أبو علي، أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي (ت. 421هـ/1030م)، من أهل إصفهان، عالم بالأدب واللغة والنحو، وصف بأنه غاية في الذكاء والفطنة وحُسن التصنيف وإقامة الحجج، وحُسن الاختيار، وبأن تصانيفه لا مزيد عليها في الجودة.

ونُقل عن الصاحب بن عباد قوله: «فاز بالعلم من أصفهان ثلاثة: حائك، وحلاج، وإسكاف، فالحائك هو المرزوقي…».

ولا تذكر المصادر عن نشأته العلمية إلا النزر القليل، فقد كان من تلاميذ أبي علي الفارسي، قرأ عليه كتاب سيبويه، والمرزوقي نفسه كان يشير في بعض مصنفاته إلى أستاذه المذكور بلفظ (شيخنا أبو علي)، ومع أن هذه المصادر ذكرت أن الناس أخذوا عن المرزوقي واستفادوا منه، وأنه كان الحجة في وقته إلا أنها اكتفت بالإشارة إلى تلميذ له يدعى (سعيد البقال)، ومن هذا القليل الذي ذكر عن المرزوقي أيضاً أنه كان معلم أولاد بني بويه بأصفهان ويقال إن الصاحب بن عباد دخل إليه فما قام له، فلما أفضت الوزارة إلى الصاحب جفاه.

وتُظهر لنا مصنفات المرزوقي أنه من علماء اللغة، بدا ذلك من خلال الشروح اللغوية المستفيضة التي أقامها على ديواني الحماسة والمفضليات، وعلى كتاب الفصيح لثعلب، كما تُظهر أسماء بعض مصنفاته أن له اشتغالاً بالنحو، ومع أنه قرأ كتاب سيبويه على شيخه أبي علي الفارسي، وأنه كان ذا نزعة بصرية لم يُخفها إلا أنه لا يُعَد في النحاة المشهورين، وإن حاول أن يبرز شخصيته النحوية في استدراكاته على ابن جني في شرح الحماسة، ولاهتمامه باللغة والنحو عدّه المعاصرون ناقداً أدبياً، وهو وإن لم يخلف أثراً مستقلاً في باب النقد، ترك لنا مقدمة نقدية نفيسة قدم بها لكتابه شرح ديوان الحماسة، وقد عدها النقاد وثيقة مهمة يعزّ نظيرها في تاريخ النقد الأدبي: نقد الشعر ونقد النثر، ضمنها مسائل شتى تتعلق بموازنة النظم والنثر أيهما أشرف وأعلى قدراً، ويتبع ذلك الكلام على المقايسة بين منزلة الشاعر والكاتب، والعلة في كثرة الشعراء وقلة النثار، ولماذا لا يستطيع الأديب أن يجمع الإجادة في صناعتي النظم والنثر، وما أثر الصنعة والطبع في الآثار الأدبية في قيمتها وفي جمالها، ومتى تستحسن الصنعة، وما مدى العلاقة بين ذوق الأديب فيما يصنع بيانه من إنتاج أدبي، وفيما يختار من بيان غيره، وهذه المسألة مبنية على ما صنع أبو تمام في اختيار الحماسة، إذ كان ذوقه في ذلك الاختيار مخالفاً لذوقه في نسج شعره وصناعته مخالفة ظاهرة.

وقد أجاد المرزوقي في جواب هذه المسألة بما يعدّ مثالاً في البيان، وغاية في إصابة الحكم.

ولعل المشكلة الأساسية التي لم تغب عن مقدمة المرزوقي هي مشكلة اللفظ والمعنى، والتي انبثق منها ما سمي بنظرية عمود الشعر فبها تُرصد معايير الجودة في النظم، وقد أجمع النقاد على أن هذه النظرية اكتملت أسسها واتضحت معالمها على يد المرزوقي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتبه

خلف المرزوقي عدداً من المصنفات وصل إلينا بعضها مطبوعاً أو مخطوطاً، ومايزال بعضها الآخر مفقوداً.

وهذه المؤلفات هي:

  • «شرح ديوان الحماسة»: طُبع في مجلدين، وهو شرح لقصائد ومقطعات اختارها الشاعر أبو تمام، موزعة على موضوعات الشعر بدأها بباب الحماسة (والمراد به الفخر وكل ما يقال في الحروب) ثم باب المراثي فالأدب فالنسيب فالهجاء فالأضياف فالمديح. ولما كان باب الحماسة أولها وأوسعها سمي الديوان باسمه. وقد انتزع اختيار أبي تمام إعجاب العلماء، حتى قيل: أبو تمام في اختياره الحماسة أشعر منه في شعره، فتصدى غير واحدٍ لهذا الديوان بالشرح والتعليق قبل المرزوقي من أمثال أبي بكر الصولي، والآمدي، والعسكري، وبعده من أمثال المعري والتبريزي، وابن سيده، ويعد شرح المرزوقي أوسع الشروح التي وصلت إلينا وأكثرها عناية بمعاني الشعر، وبالنقد والموازنة، واللغة الاشتقاق، ومسائل النحو والتصريف. وعبارته في الشرح رصينة متخيرة، يتكلف لها الصنعة حيناً ويعمد حيناً آخر إلى السجع، وقد سلف أنه قدم لهذا الشرح بمقدمة نفيسة أثارت إعجاب النقاد المعاصرين، وقد اتكأ التبريزي على شرح المرزوقي فسلخ منه جُل مادته بلا عزو أو تصريح.
  • «الأزمنة والأمكنة»: طُبع في مجلدين، وهو من كتب المعارف العامة، بسط فيه المرزوقي ما يتعلق بالزمان والمكان وما يرتبط بهما من مناسبات دينية واجتماعية، قسمه إلى أبواب، تناول في بعضها ماهية الزمان وصفاته، الليل والنهار، الفصول الأربعة، البروج، أسماء الشهور عند العرب، السنة الشمسية، منازل القمر، الأعياد والأشهر الحرم ، مشاهد الحج، معنى الحول والسنة، أسماء الدهر.
  • «القول في ألفاظ الشمول والعموم والفصل بينهما»، وهي رسالة ذكر أنها مطبوعة.
  • «شرح المفضليات»: مخطوط، وهو شرح ضخم لديوان المفضليات، وهي الأشعار التي اختارها المفضل الضبي، وهذا الشرح ألفه المرزوقي بعد شرحه لديوان الحماسة كما ذكر في مقدمته، ومنهج الكتابين يكاد يكون واحداً.
  • «شرح الفصيح»: مخطوط، شرح فيه المرزوقي كتاب «الفصيح» لثعلب، وهذا الأخير كتيب في اللغة بناه مؤلفه على ذكر ما هو فصيح من الألفاظ والأبنية وينتمي إلى كتب اللحن اللغوي.
  • «الأمالي»: مخطوط، تناول فيه طائفة من الآيات والأحاديث والأمثال والحِكم مع ذكر ما يناسبها من العلوم المختلفة.
  • «مفردات متعددة في النحو».
  • «شرح الموجز في النحو».


المصادر

  • نبيل أبو عمشة. "المرزوقي (أحمد بن محمد ـ)". الموسوعة العربية.

للاستزادة