المعاهدة الثلاثية (1906)

المعاهدة الثلاثية Tripartite Treaty (في 13 ديسمبر 1906) هي معاهدة لتحديد مناطق النفوذ لكل من المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا في إثيوبيا. وقد تم الاتفاق عليها في 4 يوليو سنة 1906. وكان السبب ورا اتفاقهم ازدياد الوجود الألماني في البلاد وعرض حكومة ألمانيا على الامبراطور تمويل مشروع السكك الحديدية وبنائها بدلا من فرنسا. وبالرغم من أن منليك أعلن رفضه الاعتراف بهذه المعاهدة فان الموقعين عليها لم يهتموا بذلك واعتبروها ملزمة لهم، وأصبحت سارية بعد توقيعها النهائي في 13 ديسمبر سنة 1906.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موقف مصر من المعاهدة الثلاثية (1906)

يعود التفكير في أن تتخذ الدول الثلاث (إنجلترا، فرنسا، ايطاليا) عملا مشتركا ازاء أثيوبيا الى منتصف سنة 1902، أي الى وقت توقيع المعاهدة البريطانية الاثيوبية في 15 مايو سنة 1902. وكان هذا العمل المشترك كما صرح مارتيني حاكم مستعمرة إرتريا الإيطالية هو مساعده واختيار من يخلف منليك على عرش أثيوبيا (66). على أن بريطانيا خافت في ذلك الوقت من أن تنجح فرنسا في تعيين مرشحها أو قد يؤدي هذا العمل الى تقسيم أثيوبيا وبالتالي تهديد مصالح بريطانيا ومصر معا (67). وتلا ذلك أن دخلت الدول الثلاث الأوروبية في مفاوضات، اشترك فيها لورد كرومر معتمد بريطانيا في مصر، الذي حرص في هذه المفاوضات على الحفاظ على حقوق مصر وبريطانيا في منابع النيل الأثيوبية وصيانة وحدة أثيوبيا وتحديد محدود غربية لنفوذ فرنسا السياسي في أثيوبيا (68).

وظلت المفاوضات جارية بين الدول الثلاث بشأن تحديد مناطق النفوذ لكل منها في أثيوبيا حتى 4 يوليو سنة 1906 عندما تم الاتفاق بينهما على توقيع ما عرف بالمعاهدة الثلاثية. وكان السبب ورا اتفاقهم ازدياد الوجود الألماني في البلاد وعرض حكومة ألمانيا على الامبراطور تمويل مشروع السكك الحديدية وبنائها بدلا من فرنسا (69). وبالرغم من أن منليك أعلن رفضه الاعتراف بهذه المعاهدة فان الموقعين عليها لم يهتموا بذلك واعتبروها ملزمة لهم، وأصبحت سارية بعد توقيعها النهائي في 13 ديسمبر سنة 1906 (70).

وبموجب هذا المعاهدة ، قسمت أثيوبيا الى ثلاث مناطق نفوذ للدول الثلاث، فكانت المنطقة البريطانية تشمل اقليم بحيرة تسانا وحوض النيل الأزرق، والمنطقة الفرنسية تشمل الخط الحديدي الممتد من أديس أبابا إلى جيبوتي، والمنطقة الايطالية عبارة عن شقة من الارض تربط الصومال الإيطالي بإريتريا (71). وجاء في المادة الرابعة من هذه المعاهدة أنه اذا حدث اضطراب يؤدي الى انقلاب فعلى الدول الثلاث أن تسعى جهدها في الاحتفاظ بوحدة البلاد الأثيوبية، وان تتداول في سلمة وضمان ثلاثة أشياء، الشئ الأول مصالح بريطانيا ومصر في وادي النيل ولاسيما ما يختص بمجرى مياهه، والثاني مصالح ايطاليا في السودان وبنادر وغيرها من المستعمرات والمرافق، والثالث مصالح فرنسا في سواحل الصومال والخط الحديدي بين جيبوتي – أديس أبابا والعمل عليه. أما المادة الأخيرة فتمنع من أن تصنح احدى هذه الدول نظاما يضر بمصالح الدولتين الأخيرتين (72). بعبارة أخرى أن منطقة نفوذ دولة أصبحت محرمة على الأخيرتين ومعترفا بها منهما اعترافا مطلقا.

ويلاحظ في هذه المعاهدة أن بريطانيا تجاهلت مصر مرة أخرى في التوقيع عليها مثلما تجاهلتها في معاهدة سنة 1902، مع أن مصر تهتم هي الأخرى باستقرار الحالة السياسية في أثيوبيا وذلك حرصا على مصالحها في وادي النيل. وحدودها المشتركة في السودان مع أثيوبيا، والتي ستتأثر بالطبع في حالة حدوث الاضطرابات الداخلية فيها، ويلاحظ أيضا أن توقيع الدولتين الأخريتين (فرنسا وايطاليا) على المعاهدة هو اعتراف منهما باحتلال بريطانيا لمصر لأنه كما جاء في المادة الرابعة ما معناه أن مصالح مصر وبريطانيا واحدة وأن توقيع الأخيرة على المعاهدة يعني أنها صاحبة السيادة على الأولى. ويلاحظ كذلك أن هذه المعاهدة لم يكن هدفها حماية أثيوبيا ووحدتها وانما هو تقسيمها الى مناطق نفوذ فيما بينهم وذلك لتلافي الخطر الذي قد ينجم عن تصادم المصالح بين الدول الثلاث في حالة انهيار البلاد وهي الحالة المنتظرة بعد وفاة الراس ماكونين ومرض منليك وعدم وجود الشخصية القوية التي يمكن أن تسيطر على هذه الحالة (73)ز

ولقد أدركت مصر هذه الحقيقة، بالرغم من أنها تعتبر اعترافا ضمنيا من هذه الدول باحتلال بريطانيا لها، وضرورة الاشتراك في كل ما يتعلق بحقوقها في منابع النيل الأثيوبية، فلم تعترض على هذه المعاهدة ولم تطلب التوقيع علهيا (74). وربما اعتقدت أن هذه المعاهدة لن يكون لها نتائج مؤثرة بل هي تحافظ على الأوضاع المستقرة بعد سنة 1902 وتعترف بها الدول الثلاث الموقعة عليها، هذا بالاضافة الى أن أثيوبيا لم توقع عليها وبالتالي فهذه المعاهدة كانت عبارة عن خطة عمل وضعتها الدول الثلاث المتنافسة حتى لا تتضارب مصالحها وكذلك حتى لا تجعل أحدا يشاركها فيها (75). ولذلك فان رد الفعل في مصر لهذه المعاهدة لم يكن مماثلا لما حدث عقب توقيع المعاهدة سنة 1902 عند الخديوي أو حكومته وانما اثارت في الراي العام المصري القلق على استقلال أثيوبيا من أن تكون هذه المعاهدة بداية مستترة لتقسيمها وابتلاعها وذلك بالرغم من معرفته بأنها لحفظ استقلال ووحدة أثيوبيا (76). وفي هذا دليل على ما يكنه الرأي العام المصري من مشاعر طيبة نحو هذه البلاد واهتمام بتطور الأمور فيها أو خارجها.

والاواقع أن شعب مصر كان يهتم اهتماما كبيرا باثيوبيا وعلاقته بها وبتطورات أحداثها وبصحة عاهلها وتنازله عن العرش لولي عهده لدج ياسو واثر ذلك على الحدود الشرقية للسودان، مما أدى الى تدعيم هذه المناطق خوفا من تأثرها بوفاة منليك واضطراب الحالة السياسية في البلاد وانعكاسها على هذه الحدود (77). وكان هناك اعتقاد في مصر ان وفاة منليك سوف تؤدي الى نشوب حرب أهلية شاملة بين الامبرطورة طايطو وبين ولي العهد. تضطر بسببها الدول المجاورة لأثيوبيا وهي مصر وفرنسا وانجلترا وايطاليا التي لها أملاك على حدودها الى التدخل بارسال حملة قوية من السودان الى حدود أثيوبيا للمحافظة على الحدود والنيل أو أن يقوموا بأي عمل آخر تقضيه الطوارئ المتوقعه فان خزينة مصر هي التي تدفع المال جريا على العادة. على أن شيئا من هذا لم يحدث لأن الأوضاع السياسية في أثيوبيا في ذلك الوقت قد استقرت الى حين لولي العهد والوصي تساما، ونفيت الامبراطورة الى أحد الأديرة تمضي فيه بقية حياتها (78).

ولقد استمرت العلاقات الطيبة بين مصر وأثيوبيا ، وذلك بالرغم من الاضطرابات السياسية الداخلية التي كانت تمر بها وكانت بين لدج باسو وزعماء شوا، لأنها لم تفكر في أن تنصر أحدهما على الآخر، بل ظلت تقوم بدورها الحضاري فكانت تستقبل وترحب بالوفود الأثيوبية القادمة اليها سواء للزيارة أو العلاج، كما أن الخديوي انعم على حنا صليب مدير البعثة التعليمية المصرية في أثيوبيا برتبة البكوية تقديرا لما يقوم به من أعمال قيمة يرفع بها قدر مصر والمصريين في هذه البلاد (79) كذلك أنهم لدج باسو بالأوسمة على بعض رجال الدولة المصريين مثل سعيد ذو الفقار باشا كبير أمناء السلطان حسين كامل سلطان مصر وقليني فهمي باشا (80). وكان هناك اتجاه أن يقوم لدج باسو بزيارة مصر هو ووالده الملك ميخائيل وذلك بعد التتويج الرسمي له امبراطورا على أثيوبيا. وسيكون في حالة اتمام هذه الزيارة، في استقباله سلطان مصر ونائب الملك البريطاني لأن مص وقتها كانت محمية بريطانية بسبب الحرب العالمية الأولى التي منع نشوبها وصول لدج باسو الى مصر كما حالت دون تتويجه وبالتالي دعوة سلطان مصر الى حضور حفل التتويج حيث كان من ضمن المدعوين اليها (81).

ومما ساعد على استمرار العلاقات الطيبة بين البلدين، أن الأثيوبيين نظروا الى مصر نظرة دينية بحتة لم يربطوا بينها وبين الأمور السياسية، وان مصر المحتلة من بريطانيا لا حول لها ولا قوة، وانها لن تنفعهم أو تضرهم سياسيا لانها خاضعة في علاقاتها الخارجية لبريطانيا وما دامت الأخيرة على علاقة طيبة مع حكام أثيوبيا فهي أيضا طيبة مع مصر، والدليل على ذلك أن الملك ميخائيل أرسل وفدا دينيا الى البطريرك في مصر بهدف الحصول على تأييده لاستغلال ذلك ضد مناوئيه ومناوئي ابنه لدج باسو (82).

الواقع أنه يمكن القول أن العلاقات السياسية بين البلدين منذ سنة 1902 وحتى استقلال مصر الرسمي في سنة 1922، لم تكن قوية متطورة مثلما كانت في القرن التاسع عشرن وساعد على ذلك الاضطرابات التي عمت أثيوبيا ونشوب الحرب العالمية الأولى وانشغال مصر بثورتها في سنة 1919 وصراعها مع بريطانيا للحصول على استقلالها، على أن العلاقات السياسية بين البلدين اتخذت شكلا جديدا بعد سنة 1922 يختلف كثيرا في مظاهره عن الفترة السابقة لهذا التاريخ.


انظر أيضاً

الهامش