بعد 11 سنة، السيسي يعترف بدور خارجي في اختفاء الغاز فجأة

منذ سنة 1998 وحتى عام 2010، كانت وزارة البترول تنشر تقريراً سنوياً من بيت الخبرة والتدقيق العالمي وود مكنزي، يفيد أن الاحتياطي المؤكد من الغاز في مصر يكفي احتياجات وصادرات مصر لمدة 30 عام.

تطور الاحتياطي المؤكد (أعلى) والاستهلاك المحلي (أسفل) من الغاز الطبيعي في مصر.
الاحتياطي المؤكد المدقَق يكفي احتياجات مصر لمدة 30 عام. وفي لحظة تبخر وأصبحت مصر تتسول الغاز. كيف؟

وحسب الإحصائية (المرفقة) للاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي بمصر التي نشرتها وزارة البترول في 2010 (والموثقة من بيت الخبرة وود ماكنزي) فإن الاحتياطي المؤكد في 2008 كان 2,152 مليار متر مكعب. وحسب إحصائية من الوزارة (في نفس المرفق) فإن معدل استهلاك مصر من الغاز الطبيعي هو 56 مليار متر مكعب في 2008، ومن تصريحات وزراء البترول المتعاقبين فإن ذلك الاستهلاك لم يتغير تقريبا حتى 2013. فبافتراض أن مصر لم تنتج أي غاز على الاطلاق منذ 2008 (وهو غير صحيح)، فإن الاحتياطي المؤكد كفيل بتلبية احتياجات مصر لنحو 30 سنة. وكانت الدولة المصرية تستخدم هذا التقرير السنوي للاقتراض بموجبه.

في 11 فبراير 2011، أطيح بالرئيس حسني مبارك. وفي يونيو 2011 بدأت مصر اتصالات حثيثة محمومة للحصول هبات من الغاز القطري والنفط السعودي. وبلغ الأمر في أكتوبر 2013، أن صرح وزير الطاقة الإسرائيلي، سيلفان شالوم أن مصر طلبت استيراد الغاز من إسرائيل.

فبدأت منذ نهاية 2012 في التغريد أن النضوب المفاجئ لا يمكن أن يحدث إلا بإغلاق محابس.

لارتباط قضية النضوب المفاجئ للغاز بمعركة ترسيم الحدود البحرية التي كنت أخوضها، فقد قمت أيضاً بإثارة التساؤل كيف يختفي انتاج مصر من الغاز بين عشية وضحاها. وقلت أن ذلك مستحيل أن يحدث بشكل طبيعي. وأن التفسير الوحيد هو أن أطرافاً ما قامت بإقفال محابس آبار الغاز.

وفي نوفمبر 2012، دعيت إلى لقاء في وزارة البترول مع 40 لواء جيش ومخابرات زائد 40 مسئول بوزارة البترول برئاسة وزارة البترول آنذاك، والمسئولين اللذين توليا الوزارة بعده. ونائب رئيس شركة شل. وأصررت أن هناك من أصدر أوامر إلى الشركات الأجنبية بإقفال المحابس. الدولة المصرية تضع شركات البترول الأجنبية في موضع القداسة، وتعادي من يسائل تلك الشركات عن تصرفاتها. فاختلفنا دون اتفاق.

وبعد 11 سنة، من النضوب المفاجئ للغاز، والذي لم نتعافى بالكامل منه بعد، إذ مازلنا نستورد 3.5 مليار $ سنويا. شاهدوا ما قاله الرئيس السيسي بالأمس في معرض بترول مصر 2022.

الرئيس السيسي يخاطب جهات أقفلت حقول الغاز في مصر. "انت بتحرمني من الغاز المتاح لي في أرضي. ولما جت الفرصة عندي، تقول لي: لأ ، ما تِطلّعش بقى."

لاحظ إن السيسي لا يعترض على حرمان مصر من حق استخراج الغاز، ولكنه يطالب بالحصول على مال/معونة/صدقة.

ليس في إمكان الرئيس المصري فعل شيء. فالمصريون ليست لديهم حتى إحداثيات المحابس، وليس لديهم مجرد القدرة على الوصول لتلك المحابس على أعماق هائلة تحت الماء، بتأكيد من وزيريْ بترول. ليس لديك سيادة على ثرواتك ومياهك، وهذا هو لب المشكلة.

تعليق نايل الشافعي:

هذا ما أقوله منذ 2011، أن الخارج أقفل محابس آبار الغاز في مصر في ٢٠١١. ولهذا تعاديني الدولة، وكذبني ثلاث وزراء بترول متتالون (أكيد لا ينطقون عن الهوى) واتهموني بأن كلامي هو السبب في طفشان شركات البترول من مزادات امتيازات التنقيب. والآن بعد 11 سنة في الحكم (بدرجة أو أخرى)، السيسي بدأ يؤكد بعض ما أقوله منذ ٢٠١١، ولكن بدون مطالبة بممارسة السيادة على ثرواتنا.

كلامي عن عدم دراية مصر بثرواتها وانعدام سيطرتها/سيادتها على مقدراتها يسري على كافة الدول العربية، وبشكل أكثر فداحة من مصر.

وما أن قمت بتغريد تلك الكلمات البارحة بعد الاستماع لحديث الرئيس، حتى لفت الأصدقاء نظري إلى أن الإعلامي الكبير عمرو أديب يرد كل كل جملة في تغريداتي اليوم عن الموضوع. محاولاً إقناع الجمهور أن الرئيس لم يقصد ما قال، بل يجب علينا أن نستمع لتفسير الأستاذ عمرو أديب:




في التسعينيات شهدت مصر سلسلة تطوير لحقول غاز في شمال الدلتا حول حقل أبو ماضي في بلقاس، الدقهلية، جلبت ثروة غازية، مكنت من إحلال الغاز محل النفط المتناقص في محطات توليد الكهرباء. وفي نهاية التسعينات امتدت الاكتشافات الغازية إلى مروحة النيل، التي هي المياه الضحلة المقابلة للدلتا.

في عام 2005، كان هناك فائضاً كبيراً في انتاج مصر من الغاز الطبيعي، فبالاضافة للغاز الذي كانت تصدره مصر دون إسالة إلى إسرائيل والأردن، فقد أنشأت شركة هاليبرتون الأمريكية مصر في ذلك العام محطتين لإسالة الغاز الطبيعي لتصديره: المصرية الإسپانية للغاز في دمياط بتكلفة 1.3 مليار دولار؛ والشركة المصرية لإسالة وتصدير الغاز في إدكو، بتكلفة 2 مليار دولار. وفي نهاية 2005، كانت مصر تتبوأ المركز الثالث عشر بين أكبر منتجي الغاز المسال في العالم، وباحتياطي مؤكد ذلك العام قدرته وزارة البترول بنحو 1931 مليار م³. إلا أن الخبير النفطي الدكتور ابراهيم زهران ظل يحذر أن معملي الإسالة أنشِئا بالرغم من عدم وجود أي فائض من انتاج مصر من الغاز وأن وزارة البترول اضطرت في عام 2006، لتخفيض نسبة استهلاك محطات الكهرباء من الغاز من 98% إلى 38%، لكي توفر الغاز لمعملي الإسالة.

حجم الاكتشافات، في عام 1998، شجع رئيس شركة هاليبرتون العالمية ديك تشيني إلى إنشاء محطتي إسالة غاز في إدكو ودمياط لتصدير الغاز المسال، بالرغم من اعتراضات محلية أن انتاج مصر آنذاك لم يكن ليكفي لتلبية متطلبات توليد الكهرباء، زائد توريد الغاز المطلوب لتشغيل محطتي الإسالة بكامل قدراتهما. في 2001 و 2002 توسعت الاكتشافات الغازية إلى المياه العميقة بالبحر المتوسط، التي سميت "امتياز نيميد". واكتشفت شركة شل فيه آباراً واعدة وصفتها بأنها تغير خريطة الغاز في الإقليم، متوقعة انتاج غاز يناهز 10 مليار دولار سنوياً بحلول 2005. في 17 فبراير 2003، توقّع مصر ترسيماً لحدودها مع قبرص، تتنازل بموجبه عن شريطاً بحرياً يناهز 16% من مياهها بالبحر المتوسط. وكان ضمن ذلك التنازل الآبار الواعدة. شل تتوقف عن العمل في امتياز نيميد. في خريف 2010، إسرائيل وقبرص يعلنا اكتشاف حقلي غاز هائلين متلاصقين، لفياثان وأفروديت، مع توقع أن ينتج كل منهما نحو 10 مليار دولار سنوياً.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش