، وقد ترجمت إلى معظم لغات العالم، بما فيها العربية.

تحويرات للملحمة

 
The epic story of Ramayana was adopted by several cultures across Asia. Shown here is a Thai historic artwork depicting the battle which took place between Rama and Ravana.


النسخ المعاصرة

 
هانومان، كما تصوره ياكشاگانا، عمل الفن الشعبي في كرناتكا

في سبتمبر 2012 نُشرت نسخة معربة للملحمة تحمل اسم الراميانة ترجمة وديع البستاني، وهي مخطوطة كان البستاني قد كتبها عام 1953. ونشرت ضمن سلسلة كتب مشروع كلمة، الإمارات العربية.[1]

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً

المراجع

  • Milner Rabb, Kate, National Epics, 1896 - See eText Project Gutenburg
  • Raghunathan, N. (Trans), Srimad Valmiki Ramayanam, Vighneswara Publishing House, Madras (1981)
  • A different Song - Article from "The Hindu" August 12, 2005 - [1]
  • Dr. Gauri Mahulikar Effect Of Ramayana On Various Cultures And Civilisations, Ramayan Institute
  • Goldman, Robert P., The Ramayana of Valmiki: An Epic of Ancient India Princeton University Press, 1999 ISBN 0-691-01485-X
  • S. S. N. Murthy, A note on the Ramayana, Jawaharlal Nehru University, New Delhi [2]
  • Arya, Ravi Prakash (ed.). Ramayana of Valmiki: Sanskrit Text and English Translation. (English translation according to M. N. Dutt, introduction by Dr. Ramashraya Sharma, 4-volume set) Parimal Publications: Delhi, 1998 ISBN 81-7110-156-9

هوامش

وصلات خارجية

Ramayanam Malayalam

النص الأصلي قالب:Sa icon
ترجمات (إنگليزية)
مقالات أبحاث