الإنترنت في تونس

تعد تونس هي البلد العربي والأفريقي الأوّل الذي يرتبط بشبكة الإنرنت. فمنذ سنة 1991، ارتبطت تونس بالانترنت عبر المعهد الجهوي لعلوم الإعلاميّة والاتصالات IRSIT. وسنة 1993، تمّ بعث الشبكة الوطنيّة للبحث والتكنولوجيا RNRT بهدف ربط مراكز البحث التونسية. ثمّ سنة 1996، بعثت الوكالة التونسية للانترنت ATI من أجل التطوير التقني للشبكة ولعب دور خادم Operateur انترنت. وتعتبر الوكالة الخاضعة لإشراف وزارة التكنولوجيات والاتصال، المزوّد بالجملة للانترنت في تونس.[1] وفي عام 2009 وصل عدد مستخدمي الإنترنت في تونس إلى 2.8 مليون مستخدم وهو ما يفوق ربع السكان الذين يبلغ عددهم 10 ملايين ساكن، فيما ارتفع الربط بالسعة العالية الي 11.1 جيگابيت في الثانية. [2]

وقالت كاتبة الدولة المكلفة بالإعلامية والإنترنت والبرمجيات الحرة التونسية لمياء الشافعي الصغير لدى إشرافها على تظاهرة حول موضوع "الأنظمة المعلوماتية رافد لدعم المردودية والقدرة التنافسية للمؤسسة" إن قطاع تكنولوجيات المعلومات والاتصال يساهم بنسبة 10 بالمائة في الناتج المحلي الاجمالي.


لم يمكّن الخواصّ من الرّبط بالشبكة إلا في نهاية سنة 1997 عن طريق مزوّدين خاصّين في العاصمة. اليوم أصبح عدد المزوّدين الخواصّ 5 موزّعون على كامل تراب الجمهورية يضاف إليهم 6 مزوّدين سابقين للقطاع العمومي.

تعتبر تونس رسميّا البلد الأكثر ارتباطا في شمال إفريقيا بنسبة نفاذ Taux de pénétration 4,12%. وحسب إحصائيات وزارة الاتصالات، فإن نسبة نفاذ الانترنت للعائلات بلغت 3,36 سنة 2007.

كما أنّ الشبكة الوطنيّة للألياف البصريّة تغطي كامل تراب البلاد على شكل حلقات SDH مرتبطة بمحوّلات متددة الخدمات. أمّا الوصلات الدوليّة فيؤمنّها الربط بكوابل بحريّة للألياف البصرية مرتبطة بأوروبا وكذلك بواسطة الربط عبر الأقمار الصناعية.

ومع ذلك فمن المفيد أن نذكّر بأن تونس هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي تمنع الربط عبر الأقمار الصناعية للخواصّ الذي يجرّمه ويعاقب عليه قانونها.

لقد بقي الهانف القارّ حكرا على شركة اتصالات تونس، علما بأن شبكة القارّ، التي تمّت رقمنتها كلّيّا منذ سنة 1999، تعدّ 1,2 مليون منخرط، أي بمعدّل كثافة اتصاليّة تقدّر بـ25 خطّا لكلّ 100 ساكن. أمّا خطوط الانترنت عالية التدفّق ADSL فهي تقدّم على شكل عروض مشتركة بين اتصالات تونس ومزوّدي خدمات الانترنت الخواصّ من خلال سعات تتراوح من 256 كليوبايت/ثانية إلى 2048 كيلوبايت/ثانية.

كما عرفت تونس تطوّرا في حقلها المعلوماتي خلال السنوات الأخيرة، هذا الحقل الذي بلغ 472000 وحدة سنة 2004.

وقد أعلنت الوكالة التونسية للانترت سنة 2009 عن 305,960 منخرطا ، منهم 262,986 يتمتعون بربط عالي التدفق وعن 2.960,000 مستعمل انترنت من بين 10 ملايين ساكن بلغت نسبة التعلّم بينهم 74,30% ؛ وبالإضافة إلى الاشتراكات الخاصّة، نجد المراكز العمومية للانترنت المسماة Publinets التي ظهرت منذ أواخر سنة 1998؛ حيث كانت البلاد تعدّ 200 مركز وكانت الدولة تعتزم بعث 400 آخرين مع نهاية سنة 2001.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

منذ سنة 1999، اكتسحت الانترنت من قبل شريحة الشباب والمعارضين الذين وجدوا فيها نافذة تطلّ على العالم وفضاء بديلا تجد فيه كلمة المواطنة تعبيرتها الحرّة، بحيث عرفت الشبكة التونسية حالة غليان حقيقيّ.

وكان موقع “تكريز” أوّل المواقع التي تحدث ضدجّة، هذه المجلّة الالكترونية التي تمّ إيواؤها في الولايات المتحدة، أطلقت سنة 1998 من قبل طالبين؛ وكانت في البداية مجرّد نشرة إلكترونية عرفت نجاحا حقيقيّا وتحوّلت سنة 2000 إلى منتدى واسع الشعبيّة لدى الشباب المتخفّي المتمرّد على المحرّمات. في هذه السنة عمدت الوكالة التونسية للانترت إلى منع الولوج إلى الموقع الذي اختفى بعدها بزمن يسير.

وفي أوت 1999، أطلق المجلس الوطني للحريات بتونس CNLT، الذي تمّ رفض طلب تسجيله كمنظمة مستقلّة قبلها بقليل، موقعه ومنتداه (المأويّين في كندا)، ليتحوّل بدوره إلى فضاء للحوار واسع الشعبيّة، ويتمّ حجبه أيضا بعد زمن يسير من إطلاقه.

كما ازدهرت مواقع المعارضين المنفيّين؛ ففي ماي 2000 أطلقت تونس نيوز نشرتها الالكترونية التي عرفت ذروة نموّها ونجاحها سنة 2003.

وفي أكتوبر 200، ظهرت للوجود مجلّة كلمة على إثر رفض ترخيصها، ليتمّ حجبها أيضا بعد أسابيع من إطلاقها. وفي جويلية 2001، بعث زهير اليحياوي تونيزين TUNeZINE. هذا الموقع ستتبلور من خلاله ثورة الشباب خارج كل الأطر السياسية والجمعيّاتيّة. تمّ إيقاف زهير اليحياوي في جوان 2002 في المركز العمومي للانترنت الذي يشتغل فيه، وحوكم بسنتين سجنا نافذة من أجل “نشر أخبار زائفة”، ولم يقع إطلاق سراحه إلاّ في نوفمبر 2003.

توفّي زهير في مارس 2005 بعد ان عانى ملاحقة وتضييقا مستمرّين من الشرطة. وتوقف موقه بعده بزمن يسير. لتتواصل بعده المحاولات لإحياء تجربته التي أثرت في جيل بأكمله على غرار الإفاقة التونسية ثمّ لاحقا نواة في 2004.

هذه المواقع ستتحوّل إلى ما يشبه الحاضنة التي سيترعرع فيها من جديد المجتمع المدني التونسي الذي عانى من حصار من نار خلال عشريّة كاملة قبلها.

من جهتها قامت السلطة التي فوجئت بهذا المدّ غير المنتظر، بتطوير إجراءات وترتيبات قانونيّة ولوجستية على المقاس من أجل الإبقاء على الشبكة العنكبوتيّة في شباك المصادرة والرقابة. فبعثت للغرض جهاز شرطة للمعلومات “يسهر” على “الصحّة الثقافية للتونسيين”.


الرقابة

في عام 2002، تهمت منظمة مراسلون بلا حدود الحكومة التونسية بأنها تفرض على الإنترنت قيودا يعتقد أنه لا يوجد لها نظير سوى في الصين. [3] وقد أصبحت تونس معروفة على النطاق العالمي بوصفها إحدى أكثر الدول ممارسة للحجب والمصادرة في الانترنت بصفة متواترة ومنهجيّة، وذلك منذ انعقاد القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات في نوفمبر 2005. حتّى أصبح التحدّي الإعلامي القضيّة الأكثر حضورا في الفضاء التونسي المغلق. إذ لم تكتف السلطات بخنق الصحافة والوسائط السمعيّة-البصريّة، بل تمادت إلى محاصرة هذه الوسيط الإعلامي الجديد المتمثل في الانترنت. فجنّدت جيشا من الأعوان لدى وزارة الاتصال لملاحقة مستعملي الانترنت في تونس ومراقبة نشاطاتهم. ورغم التعدّد الظاهريّ، فإن المشهد الإعلامي التونسي بقي فقيرا، إذ أنّ حرّية إصدار الصحف أو البث التلفزي أو الإذاعي الحرّ مصادرة كلّيّا، فمنذ سنة 1987 لم تمنح رخصة النشر لأيّ وسيلة إعلام مستقلّة.

ولئن كانت تونس تفخر بأنها البلد الأول عربيّا وإفريقيّا في الربط بالشبكة المعلوماتية، إذ تعدّ رسميّا أكثر بلدان شمال إفريقيا ارتباطا بالشبكة بمعدّل نفاذ 4,12%؛ فإنها مع ذلك تعدّ البلد الإفريقي الوحيد الذي يمنع الارتباط بالشبكة عبر الأقمار الصناعيّة بالنسبة للخواصّ، كما أنّ شبكة بالهاتف القارّ تبقى حكرا على المزوّد الرسمي “اتصالات تونس”.

لقد شهدت الانترنت إقبالا منذ سنة 1999، حيث وجد فيها الشباب والمعارضون منفذا على العالم وفضاء موازيا يمكن أن يمارسوا فيه مواطنتهم بحرّيّة. لكنّ السلطة التي فوجئت بهذا الاجتياح غير المنتظر، قامت بتطوير أدواتها القانونية والمادّيّة لاحتواء الشبكة العنكبوتيّة في شباك مصادرتها ورقابتها. فبعثت جهازا أمنيّا مختصّا في المعلوماتيّة “يسهر” على “الأمن الفكريّ” للتونسيّين. إذ تعدّ تونس من أوائل دول المنطقة في إرساء قوانين تعتبر من أكثر القوانين المنظّمة للانترنت ردعيّة وقسوة. هذه القوانين لا تعتبر رديئة في ذاتها، ولكنها تشترك في منح صلاحيّات واسعة جدّا وسلطات غير محدودة للإدارة العموميّة مع تضييق هامش الدفاع المتروك للمواطن.

كما أنّ إمكانيّات ضخمة وظّفت من أجل مراقبة نشاط الانترنت. فقد وضعت السلطات مخططا بحيث تقع المراقبة على عدّة مستويات وتسمح بالفرز والمصادرة صلب العمود الفقري نفسه للشبكة. الأمر الذي حوّل الانترنت في تونس إلى شبكة ربط داخليّ محدودة “انترانت” ممتدّة على مستوى البلاد. هذا الصنف من المصادرة يطرح إشكالات خطيرة تتعلق بالمساس من الحريّات الفرديّة وحماية الحياة الخاصّة التي يفترض أنها محميّة بموجب الفصل التاسع من الدستور، إلى جانب القانون المتعلّق بحماية المعلومات ذات الطابع الشخصي.

والرقابة على الانترنت كلّية بسبب إحكام قبضة المزوّد بالجملة لخدماتها -الوكالة التونسية للانترنت- على جميع خطوط الشبكة ومساراتها في تونس. وفي حقيقة الأمر فإنّ الوكالة التونسية للانترنت ليست إلاّ ستارا لجهاز خفيّ مرتبط مباشرة بوزارة الداخليّة وبرئاسة الجمهوريّة يمارس في الخفاء عمليّات المراقبة والمصادرة التي يشكّل فرز المحتوى باستعمال برمجيّات الفرز على غرار “ويبسونس” Websense و”سمارت فيلتر” Smartfilter التقنية الرئيسيّة المستغلّة فيها من قبل هذا الجهاز لحجب المواقع. وتبقى مراقبة واعتراض الرسائل الالكترونية تشغل الحيّز الأكبر من نشاطه. ولتحقيق هذا الغرض يوظّف تقنية المراقبة اللّصيقة للحزمات Deep Packet Interception (DPI) المستعمل حاليّا لمراقبة البريد الاكتروني والربط الصوتي على الانترنت VoIP (مثل السكايب).

لقد غدا من الدارج والمعتاد لدى المدافعين عن حقوق الإنسان أو الصحفيين المستقلّين أن يُقطع الربط بالشبكة أو أن تُغلق بوّابات الخدمات الرقمية أو أن يختفي بريد الكتروني أو يُعاق تحميل ملفّ مرتبط به، بعد أن كانوا قد خبروا أشكال المصادرة الأخرى. هذه الوضعيّة دفعت ثلاثة منظّمات غير حكوميّة أن تطلق صيحة فزع في سبتمبر 2008 من خلال بيان مشترك أصدرته.


ومنذ بدايات 2009، أعادت السلطة تفعيل إجباريّة التعريف بالهوّيّة لمستعملي الانترنت قبل الشروع في الإبحار في الفضاءات العموميّة؛ وقد فرضت الوكالة التونسية للانترنت على جميع أصحابها استعمال برمجيّة Publisoft الذي يمكّن من مراقبة نشاط زوّار الانترنت مباشرة، بحيث تتمكن أجهزة الدولة من معرفة المواقع التي يزورها كلّ مستعمل والتعرّف على هوّيته وذلك بشكل فوريّ.

هذه المراقبة اللصيقة أدّت إلى الحدّ من انتشار الفضاءات العموميّة للانترنت بسبب الغلق الإداري الذي ضرب نصفها في ظرف 4 سنوات. حتّى أصبحت الوكالة التونسية للانترنت تتجنّب اليوم الإعلان في صفحات موقعها عن عدد الفضاءات العمومية للانترنت في تونس.

ولا تكتفي شرطة الانترنت بمراقبة التونسيين في تونس، إنما جنّدت كلّ إمكاناتها لتطال يدها نشاط التونسيين خارج تراب البلاد. فضاعفت الهجومات على المواقع المعارضة المأويّة في الخارج (أي جميع مواقع المعارضة لأن مزوّدي الخدمات التونسيين يرفضون إيواء مواقع على هذه الشاكلة)، كما تقوم أجهزتها بمراقبة خطوط ربط المعارضين بالخارج وبريدهم الالكتروني بالالتجاء إلى خدمات وسطاء وبإرسال جواسيسها لنفاذ الفضاء التدويني.


فرز المحتوى

من السهل تقنيا فرز الاتصالات بالانترنت عبر تحليل جزء من طلبات الحرفاء من جهة، وإجابة الموزّعات من جهة أخرى. وهي تقنية تعتمد على سكويد SQUID، وتتمثل في تمرير جميع طلبات صفحات الواب على نقطة مراقبة مكلّفة بالسماح أو بالمنع للطلبات. فإذا تمّ الفرز بمقارنة طلب الحريف بقائمة للطلبات المسموح، فإن ذلك يسمّى القائمة البيضاء؛ أمّا إذا تعلّق الأمر بقائمة للمواقع الممنوعة، فإننا حينئذ بصدد الحديث عن قائمة سوداء. أمّا مقارنة إجابة الموزّعات بقائمة شرطيّة (عبارات دالّة، …) فتخضع لتقنية ما يطلق عليه فرز المحتوى. وتستعمل السلطات التونسية أداتين لهذا الغرض هما وابسنس Websence وسمارتفيلتر Smartfilter. ويقع تحيين قاعدة بيانات عناوين المواقع يوميّا. كما أنّ برمجيّات أخرى صينيّة المصدر يقع استعمالها حاليّا:

• الكيلوجر (مسجلات المفاتيح) أو تسجيل ضغطات الأزرار على لوحة المفاتيح تسجلّ خلسة جميع ما يقع نقره على لوحة مفاتيح حاسوب ما، وترسل هذه المعطيات إلى المصدر. ويمكن زرع هذه البرمجيّات عن بعد عبر شبكة أو عبر بوّابة خلفية (حصان طروادة) أو فيروس أو عبر صفحة واب تستعمل بروتوكول أكتيفيكس ، وهي تتطلب بالتالي ولوجا حقيقيّا للآلة من أجل استقبال المعطيات المجمّعة. وتسجّل أغلب هذه البرمجيّات أسماء التطبيقات الجارية وتاريخ وساعة الإطلاق إضافة إلى نقرات الأزرار المرتبطة بهذه التطبيقة.

• أحصنة طروادة والفيروسات: تقوم شرطة الانترنت كذلك بإرسال أحصنة طروادة مجهّزة ببرمجيّات من نوع البوّابات خلفيّة (BAckdoor). وغالبا ما يكون هذا البرنامج مخفيّا في ملفّ تنفيذي على غرار الفيروسات ويمكن أن يحمل أسماء ملفّاتكم. وحين يتمّ تشغيله، فإنّ حصان طروادة يزرع داخل الجهاز بوّابة خلفيّة تسمح بالولوج إلى حاسوبكم طالما كنتم مرتبطين بالانترنت.

مراقبة واعتراض البريد=

تستعمل حاليّا تقنية المراقبة المعمّقة للحزمات Deep Packet Inspection (DPI) لمراقبة الرسائل والمكالمات على الانترنت (VoIP). وتعتمد هذه التقنية تحويل وجهة خطّ سير الحزمات؛ يمكن لهذه الأداة وبشكل مباشر أن تجمّع (تسجيل المعلومات بغرض تحليلها) وأن تلتقط 10 جيغابايت في الثانية. وتعتمد لذلك على التقاط رسائل بعينها مستهدفة من خلال عنوان بريد إلكتروني أو عنوان إنترنت IP أو – كما في حالة VoIP- من خلال رقم هاتف معيّن.

ولكي تحقّق هذه الغاية أنشأت شرطة الانترنت عنوان مراقبة؛ بحيث يعمل البرنامج على استنساخ كلّ بريد إلكتروني مرسل أو متقبّل للشخص موضوع المراقبة، وإرسال النسخة إلى صندوق المراقبة.

• اختفاء البريد وعرقلة الملفّات المرتبطة: منذ سنة 2008، خبر المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيّون المستقلّون تجربة تقنية جديدة من تقنيات اعتراض البريد، تقنية لم يعد مستغلّوها يحرصون على التخفّي وعلى العمل عن بعد. حين تفتح صندوق الرسائل، فإن قائمة الرسائل الواردة سيظهر على الشاشة، لكن ما إن يضغط الشخص على الرسالة المطلوبة، فإنها تختفي أو يعوّضها بريد غير مرغوب فيه يتحّدث عن حالة الطقس أو يدعوك إلى موعد غراميّ أو يتهمك باللاّوطنيّة. ومن جهة أخرى، حين ترسل بريدا وتحاول أن تربط به ملفّا، فإنّ الربط يلغى. كما يحدث أحيانا أن يتمّ إرسال البريد لكنّه لا يصل أبدا إلى هدفه.

مثال لرسالة أصليّة اختفت لفائدة بريد غير مرغوب فيه في حساب قياديّة في الجمعيّة التونسية للنساء الديمقراطيّات

هذه الوضعيّة دفعت بثلاثة جمعيّات مستقلّة هي الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات وجمعيّة نساء تونسيّات من أجل البحث والتنمية، لإطلاق صيحة فزع في سبتمبر 2008: “إننا معطّلون بشكل كبير في عملنا منذ أشهر. لم يعد ممكنا الدخول إلى بريدنا الالكتروني، وحين نتمكّن من ذلك تختفي رسائلنا أو تصبح غير مقروءة وتبتلع. ورغم العديد من التشكّيات ومن التثبّت لدى إدارات الانترنت والمواصلات، فإنّ العرقلة تستمرّ لبريد جعيّاتنا الالكتروني وبريدنا الخاصّ: ولا يتعلّق الأمر لا بمشاكل تقنيّة ولا بمشاكل ربط بالشبكة، ولكن، وبكلّ وضوح، بالرقابة المسلّطة على المجتمع المدني التونسي المستقلّ. ونحن نرفض هذا الشكل المشجوب للمصادرة الذي يعرقل نشاطاتنا اليوميّة. وندعو كلّ شركائنا ليأخذوا بعين الاعتبار وضعيّة الانغلاق هذه ويتفهّموا تأخّرنا المتكرّر في الرّدّ”.

• قطع الربط بالانترنت: هناك طريقة أخرى جرّبتها غالبيّة المنظّمات المستقلّة وخاصّة مرصد حرية الصحافة والنشر والإبداع والمجلس الوطني للحريات في تونس، تتمثّل بكلّ بساطة في قطع الربط بالانترنت من طرف الخادم العمومي “اتصالات تونس”، رغم كون المشترك يدفع اشتراكه بانتظام. وقد تمكّنت هاتان المنظّمتان التين تتشاركان نفس المقرّ من الحصول سرّا على كشف وثيقة التشكّيات المرفوعة لمزوّد خدمات الانترنت (انظر الوثيقة في الملحق)؛ هذه الوثيقة تبيّن تواريخ التشكيات المقدّمة من قبل المشرك طوال تسعة أشهر من سنة 2008، والتي تضمّنت 16 عشر شكاية بسبب قطع الاتصال؛ ليقوم المزوّد برفع تقريره إلى اتصالات تونس والذي يتضمّن العبارة التالية: “مودم متزامنة ولا يمكن الدخول إلى انترنت” « Modem synchro et pas de connexion » أو “لا يوجد تزامن” « pas de synchronisation »؛ ليقوم المشغّل العمومي للهاتف القارّ إمّا بتجاهل الطلب وإبقاء القطع، أو بإعادة الربط ليقطعه من جديد.


المراكز العموميّة للانترنت

المراكز العمومية للانترنت Publinets هي فضاءات للانترنت يمكن للأشخاص أن يدخلوا عبرها إلى الانترنت. هؤلاء تتمّ مراقبتهم بشكل لصيق ويخضعون إلى كرّاس شروط قاس. فالفصل 12 فقرة 5 من القرار عدد 2481 المؤرخ في 10 ديسمبر 1998 لوزير المواصلات المحدّد لكرّاس شروط المراكز العمومية للانترنت، ينصّ على أنّ تسجيل أو طباعة وثائق منزّلة أو مرسلة يجب أن يتمّ عرضه على مسيّر المركز أو التقني الذي يعوّضه وألاّ يحتوي الحاسوب المستعمل على قارئ أقراص ليّنة؛ كما ينصّ أيضا على ضرورة أن يحرص المسيّر على أن يكون محتوى الصفحات التي يتصفّحها المستعمل خاضعة للمعايير المسموح بها من قبل الوكالة التونسية للانترنت؛ وأن يحرص على مراقبة محتوى البريد الالكتروني لحرفائه عن بعد.

الغلق الإداري

يتقن الشباب جيّدا لعبة الالتفاف ويتمكنون دائما من تجاوز حلقات الشرك؛ وقد تعدّدت المحاكمات من أجل “الإرهاب” والتي لم ترتكز على أدلّة غير تنزيل ملفّات تمّت رغم أنف المصادِرين؛ الأمر الذي أزعج السلطات ودفع بوزارة المواصلات لتكثيف عمليّات التضييق والضغط على أصحاب الفضاءات العمومية للانترنت الذين تفترض مسؤوليتهم على محتوى الصفحات المعروضة من قبل حرفائهم.

ولم تكف زيارات التفقد التي يجريها المراقبون لرفع جداول التصفّح على الحواسيب؛ الأمر الذي حدا بالسلطة سنة 2004 لزرع جواسيس في مساحيج التخديد (Routeurs) للخوادم مرتبطين مباشرة بالوكالة التونسية للانترنت. وتعتمد التقنية الأكثر استعمالا على تفعيل إدارة تقارير النشاط logs عند إدخال الرابط. وحين يكون هذا مفعّلا على مسحاج التخديد، فإن كل ربط مطلوب من قبل أيّ مستعمل يقع تسجيله في ملفّ، أين سنجد عنوان الإي بي الخاصّ بالمستعمل وتاريخ وساعة الطلب وعنوان الموقع المطلوب تصفّحه.

ورغم كلّ هذه التضييقات فإنّ الرقابة بقيت عاجزة، إذ واصل الشباب رغم كل شيء دخولهم إلى المواقع المحرّمة. الأمر الذي حذا بالسلطة إلى اعتماد سياسة متعمّدة للحدّ من مساح المراكز العمومية للانترنت، فأغلق العديد منها؛ وتمّت مؤاخذتها على سماحها للمعارضين والحقوقيين باستعمالها؛ أمّا التعليلات المقدّمة فهي على سبيل المثال غياب ممرّ خاصّ بالمعوّقين، كما وقع في مدنين. البعض الآخر من مسيّري المراكز العمومية كما في صفاقس (مع سليم بوخذير) وجرجيس (مع عبد الله الزاوري) يتمّ تشجيعهم على الاعتداء المادّي على هؤلاء المستعملين الذين يحتجون على حرمانهم من حق الدخول أو يجرون معاينة عن طريق عدل تنفيذ؛ لكن العدالة تلاحق الضحية بدل الجاني بتهمة عرقلة نشاط تجاري أو التشهير كما هو الحال مع عبد الله الزواري.

بلغ عدد المراكز العمومية للانترنت في تونس سنة 1999 200 مركزا، وكانت الدولة تخطط لبعث400 مركز جديد في موفّى جوان 2001. لكن في جوان 2002 كان عدد هذه المراكز 306؛ يتواجد نصفها في تونس الكبرى. وفي 2009 أطلق السيد سمير سحنون رئيس الغرفة الوطنية النقابية لمراكز الانترنت صرخة فزع: “أصحاب مراكز الانترنت الذين يغلقون محلاّتهم في تزايد مستمرّ. فمن بين 400 محترف في القطاع منذ أربع سنوات، بالكاد يوجد اليوم 200 وربما أقلّ” . لقد أصبحت الوكالة التونسية للانترنت اليوم تحجب من صفحات إحصائياتها عدد مراكز الانترنت التي غدا المساح المعلوماتي مفتقرا إليها بشدّة.

تسجيل المستعملين

منذ مطلع سنة 2009، فعّلت السلطات من جديد إجباريّة الاستظهار ببطاقة تعريف بالنسبة للمستعملين قبل الإبحار؛ وقد قامت الوكالة التونسية للانترنت بفرض استعمال برمجيّة تدعى Publisoft في جميع مراكز الانترنت، بحيث تتمكّن من التعرّف أيّ مستعمل يحاول أن يدخل كذا موقع. هذه البرمجيّة تلزم المستعمل بالاشتراك بعد تقديم بطاقة تعريفه بحيث تدوّن معطياته الشخصية في قاعدة البيانات الخاصة بالبرنامج ويتحصّل الحريف بالمقابل على معرّف دخول وكلمة سرّ يحتفظ بهما، ويصلحان للاستعمال في جميع المراكز العمومية ولا يمكنه الدخول إلى الانترنت إلا من خلالهما. هذا البرنامج مرتبط مباشرة بالوكالة التونسية للانترنت التي تتمكّن بذلك من التعرف في نفس اللحظة على المستعمل وعلى مكانه والمواقع التي يزورها.

ولقد حاول عدد كبير من أصحاب مراكز الانترنت التملّص من استعمال هذا البرنامج، واضعين في اعتبارهم الوقع السلبيّ على حرفائهم الذين سيترددون كثيرا في الإبحار تحت الرقابة الصارمة لبوليس الانترنت. وقد تعذّروا أحيانا بتباطؤ الأجهزة الذي يسببه استعمال هذا البرنامج. ولقد قام المراقبون أثناء عمليّات الزيارة الروتينيّة بتثبيت البرنامج بأنفسهم على الخادم؛ ثم في مرحلة ثانية، أصبح وبكلّ بساطة الغلق ينتظر من لا يشغّل البرنامج، كما حدث مع عديد المراكز في العاصمة وخاصّة مركز المرسى الذي تمّ غلقه بطريقة عنيفة من قبل الشرطة تحت أنظار الحرفاء في مارس 2009 (انظر صورة الغلاف).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اختراق فضاء المدوّنات المعارضة

تستعمل تقنية أخرى لملاحقة وتشويه المعارضين تتمثل في اختراق المنتديات والمواقع التي ينشئونها أو ينشطون فيها مع تقمّص هوّية معارض شديد النقد وأحيانا مقذع فاحش السباب تجاه ممثلي النظام. وبعد أن يدفع ثمن بطاقة الدخول، يبدأ التحامل على الشخصيات المعارضة بتشويه سمعتها وضرب رصيد الثقة فيها. هذه الطريقة كثيرة الاستعمال لدى المخابرات التونسية التي نجحت في تجنيد الأقلام الصفراء في المهجر التي تنجز لحساب السلطة الأعمال القذرة. هؤلاء يتدخّلون في منتديات المعارضة،ولكن لديهم أيضا مواقعهم الخاصّة.

انظر أيضا

المصادر