الفتح العربي لأرمنيا

(تم التحويل من Arab conquest of Armenia)

الفتح العربي لأرمنيا كان جزءاً من الفتوحات الإسلامية بعد وفاة الرسول محمد Mohamed peace be upon him.svg سنة 632 م. وكانت أرمنيا الفارسية قد سقطت في يد الامبراطورية البيزنطية قبيل ذلك بوقت قصير، في سنة 629، ثم فتحها الخلفاء الراشدون في 645.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفتح العربي

التزمت الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب باستراتيجية فتح البلدان التي يشكل العرب فيها النسبة الأكبر، ولذلك كان حريصا على ألا تجاوز الفتوحات مواطن القبائل العربية في الشام والعراق ومصر، وكان من أشد معارضي ركوب البحر.

ولكن بعد مقتله نجح معاوية وعمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح كما يبدو في إقناع الخليفة الجديد عثمان بن عفان بالتمدد شمالا وغربا، وتحويل الفتوحات إلى مصدر عائدات ليس فقط بفرض ضرائب على الرعايا الجدد، بل بالاستفادة من عائدات طرق التجارة الدولية التي كانت المصدر الأهم في تمويل الامبراطوريتين البيزنطية والساسانية.

يظهر سعي معاوية المبكر للاستحواذ على الجزء الغربي من طريق الحرير البري عبر سلسلة من المعارك المدروسة بعناية والمتكاملة في نهاية المطاف، التي خاضتها جيوشه، بدءا من فتح أرمينيا والقوقاز، وصولا إلى الاستحواذ على جزر قبرص وكوس ورودس وما بينها من جزر صغيرة تشكل محاطات بحرية وصولا إلى أوروبا.

هذه المساعي لا نقرأ عنها في المصادر الإسلامية سوى شذرات لا تكفي لفهم ما جرى، والسبب أن رواة الأخبار المسلمين كان هدفهم التقليل من شأن هذه الفتوحات من جهة، ونسبتها إلى جنود وقادة من دون الإشارة إلى اسم معاوية بن ابي سفيان، وهو أمر لا نجده في المصادر السريانية والأرمينية والبيزنطية والصينية، والتي تحدد اسم القائد، وهو معاوية، وتسترسل في نقل تفاصيل معاركه ونتائجها.

وينسب الطبري ومعه البلاذري فتح أرمينيا لعياض بن غنم، المتوفى سنة 20 هجرية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، مع أن عياض لم يفتح أرمينيا عمليا بل بلاد الجزيرة الفراتية ذات الأغلبية السكانية العربية، ولسبب محدّد هو الضغط على قبائل العرب النصارى المشاركين في الحملات البيزنطية. وإن حدث وتوغلت قواته قليلا في بعض المناطق الأرمينية المحاذية للجزيرة، فإنه لم يفتحها رسميا، بل حصل فتحها على يد أحد قادة معاوية بن ابي سفيان الرئيسيين، وهو حبيب بن مسلمة الفهري، والذي شكك مؤرخ "فتوح البلدان" الشهير البلاذري بتبعية حبيب بن مسلمة لقيادة معاوية، ونقل رواية أن عثمان بن عفان هو الذي كلفه بفتح أرمينية. وكانت حملات عياض بن غنم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حينما توجهت الحملة الأولى، بقيادة عياض بن غنم على رأس جيش عربي عام 640، وتوغلت في سهول الجزيرة والأراضي الأرمنية حتى وصلت مدينة بتليس، ثم انتقلت منها إلى گالاتيا، دون أن تفتح هذه المدينة، ثم توغلت أكثر في عمق البلاد نحو سهل باسين ووانانت حيث جبت الجزية وعادت إلى سوريا.

وبعد عامين، أي في سنة 642، جرت الحملة الثانية، في عهد الخليفة نفسه عمر بن الخطاب، عندما زحف الجيش العربي، في أربع فرق، قاصدا دربند (باب الأبواب)، على بحر قزوين بقيادة سراقة بن عمرو، حيث تمكنت خلالها هذه الحملة من مصالحة أميرها على جزية يؤديها.[1]

وانتهى الموقف أخيرا بين الطرفين إلى عقد معاهدة صلح بينهما، وذلك عام 653، وفق الضمانات التالية:

  1. تعفي الدولة العربية أرمينيا من الجزية خلال ثلاث سنوات.
  2. على الأرمن بعد مرور ثلاث سنوات أن يدفعوا الجزية للدولة العربية بدمشق قدر ما يريدون.
  3. يحق لأرمينيا أن يكون لها جيش مؤلف من خمسة عشر ألف فارس ينفق عليه الأرمن من حساب الجزية.
  4. لا يدعى هذا الجيش للعمل في بلاد الشام.
  5. على الجيش الأرمني كحليف للدولة العربية أن يحارب إلى جانبها ضد الاعتداء عليها ممن الخارج.
  6. إن الجيش الأرمني يكون صاحبا لقلاعه دون أي تدخل أجنبي.
  7. إن الدولة العربية تتعهد حماية أرمينيا و حدودها ضد هجمات العدو و بنوع خاص ضد هجمات الروم.

ومن الطبيعي، أن تثير هذه المعاهدة، ثائرة الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الثاني، فأرسل إلى الأرمن وفدا يعرض حماية بيزنطة لأرمينيا مقابل تخليها عن هذه المعاهدة ، فرفض هؤلاء، مما دفع بالإمبراطور إلى تسيير جيش جرار غزا به أرمينيا ثم حل في العاصمة دفين، حيث استقبله البطريرك نرسيس الثالث و بعض أمراء الأرمن لتهدئة ثورته.

وما عتم أن قفل هذا الإمبراطور عائدا إلى بلاده بعد أن ترك حاميات بيزنطية في أرمنيا، تمكنت قوات تيودور رشدوني والقوات العربية من إجلائها حيث استلم هذا الأمير إدارة أرمينيا وبلاد الكرج أيضا بين أعوام 654-658 ميلادية. وتمكن معاوية من احباط محاولات بيزنطية لاستعادة السيطرة على أرمينيا، بذكاء ومن دون إراقة نقطة دم واحدة من جيشه، إذ لعب على المتناقضات بين الأرمن الموالين له، وأولئك الموالين للقسطنطينية، وفي هذه المرحلة استطاع استكمال سيطرته على الأناضول وسواحل ليقيا التي جرت فيها معركة ذات الصواري، وفر نتيجتها الإمبراطور البيزنطي قسطاس بن هرقل إلى جزيرة صقلية هربا من المسلمين الذين وصولوا إلى عاصمته وكادوا أن يضربوا الحصار عليها لولا انلاع فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وقبول معاوية للجزية الكبيرة من الإمبراطور البيزنطي ريثما تستتب له أمور الحكم.[2]


كان الحكام العرب على أرمينيا في عهد الخلفاء الراشدين: حذيفة بن اليمان 652، المغيرة بن شعبة، القاسم بن ربيعة الثقفي.


التوسع

لقد ظلت هذه البلاد البائسة قروناً طوالاً مطمعاً للإمبراطوريات الكبيرة المتنافسة التي أنشبت فيها مخالبها، لأن جبالها حالت بينها وبين اتحادها للدفاع عن نفسها، بينما كانت وديانها طرقاً ميسرة بين بلاد النهرين والبحر الأسود. واقتتلت بلاد الفرس واليونان لامتلاك هذه الطرق للانتفاع بها ي التجارة والحرب، واجتازتها جنود أكسانوفون العشرة الآلاف، واحتربت من أجلها روما وفارس وبيزنطية والإسلام، والروسيا وبريطانيا. ولكن أرمينية ظلت مستقلة من الوجهة الفعلية رغم ما حاق بها من الضغط الخارجي أو السيطرة الخارجية محتفظة بما لها من نشاط اقتصادي قوي في التجارة والزراعة، ومن استقلال ثقافي أثمر فيها دينها الخاص وآدابها وفنونها. وكانت هي أولى الأمم التي جعلت المسيحية دين الدولة الرسمي (303). وانحازت إلى جانب اليعاقبة في الجدل الذي قام حول طبيعة المسيح، وأبت أن تعترف بأنه يجوز عليه من أسباب الضعف ما يجوز على الجسم البشري. وانفصل الأساقفة الأرمن في عام 491 عن الكنيستين اليونانية والرومانية وأنشئوا لهم كنيسة أرمنية مستقلة لها رئيسها الخاص. وظلت الآداب الأرمنية تُكتب باللغة اليونانية إلى أوائل القرن الخامس بعد الميلاد حين اخترع الأسقف مسروپ حروفاً هجائية خاصة بها وترجم التوراة إلى اللغة الأرمنية، وأصبح للبلاد من ذلك الحين أدب أرمني غزير معظمه أدب ديني وتاريخي.

وظلت تلك البلاد خاضعة بالاسم إلى سلطان الخلفاء من عام 642م إلى عام 1046، ولكنها كانت طوال هذه المدة صاحبة السيادة على نفسها مستمسكة بمسيحيتها. وأقامت أسرة بقردوني Bagrtuni في القرن التاسع الميلادي أسرة حاكمة اتخذت رئيسها لقب "أمير الأمراء"، وأنشأت لها عاصمة في آني Ani، وظلت البلاد في عهدها أجيالاً عدة تنعم بالتقدم والسلام النسبي وكان أشوت الثالث Ashot (952-977) أميراً محبوباً، شاد كثيراً من الكنائس، والمستشفيات والأديرة، والملاجئ، ولم يكن يجلس للطعام (كما يقول الرواة) إلا إذا كان الفقراء معه على مائدته. وبلغ رخاء البلاد غايته في عهد ابنه گگيك Gegik الأول (وما اغرب ما تبدو أسماؤنا نحن للأرمن)، فقد كثرت فيها المدارس، وأثرت المدن بفضل انتشار التجارة، وازدانت بأعمال الفن، وأصبحت قارص مركزاً للأدب وعلوم الدين والفلسفة تنافس فيها آني. وكان في هذه المدينة الثانية قصور فخمة، وكنيسة كبرى (حوالي عام 980)، جمعت بين الطرازين الفارسي والبيزنطي؛ فكان فيها مجاميع من العمد والأكتاف، والعقود المستديرة والمستدقة في أعاليها، إلى غير هذه من الخصائص التي دخلت فيما بعد في الفن القوطي، ولما أن دمر زلزال قبة أيا صوفيا بالقسطنطينية في عام 989 عهد إمبراطور بيزنطية إلى تاردات Tardat مهندس كنيسة آني أن أعيد بناؤها، وكان ذلك واجباً من أشق الواجبات وأعظمها خطورة(32).

امتدت فتوح الأتراك السلاجقة إلى أرمينية في عام 1060م.

انظر أيضاً

المصادر

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

الهامش