أبو عامر الفاسق

أبو عامر الراهب من الأوس، لم يسلم وظل يناصب الرسول العداء وسماه الرسول "أبو عامر الفاسق". حاول أن يشق جيش المسلمين يوم أحد ونادى: "يا أهل الأوس، أنا أبو عامر الراهب."

فردوا عليه: "لا أنعمت يا أبو عامر الفاسق."

فقال: "لقد أصاب قومي سوءاً بعدي." وحفر حفرا للايقاع بجيش المسلمين،

ابنه هو حنظلة بن أبي عامر، من صحابة رسول اللّه محمد Mohamed peace be upon him.svg، والذي عُرف باسم غِسّيل الملائكة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

مسجد ضرار

«‬والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله‮ ‬يشهد إنهم لكاذبون‮»، (‬التوبة‮: 701).

نزلت هذه الآية الكريمة في منافق‮ ‬يدعى أبو عامر،‮ ‬كان معروفاً بأبي‮ ‬عامر الراهب،‮ ‬واسمه أبو عامر عبد عمرو بن صيفي‮ ‬الأوسي،‮ ‬ادعى أنه راهب،‮ ‬وأنه على دين الحنيفية،‮ ‬ولبس المسوح،‮ ‬وادعى هذا العلم أيام الجاهلية،‮ ‬وكان رأس الأوس في‮ ‬الجاهلية،‮ ‬فلما جاء الإسلام جاهر رسول الله بالعداوة،‮ ‬فخرج من المدينة،‮ ‬وذهب إلى قريش‮ ‬يؤلبهم على المسلمين ويحضهم على قتالهم،‮ ‬ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه،‮ ‬ومالوا معه،‮ ‬فكان أول من لقي‮ ‬المسلمين،‮ ‬فنادى قومه،‮ ‬وتعرف إليهم،‮ ‬فقالوا له‮: ‬لا أنعم الله بك عينا‮ ‬يا فاسق،‮ ‬فقال‮: ‬لقد أصاب قومي‮ ‬بعدي‮ ‬شر،‮ ‬ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً‮.‬[1]

القصة تبدأ من وقت دخول النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬المدينة المنورة،‮ ‬حيث قرر بعض المشركين الخروج منها،‮ ‬وذهب إليه أبو عامر،‮ ‬يسأله‮: ‬ما هذا الدين الذي‮ ‬جئت به؟ قال صلى الله عليه وسلم‮: «‬جئت بالحنيفية دين إبراهيم‮». ‬قال أبو عامر‮: ‬فأنا عليها،‮ ‬فقال‮: «‬إنك لست عليها‮». ‬قال أبو عامر‮: ‬بلى عليها،‮ ‬إنك أدخلت‮ ‬يا محمد في‮ ‬الحنيفية ما ليس منها‮. ‬فقال صلى الله عليه وسلم‮: «‬ما فعلت،‮ ‬ولكني‮ ‬جئت بها بيضاء نقية‮». ‬قال أبو عامر‮: ‬الكاذب أماته الله طريداً وحيدا‮ً ‬غريبا‮ً. ‬قال صلى الله عليه وسلم‮: «‬أجل،‮ ‬من كذب فعل الله تعالى به ذلك‮».‬

لم‮ ‬يستطع أبو عامر أن‮ ‬يمكث في‮ ‬المدينة بعد أن فشا فيها الإسلام،‮ ‬ودانت القيادة فيها لرسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فخرج من المدينة،‮ ‬وهاجر هجرة عكسية من المدينة إلى مكة المكرمة،‮ ‬وخرج في‮ ‬جماعة من المنافقين فحزب على رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬الأحزاب،‮ ‬فلما ردهم الله بغيظهم أقام أبو عامر بمكة مظهراً لعداوته،‮ ‬ولم‮ ‬يزل مجاهراً بذلك فسماه رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬الفاسق،‮ ‬إلى أن جاء الفتح الإسلامي‮ ‬لمكة المكرمة في‮ ‬السنة الثامنة للهجرة،‮ ‬فهرب من مكة واتجه إلى الطائف،‮ ‬ثم لما أسلمت الطائف في‮ ‬سنة تسع من الهجرة،‮ ‬خرج هارباً إلى الشام‮ ‬يريد قيصر الروم مستنصراً به على رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وعاش في‮ ‬الشام،‮ ‬وهناك مات طريداً وحيداً‮ ‬غريباً‮. ‬

مسجد قباء

وكان رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬لما قدم المدينة وقت الهجرة قد بنى مسجداً في‮ ‬بني‮ ‬عمرو بن عوف،‮ ‬وهو مسجد قباء،‮ ‬وقيل: وجده مبنياً قبل وروده،‮ ‬وقيل: وجده موضع صلاة فبناه وتشرف القوم بذلك،‮ ‬فحسدهم حينئذ رجال من بني‮ ‬عمهم من بني‮ ‬غنم بن عوف وبني‮ ‬سالم بن عوف،‮ ‬فكان فيهم نفاق،‮ ‬وكان موضع مسجد قباء مربطاً لحمار امرأة من الأنصار اسمها‮ «‬لية‮»‬،‮ ‬فكان المنافقون‮ ‬يقولون: والله لا نصبر على الصلاة في‮ ‬مربط حمار‮ «‬لية‮»‬،‮ ‬وكان أبو عامر الفاسق منهم‮، وكانت أمه من الروم،‮ ‬فذهب إلى هرقل ملك الروم ليستعين به على قتال المسلمين،‮ ‬ومن الشام كتب إلى قومه المنافقين منهم أن ابنوا مسجداً مقاومة لمسجد قباء وتحقيراً له،‮ ‬فإني‮ ‬سآتي‮ ‬بجيش من الروم أخرج به محمداً وأصحابه من المدينة،‮ ‬فبنوه،‮ ‬وقالوا سيأتي‮ ‬أبو عامر ويصلي‮ ‬فيه ويتخذه متعبداً ويسر به،‮ ‬وأثناء عودة رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬من‮ ‬غزوة تبوك،‮ ‬أراد المنافقون أن‮ ‬يصلي‮ ‬رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬في هذا المسجد حتى‮ ‬يقره،‮ ‬لكن الله أخبره بما‮ ‬يكيدون فأرسل من صحابته من‮ ‬يقوم بهدم هذا المسجد الذي‮ ‬بني‮ ‬ضراراً‮.‬

كانت الفكرة التي‮ ‬تبناها أبو عامر الفاسق ودعا إليها المنافقين من قومه هي‮ ‬بناء مسجد آخر إلى جوار قباء، يجذب إليه مجموعة من المسلمين،‮ ‬فلا‮ ‬يذهبون للصلاة في‮ ‬المسجد النبوي،‮ ‬ولا في‮ ‬مسجد قباء،‮ ‬وبذلك تتشتت قوة المسلمين‮: (‬ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين‮) ‬كما‮ ‬يكون وكراً للمنافقين‮: (‬وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل‮) ‬يبثون منه الأفكار الهدامة التي‮ ‬من الممكن أن تفت في‮ ‬عضد المسلمين ودولتهم الناشئة‮.‬

وباشر المنافقون في‮ ‬المدينة المنورة في‮ ‬بناء المسجد حسب الخطة التي‮ ‬اقترحها عليهم الفاسق أبو عامر،‮ ‬وحاولوا أن‮ ‬يضفوا على مسجدهم هذا شرعية ففكروا في‮ ‬دعوة الرسول‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬للصلاة فيه،‮ ‬فأتوا النبي‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬وهو‮ ‬يتجهز إلى تبوك،‮ ‬فقالوا‮: ‬يا رسول الله،‮ ‬قد بنينا مسجدا لذي‮ ‬الحاجة،‮ ‬والعلة والليلة المطيرة،‮ ‬ونحب أن تصلي‮ ‬لنا فيه وتدعو بالبركة؛ فقال النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮: «‬إني‮ ‬على سفر،‮ ‬وحال شغل،‮ ‬فلو قدمنا لأتيناكم،‮ ‬وصلينا معكم فيه‮».‬

تحذير إلهي

خرج‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬إلى تبوك،‮ ‬ومرت الأيام،‮ ‬وعاد إلى المدينة المنورة،‮ ‬وبمجرد عودة رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬من‮ ‬غزوة تبوك،‮ ‬جاء إليه بعض المنافقين،‮ ‬وكانوا قد فرغوا من بناء مسجدهم وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد،‮ ‬فقالوا‮: ‬إنا قد ابتنينا مسجداً لذي‮ ‬العلة والحاجة والليلة المطيرة،‮ ‬وإنا نحب أن تأتينا فتصلي‮ ‬فيه،‮ ‬فدعا بقميصه ليلبسه،‮ ‬ويأتيهم فنزل عليه القرآن وأخبره الله خبرهم،‮ ‬ونزل جبريل عليه السلام بالتحذير الإلهي‮ ‬من ذلك المسجد الضار بالمسلمين،‮ ‬في‮ ‬قوله تعالى‮: «‬والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله‮ ‬يشهد إنهم لكاذبون‮ * ‬لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول‮ ‬يوم أحق أن تقوم فيه،‮ ‬فيه رجال‮ ‬يحبون أن‮ ‬يتطهروا والله‮ ‬يحب المطهرين‮» (‬التوبة‮:‬107 ‮). ‬108‮ ‬

فلما نزلت هذه الآيات دعا رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬مجموعة من الصحابة كان منهم مالك بن الدخشم،‮ ‬ومعن بن عدي،‮ ‬وعامر بن السكن وغيرهم،‮ ‬وقال‮: «‬انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله،‮ ‬فاهدموه وأحرقوه‮». ‬وأمر به رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬أن‮ ‬يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف‮.‬

على الرغم من الفتن الكثيرة التي‮ ‬قام بها المنافقون قبل ذلك،‮ ‬إلا أن هذه هي‮ ‬المرة الأولى التي‮ ‬يكون فيها التعامل من رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬بهذه الشدة،‮ ‬فقد كان من عادته مع المنافقين أن‮ ‬يتسامح ويعفو،‮ ‬ويعذر ويسكت،‮ ‬مع علمه بنفاقهم،‮ ‬إلا أن خطورة هذا المسجد كانت أكبر من خطورة أفعالهم السابقة؛ لأنها خطورة تأخذ شكل الدين،‮ ‬وسيقع عوام المسلمين في‮ ‬حبائل المنافقين؛ لأن اللافتة المعلنة هي‮ ‬المسجد،‮ ‬والإسلام،‮ ‬ورأي‮ ‬الدين‮.‬

ضربة قاصمة

وشاء الله‮ - ‬عز وجل‮ - ‬أن تقع بالمنافقين ضربة أخرى قاصمة،‮ ‬لتصبح هذه هي‮ ‬الثالثة في‮ ‬خلال شهرين اثنين فقط،‮ ‬وكانت الضربة الأولى للمنافقين في‮ ‬المدينة المنورة هي‮ ‬اختبار تبوك الذي‮ ‬كشف أوراق المنافقين الذين‮: «‬رضوا بأن‮ ‬يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا‮ ‬يفقهون‮» (‬التوبة‮:78)،‮ ‬وكانت الضربة الثانية هي‮ ‬هدم مسجدهم الفاسد،‮ ‬أما الضربة الثالثة فكانت موت أكبر زعماء النفاق في‮ ‬المدينة،‮ ‬والذي‮ كان كبير حركة النفاق لمدة سبع سنوات متتالية،‮ ‬وحتى العام التاسع من الهجرة،‮ ‬وهو عبد الله بن أبي‮ ‬بن سلول‮.‬

لما توفي‮ ‬كبير المنافقين جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬فسأله أن‮ ‬يعطيه قميصه‮ ‬يكفن فيه أباه فأعطاه،‮ ‬ثم سأله أن‮ ‬يصلي‮ ‬عليه،‮ ‬فقام الرسول‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬ليصلي‮ ‬عليه،‮ ‬فأنزل الله‮ - ‬عز وجل‮ - ‬هذه الآية‮: «‬ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون‮» (‬التوبة:84). ويجزم المؤرخون المسلمون أنه بموت عبد الله بن أبي‮ ‬بن سلول انحسرت حركة النفاق بشكل كبير في‮ ‬المدينة المنورة،‮ ‬وتراجع بعض أفرادها فيما بقي‮ ‬البعض الآخر على الكفر الذي‮ ‬يضمرونه،‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬يعرفهم سوى حذيفة بن اليمان صاحب سر الرسول‮ - ‬صلى الله عليه وسلم‮ - ‬الذي‮ ‬أعلمه بأسمائهم،‮ ‬وائتمنه على ألا‮ ‬يفشي‮ ‬سره فيهم،‮ ‬وكسرت بموت زعيمهم إلى حد كبير شوكتهم،‮ ‬ولم نجد لهم حضورا‮ ‬يذكر في‮ ‬العام العاشر من الهجرة.

غزوة أحد

في غزوة أحد كان أول من بارز من المشركين أبو عامر الفاسق، واسمه عبد عمرو ابن صيفي، وكان يسمى الراهب، فسماه رسول الله الفاسق، وكان رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به، وجاهر رسول الله بالعدواة، فخرج من المدينة ، وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى اللّه عليه وسلمَ ويحضهم على قتاله، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه، ومالوا معه، فكان أول من لقي المسلمين، فنادى قومه، وتعرف إليهم، فقالوا له: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق. فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتل المسلمين قتلاً شديداً، وكان شعار المسلمين يومئذٍ، "أَمِت".

وأبلى يومئذ أبو دجانة الأنصاري، وطلحة بن عبيد الله، وأسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن النضر، وسعد بن الربيع.

كانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار، فانهزم عدو الله، وولوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم، فلما رأى الرماة هزيمتهم ، تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله قالب:صلى بحفظه، وقالوا؛ يا قوم الغنيمة فذكرهم أميرهم عهد رسول الله، فلم يسمعوا، وظنوا أن ليس للمشركين رجعة، فذهبوا في طلب الغنيمة، وأخلوا الثغر، وكرَّ فرسان المشركين، فوجدوا الثغر خالياً، قد خلا من الرماة، فجازوا منه، وتمكنوا حتى أقبل آخرهم ، فأحاطوا بالمسلمين، فأكرم الله من أكرم بالشهادة، وهم سبعون، وتولى الصحابة، وخلص المشركون إلى رسول الله فجرحوا وجهه، وكسروا رباعيته اليمنى، وكانت السفلى ، وهشموا البيضة التي على رأسه ورموه بالحجارة حتى وقع لشقه  ، وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله، وكان الذي تولى أذاه عبد الله بن قمئة الليثي الكناني ، وعتبة بن أبي وقاص الزهري القرشي، وقيل: إن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي، عم محمد بن مسلم بن شهاب الزهري القرشي، هو الذي شجه.

المراجع

  1. ^ محمد حماد (2016-03-04). "أبو عامر الفاسق والمسجد الضرار". صحيفة الخليج الإماراتية.