شيخ العرب همام

شيخ العرب همام (و. 1709 - ت. 1769) هوالأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام الملقب بشيخ العرب وهو من أشهر شخصيات الصعيد ولد عام1121هـ (1709م) في فرشوط محافظة قنا وتوفى عام 1183هـ (1769م).

وهو الابن البكر للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة, تلك القبائل التي هاجرت إلي مصر من المغرب في عهد الدولة الفاطمية واستقرت في صعيد مصر و تمتعت بقدر كبير من الثروة والنفوذ و سيطر شيوخها على مقاليد الأمور في الصعيد. و بعد تولى الشيخ همام الحكم بعد وفاة والده يوسف عام 1767 م،

مضى قدما في توسيع ومد سلطانه على كافة أقاليم الصعيد, من المنيا إلي أسوان فكان دولة داخل دولة وأتخذ فرشوط عاصمة لحكمه. وقام بتأسيس شبه دولة فأنشئ الدواوين لإدارة شئون الأراضي الواقعة تحت سيطرته و لرعاية العاملين عليها وشكل قوة عسكرية من الهوارة و من المماليك الفارين من حكم علي بك الكبير الذي أرسل له ثلاثة جيوش لمحاربته انتهت بفوز ساحق لجيوش على بك الكبير.

ووصفه الجبرتي في خططه كما يلي:

الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رحال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيه بن سيبيه الهواري عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد


وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار وأخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الإمكان منها أنه إذا نزل بساحته الوفـود والضيفـان تلاقهـم الخـدم وأنزلوهـم فـي أماكـن معـدة لأمثالهـم وأحضروا لهم الاحتياجات واللوازم من السكر وشمع العسل والأواني وغيـر ذلـك ثـم مرتـب الأطعمـة فـي الغـداء والعشـاء والفطـور فـي الصبـاح والمربيـات والحلـوى مـدى إقامتهم لمن يعرف ومنن لا يعرف‏.‏

فإن أقاموا على ذلك شهورًا لا يختل نظامهم ولا ينقص راتبهم وإلا قضوا أشغالهم على أتم مرادهم وزادهم إكرامًا وانصرفوا شاكرين وإن كان الوافد ممن يرتجي البر والإحسان أكرمه وأعطاه وبلغه أضعاف ما يترجاه‏.‏ ومن الناس من كان يذهب إليه في كل سنة ويرجع بكفايـة عامـة وهذا شأنه في كل من كان من الناس‏.‏ وأما إذا كان الوافد عليه من أهل الفضائل أو ذوي البيوت قابله بمزيد الاحترام وحياه بجزيل الأنعام وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر والغلال والثمـر والسمـن والعسـل وإذا ورد عليـه إنسـان ورآه مـرة وغـاب عنـه سنيـن ثـم نظـره وخاطبه عرفه وتذكره ولا ينساه‏.‏ وحالـه فيمـا ذكـر مـن الضيفـان والوافديـن والمسترفديـن أمـر مستمـر علـى الـدوام لا ينقطـع أبـدًا‏.‏


وكـان الفراشـون والخـدم يهيئـون أمر الفطور من طلوع الفجر فلا يفرغون من ذلك إلى ضحوة النهار ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى إلى قريب العصر ثم يبتدئون في أمر العشاء وهكذا‏.‏ وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كير ويطلب في كل سنة دفتر الأرقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم فإن وجده خمسمائة أو أربعمائة استبـشر وانشـرح وإن وجـده ثلاثمائـة أو اقـل أو نحـو ذلـك اغتـم وانقبـض خاطره ورأى أن ربما كانت في أعظم من ذلك وكان له برسم زراعة قصب السكر اثنـا عشـر ألـف ثـور وهـذا بخلـاف المعـد للحـرث ودراس الغلال والسواقـي والطواحيـن والجواميس والأبقار الحلابة وغير ذلـك‏.‏


وأمـا شـون الغلال وحواصـل السكـر والتمـر بأنواعـه والعجوة فشي لا يعد ولا يحد وكان الإنسان الغريب إذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع مرتفعـة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب فتنبت وتصير خضرًا كأنهـا مزرعـة وكـان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية انضموا إليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا بأخلاق تلك البلاد ولغاتهم وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفين والمحاسبين لا يبطل شغلهـم ولا حسابهـم ولا كتابتهـم ليـلًا ونهارًا ويجلس معهم حصة من الليل إلى الثلث الأخير بمجلسه الداخل يحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات‏.‏ لا يغرب (سبحان الله) عن فكره شيء قل ولا جل ثم يدخل إلى الحريم فينام حصة لطيفة ثم يقوم إلى الصلاة‏.‏


وإذا جلس مجلسًا عامًا وضع بجانبه فنجانًا فيه قطنة وماء ورد فـإذا قـرب منـه بعـض الأجلاف وتحادثوا معه وانصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بأنفه حـذرًا مـن رائحتهـم وصنانهـم‏.‏ كـان لـه صلات وإغداقـات وغلال يرسلهـا للعلماء وأرباب المظاهر بمصر في كل سنة‏.‏ وكان ظلًا ظليلًا بأرض مصر ولما ارتحل لزيارته شيخنا السيد محمـد مرتضى وعرف فضله أكرمه إكرامًا كثيرًا وأنعم عليه بغلال وسكر وجوار وعبيد وكذلك كـان فعلـه مـع أمثالـه مـن أهـل العلـم والمزايـا‏.‏

ولـم يـزل هـذا شأنـه حتـى ظهر أمر علي بك وحصل ما تقدم شرحه من وقائعه مع خشداشينه وذهابه إلى الصعيد وأعلموه بما أوقعه بهم علي بك فاغتـم علـى فقـد صالـح بـك غمـا شديـدًا‏.‏

وحملـه ذلـك علـى أن أشـار عليهـم بذهابهم إلى أسيوط وتملكهم إياها فإنها باب الصعيد فذهبوا إليها مع جملة المنفيين من مصر والمطرودين كما تقدم وأمدهـم شيـخ العـرب المترجـم حتـى ملكوهـا وأخرجـوا مـن كـان بهـا واستوحش منه علي بك بسبب ذلك وتابع إرسال التجاريد وقدر الله بخذلان القبالي ورجوعهم إلى قبلي على تلك الصورة فعنـد ذلـك علم همام أنه لم يبق مطلوبًا لهم سواه وخصوصًا مع ما وقع من فشل كبار الهوارة وأقاربه ونفاقهم عليه فلم يسعه إلى الارتحال من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب إلـى جهـة إسنـا فمات في ثامن شعبان من السنة ودفن في بلدة تسمى قموللة فقضى عليه بها رحمه الله‏.‏ وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم‏.‏


ولما مات انكسرت نفوس الأمراء ثم أن أكابر الهوارة قدموا ابنه درويشًا لكونه أكبر أخوته وأشاروا عليه بمقابلـة محمـد بـك ففعـل‏.‏ وأمـا الأمـراء فمنهـم مـن أخذ أمانًا من محمد بك وقابله وانضم إليه ومنهم من ذهب إلى ناحية درنه ونزل البحر وسافر إلى الشام والروم ومنهم من انزوى إلى الهوارة بالصعيد‏.‏ وحضر درويش صحبة محمد بك إلى مصر وقابل علي بك وأعطاه بلاد فرشوط ورجـع مكرمـًا إلـى بلاده‏. ‏

فلـم يحسـن السيـر ولـم يفلح وأول ما بدأ ي أحكامه أنه صار يقبض على خدم أبيه وأتباعه ويعاقبهم ويسلب أموالهم وقبض علـى رجـل يسمـى زعيتـر وكيـل البصـل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالًا عظيمة في عدة أيام على مرار أخذ منه في دفعة من الدفعات مـن جنـس الذهـب البندقـي أربعيـن ألفـًا وكذلـك مـن يصنـع البـرد للجـواري السـود والعبيد وذلك خلاف وكلاء الغلال والأقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع والزيت والبـن والشركـاء فـي المـزارع‏.‏

ووصلـت أخبـاره بذلـك إلـى علـي بـك فعيـن عليـه أحمـد كتخـدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك وطالبه بالأموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها إلى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام إمارته وأخذ منه جملة وكذلك أتباعه من بعـده حتى أخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لأجـل استخـراج الخبايـا حتـى هدمـوا الـدور والمجالـس ونبشوهـا وأخربوهـا وحضر درويش المذكـور بآخـرة إلـى مصـر جاليـًا عـن وطنـه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس‏.‏

واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بأرض الوقف أسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا‏.‏ فأما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 أيام الفرنسيس لأمور نقمها عليه وخلف ولدًا يدعى محمدًا‏.‏ وأما عبد الكريم فإنه مات على فراشه قريبًا من ذلك التاريخ وترك ولدًا يدعى همامًا دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل إلينا من الأسفار‏.‏

وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات ورأيت ابـن عمـه محمـد المذكـور حيـن أتـى إلى مصر بعد ذهاب الفرنسيس وتردد عندي مرارًا وسبحان من يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏


وشيخ العرب الامير همام هو كما ذكرنا بكر الابناء الذكور للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة ... تلك القبائل التى هاجرت إلى مصر من المغرب في عهد الدولة .. الفاطمية وإستقرت في صعيد مصر وتمتعت بقدر هائل من الثروة والنفوذ وسيطر شيوخها على مقاليد الأمور في الصعيد حتى عام 1575 م (893 هـ). وكان مولد رجلنا، الذى آلت إليه زعامة قبائل الهوارة، في فرشوط محافظة قنا سنة 1709 م (1121 هـ) .

وفى الشمال .. في القاهرة .. وبينما كان على بيك الكبير يسعى إلى مشيخة البلاد ويتطلع إلى الإستقلال بها، كان الشيخ همام يعمل على مد سلطانه على ولاية جرجا التى كانت تضم كافة أقاليم الصعيد من المنيا إلى الشلال. ولم تبارح مخيلة على بيك، في سعيه للخلوص بمصر من امبراطورية بنى عثمان أطياف اسلافه العظام من سلاطين المماليك والتى مازالت أعمالهم تنتصب شامخة في قلب القاهرة .. والتى مازالت صور مواكبهم واصوات إحتفالاتهم قائمة لا تبرح ذاكرة المصريين. وهكذا كانت أيضا ذكرى ثوروة الهوارة بزعامة الأمير حصن الدين بن ثعلب (1253 م /651 هـ)، والتى إنتهت باستقلال الصعيد، حية في نفوس الهوارة ومستقرة في وجدان شيخهم همام.

وينجح علي بك الكبير في مسعاه، فلا تهل سنة 1760 م حتى يصبح "عزتلو أمير اللواء على بك" كبيرا للمماليك ويتولى منصب شيخ البلد. ويمضى بعدها في تثبيت مركزه بالتخلص من منافيسه من كبار المماليك من أمثال عبد الرحمن كتخدا وحسين بك كشكش وصالح بك شاهين. وأخذ في تعزيز قوته العسكرية حتى بلغ عدد مماليكه الستة آلاف. ومضى في تكوين التحالفات ونسج المؤامرات للقضاء على كافة القوى المنافسه له. وينتهى على بك من كبار المماليك الذين ينازعونه سلطانه في معركة حاسمة دارت رحالها شمال بنى سويف في سنة 1767 م / 1181 هـ، ليدخل بعد ذلك القاهرة وقد ثبتت أقدامه في "إمارة مصر ورياستها.. وظهر بعد ذلك الظهور التام، وملك الديارالمصرية، والأقطار الحجازية، والبلاد الشامية، وقتل المتمردين وقطع المعاندين، وشتت شمل المنافقين، وخرق القواعد، وخرم العوائد"


وينجح الشيخ همام هو الآخر في مساعيه،فلا تحل سنة 1767 م \ 1181 هـ حتى تصبح كافة أقاليم الصعيد، من المنيا إلى أسوان، تحت سيطرته. ويمضى الرجل قدما في تأسيس شبه دولة. فينشئ الدواوين لإدارة شئون الأراضى الواقعة تحت سيطرته ولرعاية العاملين فيها، ويشكل قوة عسكرية من الهوارة ومن المماليك الفاربن إلى الصعيد فـ "كان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية إنضموا إليه وإنتسبوا إليه وهم عدة وافرة وتزاوجوا وتوالدوا وتخلقوا بأخلاق تلك البلاد ولغاتهم". وتشيع أخبار مجالسه التى كان يعقدها لسماع شكاوى الأهالى ولحل مشاكلهم ... يستوى في ذلك الجميع، الغنى منهم والفقير، لا يستكنف من محادثة أجلافهم فكان "اذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا في قطنة وماء وردا فاذا إقترب منه بعض الأجلاف وتحادثوا معه وإنصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بأنفه حذرا من رائحتهم وصنانهم .وقد أدى النظام الذى وضعه الشيخ همام للأمن والعناية التى كان يبذلها لصيانة الترع والجسور إلى ازدهار الزراعة وتحقيق الرخاء للأهالى".

أنـه لمـا ذهـب محمـد بـك أبو الذهب إلى جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام وجرى بينهما الصلح على أن يكون لهمام من حدود برديس وتم الأمر على ذلك ورجـع محمـد بـك إلـى مصـر أرسـل علـي بـك يقـول له‏:‏ إني أمضيت ذلك بشرط أن تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم أحدًا بدائرتك‏.‏ فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم‏:‏ اذهبوا إلى أسيـوط واملكوهـا قبل كل شيء فإن فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا أمدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا إلى أسيوط فملكوا أسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الأخبار بذلك إلى علي بك


وهكذا كان الصدام بين الرجلين محتوما، فيحشد له على بك الكبير ثلاثة جيوش ويجمع قوادها ويوصيهم قائلا: "إذهبوا إلى أسيوط وإملكوها. وتدور المعركة الفاصلة في يونيو 1769 م (1183 هـ) عند جبانة أسيوط لتسفر عن إنتصار ساحق لجيوش على بك الكبير. وبعدها "أقامو بأسيوط أياما ثم ارتحلوا إلى قبلى بقصد محاربة همام والهوارة. وإجتمع كبار الهوارة مع من إنضم إليهم من الامراء المنهزمين .. فراسل محمد بك ... محمد بك أبو الدهب مملوك على بك الكبير - ليراسل اسماعيل أبو عبد الله ابن عم همام وإستمالته ومناه برياسة البلاد حتى ركن إلى قوله وصدق تهويماته وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب الـى جهـة اسنـا فمات في ( ثامن شعبان من سنة 1183 هـ - 7 ديسمبر 1769 م) ودفن في بلدة تسمى "قمولة"(1) فقضى عليه بها رحمه الله‏.‏ مكمودا مقهورا. ووصل محمد بك ومن معه فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوها واخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربه وأتباعه من ذخائر وأموال وغلال وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كأنها لم تكن "(2)

وخلف من الاولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم‏.‏ ولما مات انكسرت نفوس الامراء ثم ان اكابر الهوارة قدموا ابنه درويشًا لكونه اكبر اخوته واشاروا عليه بمقابلـة محمـد بـك ففعـل‏.‏

وامـا الامـراء فمنهـم مـن اخذ امانًا من محمد بك وقابله وانضم اليه ومنهم من ذهب الى ناحية درنه ونزل البحر وسافر الى الشام والروم ومنهم من انزوى الى الهوارة بالصعيد‏.‏ وحضر درويش صحبة محمد بك الى مصر وقابل علي بك واعطاه بلاد فرشوط ورجـع مكرمـًا الـى بلـاده‏.‏ فلـم يحسـن السيـر ولـم يفلح واول ما بدا ي احكامه انه صار يقبض على خدم ابيه واتباعه ويعاقبهم ويسلب اموالهم وقبض علـى رجـل يسمـى زعيتـر وكيـل البصـل المرتب لمطابخ ابيه فاخذ منه اموالًا عظيمة في عدة ايام ووصلـت اخبـاره بذلـك الـى علـي بـك فعيـن عليـه احمـد كتخـدا وسافر اليه بعدة من الاجناد والمماليك وطالبه بالاموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها الى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في ايام امارته واخذ منه جملة وكذلك اتباعه من بعـده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والاواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لاجـل استخـراج الخبايـا حتـى هدمـوا الـدور والمجالـس ونبشوهـا واخربوهـا وحضر درويش المذكـور باخـرة الـى مصـر جاليـًا عـن وطنـه ولم يزل بها حتى مات كاحاد الناس‏.‏ واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بارض الوقف اسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا‏.‏ فاما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 هـ ايام الفرنسيس لامور نقمها عليه وخلف ولدًا يدعى محمدًا‏.‏ واما عبد الكريم فانه مات على فراشه قريبًا من ذلك التاريخ وترك ولدًا يدعى همامًا دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل الينا من الاسفار‏.‏

ولكن ذكرى شيخ العرب همام بقيت وحفظتها ذاكرة أهل الصعيد وبثوها في كلمات موال حزين يغنونه كلما هيجت مرارة الواقع شوقهم الي عدل همام ويبدأ الموال مناشدا إياه:

قوم ياهمام وإسعى وروح سنار

وإزرع وقوت عيالك

فرشوط قادت عليك نار

والبيه عدى وجالك

وكأنهم في مناشدتهم اياه الذهاب إلى سنار -جنوب الخرطوم بالسودان- يسترجعون ذكريات ماض بعيد .. ذكريات لجوء كهنة آمون منذ اكثر من ألفى وخمسمائة سنة إلى السودان ليضعوا الأساس للدولة نبتا والتى سيكون لملكها بعنخى فضل إنقاذ مصرمن صرعاتها الداخلية وتأسيس الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين (751- 656 ق. م). وتمضى كلمات الموال تتحسر على تدمير "البيت الكبير" ..قصر الأمير همام في فرشوط:

هياك ياباب هياك

بس ضبتك غيروها

تسعين أوضة وشباك

فى تلا يلك كسروها

وتنتهى على أرض الواقع قصة شيخ العرب همام .. تنتهى لتصبح حدثا تضرب به الأمثال .. وتجربة موحية .. ملهمة لمن سيأتى بعدها وينظر متأملا في وقائع التاريخ. فها هو ذا أبو التنوير رفاعة رافع الطهطاوى يشير إليها في كتابه الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريس" (1834 م) قائلا: "ولكن لما كانت الرعية لاتصلح ان تكون حاكمة ومحكومة وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا ما حصل في زمن حكم الهمامية فكانت الصعيد جمهورية إلتزامية" . وقبله يشير إليها في أحاديثه الجنرال يعقوب بن حنا. (3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رحلة البحث عن أمير الصعيد شيخ العرب همام

رغم صعوبة رحلة البحث عن آثار شيخ العرب همام بسبب طول الفترة الزمنية منذ وفاته، فإننا حصلنا على عدد من الوثائق والمعلومات المهمة التى مُهرت بختمه أو التى كتبت بخط يده، وكذلك آثار متبقية في عدد من الأماكن منها ما هو مسجل كأثر ومنها مسجده ومنها ما هو مهمل كالقلعة الحربية أو «دارة همام» الموجودة جنوب فرشوط بمنطقة العركى»، التى كان يتم فيها تدريب جنود القبائل العربية التى انضمت لقوات شيخ العرب بموجب التحالف الذى حدث بين القبائل العربية في الصعيد لمواجهة قوات المماليك.

البداية كانت من قرية «قموله» أو «قامولا» أو «كموله» بمركز نقادة جنوب مدينة قنا، التى جاء ذكرها في كتابات الجبرتى، ولويس عوض ورفاعة الطهطاوى والحملة الفرنسية، باعتبارها البلدة التى دفن فيها شيخ العرب بعد وفاته في قرية «كيمان المطاعنة» بناحية إسنا التى عاش فيها أيامه الأخيرة، وعلى مدخل القرية سألنا أصحاب المحال وشوادر الخضر والفاكهة عن مقبرة الشيخ همام، لكنهم أجمعوا أنهم لا يعرفون شيخا بهذا الاسم في قريتهم له مقام أو مقبرة، ونصحوا بأن نتوجه إلى الشيخ أحمد على حفنى خادم جبانة سيدى أحمد العزب في نجع الجوالس، التابع لنجع البركة، لأنه الشخص الأكثر دراية ومعرفة بالمقابر والأضرحة.

وعلى بعد ٣ كيلومترات من القرية وصلنا الى نجع الجوالس، فلما وصلنا وجدنا الجبانة تحتوى على عدد كبير من القباب القديمة المبنية بالطوب اللبن، بعضها متهدم والبعض الآخر لا يزال يناطح الزمان، ودخلنا الساحة، وسألنا الشيخ عن حقيقة ما إذا كان شيخ العرب همام ابن يوسف مدفونا في هذه الجبانة أم لا؟ فقال نعم الشيخ همام ابن يوسف أحمد شيخ العرب عظيم بلاد الصعيد الولى التقى مدفون مع ٤٤ وليا في هذه الجبانة التى بنيت في العهد الفاطمى، وإن القبر الذى دفن فيه بناه جدى محمد الجالس لنفسه، لكن دفن فيه شيخ العرب همام، بعد أن تم نقل جثمانه من بلاد المطاعنة التى مات فيها، وإن المقبرة كانت لها قبة من أجمل القباب في الجبانة، لكنها هدمت في السيول التى اجتاحت البلاد عام ١٩٩٢، كما هدم الجدار البحرى من المقبرة، وقام الأهالى ببناء جزء منه على قدر استطاعتهم، أما أحفاد الشيخ همام فقد أتوا باللوحة الرخامية المكتوب عليها تاريخ وفاة الشيخ قبل شهور.

أما عبدالحكيم كمال خليل، مهندس بأملاك الدولة بقنا من نجع البركة غرب قامولا، من أحفاد الشيخ أحمد العزب ابن الشيخ محمد الجالس قال: إن نهاية شيخ العرب «همام باشا» كما نطلق عليه قصة رائعة كان يرددها الشيخ أحمد العزب نقلا عن جده محمد الجالس، هذه القصة تقول إن شيخ العرب همام عندما علم أن المماليك انتصروا على أنصاره في أسيوط سوف يتجهون للقضاء عليه شخصيا، كما كانت عادتهم، فلا يكتمل نصرهم إلا بموت القائد، فآثر ترك فرشوط وامتطى صهوة جواده لمدة ٣ أيام كاملة، وصل بعدها إلى بلاد المطاعنة وعاش فيها ٤ أربعة أشهر، إلى أن وافته المنية عام ١٧٦٩ في قرية كيمان المطاعنة، فحدث جدل على المكان الذى يجب أن يدفن فيه، فأصدقاءه من عربان المطاعنة رأوا أنهم أحق بأن يدفن بينهم لأنه اختارهم ولجأ لهم دون بقية الناس بعد «الكسرة» أو الهزيمة، أما أهله من الهمامية، الذين جاءوا بعده إلى المطاعنة، وفى مقدمتهم ابنه الأصغر عبدالكريم، أصروا على أن يدفن في بلدهم وعاصمة حكمه «فرشوط».

وقال إن أهله وأبناءه انتصروا لوجهة نظرهم فلم يبق أمام عربان المطاعنة إلا أن يطلبوا أن يتولوا تغسيل وتكفين شيخ العرب في كفن يليق به، وأعدوا له جنازة كبيرة نقلت الجثمان على الأكتاف وسط حشود كبيرة من قرية كيمان المطاعنة إلى نهر النيل، تمهيدا لنقل الجثمان في المركب الذهبية الخاص بالشيخ همام الذى كان يرسو في النيل قبالة قرية الكيمان، التى جاء بها أتباعه، وبدأ المركب الذهبى حاملا الجثمان وأهله وعددا من عربان المطاعنة في الاتجاه شمالا عبر النيل، قاصدا فرشوط، فيما خرج أهالى الصعيد من إسناً جنوباً إلى فرشوط شمالاً رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً يرتدون الملابس السوداء على شاطئى النيل لوداع شيخ العرب، وإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه.

لكن المشيئة الإلهية كان لها ترتيب آخر وحدث ما لم يكن في الحسبان، فقد تعطل المركب قبالة قرية قامولا بعد مسيرة يومين وليلة، ووجد الموكب النهرى صعوبة في السير شمالا فتدخل بعض الواقفين على الشاطئ الغربى لنهر النيل، وكان ضمنهم الشيخ محمد الجالس وهو من أصدقاء شيخ العرب، الذى قال إن «كرامة الميت دفنه» وأن إصرار أهله على دفنه في فرشوط التى تحتاج إلى يومين للوصول إليها سيؤدى إلى تحلل الجثمان وهو شىء غير مستحب، لذا كان لابد من دفنه بسرعة لأن وفاته مر عليها يومان وقال إنه أعد قبرا لنفسه ليدفن فيه بعد موته لكنه مستعد للتنازل عنه لشيخ العرب وأنه قبر يليق به لكن بعد محاولات فاشلة لتسيير المركب وافق أهله على طرح الشيخ محمد الجالس، وتم دفن شيخ العرب همام بنجع الجالس بقرية قامولا مركز نقادة.

وانتقلنا إلى قرية كيمان المطاعنة بمركز إسنا، التى تردد، أن شيخ العرب مات ودفن فيها، وعلى مدخل القرية سألنا السكان والباعة عن قبر الشيخ همام فأجابوا أنه موجود في حوض زراعى يسمى حوض الشيخ همام، مساحته نحو٨٠ فداناً شرق القرية، لكن بعضهم قال إنه «همام الفرشوطى» الذى هرب من المماليك واحتمى ولاذ بأجدادنا منذ ٢٥٠ سنة.

والتقينا الشيخ عمر أحمد محمود عمر تركى، الذى يمتلك وثائق عن حياة شيخ العرب همام وقال: هناك روايتان عن مقبرة الجناب الأجل الشيخ همام، الأولى تؤكد أنه دفن في كيمان المطاعنة في الضريح الموجود في الجهة الشرقية للقرية داخل الحوض الزراعى المسمى باسمه «حوض الشيخ همام»، وأن هذا الضريح تم بناؤه عقب وفاته مباشرة ليدفن فيه لكن ذلك لم يحدث لإصرار أهله على دفنه في فرشوط التى تبعد عن كيمان المطاعنة بنحو٢٤٠ كيلو وتعذر عليهم نقله بسبب عدم وجود وسائل نقل سريعة.

وقال: إنه وفقا للوثائق التى لا تزال باقية، فإن همام شيخ العرب بعد هزيمته من المماليك، اتجه إلى المطاعنة وعاش بها مدة تقترب من ٥ أشهر قضاها في دواوين أصدقائه، وهم الشيخ عمر تركى والشيخ حسن سليم اللملومى، اللذان كانا يقيمان في قرية أصفون المطاعنة، أما في قرية كيمان المطاعنة التى مات فيها فكان يقيم عند الشيخ محمد معمر القاضى، وأيضا عند الشيخ الشافعى عسكر والشيخ حسن سعد صالح، وعلى حمد تميم من قرية طفنيس، وكانت العائلات تتصارع فيما بينها لتنال شرف الحصول على وقت لضيافة عالى المقام الجناب الأعظم شيخ العرب همام، كما أن إقامته لم تكن على الدوام استضافة من عربان المطاعنة بل كان يتكفل بحاشيته التى جاءت بعده ولا يزال أحفادها باقين فيها حتى الآن.

وأوضح الشيخ عمر أنه وفقا لكتابات المؤرخين، عن الأيام الأخيرة في حياة شيخ العرب همام وموته، فإنها تذكر أنه مات في ناحية إسنا ودفن في قرية قامولا ومابين إسنا قامولا مسافات كبيرة لكن تحليلياً في ضوء انتفاء وندرة الأدلة والوثائق فإن رواية أهل قمولا أقرب إلى الواقع، وقد يكون الشيخ مات بالفعل في كيمان المطاعنة وحاول أهله دفنه في فرشوط مسقط رأسه، مستخدمين المركب الذهبى في نقله لكنه تعطل أمام قرية نقادة وتم دفنه فيها.


المراجع

  • قموله - قرية قديمه - اسمها القبطي ( Kamouli) - وهي أحدى قري مركز قوص - محافظة قنا
  • قراءة في وضوح البداهة - تأليف : د. السيد نصر الدين السيد (السيد نصر الدين السيد أستاذ إدارة المعرفة بجامعة كونكوريا بكندا،).
  • عجائب الآثار في التراجم والأخبار - عن طبعة بولاق - تأليف عبد الرحمن بن حسن الجبرتي - تحقيق الاستاذ الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم - تقديم الأستاذ الدكتور عبد العظيم رمضان - الجزء الأول - مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة - سنة 1997 م - صـ (526 ,528. 538 , 539,540)
  • الصعيد في عهد شيخ العرب همام - د/ ليلى عبد اللطيف احمد

انظر أيضا

المصادر