ادراك النبات

ادراك أو ذكاء النبات

بقلم د.إيهاب عبد الرحيم محمد

عادة ما ننظر إلى النباتات ككائنات ذات قدرات محدودة للغاية، فنحن نعتقد عموما بأن الحيوانات وحدها هي القادرة على أن ترى، وتتحرك، وتحس، وتتذوق العالم المحيط بها… وأغلبنا ينظر بعين الشك إلى أولئك الذين يدّعون أن التحدث إلى نباتاتهم المنزلية يجعلها تنمو بسرعة أكبر… لكن الأبحاث الحديثة تظهر لنا صورة مختلفة تماما للنبات، فمن المعتقد الآن أن النباتات تمتلك بعض القدرة على أن ترى، وتحس، وتتذوق ما يجري حولها!

ويعتقد بعض الباحثين أن هذه القدرات تشكل الأساس لنوع جديد من الذكاء،ويعتقدون أن الفرق الحقيقي الوحيد بين أفراد المملكة الحيوانية وبين النباتات هو عدم قدرة أفراد المملكة الأخيرة على الحركة. وقد اعتدنا على الحكم على الذكاء من خلال الأفعال ؛ فما نفعله وما نقوله هو ما يدل على ما يحدث داخل عقولنا. ولذلك فإن النباتات، نظرا لكونها صامتة وثابتة في موضعها، لا تبدو ذكية بهذا المنطق. لكنها في الواقع تتحرك وتتفاعل مع العالم المحيط بها – وهي تفعل ذلك بطرق ذكية!

ويمكن للنباتات أن تستوعب المعلومات، وتحسب العواقب، وتستجيب للعالم حولها من خلال سلسلة معقدة من سبل إرسال الإشارات الجزيئية تشبه بصورة مدهشة تلك الموجودة في عقولنا البشرية! ومن المثير معرفة أن القدرات الحسابية للنباتات تصل في جودتها إلى مثيلاتها في الكثير من الأنواع الحيوانية. ومن الحقيقي أن النباتات تمتلك أحاسيس خاصة بها ؛ فيمكنها اكتشاف والاستجابة للضوء، والأصوات، والكيماويات، والاهتزازات، واللمس ، ناهيك عن الماء، والجاذبية، والحرارة. وتتمثل استجابتها عادة في تغيير نمط نموها ، ولكن بطريقة أكثر تنوعا وتعقيدا مما يمكنك أن تتخيل!

أظهرت الدراسات التي أجريت في معهد كارنيجي أن النباتات يمكنها اكتشاف الأطوال الموجية wavelengths المختلفة، وأنها تستخدم الألوان للتعرف على طبيعة البيئة المحيطة بها. وعندما يوجد نبات صغير في ظل نبات ضخم، نجد الأول تنمو براعمه للأعلى مباشرة، عوضا عن أن تتفرع له أغصان، كما أشارت الأبحاث إلى أن النباتات تفرّق بين الليل والنهار، فهناك مسام خاصة في أوراق النباتات تنفتح في النهار لتسمح بعملية التمثيل الضوئي، وتغلق أثناء الليل لتقليل الفقد في المياه.

وخلال السنوات القليلة الماضية، ازداد عدد علماء النبات والبيئة الذين يستخدمون ألفاظا مثل "البحث عن الغذاء" foraging، و"التنافس"،و"التخفي من الضواري" predator evasion، عندما يتحدثون عن النباتات. ويقول علماء النبات أنهم يستخدمون مصطلح "سلوك النبات" بصورة روتينية في الوقت الحاضر، فالنباتات أبعد ما تكون عن كونها كائنات سلبية. فمثلها مثل الحيوانات، تستجيب النباتات للتلميحات الصادرة من البيئة المحيطة بها. فالنباتات تستجيب للأشعة فوق البنفسجية عن طريق إفراز مادة تعمل كحاجب للشمس، بحيث تقيها من أشعة الشمس الحارقة. وتمثل هذه الاستجابات نوعا من "الرؤية"- باستجابتها للضوء وقدرتها على التفريق بين الأطوال الموجية المختلفة.

ويرى أغلب العلماء هذه الاستجابات على أنها نواتج انعكاسية محددة مسبقا predetermined : أي النتيجة الرائعة لملايين السنين من التكيف التطوري ، لكن البعض يرون أنها استجابات مرنة ومتكيفة ، فالمرونة في نظرهم ما هي إلا بصيرة نافذة. فالنباتات تضبط نموها وتطورها للوصول بلياقتها في بيئة متغيرة إلى الحد الأقصى ، وهو ما يتوافق تماما مع تعريف الذكاء الذي وضعه ديفيد ستينهاوس Stenhouse ، وهو فيلسوف وعالم نفس من نيوزيلندا ألف كتابا في سبعينيات القرن العشرين عن تطور الذكاء. وقد تحدث عن الذكاء على أنه "سلوك تكيفي متغير خلال فترة حياة الفرد" ؛ وبالتالي فالاستجابات الذكية ليست مجرد عمليات تكيف على سلم زمني تطوري ، كما أنها أكثر من بضع استجابات محددة مسبقا ويمكن التنبؤ بها. وإذا افترضنا صحة هذا التعريف، يعتقد بعض العلماء، ومنهم تريوافاس، أن جميع النباتات لديها نوع من السلوك الذكي.

وفي البداية، يدعي الباحثون من جامعة إدنبره أن النباتات بوسعها التنبؤ بالمشكلات المستقبلية، ومن ثم اتخاذ القرارات التي من شأنها تجنب التعرض لها! …ويعلم علماء النبات منذ زمن أن البراعم النامية يمكنها استشعار النباتات المحيطة بها . وتقوم الأوراق الخضراء للنباتات بامتصاص الضوء الأحمر لكنها تعكس الأشعة دون الحمراء ، ويمكن للنباتات إدراك التغير في نسبة الضوء الأحمر إلى الأشعة دون الحمراء، والتي تشير لوجود نباتات خضراء مجاورة. ويقول العلماء أن النباتات تتوقع نتائج مثل هذا الوجود ، ومن ثم تتعرف على أكثر المواقع المحيطة بها احتمالا لأن تواجه منافسة في المستقبل، ثم تتخذ إجراءات للمراوغة إذا لزم الأمر. وهنا يقوم النبات بتغيير شكله بالكامل ، وعدد وشكل أغصانه ، بالإضافة إلى تركيب جذعه للحصول على أفضل وضع ممكن في مواجهة الشمس. وبرغم أن ذلك لا يماثل تماما عمل العقل الموجه لمشروع بشري، لكنها استجابة تكيفية متغيرة تؤدي الغرض ذاته.

ويمكن للنباتات أيضا أن تقوم بأفعال اجتنابية كبرى ؛ فعلى سبيل المثال، تمتلك النخلة المرتكزة stilt palm جذعا مرتفعا على جذور داعمة ، بحيث ترتفع فوق التربة ؛ وعندما تتعدى النباتات المجاورة على حصتها من الضوء أو المواد المغذية، تتخذ فعل مراوغة واضحا للغاية – إذ تتحرك النخلة بكاملها تجاه أقصى اتجاه لضوء الشمس عن طريق نمو جذور داعمة جديدة باتجاه الجانب المشمس ، بينما تذوي تلك الجذور الموجودة ناحية الظل وتموت. وهو سلوك متعمد في غاية الوضوح، ومن المؤكد أنه فعل تكيفي ، فهل يعد ذلك علامة أخرى على الذكاء؟

وليس من المدهش معرفة أن كثيرين لا يعتقدون ذلك! ومع ذلك ، فاستجابات النباتات تشبه أفعالنا الانعكاسية reflex actions ، أو الغريزية ، أو مخاوفنا الفطرية ؛ فعندما تزيد معدلات نمو نبات ما ليصبح أطول من النباتات المجاورة لأنه "يراها" ، أو عندما يقبل بخفض معدلات نموه للتعامل مع إشارات متضاربة مثل تذبذبات الرياح، والتي تؤدي عادة لإيقاف نمو النبات كلية ، والأشعة دون الحمراء – والتي عادة تحفز نموه، يبدو النبات عندها كمتخذ ماهر للقرارات المعقدة ، لكنها – برغم ذلك- لا تعدو كونها مجرد استجابات صماء مبرمجة مسبقا.

ويعترض تريفاواس مرة أخرى، فهو يرى أن العديد من النباتات تُظهر مرونة سلوكية تتخطى كونها مجرد أفعال انعكاسية أو برمجة مسبقة ؛ فالجذور بوسعها أن تتبع مدروجات gradients المعادن أو الرطوبة في التربة ، لكنها لا تتبع دائما السبيل المباشر –والبسيط-لذلك ؛ فقد درس العلماء السلوك الاغتذائي لعشب زاحف اسمه الجليشوما Glechoma ؛ فعند وجود هذه الأعشاب في تربة جيدة، تنمو لها المزيد من الأغصان والبراعم والأوراق، كما تكوِّن تكتلات من الجذور بسرعة أكبر لتستغل الرقعة المحيطة بها بالكامل. ولكن عند وجودها في منطقة قاحلة ، فهي تنتشر لمسافة أبعد وبسرعة أكبر ، كما لو كانت تهرب ، كما تكون سيقانها الأرضية rhizomes أرفع بصورة عامة، كما تنمو لها أعداد أقل من الفروع.

ويعني هذا أن البراعم الجديدة تنمو بعيدا عن النبات الأصلي وتبحث بنشاط عن رقع جديدة غنية بالموارد اللازمة لها، كما أن مقدار النمو لا يرتبط فقط بالجودة المطلقة لرقعة الأرض الموجود فيها النبات، بل بمدى جودتها بالنسبة للتربة المحيطة بها. وليس هذا كل شيء، بل إن التجارب أظهرت أن النباتات التي تنتمي لفصيلة واحدة يمكنها أن تستشعر وجود جذور النباتات المنافسة ، ومن ثم تتوجه لمناطق أخرى- حتى ولو كان لا يزال هناك الكثير من الغذاء في المنطقة الأصلية!

ومن بين الأمثلة الدالة على مرونة وبصيرة النباتات ، استراتيجية الاغتذاء المدهشة للنبات الطفيلي المسمى بالهالوك dodder ، والذي درسته في أوائل التسعينات من القرن العشرين كولين كيلين والتي تعمل حاليا في جامعة ساوثهامبتون البريطانية، فالهالوك لا يعتمد في تغذيته على عملية التخليق (البناء) الضوئي photosynthesis كغيره من النباتات، لكنه يقوم بدلا من ذلك بالالتفاف حول النبات "المضيف" ، مخترقا جذره لامتصاص المواد المغذية والماء. ويرى الباحثون أن ذكاء هذا الطفيلي يتمثل في توقع كم الطاقة التي سينتجها النبات المضيف، وتحديد مدى الجهد اللازم لاستغلال هذه الطاقة.

ويستغرق الأمر نحو أربعة أيام قبل أن يبدأ الهالوك في سحب أية مغذيات ، لكن قبل ذلك بوقت طويل يكون الطفيلي قد توقع بصورة ما كيف سيكون مدى خصب النبات المضيف، وبالتالي تنمو له وفقا لذلك جذور أقل أو أكثر تلتف حول المضيف. وتؤدي المزيد من الجذور إلى نمو عدد أكبر من البراعم ومن ثم قدر أكبر من الاستغلال، لكن إذا كان النبات المضيف ضعيفا، فسيكون ظهور عدد كبير من البراعم مضيعة لطاقة الهالوك. وقد أظهرت أبحاث كيلي أن استراتيجيات الاغتذاء لنبات الهالوك تتوافق مع جميع النماذج الرياضية التي وضعت لتفسير اقتصاديات الاغتذاء الحيواني animal foraging، والتي تصف متي يجب عليك أن تأكل، ومتى يتوجب عليك التحرك، اعتمادا على جودة الرقعة التي يوجد فيها النبات ، وجودة الرقع المجاورة الأخرى. قد لا يكون الهالوك هو أكثر الضواري النباتية دهاء، ولكن فيما يتعلق بسلوكه الاغتذائي، فيمكنه إجراء الحسابات مثله مثل أي حيوان.

ويتمثل الدليل الرئيسي في نظر أصحاب نظرية الذكاء النباتي في أنها تظهر مرونة بارعة في استجاباتها، بمعنى أنها تكون متغيرة بصورة تكيفية ، وليست مجرد متكيفة فقط. ولكل نبات تفرده وخصوصيته، فليست هناك بذرتين تنتجان نبتتين متطابقتين تماما، حتى لو كانتا متماثلتين وراثيا وتمت زراعتهما تحت ظروف متشابهة ظاهريا، أضف إلى ذلك استجابتها لأكثر من 15 نوعا مختلفا من الإشارات الحسية- بما فيها الضوء، والمواد الكيماوية، والماء، والجاذبية، ونوع التربة، والأذى- والتي يتم دمجها والمقارنة بينها بحيث تعتمد كل استجابة على مزيج معقد من العوامل… من الواضح أن النباتات تتمتع بمرونة عالية بالفعل!

ومثلما يحدث في جهاز عصبي بسيط (لحيوان بدائي ، على سبيل المثال)، تمتلك أنظمة الإشارات النباتية هذه إمكانيتي إجراء الحسابات والتعلم. وكما أشار إليه تشارلز داروين منذ أكثر من 100 سنة:"من عدة جوانب، يبدو أن الضوء يؤثر على النباتات بنفس الطريقة تقريبا التي يؤثر بها على الحيوانات بواسطة الجهاز العصبي". لكن الأمر احتاج التوصل إلى تقنيات البيولوجيا الجزيئية الحديثة لإظهار مدى التشابه بين الأجهزة العصبية للحيوانات وبين أنظمة الإشارات الحسية في النبات.

وتستخدم النباتات التغيرات الحادثة في الفولطية voltage عبر أغشيتها الخلوية لإرسال إشارات كهربية من منطقة إلى أخرى ، بصورة تشبه جهود الفعل Action potentials التي تنتقل عبر أعصابنا نحن البشر. ومثلما يحدث في الإشارات الناقلة للألم في الإنسان، يمكن لجهود الفعل هذه إرسال إشارات مفادها أن جزءا من النبات قد تأذى. وكثير من المواد الكيميائية التي تستخدم لنقل الإشارات داخل وبين الخلايا النباتية تشبه تماما تلك المستخدمة في معالجة المعلومات داخل وبين الخلايا العصبية في المخ البشري. وتستجيب كل من الخلايا الحيوانية والنباتية للبروتينات، والأحماض النووية، والأيونات ، والهرمونات، والجلوتامات، والكالسيوم، والنوكليوتيدات الحلقية ، وإنزيمات كيناز البروتين – وهي لغة معقدة للإشارات تتشاركها مملكتان مختلفتان تماما من الكائنات الحية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأسس الجزيئية لعمليات التعلم والذاكرة متشابهة أيضا؛ فعندما تتعلم الحيوانات أن تهرب بسرعة أكبر من تهديد متكرر، مثل طعام أصابها بالمرض من قبل، أو سياج مكهرب يفاجئها بين الحين والآخر، تزداد سرعة وحجم الإشارة الكهربية في خلال دقائق معدودة. وهناك منظومة تستخدم أيونات الكالسيوم ، ومواد كيميائية تسمى المراسيل الثانية ، بالإضافة إلى عدد قليل من الإنزيمات التي تجعل القنوات الأيونية ion channels التي تنقل الإشارات الهربية، أكثر استجابة لترة مؤقتة… أما إذا ظل التهديد قائما، تصبح حالة الانتباه المؤقتة أمرا مستديما عن طريق تغيير عمليات التعبير الجيني gene expression وبناء البروتينات لصنع المزيد من القنوات الأيونية أو المزيد من الاتصالات بين الخلوية. وعندما يستشعر النبات نقصا في الماء مثلا، تقوم نفس جزيئات الإشارات بتوجيهه لصنع المزيد من القنوات الحساسة للمساعدة في التحكم في التحكم في كمية المياه الموجودة في خلاياه. وعلى المدى البعيد، تتغير معدلات التعبير الجيني وتخليق البروتين، وتزداد سماكة جدر الخلايا ويتضاءل حجم أوراق النبات، وفي النهاية ينمو للنبات عدد أكبر من الجذور، وعدد أقل من البراعم والأوراق.

ويرى الباحثون أن النباتات تتعلم بطريق المحاولة والخطأ عند حدوث تغيرات كافية، بحيث يتم تقليل تعرض النبات للمزيد من الكرب والأذى إلى الحد الأدنى. ويقوم النبات أيضا بتعديل استراتيجياته المتعلقة بالاستجابة للإشارات البيئية الأخرى، مثل المغذيات ودرجة الحرارة والرطوبة، وتلك العوامل المتعلقة بتاريخ النبات ذاته؛ مثل عمره، والأمراض التي تعرض لها سابقا، وهكذا.

وفي هذا النمط الضئيل جدا من أنظمة الإشارات الكهربية ، يرى تريوافاس موضع "الدماغ" الحقيقي للنبات؛ ففي النباتات- مثلها في ذلك مثل الحيوانات- تعد أيونات الكالسيوم هي الوسيط الرئيسي لتحويل المعلومات الحسية إلى لغة داخلية مشتركة يمكن دمج الإشارات المختلفة فيها. ويمكن لأية إشارة حسية يلتقطها النبات أن تسبب ارتفاعا مؤقتا في مستويات الكالسيوم ، وقد وجد العلماء أيضا أن الارتفاع الطفيف في مستويات الكالسيوم يحدث بعد فترات زمنية تتباين قليلا اعتمادا على نوع الإشارة الحسية التي تم استقبالها، مما يساعد النبات على التفريق بين الأحاسيس المختلفة. وربما كانت منظومة الكالسيوم هذه في المكان الذي تتم فيه عمليات الحوسبة واتخاذ القرارات، ومن ثم تخزين الذكريات الخاصة بالنبات.

وقد أظهرت التجارب أن أيونات الكالسيوم لا تبتعد كثيرا عن بعضها البعض، فهي تنتشر لمسافة قصيرة فقط من مخازن معينة داخل الخلايا عبر قنوات الكالسيوم الموجودة في الغشاء الخلوي المحيط بها ، ولكن عندما ترتبط بمجموعة متنوعة من المواد الكيميائية والإنزيمات الأخرى ، يمكنها أن تشجع قنوات الكالسيوم المجاورة على أن تفتح ، مما يسمح في النهاية بنقل الإشارات عبر مسافات أكبر بكثير، ولكن عبر خطوات عديدة، مما يسمح بقدر هائل من المرونة والتعقيد.

وتشبه كل من هذه القنوات ، بشكل أو بآخر، العقدة الموجودة في الشبكات العصبية؛ وكل منها عبارة عن مفتاح switch ، لكنه مفتاح يمكن التحكم بسهولة فتحه . تمر الإشارات عبر سبل معينة مكونة من هذه المفاتيح ، والتي يتم الربط بينها بفعالية بواسطة توزعها على الغشاء الخلوي، وتوجه المفاتيح اتجاه مرور المعلومات عبر سبل محددة ، ويمكن ضبطها للسماح بمرور، أو لمنع ، الإشارات التي تصل في الوقت نفسه، تماما مثل منطق "و" ، و"أو" المستخدم في دوائر الكمبيوتر. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تصبح أكثر أو أقل حساسية بناء على الإشارات السابقة التي مرت عبرها. وقد أظهرت التجارب التي أجريت في جامعة إدنبره إمكانية دمج مصادر مختلفة للمعلومات ، وتصنيفها حسب الأولوية أو الأهمية، أو حتى تجاهلها. وعلى نطاق أوسع، يمكن تنسيق تحركات الكالسيوم عبر الشبكة في صورة موجات أو ذبذبات، تماما مثلما يحدث في الشبكات العصبية neural networks.

من الواضح أن ما تفعله النباتات معقد وذكي بصورة مدهشة ، وأن هناك الكثير لنتعلمه عن سلوكها، ولكن هل يمكن لتحركات أيونات الكالسيوم داخل خلايا النبات أن تنتج ذكاء حقيقيا؟ وللإجابة على هذا السؤال، يشير رولف فايفر، وهو باحث في الذكاء الاصطناعي بجامعة زيوريخ السويسرية، ومؤلف كتاب "فهم الذكاء" ، إلى أن هناك الكثير من الطرق لتعريف الذكاء، ويمكن تطبيق إحداها بصورة معقولة تماما على نظرية جامعة إدنبره التي تحدثنا عنها، لكن هناك العديد من التعريفات الأخرى؛ على سبيل المثال، القدرة على المحادثة بطريقة البشر! وفي نهاية الأمر، يقول فايفر أنه يصبح من العبث محاولة تعريف الذكاء وتقرير أية سلوكيات يتوجب علينا أن نسميها "ذكية" ، وأيها ينطبق عليها العكس؛ وما يستحق الاهتمام هو أن نأخذ سلوكيات بعينها ومن ثم نحاول استكشاف كيفية عملها.

وهناك علماء آخرون من المتشككين في تعريف علماء إدنبره للذكاء، فهم يرون أنه يبدو معقولا ، لكن لماذا نتوقف عند النباتات؟ فخلية وحيدة مثل الأميبا تتخذ بدورها قرارات "ذكية" في بيئتها الطبيعية؛ كما تستجيب الخلايا المنفردة في أجسامنا بطريقة "ذكية" للعديد من العوامل- الكهربية، والكيميائية، واللمسية، وغيرها- من أجل أن تنمو وتتمايز diffrentiate بطريقة متناسقة. فإذا نظرنا إلى الذكاء كمجرد طريقة للاستجابة لمنبهات معقدة بطريقة تحافظ على بقاء الكائن الحي، فسيكون هذا تعريفا واسع الانتشار بالفعل.

لكن عندما يخلع باحث ما على النباتات صفة الذكاء، فهو لا يقصد الترويج والدعاية لعلم النبات، لكنه يهدف لتوضيح أن البشر قد أغفلوا ذلك القدر الهائل من التعقيد الموجود في الطريقة التي تدرك بها النباتات العالم المحيط بها وتستجيب له. وإذا كان استخدام مصطلح "الذكاء" سيثير جدالا أو خلافا حول مدى تعقيد النباتات ، فهو أفضل لفهمنا النهائي للموضوع!

وتشير حقيقة أن 99% من الكتلة الحيوية biomass لكوكب الأرض تتكون من النباتات ، إلى أنها جيدة تماما في التعامل مع بيئتها المحلية. ويعتقد الباحثون أنه من الجدير بالإعجاب أن ننظر إلى الطريقة التي تجري بها النباتات حساباتها حول بيئتها على أساس كامل النبات دون أن تكون متمتعة بميزة المخ. وحتى لو كان ذلك لا ينطوي على ذكاء، فمن الواضح أن ما تفعله النباتات هو الصواب. وقد يدفعنا ذلك لإعادة التفكير حول نوع التعقيد وكم الحسابات الذي يمكن لأجسامنا نحن أن تقوم به، حتى دون مساعدة من الجهاز العصبي المركزي!

نحن لا زلنا في بدايات التعرف على ذلك التنوع الرائع للاستجابات النباتية ، لكننا لم مجدها سوى في البرية ؛ فعندما يكون هناك تنوع حقيقي في البيئة – وليس مجرد الشروط الإحصائية المبسطة للدفيئات greenhouses- عندها فقط ستكشف السلوكيات الذكية حقا عن نفسها… وعلينا أن نتذكر أن آخر مكان يمكننا العثور فيه على الذكاء هو المختبر…

[[ملف:|تصغير|يسار|إطار رقم (1): هل يشعر النبات بالألم؟ ]]

يمثل هذا سؤال محيرا…ليس فقط لأننا لا نعلم الكثير عن النباتات ، بل والأهم من ذلك أن الأمر يتطلب مناقشة فلسفية لماهية وتعريف الألم، وما إن كانت جميع الحيوانات تستشعر الألأم بنفس الطريقة، إلخ… ولكن للتيسير على القارئ، سنعرّف الألم- مبدئيا- على أنه "استجابة لضغط (كرب stress) فيزيائي تهدف لتقليل هذا الضغط". وسنستخدم هذا التعريف لأنه برغم أن "الألأم" يعني أشياء كثيرة جدا بالنسبة لنا، إلا أنه يعمل عموما "كإنذار" للجسم للابتعاد عن الخطر، مثلما يحدث عندما يقع ماء مغلي على ذراعك اليمنى- حيث يؤدي الشعور بالألم لإبعاد الذراع المتعرض للمؤثر المؤلم، وهو الماء الساخن في هذه الحالة. وبالتالي يمكننا التعرف على أن الألم- على مستوى أولي- يهدف لتقليل الضغوط.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن النباتات تمتلك استجابات خاصة للضغوط ، فعند قطع إحدى أوراق نبات ما، على سبيل المثال، يتم إفراز مادة كيميائية تسمى الإثيلين (أحد الهيدروكربونات البسيطة) في صورة غاز ينتشر على جميع أجزاء سطح النبات. ولا يحفز إفراز هذا الغاز تضرر النبات فقط، بل وتحلله أيضا – فالنبات المتعفن يفرز كميات كبيرة من الإثيلين أيضا.

لكن لماذا نعتبر هذا استجابة للألم؟ …لأن إفراز الإثيلين هذا يتحكم في استجابة النبات للضغوط، مثلما يفعل فرط نمو الخلايا. ويمثل ذلك إشارة للنبات لكي يقوم باتخاذ الخطوات المناسبة لتقليل الضغط. ولذلك فإن هذا التعريف يشبه كثيرا تعريف الألم الذي ذكرناه للتو.

والأكثر من ذلك أن العلماء الذين درسوا درسوا هذه الاستجابة لديهم طريقة غريبة للتعرف على وجود الإثيلين – عن طريق "الاستماع" إليه؛ فقد قاموا باحتجاز الغاز في غرف زجاجية صغيرة وقذفوه بأشعة الليزر، والتي تردد صداها بفعل جزيئات الغاز، وانبعثت منها أصوات ذات ترددات معينة. وعند رؤية هذا التأثير، سرعان ما كان العلماء والصحفيون يطلقون على هذه الأصوات اسم "الصرخات" – وفجأة، بدت استجابة النبات لتعرضه للأذى أقرب ما تكون للألم كما نعرفه!

وباختصار، فعلى مستوى بسيط للغاية- ومع إغفال "مشاعر" الألم- يمكننا القول بأن النباتات تمتلك أنظمة واستجابات "تبدو" كالألم؛ فمن الصعب ، في واقع الأمر، أن نسميها ألما، إذ أن الألم ينطوي على أكثر من ذلك بكثير.

[[ملف:|تصغير|يسار|إطار رقم (2): هل يمكن للنباتات أن تقرأ أفكارك؟ ]]

يعمل كليڤ باكستر Cleve Backster منذ أكثر من 20 عاما كخبير على أجهزة اكتشاف الكذب ، كما أنه عمل لحساب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA).

وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة، شعر بالملل بعد تركيز طويل في قراءة وتفسير مخططات جهاز كشف الكذب، فنظر إلى النبات الموجود في إحدى زوايا مكتبه ، وهنا خطرت في ذهنه فكرة استخدام إلكترودات (مساري electrodes) المقاومة الكهربية ( والتي تستخدم في البشر لاكتشاف العَرَق عن طريق قياس مقاومة الجلد بفعل الماء المحتوى في العرق، والذي يزيد إفرازه عندما يتعرض الإنسان للتوتر) لقياس معدل جريان الماء إلى أوراق النبات.

قام باكستر بتثبيت إلكترودين على أحد الأوراق السميكة للنبات بواسطة شريط من المطاط، ثم صبّ الماء في الأصيص الذي ينمو فيه النبات ، وتتبع حركة القلم على مخطط جهاز كشف الكذب ، فماذا وجد؟…اكتشف أن الاهتزاز أقل من المعدل الطبيعي- وليس أكثر كما توقع أن يكون بسبب زيادة كمية الماء المتوفرة للنبات، لكنه وجد أن ذلك المخطط يماثل تماما ذلك الذي نحصل عليه من إنسان يحس استثارة عاطفية لطيفة (سعادة؟!).

فكّر باكستر بعد ذلك في أنه إذا آذى النبات ، فقد يجد استجابة على المخطط تشبه تلك الاستجابة الانفعالية الحادة كالخوف أو القلق في البشر؛ فوضع إحدى أوراق النبات في كوب القهوة الساخن الذي كان يحتسيه، لكن المخطط لم يظهر شيئا غريبا لمدة تسع دقائق، ففكّر – فقط فكّر- في حرق أحد جانبي ورقة النبات المثبت عليها الإلكترودين ، فظهر تغير كبير مفاجئ في الذبذبات ، كما لو أن ذلك النبات قرأ أفكاره! … فما حدث أنه عندما أحرق ورقة النبات بالفعل، لم تكن هناك استجابة بحجم تلك التي ظهرت عندما فكر فقط في أذاه… وقام باكستر بعد ذلك بتكرار التجربة للتأكد من صحتها ، كما أجريت عشرات الأبحاث على غرار تلك التجربة، وأكد معظمها صحة ذلك "الحدس" النباتي، فبم نفسر ذلك سوى بأن نقول "سبحان الله رب العالمين".

[[ملف:|تصغير|يسار|الإطار رقم (3): ذكاء النبات… الوجه الآخر!]]

يرى بعض الباحثين أن "ذكاء النبات" يمكن دحضه علميا ؛ فقد يحدث بعض الإرباك عندما نحاول وصف الحياة النباتية أو الحيوانية بنفس المصطلحات التي نستخدمها لوصف الحياة في البشر. ومن هذا المنطلق، يرى البعض أن الإجابة عن سؤال "هل تمتلك النباتات مشاعر وأحاسيس؟" ، تتمثل في تعريف الكلمات المستخدمة في السؤال تحديدا دقيقا- فبرغم أنه من المشكوك فيه أن تكون مشاعر النباتات شبيهة بتلك التي نعالجها نحن البشر ، كما أنه من الثابت علميا أنها لا تمتلك جهازا عصبيا مثل الحيوانات، إلا أنها تستجيب في الوقت نفسه ، وتسمى هذه الاستجابات بالتوجهات tropisms.

فعلى سبيل المثال، تنزع النباتات للنمو بحيث تواجه مصدر الضوء، فهل يعني هذا أنها تخشى الظلام؟ … بالطبع لا! لكن هذا يتم بفعل هرمونات نباتية تسمى الأوكسينات auxins ، وهي مواد كيميائية محفزة للنمو تتركز في الجانب المظلم من النبات، مما يؤدي بالتالي إلى نمو هذا الجزء بسرعة أكبر من ذلك المواجه للضوء.

وكذلك تستجيب النباتات للإصابة عند "جرحها" ، فيزداد معدل تنفسها تماما كما يحدث عندما يصاب الإنسان بجرح. لكن هذه الزيادة ناتجة عن زيادة استهلاك الموارد الغذائية المختزنة ، في محاولة من النبات لإصلاح التلف الحادث أو نمو خلايا جديدة ؛ فإذا كانت الإصابة شديدة للغاية ، تضطرب الاستجابات الفيزيولوجية للتحويل الغذائي، وبالتالي يموت النبات.

وقد أظهرت الدراسات أن نباتات مثل الطماطم "تجهض" صغارها! وبرغم أن هذه الإجهاضات تحدث نتجية للضغوط التي يتعرض لها النبات، إلا أن هذه الضغوط فيزيولوجية وليست انفعالية؛ فحالات الإجهاض في النباتات المثمرة، على سبيل المثال، تمثل آلية دفاعية تضمن للنبات الحصول على قدر كاف من الماء والمغذيات يمكنه من إنماء عدد قليل من الثمار، عوضا عن محاولة إنضاج جميع ثماره، مما قد يتسبب في فقدها جميعا؛ فعملية نمو الثمار تستهلك قدرا كبيرا من الماء. ونتيجة للنقص في الموارد المائية للنبات بسبب الجفاف مثلا، يتقلص نمو النبات وبالتالي ينخفض عدد الثمار التي ينتجها… وهكذا ، يرى مؤيدو وجهة النظر هذه أن الغالبية العظمى من الاستجابات النباتية ما هي إلا تأثيرات مباشرة لتفاعلات كيميائية تتم داخل وحول النبات!

وهناك مثال أخير هنا، وهو أن ثمرة الطماطم – على سبيل المثال- تبقى حية حتى بعد جنيها، والدليل على ذلك قدرتها على تغيير لونها من الأخضر إلى الأحمر. فإذا كانت في حالة من "الهلع" نتيجة للصدمة المصاحبة لقطفها والخوف من أن تؤكل، فلابد أنها كانت سترفض الاستمرار في النمو بعد جنيها؛ فكان المتوقع في هذه الحالة أن تنكمش وتموت- مثلما يكون رد الفعل البشري في كثير من الأحيان- لكن الواقع أن ذلك لا يحدث في عالم النبات… ألأنها لا تشعر، أم لأنها تشعر بطريقة مختلفة؟… من يدري…

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً


مراجع

  • Baluška F, Mancuso S (ed) (2009) Signalling in Plants. Springer Verlag
  • Baluška F (ed) (2009) Plant-Environment Interactions: From Sensory Plant Biology to Active Plant Behavior. Springer Verlag
  • Brenner E, Stahlberg R, Mancuso S, Vivanco J, Baluška F, Van Volkenburgh E (2006) Plant neurobiology: an integrated view of plant signaling. Trends Plant Sci 11: 413-419
  • Gilroy S, Masson PH (2007) Plant Tropisms. Iowa State University Press
  • Karban R (2008) Plant behaviour and communication. Ecol Lett 11: 727-739
  • Mancuso S, Shabala S (2006) Rhythms in Plants. Springer Verlag
  • Scott P (2008) Physiology and Behaviour of Plants. John Willey & Sons Ltd
  • Trewavas A (2005) Plant intelligence. Naturwissenschaften 92: 401-413
  • Trewavas A (2009) What is plant behaviour? Plant Cell Environm 32: 606-616
  • Volkov AG (2006) Plant Electrophysiology. Springer Verlag

وصلات خارجية

  • Keen, Noel T (2001). Delivery and Perception of Pathogen Signals in Plants. APS Press. p. 268. ISBN 0-89054-259-7. {{cite book}}: Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Taiz, Lincoln; Eduardo Zeiger (2002). "Plant Physiology Online". a companion to Plant Physiology, Third Edition. Sinauer Associates. Archived from the original on 7 December 2006. Retrieved 2006-12-26.

قالب:Physiology types