المستبد العادل

المستبد العادل هو مفهوم سياسي، رائج في أوساط الفكر السياسي العربي-الإسلامي، ويرجع انتشار هذا المفهوم إلى محمد عبده أحد أبرز أبرز رموز الإصلاح في مصر في نهاية القرن التاسع عشر.

الجزء الأول من مقال المستبد العادل لمحمد عبده
الجزء الأول من مقال المستبد العادل لمحمد عبده

وبحسب محمد عفيفي فإن محمد عبده أرسل إلى مجلة الجامعة العثمانية في مايو 1899 مقالا عنوانه (إنما ينهض بالشرق مستبد عادل) يطرح فيه هذا السؤال هل يعدم الشرق كله مستبدا من أهله عادلا في قومه يتمكن به العدل أن يصنع في خمس عشرة سنة ما لا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنا؟

الجزء الثاني من مقال المستبد العادل لمحمد عبده
الجزء الثاني من مقال المستبد العادل لمحمد عبده

ورأى محمد عبده أن هذا المستبد العادل يتمكن خلال خمسة عشر عاما من إنجاز مهمة توحيد الصف تحت زعامة رشيدة حتى يستطيع أن يحشد له جمهورا عظيما من أعوان الإصلاح من صالحين كانوا ينتظرونه وناشئين شبوا وهم ينتظرونه وآخرين رهبوه فاتبعوه وغيرهم رغبوا في فضله فجاوروه[1] وظل مصطلح المستبد العادل محل جدل ونقاش في المنطقة العربية طوال القرن العشرين، حتى أنه أطلق عليه في دوائر الفكر السياسي قرن المستبد العادل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الجذور الغير عربية للمفهوم

يرى محمد عابد الجابري أنه لم يكن لكلمة "الاستبداد" في المرجعية العربية القديمة ذلك المضمون السلبي الذي لها اليوم. لقد كان "الاستبداد" يعني الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وتنفيذه. ومن هنا تلك العبارة الشهيرة : "إنما العاجز من لا يستبد". هذا هو معنى الاستبداد في المرجعية العربية خصوصا عندما يقرن بـ "العدل". فالعدل يفقد مضمونه مع العجز عن تطبيقه. أما الاستبداد بدون عدل فكان له اسم آخر في المرجعية العربية وهو "الطغيان" ("اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى" 24). أما مفهوم "المستبد العادل"، كنموذج للحكم الصالح، فيحيل إلى السيرة التي عرفت عن الخليفة عمر بالخطاب في الحكم، والمتميزة بـ"الحزم" والعدل".

التأثير الفارسي

يما أن التراث العربي الإسلامي كان ذا مرجعيات متعددة.فتأثر بالعديد من المرجعيات الأخرى، وأول مرجعية تفرض نفسها على الباحث في مجال الفكر السياسي هي المرجعية الفارسية. فهذه المرجعية هي التي كرست في الفكر العربي الإسلامي نموذج "المستبد العادل"، وذلك من خلال الأدبيات المترجمة أو الموضوعة حول حزم "أردشير" الذي استطاع أن يلم شمل الأمة الإيرانية بالتحالف مع رجال الدين، مما مكنه من تأسيس الدولة الساسانية على مبدأين: الدين والملك. الدين كأساس للمُلك، به تكون التعبئة وجمع الشمل ووحدة الهدف، والمُلك كحارس للدين، بمعنى الحفاظ عليه كأساس للملك، أي حراسته من أن يستعمله المعارضون الثائرون على الملك. فالثورة على المُلك باسم الدين تفرق الناس إلى فريق وشيع، فيتمزق الدين بتمزق الملك.

وكما شيدت الأدبيات الفارسية التي راجت في العصرين الأموي والعباسي نموذج "المستبد الضروري للدين"، من خلال صورة أردشير الملقب بـ "الموحد" لكونه وحد الدين والأمة في بلاد فارس، شيدت تلك الأدبيات نفسها نموذج "العادل الضروري للدنيا" من خلال صورة كسرى أنو شروان الملقب بـ "العادل"، لكونه ألغى القرارات والتدابير التي اتخذها سلفه بتأثير من المزدكية ذات النزعة "الشيوعية"، وهي القرارات التي صودرت بموجبها أملاك الأغنياء لتوزع على الفقراء، فكان في ذلك إخلال بـ "العدل" الذي كان يعني في الفكر القديم: "إنزال الناس منازلهم". ولما أرجع كسرى أنو شروان للأغنياء أملاكهم وأعادهم إلى منازلهم في هرم الدولة استحق بسبب ذلك أن يلقب بـ"الملك العادل".

ويرى الجابري، أن ذلك باختصار هو نموذج "المستبد العادل" الذي انحدر إلى الثقافة العربية الإسلامية من الموروث الفارسي. وقد كان أوسع انتشارا وأعمق تأثيرا كما يلمس ذلك كل من له صلة بكتب السير والأمثال والقصص، وبالخصوص تلك التي تندرج تحت مفهوم "الآداب السلطانية".[2]

التأثير اليوناني

يشير الجابري لأنه قد كرس الموروث اليوناني، نفس النموذج من خلال الترجمات والمختصرات والمؤلفات التي تحدثت عن "سياسة أفلاطون" أي ما يسمى اليوم بـ "جمهورية أفلاطون". لقد انتهى أفلاطون في كتابه هذا إلى النتيجة المعروفة التي يلخص فيها فكره السياسي ونظريته في الحكم، نقصد بذلك قوله: "إنه ما لم يسند الحكم إلى الفلاسفة، أو يتحول الحكام إلى فلاسفة، فلن تكون هناك مدينة فاضلة. وإذن فرئيس المدينة الفاضلة لابد أن يكون فيلسوفا". والفيلسوف بهذا المعنى هو الذي يجمع بين الفلسفة النظرية، أي المعرفة المجردة من ابتغاء شيء آخر غير المعرفة، والفلسفة العملية التي تتلخص في حسن التدبير. غير أن أفلاطون الذي رسم الحكم "المثال" انتهى إلى أن هذا الحكم لا مكان له في هذا العالم، لأن الفلاسفة نادرون وإذا وجدوا فالناس لا يسلمون إليهم أمورهم. ويأتي الفارابي، لاحقاً ليقرأ هذا النموذج اليوناني بالنموذجين العربي الإسلامي المحض، الذي يمثله هذه المرة النبي محمد، والنموذج الفارسي الذي يمثله "الإمام"، الذي يحيل إلى "أردشير" صاحب "المدينة الإمامية" التي تجمع بين الملك والدين، والتي من خلالها تتحقق المدينة الفاضلة الممكن تحقيقها واقعيا. فلقد اشترط الفارابي في المدينة الفاضلة أن يكون رئيسها نبيا أو فيلسوفا. وإذا لم يوجد أي منهما فمن الممكن قيام "مدينة إمامية" قريبة من "الفاضلة" يرأسها "إمام" يتولى الإمامة الدينية التي تجعل الإمامة السياسية إمامة عادلة. ها نحن هنا إذن أمام نفس النموذج: "المستبد العادل".[3]

مضمون مقولة "المستبد العادل"

تفسيرات المفهوم

نقد واقعية المستبد العادل

أمثلة تاريخية عن المستبد العادل

انظر أيضا

المصادر

  1. ^ الاتحاد
  2. ^ [http://www.aljabriabed.net/maj18_almustabidd.htm المستبد العادل ... بديلا للديمقراطية!
  3. ^ [http://www.aljabriabed.net/maj18_almustabidd.htm المستبد العادل ... بديلا للديمقراطية!