القبيلة رابطة اجتماعية تنشأ عن الاسر عندما يزداد عددها، وهي منشأ العصبية وهي مفيدة وضارة في آن واحد، القبيلة مفيدة لما توفره من حماية لافرادها وما تنشره من طمأنينة بينهم ولكنّها ضارة لأنّها تؤكّد النزعة الأقليمية والعنصرية وتذكيها، وتذكي نار العداوة وتغذّي الفتن وتشجّعها.

والقبيلة عندما تتجاوز وظيفتها كأداة للتعارف، ليست أكثر من وعاء للعصبية ، يدفع حماسها إلى العدوان والحرب . المجتمعات المكوّنة من قبائل يصعب أن تبنى فيها حياة مدنيّة ناجحة ولذلك فان الدّول التي يتكون نسيجها الإجتماعي من قبائل ، دول ضعيفة، لأن الإحساس بالإنتماء هو الّذي يقوّي الكيانات ، و في المجتمعات القبلية يغلب الإحساس بالإنتماء للقبيلة على الإحساس بالإنتماء لغيرها.

كما ان القبيلة وحدة هلامية يقوم الانتماء اليها على الاعتقاد الخرافي في الاشتراك بين ابنائها في الاب الاسطوري والحقيقة ان روابط الدم ليست المحدد بل التواجد داخل المجال و التحالفات القبلية والاستقرار والتوافد هي الروافد المشكلة للقبيلة كوحدة سياسية دنيا وبدائية تتولى مهام التسيير لشؤون المنتمين اليها داخليا وفي علاقتهم بالغير الاجنبي

Gxermo2.svg هذه المقالة عبارة عن بذرة تحتاج للنمو والتحسين؛ فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.

القبيلة جماعة تنتمي إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى، وتتكون من عدة بطون وعشائر فرعية. وغالبًا ما يسكن أفراد القبيلة إقليمًا مشتركًا يعدونه وطنًا لهم، ويتحدثون لهجة مميزة، ولهم ثقافة متجانسة، أو تضامن مشترك ضد العناصر الخارجية على الأقل.

تعد القبيلة المجتمع الأكبر لأهل البادية، وعلى الرغم من أن مصطلح قبيلة اندثر في كثير من المجتمعات سواء في الغرب أو الشرق، إلا أن اللفظة لا تزال حية يستعملها العرب في كل مكان، بل يفتخر كثيرون منهم بانتمائهم إلى قبائل بعينها. وعلى النقيض من ذلك نجد أن هذا المصطلح اتخذ معنى آخر لدى معظم الشعوب التي استعمرتها الدول الغربية إذ أطلق معظم الأوروبيين كلمة قبيلـة على الشعـوب المستعمرة التي كانـت أقل تقدمًا منهم، واكتسب المصطلح لديهم معنى المجموعة البدائية. لذا نجد كثيرًا من الأفارقة وبعض الشعوب الأخرى يعدون كلمة قبيلة بمثابة تحقير لهم. من أجل هذا لجأ كثير من العلماء إلى تقسيمات أخرى مثل المجموعة العرقية، أو الأمة أو الشعب. ولكن علماء الأنساب العرب يفرقون بين الشعب والقبيلة، وقد وردت كلمة شعوب مقدمة على قبائل في قوله تعالى: ﴿وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا﴾ الحجرات: 13.

قام علماء الأنساب بترتيب قبائل العرب ترتيبًا تنازليًا باختلاف طفيف بينهم، كالآتي: الشعب؛ مثل عدنان وقحطان، والقبيلة مثل ربيعة ومضر، والعمارة، مثل قريش وكنانة، والبطن؛ مثل بني عبد مناف وبني مخزوم وبني أمية وبني هاشم، والفخذ؛ مثل بني المطلب والعشيرة؛ مثل بني تميم وبني شيبان، و الفصيلة؛ مثل بني أبي طالب وبني العباس.

تنتشر القبائل في كل قارات العالم، منها ما اندثر كما هو الحال مع بعض القبائل الأوروبية مثل الجرمانيين، ومنها ما كاد يندثر مثل قبائل الهنود في أمريكا الشمالية والجنوبية، ومنها ما ذاب في المجتمعات الحضرية المتاخمة كما هو الحال مع بعض قبائل جنوب غربي آسيا. وتختلف عادات هذه القبائل وطرق معيشتها وفنونها وأنظمتها الاجتماعية.

يشترط علماء الاجتماع لقيام أي جماعة وجود عنصرين هما: الاستقرار المكاني، وعاطفة الجماعة، وهذان العنصران متوفران في القبيلة التي تتألف من عشائر، فإن كانت بدوية مترحلة، فلها دائرتها المكانية، رغم أن هذه الدائرة تتغير من حين لآخر. فإذا ما استقرت هذه العشائر في مكان واحد ينشأ بين أفرادها تضامن أقوى تشد من أزره رابطة القرابة. والقبيلة بهذا المفهوم مجتمع محلي، حتى وإن كان بعض عشائرها أو أفخاذها مترحلين لا يعيشون متجاورين. وكل مجموعة لها ما تسميه الديرة؛ أي مجالها المعروف من الأرض. وتربط بين الجميع وشائج عاطفية تشد أفراد الجماعة إلى بعضهم وهي ما يطلق عليها العصبية القبلية، وتنبع هذه العصبية من الشعور بوحدة الجماعة من صلات القربى ومن كونهم يعيشون على أرض واحدة.

على الرغم من أن علماء الأنساب العرب يكادون يتفقون على ما تقدم من ترتيب طبقات القبائل، إلا أن حركات هجرة القبائل، سواء أكانت طوعًا أو كرهًا جعلت هذا الترتيب غير مستقر، إذ ذابت البطون والأفخاذ، وقلما استخدمت مصطلحات العمارة والفصيلة، وصارت وحدة العشيرة أكثرها شيوعًا بل صارت تستخدم لتغطي معنى القبيلة أحيانًا بعد أن أصبح هناك خلط شديد بين المقصود من البطن أو الفخذ.


الحياة الأسرية يرتبط أفراد القبيلة في زمر اجتماعية عن طريق مجموعة من الروابط والعلاقات، وتمثل رابطة القرابة أهم هذه الروابط، وتزداد هذه الروابط بالزواج داخل ما يسمى بالأسر الممتدة التي لها نظامها الخاص في المسكن والمطعم واختيار الأسماء والأعراف والتقاليد.


الزواج. قلما يتزوج أفراد القبيلة العربية من خارج العشيرة، ولكن قد يتجاوز في ذلك أحيانًا حينما يتم زواج بنات بعض زعماء العشائر لتوثيق الصلات ودعم الأحلاف بينها، ولا يسمح النظام الداخلي للقبيلة بأن تتزوج المرأة رجلاً من خارج القبيلة، لأن ذلك يكون بمثابة مخالفة صريحة لنظام الزواج في القبيلة قد يؤدي إلى عداء وحروب. ذلك أن الفتاة تعد في المجتمع القبلي زوجة لابن عمها ¸عقدها وحلها بيد ابن عمها· إلا إذا لم يرغب فيها، فلها أن تتزوج بمن تريد داخل حدود القبيلة. ولعل السبب في ذلك أنهم يرون أن دماءهم نقية، ولا يوثق فيمن يزوجونهم من خارج القبيلة في صفاء دمائهم العربية، وبالتالي أنسابهم العريقة، وكل من لا ينتمي إلى العشائر يعد ذا دم غير نقي لأن ¸العرق دساس· و ¸ثلثا الولد لخاله· كما يقولون. وغالبًا ما يتزوج الشباب في البوادي القبلية في أعمار مبكرة نسبيًا. ويتم الزواج عادة بصورة بسيطة، ويكون المهر رمزيًا. يذهب الخاطب ووالده فيطلبان البنت من أبيها أو ولي أمرها. ودرجت العادة عند بعض القبائل أن يسمح الأب لابنته أن تذهب إلى بيت زوجها وهي بنت تسع أو عشر سنين، لكنه لا يبني عليها إلا بعد بلوغها، وحينذاك تكون خبيرة بشؤون البيت والزوج والأولاد. ومن المهام التي تقوم بها الزوجة بجانب مهامها المنزلية من طبخ وغسل وإكرام للضيوف، أنها تعلف الجمال والشياه وتحلب وترعى الغنم، وتجز الصوف وتغزله لتصنع منه الفرش، وتدبغ جلود الذبائح لتصنع منها القرب والدلاء. وهي التي تجلب الماء من البئر وتخيط الملابس.

ليست عادة الزواج المبكر وقفًا على القبائل في الشرق فحسب، بل إن كثيرًا من قبائل الهنود الحمر في الأمريكتين يتزوجون في عمر مبكر، فتتزوج الفتيات في عمر بين 11 و15 عامًا، أما الفتيان فيتزوجون فيما بين 15 و20 من العمر. ويقوم الوالدان باختيار زوجة ابنهما في قبائل الهنود الجنوبية، أما في أمريكا الشمالية فيسمح للابن باختيار زوجته، ويقوم، في سبيل إقناع والدي زوجة المستقبل، بتقديم كثير من الهدايا القيمة لينال قبولهما. وبينما يسكن ابن القبائل في الشرق مع أسرته، يسكن الفتى الهندي مع أهل زوجته ويعمل لهم إلى أن ينجبا الطفل الأول. ويستطيع الرجل في كل من مجتمعات القبائل الشرقية وفي الأمريكتين أن يتزوج أكثر من زوجة، لكن يكثر ذلك عند الهنود، خصوصًا الموسرين أو ذوي النفوذ والسلطان. إلا أن هذا التعدد ليس موجودًا لدى جميع قبائل الهنود، فمنهم من يحظر التعدد مثل قبيلتي الأروكوا والببلو في أمريكا الشمالية.

وإذا ما توفي الزوج فقد تبقى الزوجة مترملة طوال عمرها في القبائل الشرقية أو قد تتزوج مرة أخرى داخل القبيلة. أما في قبائل الهنود، فإن الزوجة تظل في البيت وتعيش مع شقيق الزوج دون عقد نكاح حتى وإن كان لهذا الأخ زوجة أخرى. وإذا حدث أن توفيت الزوجة، فإنه من المتوقع أن تعوض الأسرة الزوج بابنة أخرى تكون بكرًا بدلاً عن أختها المتوفاة.


الضيافة. للقبائل شهرة كبيرة في الكرم سواء كان ذلك في الشرق أم في الغرب. ومن المعلوم أن قبائل الهنود كانت في بادئ الأمر تكرم الوافدين البيض، ولم تنشأ العداوة بين الهنود والبيض إلا بعد أن بادر الرجل الأبيض بالعداوة قتلاً وتشريدًا ومصادرة للأراضي. أما رجال القبائل في الشرق العربي فقد اشتهروا عبر تاريخهم الطويل بكرم النفس ورحابة الصدر والنخوة وإكرام الضيف. ويرى بعضهم أن استقبال الضيف في أي وقت من ليل أو نهار واجب مفروض عليه أداؤه. وإذا أقبل شخص على جماعة يأكلون يشاركهم طعامهم دون دعوة من أحد ويسقى الضيف القهوة العربية ثلاث مرات قبل أن يسأل عن حاجته التي أتى من أجلها وعن عشيرته. وليس فقر الرجل أو غناه سببًا في رفض استقبال الضيف، فإن لم يجد شيئًا يقدمه لضيفه استدان حتى يكرم ضيفه.

تختلف عادات الضيافة من قبيلة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال، هناك قبائل يقوم كل رجالها على خدمة الضيف ويأخذونه إلى أفضل بيوت الديرة، ويقدمون له التمر والسمن والعسل والقرصان والقهوة، وينحرون أو يذبحون له، ويدعون كل من في الديرة ليشاركهم.

وتختلف حاجات الضيوف؛ فمنهم عابر السبيل أو طالب حاجة أو زائر له معارف وقرابة، ومنهم من يطلب الجوار لقحط بلاده، ومنهم من نزلت به جائحة أو مصيبة وجاء طالبًا مساعدة مادية أو عينية. وقد عرف أناس بأسمائهم في التاريخ العربي اشتهروا بالكرم ومن ذلك حاتم الطائي الذي ينتمي إلى قبيلة طيء.


الأنساب والأسماء. أرجع ابن حزم جميع قبائل العرب إلى أب واحد سوى ثلاث قبائل هي: تنوخ والعُتق وغسان. وتتألف كل قبيلة مجتمعة من عدة بطون، فعلى سبيل المثال، تتألف تنوخ من عشر قبائل اجتمعوا وأقاموا في البحرين فسموا تنوخ نسبة إلى التنخ (المقام)، أما العُتق فكانوا قومًا اجتمعوا على الرسول ³ فظفر بهم ثم أعتقهم فسموا بذلك، أما غسان فعدة بطون من الأزد نزلوا على ماء يسمى غسان فسموا به.

يلاحظ أن من بين أسماء القبائل أسماء هي أسماء حيوان أو نبات أو جماد أو أجرام سماوية، كما توجد بين المصطلحات الواردة في النسب كلمات ذات علاقة بالجسم والدم. وقد يكون لهذه التسميات صلة من نوع ما بالطوطمية. انظر: الطوطم. وهذه الطوطمية تعد دورًا مر على القبائل البدائية، وقد كانت القبيلة تتخذ حيوانًا أو نباتًا أو كوكبًا أبًا لها وتعتقد أنه يحميها ويدافع عنها، أو على الأقل لا يؤذيها إن كان من الكائنات التي تؤذي بطبعها. لذا كانت القبائل تقدس طوطمها.

من أسماء الحيوانات التي تسمت بها بعض القبائل والعشائر غير العربية: كلب، وذئب، ودب، وسلحفاة، ونسر، وثعلب، وثور، وهر، وبطة. ومن أمثلة ذلك عند قبائل العرب: بنو كلب، وكليب، والنمر، والسرحان، وبنمو جحش، وبنو يربوع، وبنو غراب، وبنو حنظلة وغير ذلك.

كانت للقبائل العربية مذاهب في اختيار أسماء أبنائها وبناتها؛ فمنها ما كانوا يتفاءلون به في صراعهم مع أعدائهم مثل: غالب، وغلاب، وظالم. ومنها ما تفاءلوا به للأبناء مثل: مدرك، دراك، وعامر، وسعد وسعيد. ومنها ما سمي بأسماء الوحوش ترهيبًا لأعدائهم نحو: أسد وليث وضرغام. ومنها ما سمي بأسماء الأشجار الخشنة أو الغليظة مثل؛ طلحة، وسمرة، وسلمة، وقتادة. أو بأسماء أجزاء غليظة من الأرض مثل حجر، وحجير، وصخر، وفهر، وجندل، وجرول. وقد سئل أحد الأعراب: "لم تسمون أبناءكم بشرِّ الأسماء نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح" فقال: "إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا".

لا تختلف أسماء القبائل العربية عن أسماء القبائل الأخرى لا سيما القبائل السامية، فهي أسماء ذكور للآباء أو الأجداد، وإن وجدت أسماء مؤنثة لبعض القبائل فهي قليل مثل: خندف، وبجيلة وغيرهما وتكون في تلك الحالة أسماء لأمهات قبائل أو أسماء مواضع نسبت القبائل إليها. وتعود تسمية القبيلة إلى الرجل، وانتسابها إليه دون غيره من أفراد القبيلة بأن يشتهر بينهم لشجاعته وإقدامه أو كثرة ولده، فينسب بنوه وغيرهم إليه وكذلك أحفاده، وربما انضم إلى النسبة إليه غير أحفاده. وقد ينضم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة فينسب إليهم فيقال حينئذ: فلان حليف أو مولى بني فلان. وفي هذه الحالة يجوز له أن ينسب إلى قبيلته الأولى أو إلى القبيلة الثانية، أو ينسب إلى كلتيهما فيقال مثلاً: فلان التميمي ثم الكليبي.


العصبية القبلية والحروب تتجلى العصبية القبلية في العصبية للأقارب وذوي الأرحام. وهذا النوع من العصبية يكون داخل إطار القبيلة ذاتها. فعلى الرغم من أن أفراد القبيلة يربطهم نسب واحد، إلا أن الرباط الكائن بين ذوي القربى من أمثال أبناء العمومة والخؤولة يكون أمتن من النسب العام. وأفراد القبيلة يشعرون بالتزامهم بنصرة من يشترك معهم في البيت (الفصيلة) ثم تأتي بعد ذلك نصرة المشترك معهم في الفخذ فالبطن ثم العشيرة، ومع أن العصبية للقبيلة أضعف شأنًا من العصبية نحو العشيرة، إلا أن عصبية القبيلة تطغى على ما سواها بمقدار الخطر الذي يهدد القبيلة ـ كما يمكن أن تتجاوز هذه العصبية نظام القبيلة إلى القبائل الأخرى المتحالفة، أو عصبية الولاء؛ وذلك حين يطلب أحد الأفراد الجوار من قبيلة ما ومن ثم يكتسب حصانة بأن يكون تحت حمايتها، وتهب القبيلة لحمايته كأي فرد من أبنائها.


الثأر. كانت القبائل في حروب متصلة ما أن تنتهي حتى تبدأ حربًا أخرى. وكان القانون الوحيد الذي يخضع له جميع أفراد القبيلة هو قانون الأخذ بالثأر. وكانت الحروب تنشب لأسباب تافهة؛ فقد تسببها إهانة، أو نزاع بين شخصين من قبيلتين مختلفتين، أو بسبب اختلاف على المرعى؛ فتشتبك العشائر وينضم بعضها إلى بعض فتنتشر الحرب بين قبائل كثيرة، وتحدث بينهم مقتلة عظيمة. ولأنهم كانوا يتحاربون نهارًا، ويتوقفون عن القتال إذا أقبل الليل، ثم يعاودون القتال صباحًا، سموا وقائعهم وحروبهم أيامًًا قيل إنها بلغت 1,200 يوم ذكر منها الميداني في مجمع الأمثال 132 يومًا، ومن أشهر هذه الأيام يوم ذي قار، وكان بين بكر والفرس وحرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب وحرب داحس والغبراء بين قبيلتي عبس وذبيان. انظر: أيام العرب.

عرف رجال القبائل العربية نوعين من الحروب: الإغارة؛ كما حدث في يوم الهباءة ويوم الفروق، كذلك عرفوا الحروب المنظمة نسبيًا، وذلك بعد اتصال بعضهم بالفرس كعرب الحيرة، أو اتصال بعضهم بالبيزنطيين كالغساسنة، وقد بدا ذلك بوضوح في يوم حليمة ويوم بردان. وكانوا يخرجون على غير تعبئة، ويغيرون بسرعة خاطفة بالنظام الذي يأمر به الشيخ، ثم إذا طوردوا يفرون إلى البادية.

أما الأسلحة التي كانت تستخدمها القبائل إلى ما قبل اختراع البارود والبندقية، فكانت تتمثل في الرماح والسيوف والدروع والقسي والنشاب، وكان استعمالهم للسلاح الأخير قليلاً. أما السيف فكان رفيق العربي في حله وترحاله لا يكاد يفارقه.


زعامة القبيلة والأحكام

شيخ القبيلة. تتجلى وحدة القبيلة في وجود شخصية محنكة تعرف بأسماء كثيرة باختلاف موقع القبيلة، فهو سيد القبيلة أو الشيخ أو الأمير أو الرئيس أو الزعيم. وغالبًا ما يكون زعيم القبيلة شيخاً مجرباً ذا حكمة وسداد رأي وسعة في الثروة، يقود القبيلة في حروبها ويقسم الغنائم. وغالبًا ما كانت هذه الزعامة تورث عن الآباء. لم تكن سيادة شيخ القبيلة على إطلاقها، وقد تصل إلى حد كونها رمزية في بعض الأحيان، وليس له من الحقوق سوى التوقير. أما واجباته فتكون أكثر من حقوقه.

ومن أهم ما يقوم به الشيخ إصلاح ذات البين في قبيلته، ولابد له من استشارة الكبار في القبيلة وأن يسمع كل فرد من القبيلة لأنهم أكفاء متساوون في الحقوق. وليس لشيخ القبيلة قوة مادية يرغم بها أفراد القبيلة على الطاعة، وإنما هي التقاليد والعرف. ولأي فرد من القبيلة التمرد على أي قرار يتخذه زعيم القبيلة، ولكن عليه في هذه الحالة أن يدع القبيلة وأن يهجرها، ويسمى هذا الهجر الخلع.

إذا تشعبت البطون في القبيلة الواحدة تنافس أفراد كل بطن في أن تكون لهم الزعامة والشرف وإن كان يجمعهم أصل واحد. وقد يتقاتلون من أجل هذه المنافسة كما حدث بين الأوس والخزرج وبين عبس وذبيان، وبين عبدشمس وهاشم وبين ربيعة ومضر.

على الرغم من أن زعامة القبيلة قد تكون وراثة، إلا أنه ينبغي للذي يتصدى لهذه الزعامة أن يتميز بصفات قد لا تجتمع عند غيره؛ من أبرز هذه الصفات الجرأة وحسن السمعة والقدرة على الإقناع. والشجاعة والإقدام مطلبان ضروريان ينبغي توافرهما في زعيم القبيلة؛ إذ عليه أن يتقدم الصفوف في الحروب، وأن يجير المستجيرين، وأن يتحمل باسم القبيلة ما قد يرتكبه أفراد القبيلة من أخطاء. وهو الذي يتحمل أكبر نصيب من جرائر القبيلة، وما تدفعه من ديات. وينبغي أن يكون وقورًا رزينًا رحب الصدر قليل الكلام. ويجب أن يفتح بيته للضيافة، وأن يكون فطنًا كيسًا في فض الخصومات والمشكلات التي تقع بين أفراد عشائره.

وشيخ القبيلة هو الذي يعلن الحرب، وهو الذي يوزع الغنائم، وهو الذي يبرم الصلح، ويمثل قبيلته أمام القبائل الأخرى. وغالبًا ما يكون هو الحافظ لأنساب القبيلة. وهو الذي يصدر الأوامر للرحيل ويحدد المكان والزمان لذلك الرحيل. وعليه أن ينفذ الرأي الذي تجمع عليه القبيلة وحكماؤها في مجالسهم الشورية.


الأحكام. تخضع القبيلة لقوانين صارمة نظمتها التقاليد والأْعراف. ويلجأ أفراد القبيلة في حل الخلافات التي تنشأ بينهم إلى محاكم قبلية خاصة لها قوانينها المتوارثة، ولكل جرم أو تعدٍ أو دم عقاب رادع يهدف في النهاية إلى حفظ أهم مقومات الشرف في القبيلة وهي المال والدم والعرض.

للقاضي مكانة رفيعة في القبيلة. والقضاء القبلي نظام متكامل يغطي كل الأنشطة المعروفة لدى القبيلة. ويثق أفراد القبيلة في قضاتهم ثقة راسخة لا تتزعزع، لأن أحكامهم تنبع من أعراف العشائر وتقاليدها. وتطلق القبائل على قضاتها أسماء تختلف باختلاف القبائل وأماكنها، فيسمى القاضي في بعض بلدان الجزيرة العربية والشام والعراق باسم العارف، وسمي بذلك لأنه يفترض فيه المعرفة العميقة الشاملة لأْعراف القبيلة وعاداتها. ويسمى عند بعض القبائل أحيانًا باسم الفريض؛ لأنه يفرض بحكمه الجزاء الواجب تنفيذه طبقًا لأعراف القبيلة؛ وكذلك يعرف لدى بعض القبائل باسم المرضي؛ ذلك لأن الأطراف المتخاصمة ترضى بحكمه. ومنزلة العارف تلي منزلة شيخ القبيلة مباشرة. ولشيخ القبيلة، أحيانًا، أن يفصل في بعض الخصومات مثل المنازعات التي تقوم بين أفراد قبيلته حول الأراضي.

يستند العارفون (القضاة) في معظم أحكامهم إلى العادات والأعراف القبلية التي توارثتها القبيلة جيلاً عن جيل. وتسمى هذه العادات والأعراف السوادي أو العوايد. وقد تمرس هؤلاء العارفون بازدياد القضايا التي يفصلون فيها واشتهروا بسعة الإدراك والذكاء حتى اعتبرت أحكامهم أساسًا مرجعيًا للقضاء القبلي وهو ما يسمى عندهم المثيلات، وهو يطابق ما يسمى في الفقه القضائي الحديث السوابق القضائية.


العقوبات. تتراوح الأحكام التي يصدرها قضاة القبيلة بين العقوبات المادية كالديات والتعويضات، أو عقوبات بدنية كقطع يد السارق أو الجلد، أو عقوبات تأديبية إصلاحية، وهي أحكام تصدر في حق صغار السن، وعلى القاضي إصدار الحكم، وغالبًا ما يكون المنفذ هو الأب أو ولي أمر الحدث، ويكون حبسًا أو جلدًا أو نحوه.