ابن المقرب العيوني

ابن المُقَرَّب العُيوني (572 ـ 630هـ/ 1176 ـ 1232م) أحد الشعراء المشاهير في العصر العباسي الثاني، من شعراء الدولة العيونية.

هو علي بن المُقَرَّب بن منصور بن المقرب ابن الحسن، كمال الدين، (وقيل: موفق الدين، وجمال الدين، ومهذب الدين، ونور الدين،)، أبو عبد الله (وقيل: أبو الحسن، وأبو المنصور، وأبو القاسم)، الربعي؛ نسبةً إلى جذوره القبلية في بني ربيعة، لأن نسبه يعود إلى قبيلة بكر بن وائل الربعية، البحراني؛ نسبة إلى البحرين موطنه، (والبحرين قديماً تعني مناطق الساحل الشرقي للخليج العربي، لا دولة البحرين المعروفة اليوم)، العُيوني؛ نسبة إلى (العُيون) جمع (عين)، وهي محلة في الأحساء شمالاً، من مناطق البحرين، الأحسائي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

ولد في العيون من البحرين، ونشأ وترعرع فيها، في بيئة دينية أثرت في أخلاقه وسيرة حياته. وعاش في ظل الدولة العيونية التي حكمت مناطق الأحساء في وقت كانت فيه الخلافة العباسية ضعيفة تحتضر في آخر أيامها. سجنه أمير الأحساء محمد بن علي ابن عبد الله، وصادر أملاكه ظلماً، فارتحل إلى بغداد بعدما خرج من سجنه، عاد إلى موطنه، ثم توجه قاصداً ديار بكر يريد لقاء الملك الأشرف بن العادل، فأُخبِر أن الأشرف نهض إلى دمياط لملاقاة الإفرنج، فنزل إلى الموصل ومدح واليها، ثم عاد إلى الأحساء، كما ارتحل إلى القطيف، وكان يحدّث الناس بشعره حيثما حل، ويتغنى بمسقط رأسه شوقاً وحنيناً.

مدح عدداً من الخلفاء العباسيين، منهم الناصر لدين الله، والظاهر، والمستنصر بالله، والسلطان بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، ومما قاله في لؤلؤ:

حُطّوا الرحال فقد أودى بها الرِّحَلُ       ما كُلّفت سيرَها خيلٌ ولا إبل
بلغتم الغايـة القصوى فحسبكـمُ هذا الذي بِعُلاَه يُضرَبُ المَثَـلُ


وقد كان لتنقله وارتحاله ومقابلة العلماء والأدباء، ومواظبته على الأخذ عن العلماء، أثر في اكتساب قدر كبير من العلم والمعرفة، ظهرت آثاره في شعره، فقد بدا «عالماً بالأنساب والأيام، وحوادث التاريخ، وتفاصيل الدولة العيونية، ملماً بعلم الفلك، عارفاً بمشاهير الرجال ممن يمثلون علامات ورموزاً لأمتنا في الشجاعة والمروءة والعدل والكرم والزهد والتصوف والبلاغة والفصاحة».

جاء في مقدمة ديوانه أنه تمتع بشرف «البيت، وجميل الأحدوثة والصيت، وكرم النفس المتوافر، ونزاهتها ومجدها المتكاثر، والتمسك بالدين والعفاف، وحسن الخلق والإنصاف، فلم يقصر عن الكمال بفوت فضيلة، ولا دنّس عرضه بارتكاب رذيلة، بل كمُل فضلاً وخلقاً، وأخذ من كل نفيس حظاً وحقاً، ومع ذلك فقد نظم بدائع الكلم؛ قبل بلوغ أوان الحلم، وبرّز على الكهول في الشعر؛ ولم يزد سنه على عشر، ولم يخرج منه القريض لاكتساب مال، أو لفاقةٍ ورثاثة حال». توفي ابن المقرب في البلدة التي ولد فيها.

وكان شاعراً مجيداً محسناً، من فحول الشعراء، مليح معاني الشعر، جزل الألفاظ، فصيح العبارة، «أحد الشعراء الموصوفين المشاهير. أقر بالحذق له أئمة العراق من ذوي الأدب والعلم، ومذهبه في الشعر مذهب الشعراء المتقدمين في جزالة الألفاظ وإبداع المعاني».

وقالوا فيه: «فريد دهره، وهو المتقدم على متقدمي عصره، حسن السبك في شعره، جزل الألفاظ في كلمه، كثير الأمثال في نظمه، ولم يتكسب بالشعر لعطايا، ولم يمتدح ذا ثروة في البرايا، وإنما كان مديحه أكثره في أهل بيته وعشيرته وهم ملوك البحرين».

ولشعر ابن المقرب قيمة تاريخية «تتمثل في حفظه تاريخ الأسرة العيونية التي حكمت إقليم الإحساء والقطيف وهجر والبحرين أكثر من قرن ونصف القرن» وأغفلت معظم كتب التاريخ أخبارها. ومن شعره:

ومبدية تيهـاً عليّ وقـد رأت       بياضاً برأسي قد بدا منه ريعان
فقلت لها لا يا بنة القوم إنّنـي أعِزُّ إذا ذَلّـت كهـولٌ وشبـّانُ
وإني لمِـنْ قَـوْمٍ أباةٍ أعـزّة مصاليت ما خاموا قديماً ولا خانوا
لي النسبُ الوضّاح قد علمَت به معـدٌّ إذا عُـدّ الفخـار وعدنان


وديوان ابن المقرب من الدواوين الكبيرة، وله شهرة قديماً وحديثا، وقد طُبع ست طبعات، آخرها في الكويت، صدر عن مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري.


للاستزادة